الاثنين، 29 سبتمبر 2025

من كتابنا رقم 15 آراء جديدة، نسخة ورقية، 2009

 

إن مجال الأحكام والأوصاف الشرعية هو ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأقوال اختيارية كاستجابة أو كرد فعل للأوامر الشرعية، وتلك الأحكام والأوصاف تشير إلى طبيعة الآثار المترتبة على الفعل والتي ستلحق بالكيان الإنساني، ذلك لأن كل حكم يتجسد في صورة سنة كونية تربط الفعل الإنساني الاختياري بآثاره اللازمة.

------------

إن ما يفعله الله هو مقتضي سماته التي هي عين الحسن والكمال المطلق، وما يراه الناس مما يعتبرونه شرا أو نقصا على أي مستوى من المستويات هو من لوازم أصلهم العدمي، فلا يمكن أن يكون لإنسان مثلا الخلد ولو كان نبيا مرسلا مقربا، ذلك لأنه لم يكن أبدا مستقلا بالوجود أو بالكينونة، بل إن كل ما لديه من صفات الكمال هي من آثار الكمال الإلهي المطلق، فكل ما سوى الله محدود مقيد.

ولا يجوز أن يقال إنه يجب على الله أن يفعل كذا أو أن يراعي كذا، فليس لمخلوق مقيد أن يتطاول على مقام الألوهية أو أن يرشد من له الحسن والكمال المطلق إلى ما يجب عمله، والمخلوق المقيد ليس له من العلم أو الحكمة ما هو لمن له الكمال المطلق، لذلك فلا يمكن أن يحيط عقل الإنسان بالأحكام على الأشياء ولا أن يهتدي بالضرورة إلى الحكم الشرعي عليها، ولقد كانت أقوام هود وصالح ولوط وشعيب على قناعة تامة بأن ما يقترفونه هو الصواب، قال تعالى ذاكرا موقفهم من شعيب: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ }هود87.

فالحكم الشرعي يكشف للناس عن حقيقة أفعالهم وعن عواقبها، والناس متفاوتون في عقولهم، وقد يهتدي بعض عقلائهم قبل إرسال الرسل إلى إدراك حقيقة أفعالهم فيدفعهم ذلك إلى الانتهاء بمحض اختيارهم عنها.

فالحكم على الفعل الإنساني الاختياري بالحسن أو بالقبح هو تابع لأثره على الكيانات الإنسانية، ولكن الكيان الإنساني ولو كان كيان فرد واحد هو غاية في التعقيد، فله كيانه المادي الظاهر وله كيانه النفسي كما أن له كيانه الجوهري الباطن، واكتشاف هذا الأثر هو كأي اكتشاف علمي آخر، وإذا كان الإنسان لم يدرك بعض آثار أفعاله على كيانه المادي والنفسي إلا حديثا فكيف كان من الممكن أن يستقل وحده بإدراك آثارها على كيانه الجوهري، ولذلك كان إرسال الرسل رحمة للعالمين.

لذلك فكل ما يعني الإنسان من موضوع حسن وقبح الأفعال أن يعرف ما يلي:

1-            الحكم على الفعل يتحدد بأثره على الكيانات الإنسانية سواء أكانت كيانات فرد واحد أو الكيانات التي يشكل هذا الفرد عنصرا من عناصرها.

2-            هذا الحكم هو أمر لازم للفعل قبل إرسال الرسل وستترتب عليه آثاره المادية والنفسية وفقا للسنن الكونية حتى ولو لم يرسل إليهم رسول، ولكنهم لن يعذبوا عليه في الآخرة.

3-            قد يهتدي بعض العقلاء الأفاضل إلى حقيقة الفعل قبل إرسال الرسل، فالناس متفاوتون في عقولهم.

4-            إرسال الرسول يكشف للناس عن حقيقة الفعل ويدعوهم بناءً على ذلك إلى الكف عنه إذا كان ضارا على كيانهم، فمن آمن والتزم فقد نجا أما من أبى وتمرد وعاند فسيعذب في الدنيا والآخرة.

5-            الإعلان عن الحكم الشرعي يترتب عليه تعين آثار جديدة تترتب على مدى ونوعية استجابة الإنسان للفعل ويكون محلها كيانه الجوهري، وهي التي بناءً عليها سيتحدد الثواب والعقاب الأخروي.

------------

إن جل ما ذكره الأشاعرة بخصوص قضية حسن أو قبح الأشياء أو بخصوص موضوع السببية هو سفسطة وتلفيق ومغالطات، ولقد تفننوا في استغلال أخطاء المعتزلة في التعبير عن نظريات أصح من نظرياتهم، ولو تحلى المعتزلة بشيء من التقوى والعمل بالدين لتأدبوا مع ربهم ولما أتاحوا المجال للأشاعرة ومن بعدهم السلفية ليشهروا بهم.

------------

نفى الأشاعرة دخول العقل في مجال تحسين الفعل أو تقبيحه وجوزوا أن يأمر الشرع بشيء من القبائح كالكذب مثلا فيكون حسنا بذلك، كما جوزوا أن ينهى الشرع عن شيء من البر فيكون قبيحا بذلك، أما المعتزلة فجعلوا الحسن والقبح من الصفات الذاتية اللازمة للفعل والتي يمكن أن تعرف بالعقل، ويكون الشرع كاشفا لها دون أن يكون سببا لشيء منها، وقال بعض السلفية إن العقل الصحيح لا يمكن أن يعارض الشرع لأن الشرع جاء بما يوافقه، والحق هو أن كل الطوائف لم تقدم تعريفا لهذا العقل ولا تعريفا للعقل الصحيح، وربما لو طلب من السلفية تعريف العقل الصحيح لقالوا هو المؤمن بالشرع، والحق هو أن حسن أو قبح الفعل يقاس بنوعية أثره على كيانات الإنسان، أما وجود الحكم الشرعي فهو يرتب آثارا إضافية في نفس الاتجاه الأصلي لأثر الفعل، فهو لا يغير من نوعية الأثر وإنما يضاعف من درجته، ولا يجوز للأشعرية التعلل بأحكام الاضطرار، والاضطرار ينجي المضطر من الأثر الإضافي للفعل المترتب على الحكم الشرعي ولكنه لا يغير الحكم الشرعي ولا ينجي الإنسان من آثار الفعل الأصلية، فالمضطر إلى أكل لحم الخنزير لن يضار على مستوى كيانه الجوهري ولكن سيتضرر كيانه المادي، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يضطر مثلا إلى أكل الميتة أو تعاطي الخمر؛ فالإنسان هاهنا يتحمل ضررا أصغر ليدرأ عن نفسه ضررا أكبر.

والشرع يتضمن ما ينفع الإنسان وما فيه مصلحته على كافة المستويات في الدنيا والآخرة، أما ما لدى الإنسان من عقل أو قدرة على الحكم على الأمور فهو محصلة ما لديه من معلومات ومعارف وإمكانات، وكلها أمور محدودة مقيدة، وفي الغرب مثلا فإن جل ذوي العقول الفذة منهم يرون في إنفاق الوقت أو الجهد في أمور العبادة إهدارا للموارد واشتغالا بما لا يجدي، وثمة أناس لديهم من (العقل) ما يجعلهم يرون أن الصيام مثلا يؤثر على كفاءة الإنسان الإنتاجية، وأنه يمكن الانتفاع بالوقت المخصص للصلاة فيما هو أجدى وأنفع من وجهة نظرهم.

فالشرع هو وسيلة للكشف عن كثير من المعلومات اللازمة للإنسان وكذلك عن كثير من السلوكيات والمناهج والسنن التي باتباعها والحرص عليها تتحقق للإنسان مصالحه في الدنيا والآخرة، والإنسان الحريص على العمل بمقتضى الأوامر الشرعية يتوافق مع قوانين وسنن كونية قد لا يعلمها ولكنه ينتفع بعمله، فمثله كمثل من يتناول غذاءً مشبعا بالعناصر المفيدة دون أن يعرف لها اسما، ولكن هذا لا يمنعه من الانتفاع بها، ولقد ظل الإنسان لآلاف السنين يتعاطى الأغذية وينتفع بها وهو يجهل العناصر الداخلة في تركيب غذائه كما يجهل الأثر الخاص بكل عنصر على حدة، ولم يهتد عقله إلا حديثا إلى تلك المعرفة، وكان ذلك بعد حدوث تلك الطفرات العلمية الحديثة، وبالمثل قد بدأ بعض الناس الآن يدركون بطريقة علمية منهجية مضبوطة الآثار النافعة لشتى ضروب العبادات.

------------

إنه كما ترتبط الظواهر الكونية مع بعضها البعض فيقال إن المتقدم سبب للتالي الذي يسمى بدوره نتيجة أو أثر للسابق، كذلك ترتبط أفعال الإنسان الاختيارية بآثارها اللازمة، ونوعية الأمر الشرعي تكشف للإنسان عن طبيعة الأثر النهائي للفعل الاختياري على كيانه المادي والجوهري وكذلك على الكيانات التي ينتمي إليها، فالأمر بشيء يعني بالضرورة أن تأثيره حسن بينما النهي عنه يعني أن تأثيره سيئ، والأمر الشرعي هو من مقتضيات منظومة الهدي والإرشاد، فهو كاشف وليس بمؤثر، فهو لا يقلب حقيقة الشيء، فشرب الخمر ضار بالإنسان حتى ولو لم يوجد نهي عنه، والحكمة سارية في كل أمر شرعي، فلا توجد أوامر شرعية اعتباطية أو لمجرد اختبار الناس وتعبيدهم، ولا يضير الأمر الشرعي أن تتعدد آثاره، بل إن ذلك من لوازم ومظاهر كماله، فلابد من وجود الحكمة في كل أمر شرعي حتى وإن جهلها الناس، ووجود الأمر الشرعي يترتب عليه بالضرورة قانون آخر يرتب آثارا إضافية على مدى ونوعية استجابة الإنسان له، فقبل تحريم الخمر كان أثرها هو الأثر المادي على كيان الإنسان الخلقي أو الآثار غير المباشرة المترتبة على عجز الإنسان عن القيام بواجباته الأخرى، أما بعد تحريمها فقد تعين قانون يرتب على تعاطيها آثارا ضارة على كيان الإنسان الجوهري، ولا يصح التعلل بجواز الكذب في بعض الأحوال، ذلك لأن للاضطرار أحكامه الشرعية هو أيضا، فبمقتضى السنن لا يؤاخذ الإنسان بما اضطر إليه، بمعنى أن الاضطرار يخفف وقد يمنع تماما آثار الكذب على الإنسان.

ولقد زعم الأشاعرة أن الأشياء كانت خالية في أصلها عن صبغة الحسن والقبح والنفع والضر ثم أن الله قد صبغ بعض الأشياء بهذه الصبغة وبعضها الآخر بتلك، وزعمهم هذا متسق مع مفهومهم الخاطئ للقضاء والقدر ولما يسمونه بالصفات، وهو في الحقيقة مجرد مخالفة منطقية، ذلك لأنه يتضمن زعما بوجود الأشياء قبل وجودها، وهو يتضمن أيضا زعما بتعدد القدماء، وذلك هو الشرك الجلي.

أما وجود الشر أو وجود ما قد يضر بعض الكائنات فهو من لوازم نقصها أي من لوازم أصلها العدمي، وهذا بمثابة الأمر الضروري، فمجموع كل ما سوى الله تعالى على أي مستوى من المستويات يئول إلى الصفر المطلق، فلم يكن الوجود أبدا مادة للأشياء، وكون بعض الموجودات قد نعمت به لبعض الوقت لا يعطيها الحق لتنعم به كل الوقت خاصة وأن الأكوان نفسها لابد من استبدالها.

أما زعمهم بأنه لو شاء لجعل الأمر القبيح حسنا أو لعذب الطائعين وقذف بهم في النار أو لنعَّم العاصين والمجرمين وزفهم إلى الجنة فلا يدل إلا على جهلهم المطبق بالمشيئة وعلى أنهم لا يعرفون معنى الدين أصلا، وكان عليهم أن يعلموا أن المشيئة مثلها مثل سائر أفعاله لابد من سريان الحكمة فيها، ولقد أعلن في كتابه أنه الحكيم والحكيم العليم والعليم الحكيم والحكيم الخبير...، فزعمهم يتناقض مع مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى التي اقتضت الأمور الكونية، وكان عليهم أيضا أن يعلموا أن الله هو الأصدق حديثا، كما كان عليهم أن يعلموا أن الدين لم يكن من الممكن أن يكون إلا كما كان عليه، فهو أمر حقاني، ذلك لأنه من لوازم ومقتضيات منظومة كبرى من منظومات الأسماء الحسنى ألا وهي منظومة الرحمة والهدى، وما كان من المقتضيات اللازمة للأسماء الحسنى من الكيانات الأمرية كالدين لا يمكن أن يأخذ صورة مضادة لما هو عليه بالفعل.

ولقد نفى الله عن نفسه في كتابه الظلم الذي بينه للناس وليس الذي يقول به الأشاعرة، ولو كان المقصود هو ظلم الأشاعرة لما احتاج الأمر إلى بيان، قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ{17} غافر، فالظلم هاهنا هو ألا تجزى كل نفس بما كسبت، أما القول بأن الملك ملكه بلا شريك فله أن يفعل فيه ما يشاء فيعذب المسلمين وينعم المجرمين فهو يتضمن ظنا بأن المشيئة هي أمر عشوائي اعتباطي وكفرا بمنظومة أسماء الحكمة ويستبطن تشبيها لله بخلقه.

والمشكلة هي أن الناس يخلطون بين الأمور الوجودية الكونية وبين الأمور الشرعية، إنه على المستوى الوجودي لا يمكن أن يتسم من له الوجود المطلق والحسن المطلق بأية سمة من سمات النقص، ولا يجوز أن يخطر ببال إنسان شيء من ذلك، أما الظلم الذي نفاه عن نفسه فهو الظلم الذي يمكن أن يخطر ببال البشر المقيدين المحدودين؛ فمنه ألا يوفيهم جزاءهم أو ألا يفي لهم بوعده أو أن يترهم أعمالهم أو أن يحاسبهم وفق معايير غير المعايير التي أعلنها عليهم أو أن يعاقبهم بدون أن يقترفوا مخالفة عن أمره أو أن يأخذهم بغير جرم أو أن يهلكهم وهم مصلحون أو أن ينقصهم من جزائهم المعلن في القرءان شيئا أو أن لا يقضي بينهم بالقسط أو بالحق أو أن يحرم عليهم ما كان حلالا دون ظلم منهم أو أن يجدوا في كتبهم يوم الحساب شيئا لم يعملوه أو ألا يوفيهم أعمالهم أو أن يحابي بعضهم على حساب الآخرين أو أن يتخذ منهم أبناءً يجعلهم فوق قوانينه أو أن يجعل من بعضهم شركاء له في ملكه.....، إن الأشاعرة يجوزون أن يقف سبحانه يوم القيامة ليقول للناس: "إنه بما أن الملك لي ولا حق لأحد في التدخل في شئوني فقد قررت أن أدخل من عصاني وتمرد على أوامري الجنة وأن أدخل من أطاعني النار"، فسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ وعما يزعمون عُلُوّا كَبِيرا، ولو كان الناس على علم صحيح بأسماء إلههم لما جال شيء من ذلك بخواطرهم، ولو تحلوا بشيء من التقوى لتأدبوا معه، ويجب العلم بأن القرءان يخاطب الناس وفق ما هم عليه وليس وفق ما ينبغي أن يكونوا عليه، ولو رجع الناس إلى القرءان لما ضلوا وأضلوا، ولكن معظم المتكلمين في العقائد قد اتخذوه وراءهم ظهريا أو كونوا آراءهم ثم حاولوا استنطاق الآيات بها، قال تعالى:

{وَاتَّقُواْ يَوْما تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281، {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }آل عمران25، {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِّلْعَالَمِينَ }آل عمران108، {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }آل عمران161، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرا عَظِيما}النساء40، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا}النساء49، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرا }النساء124، {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانا مُّبِينا }النساء153، {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا }النساء160، {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }الأنعام131، {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160، {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }الأعراف165، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }التوبة70، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }يونس13، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }يونس44، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }يونس47، {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }يونس54، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }هود101، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }هود117، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }النحل33، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}النحل111، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}النحل118، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا}الإسراء71، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا}الكهف49، {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدا }الكهف59، {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئا }مريم60، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْما وَلَا هَضْما }طه112، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47، {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }المؤمنون62، {فَكُلّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }العنكبوت40، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}الروم9، {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }يس54، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69، {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }غافر17، {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِّلْعِبَادِ }غافر31، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ }الزخرف76، {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الجاثية22، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الأحقاف19، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}آل عمران182، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}الأنفال51، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}الحج10، {مَنْ عَمِلَ صَالِحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }ق29، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102.

ولكن يجب العلم بأن ظلم الناس لأنفسهم ولغيرهم ليس هو السبب الوحيد لما قد يحيق بهم من المتاعب والمصائب في الدنيا، فالإنسان مبتلى طالما كان في هذه الدنيا بالشر أو بالخير، ولم تخلق الدنيا لتكون دار مقر، ولكن الظلم وما يترتب عليه هو سبب أكيد للعذاب في الآخرة، وما من معصية أو مخالفة عن أمر شرعي يقترفها إنسان إلا ولا بد من تضمنها ظلما.

إن أظهر شيء يمكن أن يدركه إنسان هو وجود حكم ومقاصد للأمور الكونية والشرعية، وهذا هو ما يسميه الفلاسفة بالعلل الغائية، ويبدو أن اللدد في الخصومة مع المعتزلة هو الذي دفع الأشاعرة إلى إنكار وجود هذه الحكم والعلل الغائية ثم من بعد السببية، ولقد افتعلوا خصومة بين ذاته سبحانه وبين الحكمة فقالوا: "لو كانت أفعاله معللة بالحكمة لكانت الحكمة حاكمة عليه أو لكان محتاجا إليها، لذلك فأفعاله هي عين الحكمة وليست معللة بالحكمة"، وكان على هؤلاء أن يعلموا أن الحكمة هي من سماته الذاتية وليست بكائن أجنبي عنه، فالحكمة سارية في كل ما يصدر عنه، إن الحكمة هي سمة إلهية ذاتية كالعلم والقدرة وليست فعلا، أما الفعل الصادر عنه سبحانه فهو يصدر من حيث كل منظومة أسمائه الحسني فلابد أن يتمثل فيه ما هو له سبحانه من سمات الحسن والكمال ومنها العلم والحكمة والقدرة.

ولقد كانت تصرفات الأشاعرة غير المسئولة مما دفع الناس إلى الانصراف عن البحث في السنن الكونية وإلى التشبث بالأمور الخرافية وازدراء القوانين والسنن على كافة المستويات وليس فقط على المستوي الكوني.

------------

الخميس، 25 سبتمبر 2025

خصائص السمة الإلهية

 

خصائص السمة الإلهية


الأسماء الإلهية الحقيقية هي الأسماء الوجودية، وكل اسم وجودي هو الذات من حيث سمة إلهية، هي من تفاصيل الكمال الإلهي المطلق، فالاسم يتميز عن غيره بهذه السمة، هذه السمة هي ما يدرك الإنسان بعض آثارها فيسميها بالصفة، والاسم الإلهي يتعالى تعاليا مطلقًا عن وصف الناس أو أي كائن له، ولذلك نزه الله تعالى نفسه عمَّا يصفون.

وللسمة الإلهية في عالم السمات مقتضيات ما هو للذات من لوازم وخصائص، فهي تفاصيل حسن وكمال الذات، وتتجلى هذه الخصائص في عدة أبعاد أساسية، تتضافر لتظهر صورة السمة الإلهية في أسمى مستوياتها:

1.         الوجوب (Factual Necessity / Existential Necessity):
السمة الإلهية واجبة الوجود بذاتها، غير محتاجة إلى سبب أو مسبِّق، ولا يمكن تصور عدمها، فهي ضرورية الوجود لكونها من مقتضيات الذات الإلهية، وكأنها تجسيد لوجود الذات ذاته في عالم السمات.

2.         الذاتية والأصالة (Selfhood / Originality):
كل سمة إلهية تمتاز بكونها صادرة من الذات بذاتها، غير مقلدة أو منقولة، أي أنها أصلية في كيانها ومستقلة في وجودها، تعكس الذات بلا وسيط أو واسطة، وهي تعبير صريح عن استقلال الذات الإلهية المطلق.

3.         الإطلاق (Absoluteness):
السمة الإلهية مطلقة في كل ما تمثله من معاني وحقائق، غير مقيدة بزمن أو مكان أو سبب، ولا تنطبق عليها قيود المخلوقات، فهي حرّة في كمالها ومقتضياتها، وتستمر على حالتها بلا حد أو توقف.

4.         الثبات (Immutability):
السمة الإلهية ثابتة في طبيعتها وخصائصها، لا تتغير ولا تتحول، فهي خالدة في كمالها، بحيث لا يمكن أن يطرأ عليها أي نقصان أو زيادة، ولا يمكن أن تطرأ عليها أي صفة مغايرة لطبيعتها، فالتحول فيها محال ومتناقض مع لزوم الذات وكمالها.

5.         اللانهائية (Infiniteness):
تمتد السمة الإلهية بلا حدود، في كل الأبعاد المعنوية والسماتية، فهي غير محدودة بزمن أو مكان، ولا تقاس بأي مقياس مخلوق، وتنعكس هذه اللانهائية في شمولها لكل المظاهر الممكنة للخير، والكمال، والقدرة.

6.         الكمال المطلق (Absolute Perfection):
كل سمة إلهية تمثل ذروة الكمال في مجالها، فهي متكاملة في ذاتها، متناسقة في مقتضياتها، لا تحتاج إلى ما يزيدها أو يطورها، بل كل ما يصدر عنها متقن ومتوافق مع طبيعتها، والكمال المطلق هو عين الحسن المطلق.

7.         العلو المطلق (Absolute Transcendence):
السمة متعالية على كل ما دونها من الأكوان والمخلوقات، فهي لا تتأثر بأي شيء خارجها، ولا يمكن أن يقاس عليها أي خلق، فهي فوق كل تحديد أو مقارنة، ومتجاوزة لكل مظاهر النقص والقيود.

8.         العلو على الإدراك والإحاطة (Incomprehensibility):
السمة الإلهية تتعالى على كل إدراك بشري أو مفاهيمي، فهي غيب مطلق بالنسبة للعقل المخلوق، ولا يمكن استيعاب كنهها تمامًا، بل يمكن إدراك آثارها فقط في العالم المخلوق من خلال السنن الإلهية والأحكام الظاهرة.

9.         الإحاطة المطلقة (Omnipresence in Attributes):
تمتد مقتضيات السمة لتشمل كل شيء من حولها، فكل ما يصدر عنها يمتزج بالكون بلا انفصال، وهي تعمل بسريان تام ومتواصل، بحيث يكون كل ما حولها انعكاسًا لإحاطتها الكاملة.

10.     القداسة (Holiness / Impeccability):
السمة مطهرة من كل نقص أو قيد مخلوقي، فهي متعالية عن أي عيب أو محدودية، متجردة عن كل ما هو دونها، ومن هذه القداسة ينبثق انتظام السنن الإلهية وتناغم الأفعال الإلهية.

11.     البساطة المطلقة (Absolute Simplicity):
السمة غير مركبة من سمات فرعية، وإن كان بالإمكان تفصيل مقتضياتها إلى مظاهر عديدة، فهي واحدة في جوهرها، متجانسة في صفاتها، ولا يمكن أن يقال عنها إنها مكونة من أجزاء متفرقة.

12.     الواحدية (Oneness):
تتسم السمة بالوحدة التامة، فلا شريك لها ولا مثيل، وكل ما هو دونها لا يمكن أن يشاركها شيئًا في كمالها أو خصائصها الجوهرية، فهي فريدة في كل ما تمثله.

13.     الانسجام والاتساق المطلق (Perfect Consistency and Coherence):

فمنظومة السمات الإلهية هي منظومة متسقة اتساقا كاملا ومتماسكة Perfectly self-consistent and coherent، وهذا يعني أن كل الأسماء تعمل باتساق تام، فلا يجوز لأحد التفريق بينها، ولا إبطال واحدة لتأكيد أخرى، فلا يجوز إبطال العدالة والحقانية والصدق لتأكيد سمة الملك، ولا يجوز إبطال الحكمة لتأكيد الغنى والقدرة، ولا يجوز إبطال كل السمات لتأكيد التنزه والوحدة.

*******

*******

*******

الخصائص الذاتية الإلهية

 

الخصائص الذاتية الإلهية

 

للذات من حيث هي خصائصها اللازمة، والتي هي سارية في أسمائها وسماتها، ولازمة لها، ومنها:

1.            الوجود الذاتي Self-existence غير المسبوق بأي وجود، وغير المسبَّب بأي سبب، فلا مصدر له، ولم يولد من وجود سابق، ولم ينتج عنه موجود مثله، فهو لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَد.

2.            الكائنية المطلقة (الوجود المطلق) Absolute existence أو الكينونة المطلقة Absolute being، فلا يتقيد بأي شيء.

3.            الغنى الذاتي، والذي يتضمن الاكتفاء الذاتي التام Perfect self-sufficiency.

4.            الحسن المطلق Absolute beauty، وهو الذي يُعبَّر عنه بالكمال المطلق Absolute Perfection، ولكن مصطلح الكمال المطلق يتضمن أنه سبحانه لا يتغير عمَّا هو عليه He is unchangeable in his being، فمن هو في ذروة الكمال لا حاجة به إلى التغير، ولن يتغير إلا إلى نقص، وهذا محال.

5.            اللانهائية Infiniteness، وهي مرتبطة بأن له الوجود المطلق، وهي ممتدة في كل الأبعاد السماتية.

6.            العلوّ المطلق Absolute transcendence على الأكوان، وهو المصحوب بالتعالي المطلق على كل شيء وعلى الكائنات بكافة أنواعها من حيث الهوية والماهية، فهو فوق الكائنات الخلقية والأمرية، وهو مفصَّل بالعلو المقترن بالعظمة، وهو للذات، وكذلك بالعلو المقترن بالكبر والكبرياء، وهو للدرجة والمرتبة.

7.                العلوّ المطلق والتعالي المطلق على الزمان، فالزمان من مخلوقاته المقدرة ومقتضياته، وهو مرتبط بعالمه، ومخلوق معه، فلا يحكم على الله تعالى بشيء، فليس لله تعالى بداية، ولا نهاية، ولا يمر عليه زمان متتابع، وهذا لا يعني أي انعزال عن العوالم التي يجري فيها الزمان، فهو لا يتقيد بذلك أيضًا لطلاقته، فهو يحيط بكل الأكوان بما فيها من وقائع وأحداث زمنية، وعمله فيها دائم ومستمر، وهذه الخاصية يمكن التعبير عنها بالأزلية السرمدية الأبدية، وهو أيضًا الأول، فتقدمه مطلق على كل شيء، وهو أصل كل شيء، وإليه المنتهى ومرجع كل شيء.

8.            العلوّ المطلق والتعالي المطلق على المكان وعلى تحديداته ولوازمه، فالمكان من مخلوقاته المقدرة ومقتضياته، وهو مرتبط بعالمه، ومخلوق معه، فلا يحكم على الله تعالى بشيء، وهذا لا يعني انعزاله عن الأكوان وإطاراتها المكانية، فهذا من التقييد المضاد للطلاقة، ولكنه يعني حضوره الذاتي مع كل الكائنات، وإحاطته المطلقة بالكائنات، وهذا بالطبع لا يعني أنه في مكان.

9.            العظمة المطلقة Absolute greatness، والواسعية المطلقة Absolute immensity.

10.         القرب المطلقAbsolute nearness ، فهو القريب قربًا مطلقًا من كل مخلوقاته، يسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم، وهو يعني أيضًا الحضور الذاتي، المعية العامة Immanence، فهو مع مخلوقاته، وهو قيومهم، وذلك دون أن يتقيد بهم، ولا بأزمنتهم وأمكنتهم، فله الحضور الذاتي الكلي الشامل  Omnipresence ، وهذا الحضور الذاتي مرتبط بفعاليته المطلقة، فكل شيء في الكون مهما كانت طبقته الوجودية هو من نواتج أفعاله.

11.        الثبات المطلق على ما هو عليه Immutability, absolute constancy، وهذا يعني أنه لا سبيل إلى تغيير حقيقته أو كنهه أو سماته، كما يعني أن ذاته ليست مجالا لأفعاله التأثيرية.

12.        البساطة المطلقة Absolute simplicity، فهو ليس مكونا من أجزاء أو أجهزة أو أعضاء وإلا لسبقت مكوناته وجوده وللزم ما يؤلف بينها، وهذا يتناقض مع كل ما سبق ذكره، ولهذه الخاصية ارتباط بالصمدية، فكل سماته هي لكل ذاته، ولا يتميز في كيانه شيء عن شيء، فالبساطة المطلقة تتضمن التجانس المطلق Absolute homogeneity.

13.        العلو المطلق والتعالي المطلق فوق المدارك والإدراكات والملكات الذهنية والمفاهيم والمعاني والتصوراتAbsolute incomprehensibility، وهذا يعني أن له الغيب المطلق، وأنه هو السرّ المطلق  Absolute mystery، فلا سبيل إلى إدراك كنهه أو حقائق ذاته أو أسمائه، وإنما يمكن فقط إدراك آثار ذلك ومحاولة عمل استقراء بالاستكمال الخارجي Extrapolation، وهي محاولة غير مجدية، فمثل هذا الاستقراء هو مجرد عملية تقريبية في عالمه فقط، ولا يجوز تطبيقه على عالم الغيب المطلق.

14.        اللطف الكياني، هذا اللطف لا يوجد من الكلمات الإنجليزية ما يعبر عنه تعبيرا دقيقا، وإن كان يمكن استعمال الكلمتين Absolute incorporeality or Transcendent spirituality على سبيل التقريب، ولكنا نفضل استعمال كلمة لطف العربية كما هي، لذلك نستعمل Absolute lutf، والخاصية تعبر عن كيان لا كثافة فيه بأي وجه من الوجوه، بحيث تبدو الروح Spirit والمعاني شديدةَ الكثافة مقارنة به، وكذلك يعبر عن كيان لا خاصية مادية له بأي وجه من الوجوه، وبالتالي فلا يمكن أن يتأثر كيانه بأي كيان آخر ولا ينجذب إلى أي كيان آخر، فهو مرتبط بالغنى الذاتي التام والتحرر التام والهيمنة التامة، فهو اللطف الذي يتعالى علوا لانهائيا على اللطيف المقابل للكثيف، ولذلك فله التحكم المطلق في كل الكثائف واللطائف Subtleties.

15.        الإحاطة المطلقة بالزمان والمكان والأكوان، وهي إحاطة ذات أبعاد لانهائية، وتتضمن سريان سننه على الكائنات سريانا تاما.

16.        القدوسية المطلقة Absolute holiness, Impeccability، التنزه المطلق عن النقص ولوازمه العدمية، وهذا مرتبط بخاصية الكمال المطلق من حيث الأمور المعنوية.

17.        الحقانية المطلقة Absolute truth, absolute reality، وهذا مرتبط بأن له الوجود المطلق، ولذلك فكل ما هو له هو حق، ومتعالٍ علوا مطلقا فوق ما لغيره، وكلامه صدق، ووعده حق.

18.        الحسن المطلق Absolute beauty, absolute goodness، وهو سمة ذاتية كيانية، بل هو عين حقيقة الذات الإلهية، وهو عين الكمال المطلق، وهذا يعني أن كل سماته هي تفاصيل هذا الحسن، وأن كل سمة منها تتسم بالحسن، كما يعني أنه المصدر الأوحد للحسن والكمال في الوجود وأنه المصدر الأوحد للقيم والمعاني النبيلة       He is the absolute standard of good, beauty and values، وذلك يتضمن أيضا شمول الخيرية والإحسان Omnibenevolence.

19.          الأحدية الصمدية (Al-Aadiyyah al-amadiyyah)، وتتضمن معاني التماثل المطلق absolute symmetry ، والتماسك المطلق absolute coherence ، والتجانس المطلق absolute homogeneity ، والاكتفاء الذاتي المطلق absolute self-sufficiency ، فلا يمكن أن يُضاف إلى الذات شيء أو ينبثق عنها شيء، ويترتب عليها الاتساق السماتي المطلق، وذلك لكون السمات كلها تفاصيل ولوازم سمة واحدة هي الحقيقة الإلهية، وهي الحسن المطلق The absolute beauty، فمنظومة السمات الإلهية هي منظومة متسقة اتساقا كاملا ومتماسكة Perfectly self-consistent and coherent، وهذا يعني أن كل الأسماء تعمل باتساق تام، فلا يجوز إبطال العدالة والحقانية والصدق لتأكيد سمة الملك، ولا يجوز إبطال الحكمة لتأكيد الغنى والقدرة، ولا يجوز إبطال كل السمات لتأكيد التنزه والوحدة.

20.        الإلهية المطلقة Absolute divinity، وهي السمة التي تفصيلها كل السمات التي يحق بها له على عباده أن يعبدوه، والتي توجب عليهم ذلك حتى يتحقق لهم كمالهم المنشود.

21.        الرحمانية، من الاسم ٱلرَّحۡمَٰن، وهي السمة التي تتضمن كل صلاته التي يقيمها مع مخلوقاته، فهي تقتضي الحفاظ على وجود الأكوان ونظامها ومكوناتها، كما تقتضي العناية الخاصة بالكائنات المخيرة، والعناية الأخصّ بمن يختارون أن يتسقوا مع سننه الخاصة بالكائنات المخيرة، والكلمة الإنجليزية Divine providence تعطي شيئًا من معناها.

22.        الحكمة الشاملة الكاملة، وتتضمن معاني كثيرة، فهي سمة شاملة Overarching attribute، ومن تمثلاتها الغائية Teleology والارتباطات الموجبة المسماة بالسببية والعلاقات والصلات ... relations, links, connections، كما أنها من السمات الرئيسة التي تقتضي السنن بكافة أنواعها والأحكام.

23.        السيادة المطلقة Absolute sovereignty، وهي تتضمن الهيمنة المطلقة والتحكم المطلق والمشيئة المطلقة، فلا يُسأل عمَّا يفعل، ولا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، ولا يوجد ما يمنع سريان سننه، يؤثر، ولا يتأثر He influences and is not influenced .

24.        الربية المطلقة، وهي سمة واحدة إليها مرجع أمر كل الكائنات، فبتلك السمة يربُّ كل كائن؛ فهو يملكه ويمدُّه بما يحفظ عليه أسباب وجوده ويرعاه ويربيه ويزكيه وينميه ويحميه ويعطيه ما يوافق استعداده، ويأخذ بناصيته ليحقق به ما خُلق له وليصل به إلى كماله المنشود، فهو الاسم الأقرب إلى الإنسان من نفسه وذاته، لذلك كانت إليه أكثر أدعية الصالحين ومن اتبعوهم بإحسان.

25.        الواحدية المطلقةAbsolute oneness ، فمن انفرد بكل ما سبق لا يمكن أن يشاركه أحد في شيء حقيقي.


وكل هذه الخصائص متسقة مترابطة.

 

*******

*******