الاثنين، 3 يونيو 2019

حوار في المتحف المصري حول القومية


حوار في المتحف المصري حول القومية


قال أمجد: إنه حتى على مستوى مصر يتنوع المصريون من حيثيات مختلفة، فإذا كان لا يمكن صبّ كل المصريين في قالب واحد فكيف تريد أن تفعل ذلك بشعوب عديدة متعددة الأصول تسكن منطقة كبيرة من الكرة الأرضية تمتد من المحيط إلى الخليج؟
قال باسل: ألا يستلزم تكوين دولة عربية كبرى بعض التضحيات؟
قال أمجد: ولكنك تطالب بالمستحيل، لا يمكن التضحية بما هو من لوازم هوية كل فرد، باختصار؛ لا يمكنك أن تجعل من المصري سوريًّا، ولا من المغربي سعوديا!
قال باسل: ولمَ لا؟ هلا سمعت شيئا من خطب الزعيم الخالد؟
قال أمجد: وهل طالبك الزعيم الخالد بألا تكون مصريا؟ الزعيم هو وليد الوطنية المصرية، ولم يتبنَّ الاتجاه العروبي إلا من بعد تسلمه السلطة ببضع سنين.
قال باسل: ولماذا لا تكون القومية العربية بمثابة أيديولوجيا لنا؟
قال أمجد: كيف يمكن أن تكون القومية أيديولوجيا؟ هذا نوع من الخلط الخطير! لا يحق لأحد اعتبار القومية العربية أيديولوجية، ولا أدري كيف يمكن تبني مغالطة كهذه؟ هل يمكن أن تجعل انتماءك لعائلتك أيديولوجية؟
هل يمكن لأحد أن يجد أي عامل مشترك بين المذهب البروتستانتي أو الاشتراكية مثلا من ناحية وبين القومية الإنجليزية من ناحية أخرى؟ إذا استوعبت جيدا هذه الحقيقة سيتبين لك أن أكثر خطب الزعيم الخالد عن القومية هي مجرد لغو أو هذيان.
انتفض باسل وكأنه سمع تجديفًا خطيرا، همَّ بالصياح، ولكن عاجله أمجد بقوله:
هدئ من روعك، وثق أن ما يُسمَّى بالقومية العربية لم تظهر إلا في هذا العصر لأسباب لا مجال لذكرها الآن.
أما على مدى التاريخ فكانت الحرب هي العلاقة السائدة بين الدول المسماة الآن بالعربية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
قال باسل: ألم يقم صلاح الدين بتوحيد العرب؟ ألم يتمكن بذلك من القضاء على الفرنجة وتحرير بيت المقدس؟
قال أمجد: كأنك تتكلم عن الزعيم الخالد في صورته القديمة، ألا فلتعلم أن صلاح الدين كردي تركماني، وكانت أسرته تخدم في جيوش السلطان السلجوقي التركماني نور الدين زنكي، فهو لم يكن عربيا، كان اسم أخيه توران شاه، وهو الذي استولى له على اليمن، واسم أخيه الآخر طغتكين، وهو الذي خلفه فيها، وآخر ملوك الأيوبيين في مصر كان اسمه توران شاه أيضًا، وكانت نهايته البشعة المهينة تليق بتلك الدولة!
هاجمه مماليك مصر البحرية وضربوه بالسيوف فهرب منهم لكشك خشبي فأحرقوه عليه، فهرب منه ورمى نفسه بالنيل، فضربوه بالسهام والنبال فقتل جريحًا غريقًا حريقًا.
وكان أكثر جنود صلاح الدين من التركمان السلاجقة، وعندما أتى إلى مصر ساعدته الظروف، ثم اكتشف ما اكتشفه القادة من قبله ومن بعده، وهو أنه باستيلائه على عرش مصر سيكون أقوى حاكم في المنطقة، فسعى إلى ذلك بكل ما أوتي من قوة ودهاء، وفي سبيل ذلك خان سيديه الخليفة الفاطمي ونور الدين زنكي، كما اقترف جرائم بشعة.
لقد خان صلاح الدين سيده الفارس التقي النبيل نور الدين، فلم يكن أمام نور الدين إلا أن يؤدبه، وجهز الجيش بالفعل لمحاربته، ولكنه توفي فجأة، لم يتورع صلاح الدين عن مهاجمة أبنائه والاستيلاء على إماراتهم الشامية لتوسيع مملكته إلى المدى الأقصى، وهو لم يفعل بذلك إلا ما فعله البطالمة والطولونيون والإخشيديون والفاطميون من قبله، وما سيفعله المماليك ومحمد عليّ من بعده، بل هو ما حاول نابليون أن يفعله، وهو لم يزعم أبدًا أن ذلك كان بدافع إيمانه بالقومية العربية.
قال باسل: باختصار شديد، أليس اتحاد الدول العربية هو الوسيلة الوحيدة لبناء قوة عظمى في الشرق الأوسط تتصدى لأعدائنا التاريخيين؟
أكمل من




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق