الأحد، 28 سبتمبر 2014

مصادر كيفية إقامة الصلاة

مصادر كيفية إقامة الصلاة

إن القرءان هو المصدر الأوحد لكل سنن الدين الكبرى ومنها أركان الإسلام، والطريقة القرءانية أو المنهج في القرءان أن يذكر الله تعالى تفاصيل الأمر موزعة على سور وآيات قرءانية كثيرة، وبالنسبة للصلاة فقد ورد كل ما يتعلق بها موزعاً كذلك، هذا بالإضافة إلى أنها كانت معروفة للناس قبل نزول الوحي، فهي كالصيام والحج من ملة إبراهيم عليه السلام التي أوحي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يتبعها حتى من قبل أن ينزل عليه وحي، لذلك كان الرسول يصلِّي ويصوم ويزكي من قبل أن تفرض هذه السنن الدينية على المسلمين، والجديد هو ما أمرهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ به من قراءة الفاتحة وصيغ التسبيح في الركوع والسجود، وهي موجود في القرءان، فرسالة النبي الخاتم هي تتويج للرسالة التي بدأت بإبراهيم عليه السلام، فالإسلام هو الدين عند الله؛ وهو واحد، وكيفية أداء الصلاة هي كالحج؛ حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي، نقلها ألوف إلى مئات الألوف إلى ملايين، فلم يكن من الممكن تزويرها أو تغييرها، فليس من السهل على من أراد التزوير والتحريف أن يغير شيئا في الشكل العام للصلاة الذي كانت تعرفه جموع يتزايد عددها زيادات هائلة بمضي الزمن وإلا لافتضح أمره، بل الاتجاه الأكثر فعالية والذي أرشدهم إليه الشياطين هو المغالاة في أمر شكلياتها وإفراغها من روحها ومضمونها، ولم يرد في التاريخ أبداً أن وقف أحد الخلفاء مهما كان فساده وطغيانه وأصدر قانونا بتغيير عدد الصلوات أو بتغيير بعض محتوياتها، ولم يرد أدنى أثر يشير إلى شيء من ذلك.
لكل ذلك فالشكل الخارجي للصلاة يجب أن يكون وفقا للمذهب (الفقهي) السائد، والاختلافات بين هذه المذاهب لا يجوز أن تشغل الإنسان عن أركان الصلاة الجوهرية الموجودة في القرءان، كما لا يجوز أن يجعل المسلمون من الشكل الخارجي للصلاة شغلهم الشاغل ولا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم، فالصلاة هي مجرد وسيلة لأداء أركان قرءانية دينية أعظم منها بكثير!
وكذلك لا يجوز أن يكون الشكل الخارجي للصلاة ذريعة لاقتراف آثام كبرى مثل إثارة الفتنة أو تفريق الدين أو سفك الدماء أو الإفساد في الأرض! ومن يفعل ذلك إنما هو مجرد نعل في قدم شيطان مريد!

ويجب العلم بأن الله تعالى ينظر إلى قلب المصلي ويراقب حضوره معه، وأنه هو والملأ الأعلى ليسوا مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين لا هم لهم إلا سلامة الإجراءات والشكليات، لن ينتفع المرء بصلاة يكون شغله الشاغل فيها حركات جوارحه لا مشاعر قلبه!
إن الله تعالى عندما أمرهم بإقامة الصلاة في بداية البعثة فهو يأمرهم بما يعرفونه من كيفيات، وتوجد أوامر قرءانية لا حصر لها تتضمن تفاصيل الصلاة فضلا عن الأمر باتباع ملة إبراهيم، هناك العديد من الأوامر بالخشوع والقيام وتلاوة القرءان وبالركوع وبالسجود والتسبيح وذكر الله وبالامتناع عن اللغو .... الخ، هذه الكيفيات هي التي انتقلت بالتواتر، ولولا وجود أوامر قرءانية بإقامة الصلاة والركوع والسجود وتلاوة القرءان لما كان لهذا التواتر أي معنى.
أما كيفية صياغة الصلاة في شكلها النهائي فلا يجوز أن تشغل المسلمين كثيرا، بعضهم يقول بالوحي الثاني وبعضهم يقول لا وحي إلا القرءان ... الخ، بعضهم يقول إنه هو الذي اختارها وقال آخرون بل نزل ملك فصلى به وقلده هو، وكأن هؤلاء قد فقهوا مرتبة الرسالة والنبوة وأحاطوا علما بالعلاقة بين الله ورسوله!
وبافتراض جدلا أنهم كانوا يصلون الظهر خمس ركعات وقرر خليفة ما تخفيضها إلى أربع ركعات فتلقى الناس ذلك بالقبول وتواتر، فبافتراض تحقق هذا المستحيل فإنه لا وزر على المسلمين الآن، وإنما الوزر على هذا الخليفة وعلى الطريقة التي اتبعها هو وأتباعه لإخفاء الحقيقة.
ويحاول البعض صرف الألفاظ عن مدلولاتها أو التركيز على المعاني الباطنية وازدراء المعاني الظاهرية، والكلمة في القرءان لها معانٍ عديدة، والسجود المعنوي لا ينفي السجود الحسي، والتأويل الباطني لا ينفي المعنى الظاهري، وقد كانت هذه وسيلة المنحرفين دائما لهدم الدين وإفراغه من مضامينه، والقرءان ليس قاموسا لغويا، ولكنه أنزل بلسن عربي مبين، وكل كلمة قرءانية لها معناها اللغوي الأصلي الذي يجب أخذه دائما في الاعتبار ويجب أن تتوفر لدى القارئ السليقة والتمكن من اللغة ليفقهه، والسجود له معناه اللغوي المعلوم، وتوجد آيات قرءانية أيضا تشير إلى معناه، قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون}[السجدة:15]، {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين}[الحجر:29]
 وكلمة "خروا" لها معناها اللغوي في الآية، وكلمة "قعوا" لها معناها اللغوي في الآية، فهذه الحركات تبين معنى السجود، ولا يجوز نفي المعنى اللغوي والظاهر لحساب المعنى الباطن.

*******
والقرءان هو المصدر الأوحد في سنن الدين الكبرى، والمصدر الرئيس في السنن الثانوية، فما سكت عنه هو السنن الثانوية، ولا يمكن لحركات إنسانية مثل حركات الصلاة أن تُسجل كتابة بكل دقة كما يتصور البعض، فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ....}المائدة6 فقد ترك الأمر وفيه سعة، ولقد أعلن دائما أنه: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6، فلا يمكن التحديد الدقيق لمثل هذه الأمور، ولا يمكن أن يرد أمر مثل: "إياكم أن تتركوا ذرة من أيديكم بدون غسل" كما ألزم بعض (الفقهاء) الناس فتسببوا في إصابتهم بالوسواس القهري، ولكن الناس كانوا ومازالوا يلحون على الأئمة ليبينوا لهم بالتفصيل الدقيق الوافي كيف كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يصلي ويتوضأ، ولقد كان المسلمون أولا يصلون بجانب بعضهم البعض، بل كان الرجال يصلون بجانب النساء، وكان بعضهم يحرص على الصلاة بالقرب من امرأة جميلة لكل يختلس النظر إليها أثناء الصلاة كما ذكروا في التفسير!! وكانوا يتحدثون ويتحركون، وتم منع أو تعديل كل ذلك تدريجيا، ولكن ظلت الصلاة عملا حيا وليست بتلك الصورة الجامدة التي آلت إليها، والصلاة تتضمن ركوعا مثلا، وتوجد طائفة الآن تشكك في كيفية الركوع المعروفة!!
ويجب العلم بأنه بعد إلغاء أكثر أركان الدين لحساب الأركان المعروفة تمّ توثين الصلاة، فالحرص على هذا التوثين هو الذي أدى إلى تضخيم شأن الاختلافات الطفيفة، فلما تفاقم التعصب المذهبي تضخم شأنها أكثر وأكثر، حتى لقد زعم بعضهم أن من يخالف شيئا من الهيئات التي يعرفها هو يُستتاب وإلا فيجب قتله!!! والمالكية يسدلون أيديهم بجانبهم عند الصلاة ويصرون على ذلك، مع أن الأوضاع الأخرى أقوى من حيث الثبوت، ولكنه التعصب المذهبي.
وإقامة الصلاة أمر قرءاني ثابت في السور المكية ومنها أوائل السور نزولا، والإسراء –حسب كلام جامعي المرويات وكتاب السيرة- كان في السنة الثانية عشر قبيل الهجرة، هذا مع أنه من الثابت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بالسيدة خديجة والإمام علي حتى من قبل أن يجهر بالدعوة، ولقد دعا إبراهيم ربه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، وكان الأنبياء والصالحون يقيمونها: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}الأنبياء73، وإنما أضاعها بنو إسرائيل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}مريم59، وحفظها الله تعالى في ذرية إبراهيم من إسماعيل عليهما إكراما لهما، فهما ألحا في الدعاء لذلك، وشهد القرءان لإسماعيل بحرصه على الأمر بها: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}}مريم54، لذلك لم تكن كيفية أداء الصلاة غريبة على القرشيين المتحنفين مثلها مثل الصيام والحج، لذلك لم يكن غريبا أن يقول الله لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183، والخلاصة أن الله تعالى قد حفظ للناس الكثير من ملة إبراهيم وخاصة السنن العملية، ولذلك أوحى إلى رسوله باتباعها: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، وأعلن أن من لم يتبعها فقد سَفِهَ نَفْسَهُ: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}البقرة130، فالرسالة المحمدية هي تتويج واستكمال لرسالة كانت قائمة، فالدين عند الله واحد، وهو الإسلام، وهو لم يبدأ من الصفر أيام البعثة النبوية، بل بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام كما ذكر القرءان الذي هو تبيان لكل شيء، وبالطبع فقد طهَّرت الرسالة المحمدية ملة إبراهيم من شرك الأعراب وتحريفاتهم ونسخت الكثير وأبقت الكثير وأضافت الكثير.

وكل ما يتعلق بتفاصيل الصلاة من الأمور الثانوية قد بيَّنه الرسول للناس بأوامره وسلوكه العملي، ومنها: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، و"اجعلوها في ركوعكم"، و"اجعلوها في سجودكم" قال ذلك عندما نزلت الأوامر بتسبيح الاسم الأعلى والتسبيح بالاسم العظيم في سور مكية...الخ، وحُفظت هذه الصلاة بالتواتر العملي، وسيأتي لا محالة زمان سيندثر فيه العلم بكل هذه التفاصيل، وستُقبل من الناس أية كيفية أخرى تتضمن الأمور الأساسية القرءانية، فالقرءان هو الرسالة الباقية!
ورغم اختلافنا المعلوم مع السلفية، فإننا نشهد لهم بأن كيفية الأداء الشكلي للصلاة عندهم هي الأقرب لما كان عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور58
الآية لا تقصد إلى حصر الصلوات وإنما تتحدث عن صلاتي الفجر والعشاء وكأنهما معلومتان تماماً للمسلمين، وهذا كان بالفعل أمراً واقعا، ويقول البعض:"ولماذا لم يقل: ومن بعد صلاة الظهر؟" والجواب هو أن عملية وضع الثياب من الظهيرة عملية غير محددة بنفس دقة توقيت النوم، والذي يكون بالضرورة بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر، فقد يضطجع المرء قبل صلاة الظهر أو صلاة العصر أو بعدهما.
ولقد كان المسلمون يصلون وفق ملة إبراهيم عليه السلام، فقد حفظ الله تعالى كيفيات أداء الصلوات في ذريته من أبناء إسماعيل استجابة لدعوته حين قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، ومن المعلوم أن فرع بني إسرائيل أضاعوها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59، ولقد سجَّل القرءان لإسماعيل عليه السلام حرصه الشديد على الصلاة وعلى أن يؤديها أهله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}} مريم، وهكذا أوردت نفس السورة حرص إسماعيل عليه السلام على الحفاظ على الصلاة كما أوردت أن ذرية إبراهيم الآخرين قد أضاعوها، فقد كانت الصلاة معلومة لقريش وكانوا يؤدونها وهما ساهون عن حقيقتها وجوهرها، وقد قال تعالى:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7} الماعون
ولذلك كان التركيز الأساسي في القرءان على جوهر الصلاة ومقاصدها، ولقد كان منوطاً بالرسول أن يختار لأمته ما يُقرأ في الصلاة من الكتاب المنزل وصيغ التسابيح فاختار لأمته الأفضل والأيسر.
وكيفيات أداء الصلاة كما كان يؤديها الرسول لم تندثر، ولو كان ثمة خوف من اندثار هذه الكيفيات لنصّ عليها القرءان، ولكن من المعلوم أن الحركات العملية البسيطة لا تندثر بسهولة خاصة ولا يمكن تحريفها بسهولة، ومن المعلوم أنه قد صلى مع الرسول عشرات الألوف من الناس نقلوها إلى مئات الألوف نقلوها إلى ملايين، ولم يكن لأصحاب المصلحة في تحريف الدين مصلحة في إلغاء الصلاة أو تحريفها، ولم يكن من حسن السياسة أبداً محاولة عمل ذلك، بل كان الأفضل هو المبالغة في أمرها وتوثينها، ولذلك أخذ الناس في محاولة تسجيل كل كبيرة أو صغيرة بخصوصها، لقد حاولوا ضبط ما لم يكن بحكم طبيعته منضبطاً أبدا، فنشأت الاختلافات المذهبية التي نفخ الشيطان فيها.
-------
إن القرءان هو المصدر الأوحد في كل أمور الكبرى، فكل السنن الكبرى مثل إقامة الصلاة والصيام والحج مذكورة في القرءان، وأهم مكوناتها ومقوماتها منصوص عليها في القرءان، وكيفية الاهتداء إلى أشكالها الخارجية مذكورة في القرءان، وهي تختلف تماما عن موضوع المرويات التي يسمونها بالحديث، فما انتقل بالتواتر العملي مئات الألوف عن عشرات الألوف عن ألوف يختلف تماما عما كان يتناقله سراً بعض الأشخاص.
ولقد دونها الأئمة المجتهدون قبل أن يولد البخاري، فقد دوَّن جعفر الصادق كيف كان يصلي أهل البيت، ودوَّن أبو حنيفة كيف كان يصلي تلاميذ مدرستي الإمام علي وابن مسعود، كما دون مالك كيف كان يصلي أهل المدينة.
وقام الشافعي بتنقيح المدرستين وتعديلهما وفق ما رآه في مصر من مدرسة عبد الله بن عمرو.
وهذه السنن العملية كانت معلومة للعرب لأنهم كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام الذي كان يصلي ويصوم ويحج بنفس الطريقة تقريبا، والقرءان عندما يخاطب الناس يقيم الحجة عليهم، فالقرءان لم يكن بحاجة إلى أن يشرح لهم كيف يصومون أو كيف يجامعون زوجاتهم، والكتاب الذي علم الناس آداب الاستئذان ووصف كيفية الوضوء في جزء من آية لم يكن ليعجز عن وصف كيفية إقامة الصلاة.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}البقرة168، فهل القرءان بحاجة إلى أن يعلمهم كيف يأكلون؟؟ وما هو الحلال الطيب؟؟
وكل أتباع ملة إبراهيم كانوا يؤدون الصلاة بهذه الكيفية من ركوع وسجود، بل إن المستشرقين يتهمون المسلمين بأنهم نقلوا الصلاة عن الصابئة، وعندما تأمر أول الآيات نزولا المسلمين أن يقيموا الصلاة فهذا يعني عقلا أنهم كانوا يعلمون مغزى الأمر، فالقرءان هو الرسالة، أما اليهود –ربما باستثناء السامريين جزئيا- والنصارى فقد أضاعوا الصلاة كما ذكر القرءان.
وعندما أُمروا بالصوم فلقد أمروا أن يصوموا كالذين من قبلهم ومن ذلك ألا يقربوا النساء ليلا.
فالقرءان هو تتويج للدين الواحد وهو الإسلام الذي بدأ رسميا بإبراهيم، فقد نسخ ما نسخ وأبقى ما أبقى وعدَّل ما عدَّل، ولكن المشكلة هي في اعتقادهم بتفرق الدين وهذا شرك.
ولقد كفروا –وإن لم يشعروا غالباً- بتأكيد القرءان أن الدين واحد وأنه اكتمل بالقرءان، وخُتِم بالرسالة المحمدية.
-------
إن المبالغة في كل ما يتعلق بكيفية الوضوء وأداء الصلوات كان لما يلي:
  1. اختزال أكثر أركان الدين فلم يبق للناس إلا المغالاة في شأن الرسوم والأشكال الخارجية.
  2. سعي الشياطين لاختزال أركان الدين الجوهرية وجعل الأداء الشكلي للصلوات هو ركن الدين الأعظم.
  3. أداء الحركات أسهل بكثير من القيام بالأمور القلبية الجوهرية.
  4. رغبة سدنة وأتباع كل مذهب في التميز عن الآخرين ودحض حججهم.
  5. عمل الشيطان الذي تعهد بإفساد كل أعمال الإنسان كما تعهد بتحويل شكليات العبادت إلى نقمة على الناس ومصدر للتناحر والشقاق.
  6. كون أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يتبعون إلا تراث الأسلاف والأوهام والظنون.
  7. داء البقرية الذي يجعل الناس يشددون ويتنطعون ويجلبون على أنفسهم العسر فيما هو أصلا في غاية اليسر.
-------
خلاصة القول في موضوع كيفيات الصلوات وعددها:
1.            الإسلام هو دين واحد، وهو لم يبدأ من الصفر في العصر النبوي، وإنما بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، وهو أول من عرف الصلاة بصورتها المعلومة وكان يتمنى أن تظل ذريته تقيمها كما كان يفعل هو، قال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} إبراهيم40.
2.            تحقق دعاؤه في ابنه إسماعيل وذريته لحرص إسماعيل وكان رسولاً نبيا على الصلاة كما شهد له القرءان: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}مريم، بينما أضاعها الفرع الآخر من ذرية إبراهيم وإسرائيل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً{58} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59}مريم.
3.            لذلك كانت كيفيات الصلاة معلومة لمن بقي على ملة إبراهيم مثلها مثل شعائر الحج، وكان الصابئة والزرادشتيون والسامريون يعرفون شيئا عنها وعن كيفية التطهر لها، ولذلك كان القرشيون يقولون لمن آمن وصلى: "أصبئت؟"
4.            لم يكن القرشيون محض كفار بل كانوا يؤمنون بالله ويعرفون بعض أسمائه، وهم ما عبدوا الأصنام إلا ليقربوهم منه زلفى بزعمهم، وكان المتحنفون منهم يعرفون شيئا عن الصلاة.
5.            أوحى إلى الرسول من قبل بعثته أن يتبع ملة إبراهيم حنيفا، لذلك كان يتعبد على الصحيح من هذه الملة من قبل أن يتلقى الوحي الخاص به، فهو لم يعبد الأصنام أبدا.
6.            كان الرسول يقيم الصلاة هو والسيدة خديجة وابن عمه عليّ من قبل أن يجهر بالدعوة لعشيرته الأقربين.
7.            أوائل السور المكية تأمر المسلمين بإقامة الصلاة، وهذا يقوض مزاعمهم بأن إقامة الصلاة لم تُفرض إلا بعد 12 سنة من بداية البعثة؛ أي قبيل الهجرة!!
8.            القرءان كان ينزل بالآيات المصححة لما كان معلوماً للناس من ملة إبراهيم أو دين أهل الكتاب، أو ناسخا لبعض ما كانوا يلتزمون به لأسباب عديدة أو معدلا لبعض الأحكام، ومن أسباب ذلك النسخ انقضاء أجل الحكم أو التخفيف أو التطور البشري.
9.            ذكر القرءان كل الأمور الكبرى المتعلقة بالصلاة مثل المقاصد والأركان، ولم يذكرها بالتفصيل لكونها كانت معلومة للناس.
10.        كان الرسول الذي يتلقى الوحي أعلم الناس بآيات القرءان ومنطوقه وفحواه، وهو الذي علم أنه يُلزم المسلم بإقامة خمس صلوات في اليوم والليلة، وهو الذي علم فحوى الأوامر بقراءة القرءان والتسبيح في الركوع والسجود وبينه للمسلمين وأمرهم أن يصلوا كما رأوه يصلي.
11.        صلى مع الرسول الآلاف من المسلمين ونقلوا ذلك إلى عشرات الألوف الذين نقلوه إلى مئات الألوف ثم إلى الملايين من قبل أن يولد جامعو المرويات، ومن قبلهم أيضاً دوَّن أئمة الفقه جعفر الصادق وأبو حنيفة ومالك بن أنس كيفيات الصلوات.
12.        لم يكن هناك أي خوف من ضياع أو اندثار أو تحريف حركات بسيطة من المفترض أن طفلا في السابعة من عمره يستطيع أن يتقنها.
13.        لم يحدث أن جرؤ أي خليفة مهما تمادى في البغي والإجرام على تغيير أي شيء في كيفيات الصلوات ولا أعدادها ولا أعداد ركعاتها، ولو حدث لرواه على الأقل أعداؤه! وقد حاول بعضهم فوجد من تصدَّى له.
14.        لم يكن في صالح أي خليفة مهما تمادى في البغي والإجرام أن يغير شيئا من كيفيات الصلاة، بل كان من مصلحته أن يحث (فقهاءه) على المبالغة في أمرها وتوثينها وشغل الناس بها، ولقد نظَّر (الفقهاء) للأمر، وألزموا الناس بالطاعة المطلقة للمتسلط طالما لم يعطل إقامة الصلاة، ولو فعل أي خليفة شيئا من ذلك لتم تسجيله عليه من أعدائه أو أعداء مذهبه على الأقل.
15.        على مدى القرون كان الناس يصلون كما يجدون آباءهم يصلون ولم يحدث أن هرع أحدهم إلى البخاري ليتعلم منه الصلاة.
16.        لا يجوز لأحدهم أن يتخذ من جهله بالقرءان حجة لإلزام الناس بكل الخرافات والكوارث التي تتضمنها كتب المرويات.
17.        لا يجوز لأحد إحداث تغيير في شكل الصلاة متذرعاً بأية حجة من الحجج التي يتداولها الناس وخاصة المجتهدون الجدد، ويجب ألا يشغل المسلم باله كثيرا بهذا الشكل الخارجي وأن يؤدي الصلاة بخشوع وإجلال وحب لربه وأن يكون حاضرا بقلبه معه ذاكرا له، فأكبر مبطلات الصلاة هي الغفلة فيها عن ذكر الله، ولم ينتفع الإنسان منها إلا باللحظات التي ذكر فيها ربه وأظهر له فيها إجلاله وحبه.

18.        وبعد كل ذلك سيظل شياطين الإنس والجن يتطاولون على القرءان وينددون به لعدم تضمنه التفاصيل الدقيقة للصلاة في زعمهم وسيظلون يتخذون من ذلك ذريعة لإلزام الناس بالمصادر الثانوية للدين والتي ألقى الشيطان فيها ما ألقى وباض وفرخ، وسيظل التافهون والمغيبون يظنون أن الشكل الخارجي للصلاة هو كل الدين.

هناك تعليقان (2):