حوار بين مسلم وملحد:
حول الإله، الوجود، والمعنى
الملحد: لن
أؤمن بإلهك إلا إذا قدّمت لي برهانًا قاطعًا، لا غبار عليه، لا يحتمل الشك، ولا
يدع مجالًا للتأويل!
المسلم :
ولماذا لا تطلب أن أجعلك تراه جهرةً؟ أتريد معجزةً حسية، أم إعادة تشكيل قوانين
الطبيعة خصيصًا لك؟
الملحد بتهكم: سيكون شيء من ذلك أفضل بالتأكيد!
المسلم ضاحكًا ثم جادًّا:
طزّ
فيك!
الملحد مذهولًا:
ما
هذا؟ أهذا هو أدب دعاة الدين؟!
المسلم: عجبًا لك! أنت
تتحدث وكأن العالم بحاجة إلى إيمانك، فكان لابد من شيءٍ كهذا ليعيد لك اتزانك! وبعد ذلك لنعد إلى الجدية.
لماذا تفترض أن عبء الإثبات يقع
عليّ؟ لمَ لا تبدأ أنت بتقديم برهان قاطع على أن هذا الكون يمكن أن يوجد بلا
خالق؟ أليست هذه هي دعواك؟
الملحد: لأنك من تدّعي
وجود الخالق، والبينة على من ادّعى!
المسلم: لكنك أيضًا
مدّعٍ! أنت تزعم أن المادة أزلية، أو أن العدم ينتج الوجود، أو أن قوانين الفيزياء
نشأت من تلقاء نفسها! وهذه دعاوى فلسفية وعلمية كبرى تتطلب براهينك، لا أقل من
براهيني. الفرق أنني لا أهرب من تقديم حججي، أما أنت فتطالبني ببرهان مطلق، وترضى
لنفسك بفرضيات رخوة.
ثم ألا تعلم أن الإيمان بطبيعته
لا يُبنى على "العيان"، بل على ما يُستنبط ويُرجّح بعقل
منصف؟ أنت تراني الآن، فلا تقول إنك تؤمن برؤيتي، بل تقول إنك تراها. الإيمان ليس
للمحسوس، بل لما وراء الحس.
الملحد محاولًا تغيير المسار:
على كل حال، أنا أكثر منك شهرة، وأكثر مالًا، وأُحَدِّث الملايين... فَلِمَ تحاول
أن تستصغرني؟ أم أنك تريد أن تُحقق ذاتك وتُسقط عقدك النفسية عليّ؟
المسلم: وهل تقاس القيم
بالشهرة؟ توجد عاهرات يجنين أموالًا طائلة، ويتابعهن الملايين... هل هذا يجعل منهن
قدوات أخلاقية وفكرية؟!
المعيار ليس "من
يسمعك"، بل "ماذا تقول"، و"ما وزنه أمام الحقيقة". فدع
عنك الأرقام، وواجه الحجة بالحجة.
الملحد: حسنًا... فهات
براهينك! ألستَ مطالبًا بدعوة الناس إلى دينك؟ أليس من واجبك أن تُقنعهم بالحجج؟
المسلم: قلما يؤمن الإنسان بناءً
على حجج نظرية، هل سمعت يومًا ما عن رجل آمن أو كفر باستعمال برهان كبراهين إقليدس
مثلا؟ أم يوجد مجال هائل لأمور وإثباتات وجدانية لا تخضع لأحكام المنطق الصوري؟ ورغم
ذلك لنتحدث من حيث الحجج، لكن ينبغي أولًا أن نُحدّد نقطة الانطلاق. أنت تنسى أن
الدين – مثله مثل الرياضيات والفيزياء والفلسفة – نظام معرفي مبني على مسلّمات.
لا
يوجد نسق معرفي على وجه الأرض يبدأ من "صفر برهاني".
فإذا كنت تطالبني ببرهان قبل
الاعتراف بمسلّمات الدين، فهذه مغالطة؛ كالذي يطلب برهانًا على "أن المستقيم
هو أقصر مسافة بين نقطتين" في هندسة إقليدس! إن رفض المسلمات يؤدي إلى انهيار
النسق من أساسه.
الملحد: لكن علومنا لا
تُبنى على مسلمات غامضة أو دينية!
المسلم: ألم تدرس
الهندسة يومًا؟
الملحد: بلى! وأنا
أستعمل نظرياتها في عملي العلمي والتقني.
المسلم: ممتاز... فقل
لي: ما هي "النقطة" في الهندسة؟
الملحد: عنصر هندسي
أولي، لا أبعاد له.
المسلم: وهل يوجد شيء في
العالم المادي لا أبعاد له؟ هل يمكنك أن تضع إصبعك على كيانٍ ليس له طول ولا عرض
ولا عمق؟ حتى الإلكترون، أو أصغر جسيم، له امتداد في المكان!
الملحد: ...
المسلم: النقطة مفهوم
عقلي، تجريد صرف. ومع ذلك تُبنى
عليها معادلات تُستخدم في تصميم الطائرات، والجسور، والأقمار الصناعية!
وكذلك الأمر بالنسبة للخط المستقيم.
ألا ترى التناقض؟ تقبل أن تبني
علمك على كيان غير محسوس، ولكنك تستهزئ بمَن يؤمن بخالق غير مرئي؟ أليس هذا كيلًا
بمكيالين؟
الملحد: إذًا... فليترك
كل إنسان لنفسه حريّة الإيمان بما يشاء! أليست هذه حرية فكر؟
المسلم: لا أحد يمنعك من
الإيمان بما تشاء. لكننا هنا نتحدث
عن حقانية المعتقد، لا عن حرية تبنّيه. والحقانية تُختبر بتوافق الفكرة مع
الواقع، وتماسكها الداخلي، وقدرتها على التفسير.
الرياضيون لم يبتكروا مفاهيمهم من
عبث، بل راقبوا العالم، ثم جرّدوا مفاهيم تُطابق الواقع وتُفيد في التفسير. فلابد
من التقاء الخارج الموضوعي والداخل التأملي.
وهذا
جوهر التفكير الديني الحقاني.
الملحد: هذا كلام معقول.
المسلم: إذًا، دعني
أسألك: ما الذي يجعل عقولنا قادرة على تمثيل قوانين الوجود بلغة رياضية؟ من
أين جاءت هذه المطابقة العجيبة بين بنية الكون وبنية العقل؟
لماذا الكون قابل للفهم أصلًا؟
أليس ذلك دليلًا على عقل أعلى، مصدر مشترك بين العاقل والمعقول؟
الملحد: ... ربما، ولكن دعنا
ننتقل إلى التاريخ والمستقبل، لا أحب الميتافيزيقا كثيرًا...
المسلم: جيد. هل ترى أن
معرفة الإنسان تزداد تشتتًا أم وحدة؟
الملحد: بل وحدة... هناك
سعي لنظرية موحدة تشمل الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوتين النوويتين.
المسلم: وهل الطبيعة
تميل نحو الفوضى أم النظام؟
الملحد: قوانينها تميل
نحو التناغم، بالرغم من تداخلات الفوضى.
المسلم: وهل تطوّر
الحضارة يسير نحو القوة البدنية أم العقلية؟
الملحد: بل العقلية،
المعرفة صارت رأس المال الحقيقي، لا العضلات.
المسلم: فهل يُعقل أن
يسير كل التاريخ بهذا الاتجاه: من البدائية إلى الوعي، من الغريزة إلى التأمل، من
القوة الجسدية إلى الفكر، من فوضى الطبيعة إلى تناغم الرياضيات... ثم نقول:
"لا هدف، لا معنى، لا عقل سابق"؟!
أليس من المعقول أكثر أن نقول:
هذا الكون يسير إلى غاية، إلى قطب جاذب، إلى حقيقة كبرى وراء كل هذا
النظام؟ إلى إله؟
الملحد يُطيل الصمت، ثم يتهرب:
أووووووووووووووووووه…
المسلم بهدوء:
حين
تنفد الحجج، تصرخ النفس. أما حين تتجلى الحقيقة... فيسكت اللسان، وتُصغي القلوب.
=======
بارك الله فيكم
ردحذفروعاتك دكتورنا
ردحذفنريد لو تكرمتم حوارات مع البخابيخ واللاسنيين والسلفنجية، فقد طغى صوتهم أرهبوا الناس بتكفيرهم وإقصائهم وتوزيع الاتهامات على مخالفيهم
رحم الله صداك يا د.متعافي
حينما تتجلي الحقيقة يسكت اللسان ويصغي القلب
ردحذف