الاثنين، 14 يوليو 2014

الدعـوة إلى الله تعالى (الجزء الأول)

الدعـوة إلى الله تعالى (الجزء الأول)

إن الدعوة إلى الله تعالى هي ركن ركين من أركان الدين، وهي ركن ملزم لكافة الكيانات الإنسانية الإسلامية من الفرد إلى الأمة، وكلما كبر الكيان كلما اشتدت درجة إلزام ووجوب هذا الركنِ بالنسبة له.
والدعوة إلى الله تعالى تتضمن: الدعوة إلى دين الحق والدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل لإعلاء كلمات الله، وهي كذلك دعوة الناس إلى القيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين، وهي كذلك دعوة الناس إلى التحلي والتمسك بعناصر منظومة القيم الإسلامية، ويزداد ثقل هذا الركن وأهميته بازدياد وتعاظم إمكانات الكيان وحجمه.
فالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي ركن أصيل كبير ملزم للأمة، فهو من مقوماتها ومن مبررات ومقاصد وجودها، وهذه الدعوة هي من أبرز مظاهر سمة الإيجابية التي هي من أركان المنظومة الرحمانية أي منظومة القيم الإسلامية والتي يجب أن يتسم بها كل كيان مسلم.
وجوهر الدعوة إلى الله هو الدعوة إلى الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسنى والشئون والأفعال والسنن المذكورة في القرءان الكريم.
------------
إن الدعوة إلى الله تعالى تتضمن العمل لإعلاء كلماته باستعمال السبل المبينة في كتابه، والدعوة إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وتقديم الأسوة الحسنة والعمل الصالح واستمالة وتأليف القلوب، وتلك الدعوة إنما تكون إلي كل الأخلاق والقيم التي اقتضتها الأسماء الحسني، وتلك القيم تتضمنها منظومة القيم الرحمانية أو المنظومة الأمرية الإسلامية، ومجال الدعوة هو الأقربُ فالأقرب علي كافة المستويات، وعلي كل داعية أن يبدأ بنفسه، وهذا الركن واجب علي كل كيان مؤمن تجاه كل كيان إنساني آخر، ومن لوازم هذا الركن الشهادة لله تعالى والدعوة إليه والدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن صد الناس عن سبيل الله وإعطاء صورة مشوهة للدين والدعوة إلي مذاهب المغضوب عليهم والضالين والملحدين في أسماء الله والفاسقين والمفسدين في الأرض، وليس من وسائل الدعوة الاعتداءُ على المسالمين، فالعدوان من كبائر الإثم التي أعلن الله تعالى أنه لا يحب مقترفها، ولا يمكن الدعوة إلى سبيل الله تعالى باستعمال الأساليب الفاحشة ولا الكلمات البذيئة، إن الوسيلة في الإسلام يجب أن تكون شرعية، ولا يمكن التقرب إلي الله تعالى باقتراف ما نهى عنه.
------------
إن الدعوة إلى الله تعالى هي ركن واجب علي كل فرد وهي أيضاً من أركان الدين العظمى الواجبة علي الأمة، فالدعوة إلي الله من المهام الكبرى المنوطة بالأمة الخيرة الصالحة الفائقة وبكل فرد من أفرادها، وتلك الدعوة لها لوازم وتفاصيل عديدة فقد تكون دعوة إلى الإيمان بالله تعالى كما تكلم عن نفسه فى القرآن وقد تكون دعوة موجهة إلى الكافرين ليؤمنوا بربهم أو إلى المشركين لينبذوا شركاءهم وليخلصوا العبادة لربهم، وقد تكون دعوةً إلى نبذ الشيع والطوائف التى فرقت الدين ومزقت الأمة وما تفرقت إلا لنقصٍ ما عندها أو لشرك كامن في نفوس أبنائها، وقد تكون دعوة إلى التعرف على قوانين الله وسننه والالتزام بها والعمل بمقتضياتها والتوافق معها، وقد تكون دعوة إلي التمسك بقيمة من القيم الإسلامية أو إلي العمل بسنة دينية تجاهلها الناس أو وأدوها.

والآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن:
{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}يوسف108  *  {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ }الرعد36  *  {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المؤمنون73  *  {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125  *  {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }الحج67  *  {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }القصص87  *  {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }الشورى15  *  {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }فصلت33.

والآيات الآتية تبين مدى إلزام هذا الركن للأمة:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104  *  {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110  *  {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71) (التوبة) * {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41.

إن الآيات تنص على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من لوازم هذا الركن الملزم للأمة وتتضمن وعداً من الله تعالي بأنه سيرحم الأمة التي تعمل به وأن العمل بهذا الركن من أسباب الفلاح وأنه من علامات خيرية الأمة.

فالدعوة هي الركن الذي يُلزم كلَّ مسلم بحث الناس ونفسِه على القيام بأركان الدين بما فيها ركن الدعوة أيضاً، ومن الأركان التي يجب الدعوة إليها الآن بصفة خاصة ركنُ وحدةِ الأمة، وهو يتضمن العمل على إطفاء نيران الفتن المذهبية والعصبية والقبلية والقومية.
وحيث أنه لا توجد الآن سلطة جامعة تمثل كل المسلمين فلقد أصبحت المسئولية مضاعفةً على كافة الكيانات الإنسانية بما فيها الأفراد، ومجال الدعوة ليس فقط أتباع الملل والنحل الأخرى وإنما يشمل كل كيان إنساني، فالدعوة إلى الله تعالى تتضمن الدعوة إلى التمسك بكتابه وإلى اتباع رسله وإلى التحلي بكل صفة أثنى عليها وإلى القيام بأركان دينه لتحقيق مقاصده.
إنه على كل مسلم أن يدعو إلي الله باستعمال الوسائل الشرعية المنصوص عليها في القرآن، والدعوة تكون إلى التمسك بكل عنصر من عناصر دين الحق، والعناصر تتضمن القيم والسنن والخصائص والمقاصد والأركان، فالدعوة إلى القيام بالقسط والحكم بالعدل والعمل الصالح هي من الدعوة إلي الله تعالي، ويجب العلم بأن القتال ليس من الأساليب الشرعية للدعوة، والقول بذلك يتضمن شتى أنواع المغالطات والمخالفات، بل هو جريمة كبرى وإثم مبين.
والداعي إلي الإسلام يجب أن يكون مثلا أعلي في الحنان والرقة والحياء والرأفة والرحمة والود والسماحة والغفران والكياسة والمروءة والإنسانية، والداعي إلي الله مأمور بأن يتلو على من يدعوهم آيات الكتاب ليس على سبيل التكسب والاسترزاق ولكن قياماً بركن ديني ملزم، أما من يعرض عن آيات ربه من بعد أن تتلى عليه فهو يعرض نفسه للهلاك على المستوى الباطني الجوهري في الدنيا وعلى كافة المستويات في الآخرة.
------------
إن الداعي إلي الله تعالي ينبغي أن يكون علي قدر المهمة التي يريد القيام بها فيجب أن يكون مثلاً أعلي في الطهارة والرحمة والعدالة والسماحة والحلم والصفح والصبر والإنصاف والسمو الخلقي والتفوق النظري والعملي والحب للبشرية جمعاء والنصح لهم وحب الخير لهم، وقبل كل ذلك يجب أن يتحقق بالإسلام الجوهري فيكون مزكياً لنفسه وعلى صلة وثيقة بربه ذاكراً له معظماً لكتابه متأسياً برسوله، وبالطبع لا يحق له أن يتكسب بالدعوة بمثل ما لا يجوز له أن يتكسب بإقامة الصلاة أو صيام رمضان! فالدعوة إلى الله تعالى هي ركن ديني ملزم، وهي ليست مهنة للتربح.
------------
إن المسلمين مطالبون بالدعوة إلي دين الحق ولا شيء يساعدهم في سبيل ذلك أفضل من أن يؤمنوا هم أولا بدين الحق وأن يحققوا مقاصده في أنفسهم، وكذلك يساعدهم توفر حرية الفكر والعقيدة والتسامح علي المستوي العالمي، لذلك فمن الأفضل للمسلمين أن يعملوا علي الدفاع عن حرية العقيدة والفكر والعلمانية بمعناها الصحيح بدلا من أن يكونوا أعداء ذلك، وبدلا من أن يعملوا علي تقويض المجتمعات التي يتوفر فيها ذلك، إن دين الحق قوي متين وهو إذا دخل في تنافس عادل وحر مع أي دين أو مذهب آخر فلابد له من الظهور والتفوق، لذلك فمن الأفضل للمسلمين في المجتمعات الغربية مثلاً بدلاً من أن يكونوا حرباً علي أوطانهم الجديدة التي وفرت لهم حرية العقيدة وحقوق الإنسان الأساسية أن يكونوا هداة وأن يقدموا للناس مُثل الإسلام العليا وقيمه المثلي، وعليهم أن يتطهروا من المذاهب التي فرقت الدين ومزقت الأمة وأن يقوموا بأركان الإسلام الملزمة للأمة.
------------
إن دعوة الناس إلي الإسلام هي من أهم الأركان التي يمكن أن تظهر فيها سمات الإسلام، ومن أهم تلك السمات العالمية والتي من لوازمها الصلاحية لكل زمان ومكان، فسبل الدعوة تتنوع وتتطور مع ظروف كل عصر ومصر، ولا يمكن أن تكون الدعوة الآن بالخروج علي الناس بالجلابيب القصيرة واللحى الطويلة والشوارب المقصوصة والسيوف والرماح، ويجب ألا يخلط الداعية بين الإسلام الذي هو الدين العالمي الخاتم وبين تقاليده هو أو تقاليد أهل القرن السابع الميلادي، إن المسلمين في كل عصر مطالبون بالتوصل إلي أفضل سبل الدعوة إلي سبيل الله عزَّ وجلَّ، فالكيان المسلم مطالب بهداية الناس وليس بصدهم عن سبيل ربهم، إنه لا يجوز التضحية بسمة من أهم سمات الدين وهي عالمية الدين في سبيل التمسك بعادات وتقاليد الأعراب والأقدمين، ومن المعلوم أن المحسوبين ظلماً على الإسلام يقومون بما هو مضاد للدعوة، فهم لا يكتفون بأن يصدوا الناس عن الإسلام بسلوكهم المشين بل هم يعملون على ارتداد المسلمين الآخرين، فهم بلا شك أخطر أدوات إبليس اللعين.
------------
إنه لا يجوز أبداً اتباع وسائل غير مشروعة لنشر الإسلام أو لحمل الناس على الالتزام به، فلا يجوز أبداً لتحقيق شيء من ذلك استخدام القهر والترويع والتآمر، ومن حاول ذلك سيجد نفسه وقد تدهور إلى مستوي المفسدين في الأرض والمجرمين، ومثل هذا ما له من ناصرين، فالمسلم الحقيقي هو رحمة للعالمين كما كان كذلك خاتم النبيين وسيد المرسلين، إنه لا يجوز لأحدهم أن يزعم لنفسه أنه المسلم الحقيقي أو أن يزعم له غيره ذلك ثم يعطي لنفسه الحق ليفسد في الأرض وليسفك الدماء.

إنه يجب الالتزام بسنة الرسول الحقيقية في دعوة الناس إلي الإسلام والتدرج في مطالبتهم بالتزاماته، فلا يجوز أن يطالب من هو حديث عهد بالإسلام بكل ما يطالب به المولود مسلما في مجتمع مسلم دفعة واحدة بمثل أنه لا يجوز أن يطالب الطفل بما يطالب به الرجل الكبير، ولا يصح القول بأنه يجب أن يلتزم كل من كان حديث عهد بالإسلام بكل أوامره وجزئياته بحجة أن الدين قد اكتمل، ولقد كانت سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أن يتألف قلوب هؤلاء ولو بالمال؛ أي بالمساعدات المادية والاقتصادية بلغة العصر الحديث، وليس أن يجعل الدين حرجاً عليهم، وكان من سنته أن يقبل الإسلام الظاهري منهم حتى يدخل الإيمان في قلوبهم، فلقد كان منفذا لأوامر ربه المنصوص عليها في الكتاب الذي أوحي إليه هو ولم يوح إلى أحد غيره.

والدعوة تقتضي من الدعاة معرفة بألسنة وبنفسيات وبتاريخ وبأحوال كافة التجمعات الإنسانية، ولابد هاهنا من التخصص، ولقد ذكر الله في كتابه للمؤمنين كافة أحوال التجمعات والأحزاب المحيطة بهم وذكر لهم طبيعة أنفسهم وما يدور بخواطرهم حتى يتعلموا كيف يتعاملون معهم.
***** 
كل أساليب الدعوة إلى الله سلمية راقية ومنصوص عليها في القرءان، وهي أساسًا الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وتقديم الأسوة الحسنة، وبالطبع يمكن أن تتسع مدلولات الوسائل باطراد التقدم وتطور العصور، فالدعوة بالحكمة تقتضي أن يُخاطب الناس بألسنتهم وبالإحالة إلى فطرهم، كما تستلزم استعمال كافة الوسائل الحديثة.
فالدعوة إلى الله هي التطبيق العملي لمنظومة القيم الإسلامية التي هي من مقتضيات أسماء الله الحسنى، ومن أركانها أنه لا إكراه في الدين واحترام حقوق الإنسان وكرامته، فهي أرقى وأسمى منظومة قيم عرفها إنسان.

أما حشد الجيوش عند حدود دولة مجاورة، وتخيير أهلها بين الإسلام الفوري أو القتل أو احتلال بلادهم وإرغامهم على العيش أذلة صاغرين فهو ما يُسمَّى بجهاد الطلب، وهذا تحريف خطير في الدين يجعله أيديولوجية للقهر والعدوان والظلم وسفك الدماء والإفساد في الأرض، وهذا بالضبط ما فعله السلف، فأنشأوا دينًا جديدا هو الدين الأعرابي الأموي الهمجي الدموي الذي حلَّ دين الحقّ، فالدين الأعرابي الأموي ليس إلا دين الأعراب الجاهلي مغلفًا بقشور إسلامية.

إن الدعوة إلى الإسلام إنما تكون وفق الأوامر القرءانية المحكمة، أي باتباع السبل القرءانية، وكلها سبل سلمية راقية سامية، فهي تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدالِ بالتي هي أحسن والحوار البناء وتقديم الأسوة الحسنة، وبالطبع يجب أن يسبق كل ذلك علمٌ حقيقي بدين الحق وفقه حقيقي لقيمه وسننه ومقاصده.
أما العدوان فهو محرم تحريمًا باتا ولا يمكن لأحد أن يتقرب إلى الله تعالى بعصيان أوامره والتمرد عليه، فلا قتال لإكراه الناس على الإيمان وإنما القتال لدرء الفتن والعدوان والاضطهاد الديني وللدفاع عن المستضعفين في الأرض، فإذا ما شنت أمة عدوانا على المسلمين لفتنتهم في دينهم أو لكسر شوكة المسلمين وجب قتالها، فإن جنحت للسلم يجب إيثاره، أما إن تمادوا في العدوان فيجب على المسلمين أن يستمروا في القتال إلى أن يتحقق لهم إحدى الحسنيين فإن انتصروا فليس لهم أن يكرهوا المهزومين على اعتناق الإسلام، ذلك لأنه لا إكراه في الدين وإنما لهم أن يلزموهم بدفع غرامة حربية عادلة تعرف بالجزية، وليس لهم أن يحتلوا بلادهم، فإن وجب ذلك لأي سبب من الأسباب فيجب الالتزام التام بالقيم الإسلامية والأسس والمبادئ التي أرساها الإسلام العالمي للتعايش السلمي بين الناس.
وكل ما قرره السلف بهذا الشأن أمور اجتهادية يمكن الاستئناس بها ولا يلزم الأخذ بها، وفي تلك الحالة فإنه على المتمسكين بدينهم القديم أن يؤدوا إلى أولي الأمر ضريبة تكافئ ما يؤديه المسلمون من الزكاة كمساهمة لازمة في إدارة شؤون الجميع، ولقد أخطأ السلف عندما سموا تلك الضريبة بالجزية؛ وربما كان ذلك لأنهم لم يجدوا اسماً آخر.

إنه يجب العلم بأن الله تعالى هو الرحمن، فهو أصل كل قانون ونظام وواضع الميزان، وهو الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ، لذلك فهو لا يحب المفسدين ولا سفاكي الدماء، وهذه الأسماء تقتضي توفر النظام وتوفر الأمن والسلام للناس، لذلك يجب تجنب كل ما يؤدي إلى اختلال النظام وانتشار الفوضى وضياع الأمن والسلام

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق