الجمعة، 17 أكتوبر 2014

مهام الرسول الأعظم

مهام الرسول الأعظم

يملأ أكثر المجتهدين الجدد ودراويشهم والمسمون بالقرءانبين الدنيا صراخا بأنه لم تكن للرسول إلا مهمة واحدة هي تبليغ الرسالة، والحق هو أنه كان للرسول مهام عديدة مذكورة في القرءان، وها هي مهامُّ الرسول من القرءان بإيجاز حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ من لهج به:

1.      الرسالة والنبوة
2.      الدعوةُ إلى الله.
3.      التبشير.
4.      الإنذار.
5.      التبليغ.
6.      تبيين آيات القرءان للمؤمنين.
7.      تلاوةُ القرءان عليهم.
8.      تزكيةُ أنفسهم.
9.      تعليمُهم الكتاب والحكمة.
10.   تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
11.   ولايةُ كافة أمور أمة المؤمنين من بين الناس.
12.   الحكم (القضاء) بينهم.
13.   أخذُ الصدقات منهم وتوزيعُها عليهم.
14.   الصلاة عليهم.
15.   تشريعُ بعض الأمور بإذن ربه مثل جعل الحج مرة واحدة في العمر.
16.   سن بعض الأذكار والأدعية مثلما هو الحال في الصلاة.
17.   الشهادةُ على أمته.
18.   الشهادةُ على شهداء الأمم.
19.   ختم النبوة.

20.   إعداد وبناء أمة خيرة فائقة.
ويجب على الناس أن يعلموا أن القرءانَ يستعملُ أساليب الحصر أحياناً للتأكيد أو للتركيز على المهمة التي يقتضيها السياق أو للتسرية عن الرسول.
أما الجهلة بالأساليب القرءانية فهم يوقعون أنفسهم في ظلمات فوقها ظلمات وفي مستنقع من الضلالات والتناقضات سيودي بهم إلى التهلكة لا محالة، ولذلك نقول إن عامة المسلمين الذين يعرفون للرسول قدره أفضل منهم!

إن القرءان الكريم قد نص على كل المهام المنوطة بالرسول، ودين الحق يوجب الرجوع إلى القرءان وحده لمعرفة هذه المهام، ولقد كان الرسول مكلفاً بمهام خاصة بقومه ورد ذكر بعضها في الآيات الآتية: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}البقرة129، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2.
ولقد كان منوطا بالرسول أن يشرِّع لأمته بإذن ربه في بعض الأمور وأن يسن لهم بعض السنن، وفي تلك الأحوال فإنه كان حريصاً على البلاغ المبين وعلى أن يُحفظ ما سنَّه لكي ينتفع به سائر المسلمين، وليس لأحد أن يطرح سؤالاً مثل هل كان ذلك بوحيٍ مباشر أو كان منه مباشرة، فإن مقام النبوة والرسالة أجلُّ من أن يوجهَ إليه سؤالٌ كهذا، لقد كان الرسول علي صلة وثيقة بربه وعلى بصيرة من أمره وكان بمثابة آلةٍ إلهية معتمدة لتشريع ما يلائم البشر أجمعين، وهو عندما قال (لو قلت نعم لوجبت) لمن سأله عن عدد مرات الحج (أفي كل سنة؟) كان محقا، فلقد كان الأمر مفوَّضاً إليه فاختار أدني حد ممكن، والأصل الحقيقي لقصةِ فرض الصلاة يبيِّـن أيضاً كيف اختار أدني حد ممكن، فلقد كان بحق رحمة للعالمين، ولقد كان يعلم أن من ظن أن ثمة أمراً لابد منه لكي يتقربَ إلي ربه وليفوزَ بمرضاته ووقر ذلك في صدره فإنه سيُكتب عليه، وربما لن يتمكن من رعايته حق رعايته فيؤاخذ بذلك.
ومن مهام الرسول ومراتبه أنه الشهيد على أمته وعلى شهداء الأمم، ولأن الرسول هو حامل الذكر المنزَّل وكان من مهامه تلاوته عليهم فلقد صار هو بمثابة الذِكْر لهم، قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143  *  {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41  *  {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89  *  {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً{10} رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}الطلاق.

نظرات في مهام الرسول

1-          مهام الرسول موضحة بكل دقة في القرءان، ولقد تم تأكيدها تأكيدا شديدا بكل صور التأكيد المعروفة ومنها التكرار، ومن هذه المهام أنه رسول ونبي ومبشر ونذير وداعٍ إلى الله بإذنه ومعلمٌ يتلو القرءان على قومه ويعلمهم آياته ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
2-          كان الرسول حاملا رسالتين؛ إحداهما إلى قومه خاصة والأخرى إلى الناس كافة، فقومه تنطبق عليهم أحكامُ وقوانين أقوام الرسل ومنها أنهم من بعد أن رأوا رسولهم والبينات التي جاءهم بها أصبح لزاماً عليهم أن يسلموا له، ومن يشاقق الرسول من بعد أن أتاهم بالبينات لابد من حسم أمرهم في هذه الدنيا.
3-          من مهام الرسول بل كل كبارِ الرسل بناءُ أمةٍ مؤمنة داعيةٍ إلى الخير آمرةٍ بالمعروف ناهيةٍ عن المنكر، وكان منوطاً بالرسول الأعظم والنبي الخاتم بناءُ أمة تحملُ راية الحق للعالمين إلى يوم الدين، ولقد رباهم الرسول وعلمهم وزكَّاهم ليكونوا كذلك، ولقد نجح الرسول في مهمته وأوجد أمة قد تفجرت طاقاتها (إن صح التعبير)، فكل مسلم كان بصفة عامة عالما ومحاربا وقاضيا وتاجرا وداعيا.....
4-          لا يعرف الإسلام مفهوم الحكم على الناس (To rule) ولكنه يعرف مفهوم الحكم بين الناس (To judge)، فلا مجال لأن يتسلط أي فرد على الأمة، وكل فرد في الأمة حاكم آمر في مجاله محكوم مأمور في المجالات الأخرى، ولقد نفى الله عن رسوله كل مفاهيم التسلط؛ فهو لم يكن عليهم بمصيطر ولا بجبار ولا بحفيظ ولا بوكيل ولا بملِك، والدين العالمي لا يحدد للناس ما لا يمكن تحديده وما هو قابل للتغير بشدة وفق درجة التطور الحضاري وظروف العصر والمصر.
5-          كان منوطاً بالرسول ولايةُ كافة أمور من اتبعه من قومه؛ القضائية والعسكرية والتنفيذية، وكانوا ملزمين أيضاً بطاعته من حيث ذلك، ولقد ألزمهم الله تعالى بطاعته كوليّ أمر وليس كملك عليهم بالإضافة إلى طاعته كرسول نبي، والفرق هائل، ولو عيَّن نفسَه ملكاً عليهم لكان له بذلك حق الطاعة بموجب كونه ملكا مثل كسرى أو قيصر ولصارت كلمته هي القانون، ولانتفى مبدأُ الثواب والعقاب ولما كان للرسالة والدعوة معنى، وهو البريء من كل هذا تماما، بل إن ما يحاول المحسوبون على الإسلام إلصاقَه به هو ما يرميه أعداء الله والإسلامِ به! إن الرسولَ النبي الداعي لا يمكن أن يكون ملكاً أبداً، أما سليمان مثلا، فلم يكن رسولا، بل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل. 
6-          لم يكن الرسول ملكا ولا رئيسَ دولة ولم يكن من مهامه تأسيس كيان سياسي أو دولة ليوصي بقيادتها لأحد من بعده، ولذلك امتنع امتناعا باتا عن تعيين أحدٍ من بعده، فهو لم يكن ليفوته أمر كهذا أبدا، ولو شاء لفعل، ولكنه كان يعرف طبيعة مهامه، وهو كان يكتفي من شيخ القبيلة أو حاكم المدينة بإعلان إسلامه ولم يتدخل في أساليب حكمهم وإنما كان يرسل قاضيا ليحكم بينهم ومعلما دينيا لهم، وهو لم يعمد أبداً إلى إدماج كل هؤلاء في كيان سياسي واحد.
7-          كان منوطاً بالإمام عليّ أن يتولى أمورهم الدينية (التعليم والتزكية) حيث أن أكثرهم (أكثر من مائة ألف) لم يؤمنوا إلا بعد فتح الحديبية ولم يتعلموا من الرسول شيئا يعتد به، وكان مطلوبا استكمال تعليمهم وتربيتهم وتزكيتهم على يديه، ولقد أخذ الرسول عليهم تعهدا بذلك على رءوس الأشهاد كما هو معلوم، وكان إعلان أن الإمام عليا هو سابق الأمة وولي كل مؤمن بمثابة إعلان النتيجة النهائية من المعلم على تلاميذه قبيل رحيله عنهم.
8-          كلمات مثل الصحبة والصحابة ليس لها أي مدلولٍ ديني، ولم يستعملها القرءان خارجَ نطاق معناها اللغوي، فهي تعبر عن مجرد التقاء لفترةٍ ما في الزمان والمكان، فهي ليست بمصطلحات قرءانية، ولكن شياطين الجن والإنس (الأمويين ومن ناصرهم) نفخوا في كلمة "الصحابة" حتى أصبحت المصطلح الديني الأقدس، وبالطبع كان المقصدُ رفعَ شأن الطلقاء والمنافقين وفرضهم على الأمة كسلطة دينية واعتبار كل تصرفاتهم ومنها جرائمهم جزءا لا يتجزأ من الدين، أما الصفوة من الذين آمنوا فقد سماهم القرءان بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فهم في غنى بهذا الاسم القرءاني عن مصطلح يسوِّي بينهم وبين الطلقاء والأطفال والمرتدين والمنافقين.
9-          ولقد حاولوا جعل كلمة الصاحب أو الصحابي مرادفة لكلمة خليل أو صديق أو حميم فتطاولوا بذلك على الرسول كما هو دأبهم، وتواضعُ المعلم الأستاذ لا يجعل من تلاميذه خلانا له ولا أندادا له، ولقد أعلن الرسول أنه لم يتخذ أحداً خليلا.
10-      لم يتخذ الرسول منهم خلانا، وقد أعلن ذلك بكل وضوح، وكان من مهامه الشهادة عليهم، فلما انتقل أصبحت مهمته الأساسية الشهادة عليهم، وهو سيؤدي شهادته بكل صدق وأمانة، والفارق في الدرجة والمرتبة هائل بين خاتم النبيين وبين من اتبعه من قومه، ولقد أعلن القرءان مسبقا أول عناصر تلك الشهادة، وهي أنهم اتخذوا القرءان مهجورا.
11-      بعد انتقالِ الرسولِ أصبح أمرُهم منوطاً بهم، فهم مبتلون كغيرهم، وأعمالهم تُحسب لهم أو عليهم، وهي لا تُلزمُ من جاء من بعدهم بشيء، ولا يجوز أن تعتبرَ جزءا من الدين، وقد كان عملا كهذا هو الذي أودى ببني إسرائيل الذين جعلوا تاريخَهم دينا.
12-      الإسلامُ دين من أهم سماته العالمية، ولسمته تلك الحكمُ على كل مصادر الدين الثانوية، ويمكن لأي شخص في أي مكان في العالم أن يكون مسلما كامل الإسلام.
13-      للإسلام مقاصده العظمى التي لها الحكم على كل ما يختص به وعلى المصادر الثانوية.
14-      النظام الإسلامي هو نظام أولي الأمر، وهم الصفوة المؤهلون لإدارة وتصريف الأمور وليس للحكم بمعناه الحديث.
15-      الشورى آلية إسلامية ملزمة للناس كافة، فكل من تولى أمرا بدءا من رب الأسرة وانتهاءً بهيئات أولي الأمر ملزمون باستعمال تلك الآلية.
16-      وحدة الأمة المسلمة على أي مستوى حتى وإن كانت أقلية في بلد غير إسلامي ركن ديني ملزم، ولا علاقة لذلك بالوحدة السياسية، بل تعني الترابط والتماسك ووجود بنية تربطهم ببعض ووحدة المقصد.
17-      لم يكن من أهداف الرسول أبداً بناءُ دولة موحدة بالمفهوم الحديث ولا مملكة، وكان يترك كل شيخ قبيلة أو حاكم في مكانه طالما أسلم، وكان يكتفي بإرسال من يقضي بينهم ومن يعلمهم أمور دينهم، وهذا هو الأمر الطبيعي، فالدين الخاتم يجب أن يكون عالميا صاحا للتطبيق في كل زمان ومكان ملبيا لحاجات كل فرد في أي بيئة وُجد فيها، ولا يوجد في الإسلام ما يلزم المسلمين بإشعال الأرض نارا وإثارة الاضطرابات في كل مكان للاستيلاء على السلطة في أي مكان وُجدوا فيه.
18-      بالطبع كان الرسول يودّ لو عرفوا للإمامِ عليّ قدره، ولقد همّ في لحظات معينة أن يوليَّه عليهم بالمعنى العام لعلمه أن ذلك أفضل في المجال الديني، ولكنه كان يعلم جيدا أن ذلك ليس من مهامه، وكان الإمام عليّ على علم بذلك، ولقد حذَّرهم الرسول من فتن كقطع الليل المظلم، ولكنه كان يعلم أن التأليف بين قلوبهم كان نتيجة تدخل إلهي خاص لإنجاح الدعوة، وأنه سينقضي بانتقاله، ولقد حذرهم في خطبة الوداع من أن يرجعوا من بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وأن يفتتنوا بالدنيا وأن يتنافسوها.
19-      إن ما سُمِّي بحروب الردة هي بالأحرى حروبُ تأسيسِ الدولة، وقد كانت نتيجةَ اجتهاد خاص بأبي بكر لم يكن أقرب الناس إليه وهو عمر بن الخطاب يعرفه أو يتوقعه، فأبو بكر هو الذي أعلنها مدوية أنهم لو منعوه شيئا كانوا يؤدونه للرسول لقاتلهم عليه! وهذه الحروب هي التي صبغت التاريخ الإسلامي من بعد بصبغة خاصة تميزه عن تاريخ الأديان الأخرى، والإسلام ليس مسئولا بالطبع عما شاب هذه الحروب من جرائم ومخالفات جسيمة، وقد ارتد بعض العرب والأعراب بالفعل، ولكن لم يكن كل من تعرض لتلك الحملات العسكرية الشرسة مرتدين بالمعنى الدقيق وإنما أبوا أن يستأثر القرشيون بالسلطة وأن يتولى عليهم من لم يشاركوا هم في اختياره، وهم كانوا يعلمون أن الصدقات إنما تؤدى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ باعتباره نبيا بموجب الأمر القرءاني: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[التوبة:103]، فهم لم يعرفوا ولم يفقهوا أي مبرر لأن يأخذ منهم أبو بكر أموالا خاصة وأن النبي لم يدمجهم في كيان سياسي واحد، بل تركهم على ما كانوا عليه، وهم بحكم طبيعتهم وعاداتهم لم يكونوا يألفون الخضوع لسلطة مركزية واحدة كسائر الشعوب من حولهم.
20-      لو تولى الإمام علي لكان أصلح لهم على المستوى الديني الجوهري، ولكن كان ثمة احتمال كبير أن ترتد قريش ومعها الطائف مع سائر العرب والأعراب أو بالأحرى لتمردوا، فأكثرهم أسلموا ولما يؤمنوا، ولتغير مجرى التاريخ.
21-      لا يتحمل الإسلام نتائج الاجتهادات البشرية، الإسلام دين عالمي اكتمل أثناء حياة الرسول، وهو تتويج للدين الإلهي الواحد، أما تاريخ المسلمين فهو شيء آخر.
22-      لقد بلَّغ الرسول الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وأشهد قومه على ذلك فشهدوا، أما من بعده فهم يتحملون كافة تبعات أعمالهم واختياراتهم وتصرفاتهم، ولقد أصابوا وأخطئوا من بعده مثلما أصابوا وأخطئوا في حياته، وآيات القرءان كما تشهد لهم فكذلك تشهد عليهم، والتاريخ يسجل أنهم اقترفوا ما حذرهم منه، فقد حذرهم من أن يضرب بعضهم رقاب بعض فضربوا ومن أن يتنافسوا الدنيا ففعلوا، ولقد روى التاريخ كيف ترك بعض أكابرهم ذهبا كان يُقسم بين الورثة بالفئوس!! وكذلك حذرهم من اتباع سنن من قبلهم فبالغوا في هذا الاتباع وحدثوا عن بني إسرائيل بدون أي حرج، والمطلوب من المسلمين الآن أن يستغفروا لمن سبق بالإيمان منهم لا أن يتخذوهم أرباباً من دون الله تعالى ولا أن يتقاتلوا حتى الفناء بسبب اختلافهم فيهم.

 



هناك 4 تعليقات: