النبي الملك داود
تحول بنو إسرائيل إلى مملكة بناءً على طلبهم، كان أول
ملوكهم طالوت (شاؤول)، اعترضوا عليه كعادتهم، كان لابد من رؤية آياتٍ ليكفوا عن إثارة المشاكل، أتاهم
التَّابُوتُ
فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبهمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ
تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، ومع ذلك لم يتمكن طالوت عند الجد إلا من جمع عدد محدود من الجنود المخلصين، تمكنوا
من هزيمة الفلستيين وسطع نجم داود لكونه هو الذي قتل قائد جيش الفلستيين، قتله في
صراعٍ خطر وليس برميه بحجر كما يقول كتاب اليهود، تولى الملك من سنة 1004 إلى سنة
965 ق.م.
و"داود" اسم عبري
معناه –كما يظنون- الحِبّ أو المحبوب، والحق هو أن معناه الحقيقي هو الذي ذكره
القرءان في الآية: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ
عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} ص، وهكذا: داود = ذو الأيد،
فالقرءان أعلم بمعاني العبرية من علماء العبرية.
وقد قبلته القبائل العبرانية
كافة ومن ضمنها قبائل الشمال، فأسس مملكة إسرائيل المتحدة، وبعد بضع سنين من حكمه
فتح أورشليم وحوَّلها إلى عاصمة لمملكته، وبدأ محاولة بناء معبد ليهوه أودع فيه
تابوت العهد مؤكدا بهذا توحيد المملكة والقبائل العبرانية، وقد أصبح اللاويون
الذراع الإدارية والتنفيذية للدولة، ثم أسس جيشاً محترفا بعد تركيز السلطة في
أورشليم، وحارب الفلستيين والمؤابيين والآراميين (السوريين) والعمونيين، وقد
استمرت الحروب سجالاً بينه وبين قبائل المنطقة في أرض كنعان، ولقد ساعدت إسرائيل
على تحقيق إنجازاتها حالة غياب القوى العظمى في ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية
الحيثية قد انهارت من قبل على أيدي شعوب البحر، أما مصر فكانت منقسمة إلى مملكتين
من بعد انهيار أسرة الرعامسة.
ويتميَّز حكم داود بتَحوُّل
القبائل العبرانية من الحياة القبلية الرعوية شبه الزراعية إلى حياة مستقرة نوعا
ما تتميَّز بوجود ملكيات كبيرة للأرض. ومـع هـذا، لم يَخلُ الأمر من متاعـب
داخلية، مثل ثورة ابنه ضده وهو ما يدل على أن النمط القَبَلي لم يكن قد فقد تأثيره
بعد.
وقد أراد اليهود جعل مدة حكم كل من شاول وداود وسليمان
أربعين سنة، وهذا غير صحيح.
وبدءاً من الآن يمكن أن تزداد الثقة في التواريخ
المعلومة وفي التواريخ الواردة في العهد القديم، ولكن يجب النظر بحذر في التفاصيل
والمعلومات!
*****
صار داود ملكا على إسرائيل
بعد مقتل طالوت وأبنائه، وحكم فيهم بشرع الله في توراة موسى عليه السلام، وظهرت
على يديه المعجزات المتتاليات منها تسبيح الجبال والطيور معه، وحَّد داود بني
إسرائيل في مملكة قوية واحدة، ووسِّع حدود مملكته، وانخرط في معارك كثيرة؛ هزم المؤابيين
والعمونيين والأدوميين، آتاه الله تعالى زبورا.
كان عصر مملكة إسرائيل
الموحدة في العصر التاريخي المعروف بالعصر الحديدي، وكان داود ماهرا في التعامل مع
الحديد؛ ذلك المعدن الذي غير مسار الحضارة، وكان يستعمله في صناعة الدروع والملابس
الخاصة بالجنود، قال تعالى:
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا
فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)} سبأ
ولقد بالغ اليهود في تشويه
صورة داود عليه السلام في كتبهم، وكان من مقاصد ذلك بيان أن حب يهوه لإسرائيل هو
فوق كل اعتبار، وأنه سيقبل منهم كل أفعالهم مهما خالفت القوانين التي ألزمهم هو
بها، فهم في النهاية شعبه الوحيد، وهو مضطر لأن يقبلهم على علاتهم، ويمكن عادة
للكهنة أن يسترضوه أو أن يحذروه من شماتة الأمم –وخاصة المصريين- بشعبه.
كما كانوا مولعين بقتل
النبيين ماديا ومعنويا، ومن الاغتيال المعنوي ما أوردوه عن قصة داود مع بثشبع زوجة
أحد جنوده، وهي بصورتها لديهم لا يمكن أن تكون صحيحة.
وقد جاء في سفر صموئيل الثاني الإصحاح الحادي عشر عن
داود:
1وَكَانَ
عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ
يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ
وَحَاصَرُوا رِبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ. 2وَكَانَ
فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ
بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ
الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ
وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ
أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ
رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ
مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ
الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». 6فَأَرْسَلَ
دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ».
فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. 7فَأَتَى أُورِيَّا
إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ
وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. 8وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى
بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ،
وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ. 9وَنَامَ
أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ
يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ. 10فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ
يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ
مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» 11فَقَالَ
أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ
فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ
الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ
امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ». 12فَقَالَ
دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ».
فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. 13وَدَعَاهُ
دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ
لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ
يَنْزِلْ.
14وَفِي
الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ
أُورِيَّا. 15وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا
فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ
وَيَمُوتَ». 16وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ
جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. 17فَخَرَجَ
رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ
دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. 18فَأَرْسَلَ يُوآبُ
وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. 19وَأَوْصَى
الرَّسُولَ قَائِلاً: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ
جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، 20فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ،
وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا
عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ 21مَنْ قَتَلَ
أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ
عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ:
قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا».
22فَذَهَبَ
الرَّسُولُ وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. 23وَقَالَ
الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا
إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. 24فَرَمَى
الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ
الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 25فَقَالَ
دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: «هكَذَا تَقُولُ لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا
الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ قِتَالَكَ عَلَى
الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ».
26فَلَمَّا
سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا.
27وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى
بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ
الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.
1فَأَرْسَلَ
الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ
رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ.
2وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 3وَأَمَّا
الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ
اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ
مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ
كَابْنَةٍ. 4فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَعَفَا أَنْ
يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ
إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي
جَاءَ إِلَيْهِ». 5فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا،
وَقَالَ لِنَاثَانَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ
ذلِكَ، 6وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ
هذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ».
7فَقَالَ
نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ
إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ
يَدِ شَاوُلَ، 8وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ
فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذلِكَ
قَلِيلاً، كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. 9لِمَاذَا احْتَقَرْتَ
كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا
الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ
قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ. 10وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ
بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا
الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً. 11هكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ
عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ
هذِهِ الشَّمْسِ. 12لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا
أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ».
وبالطبع، لا يمكن أن يكون هذا ما قد حدث،
ولا يمكن أن تكون هذه العقوبات حقيقية، و بَثْشَبَعَ هذه هي أم سليمان، وهي التي
وردت في سلسلة النسب المزعومة التي تقدمها الأناجيل للمسيح:
وَدَخَلَ إِلَى بَثْشَبَعَ وَاضْطَجَعَ
مَعَها فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَدَعَا اسْمَهُ سُلَيْمَانَ، وَالرَّبُّ أَحَبَّهُ، 25وَأَرْسَلَ
بِيَدِ نَاثَانَ النَّبِيِّ وَدَعَا اسْمَهُ «يَدِيدِيَّا» مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ.
ويُلاحظ أيضًا أن السفر يذكر وجود نبي في
عهد داود هو النبي نَاثَانَ، والسفر يقدمه كنبي أحكم وأعلم من داود.
وفي الحقيقة إن ما ذكره
القرءان عن هذه المسألة هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو بيِّن مبين، ولكن الناس هم
الذين يصرون على أن يروا القرءان بعيون أهل الكتاب والسلف، قال تعالى:
{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ
تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا
أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ
أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ
نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ
وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا
لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا
خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} ص.
لقد ضرب الله تعالى لداود
مثلا حتى يحكم على نفسه بنفسه، كان داود قد أعجب بزوجة أحد جنوده وهو أوريا الحثي
وأراد أن يتزوجها، فاستدعاه وطلب منه أن يتخلى عنها له، وأغلظ له القول، فقبل
الرجل مضطرا وطلقها له، فلم يكن له أن يرفض أوامر مليكه وقائده، فأرسل الله تعالى
أولئك الخصم (وليس ناثان كما يقول كتاب اليهود) إلى داود يمثلون له ما بدر منه،
بدأ الرجل الذي يمثل خصمه الكلام، سمع داود منه نفس كلماته التي استعملها ليرغم
أوريا على التخلي له عن امرأته، وعندها بادر بالنطق بالحكم الصائب دون انتظار سماع
قول الطرف الآخر الذي يمثله هو شخصيا!!! وما إن نطق بالحكم حتى أيقن بأنه أدان
نفسه بنفسه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ،
فغفر الله له ذلك لما كان له من سابقة عبادة وجهاد، ولكن اقتضى الأمر تحذيره
تحذيرا شديدا، وليكون هذا التحذير تهديدا ووعيدا لكل من استخلفه الله تعالى في
الأرض من بعد، هذا التحذير هو المذكور في الآيات القرءانية السابقة!
أما اليهود فتلقفوا القصة وانتهزوا
الفرصة ليتطاولوا على نبي كريم وليبرروا لأنفسهم ما هم عليه من خسة وانهماك في
التمرد على الأوامر الإلهية، فبنو إسرائيل لم يكونوا يقتلون النبيين ماديا فقط، بل
معنويا أيضًا.
وجاء في الإصحاح الأول، الملوك الأول:
1وَشَاخَ
الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ
بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ. 2فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ:
«لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ
أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ
فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ». 3فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ
جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ،
فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ. 4وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً
جِدًّا، فَكَانَتْ حَاضِنَةَ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ، وَلكِنَّ الْمَلِكَ
لَمْ يَعْرِفْهَا.
ومثل هذه القصص إنما هي من مفترياتهم، ولكن
يبقى في كتابهم شيء من الحقيقة مثلما جاء في الإصحاح السَّادِسُ عَشَرَ من سفر
الأيام الأول، وهو مما يبين كيف أن داود كان ممجدا لربه معظما لشأنه:
7حِينَئِذٍ
فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَوَّلاً جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ الرَّبَّ بِيَدِ آسَافَ
وَإِخْوَتِهِ:
8«اِحْمَدُوا
الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ. 9غَنُّوا
لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ. تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. 10افْتَخِرُوا
بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. 11اطْلُبُوا
الرَّبَّ وَعِزَّهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. 12اذْكُرُوا
عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ. آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ. 13يَا
ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ. 14هُوَ
الرَّبُّ إِلهُنَا. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. 15اذْكُرُوا إِلَى
الأَبَدِ عَهْدَهُ، الْكَلِمَةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا إِلَى أَلْفِ جِيل.
ويبين
ذلك أيضا الإصحاح التَاسِعُ وَالْعِشْرُونَ:
10وَبَارَكَ
دَاوُدُ الرَّبَّ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ دَاودُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ
أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ ربنا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. 11لَكَ
يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ،
لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ،
وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. 12وَالْغِنَى
وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ
الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ. 13وَالآنَ،
يَا إِلهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. 14وَلكِنْ
مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟
لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ. 15لأَنَّنَا
نَحْنُ غُرَبَاءُ أَمَامَكَ، وَنُزَلاَءُ مِثْلُ كُلِّ آبَائِنَا. أَيَّامُنَا
كَالظِّلِّ عَلَى الأَرْضِ وَلَيْسَ رَجَاءٌ. 16أَيُّهَا الرَّبُّ
إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا
لاسْمِ قُدْسِكَ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ. 17وَقَدْ
عَلِمْتُ يَا إِلهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ
بِالاسْتِقَامَةِ. أَنَا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِي انْتَدَبْتُ بِكُلِّ هذِهِ،
وَالآنَ شَعْبُكَ الْمَوْجُودُ هُنَا رَأَيْتُهُ بِفَرَحٍ يَنْتَدِبُ لَكَ. 18يَا
رَبُّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ آبَائِنَا، احْفَظْ هذِهِ
إِلَى الأَبَدِ فِي تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قُلُوبِ شَعْبِكَ، وَأَعِدَّ قُلُوبَهُمْ
نَحْوَكَ. 19وَأَمَّا سُلَيْمَانُ ابْنِي فَأَعْطِهِ قَلْبًا كَامِلاً
لِيَحْفَظَ وَصَايَاكَ، شَهَادَاتِكَ وَفَرَائِضَكَ، وَلِيَعْمَلَ الْجَمِيعَ،
وَلِيَبْنِيَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هَيَّأْتُ لَهُ».
والذي تلقى إلقاءات الشياطين بخصوص ما حدث كانوا منهم،
وكتبوه في كتابهم المقدس، وقد شاع ذلك بحيث لم يعد من الممكن حذفه، وهم يرتلون ما
ألقاه الشيطان إلى أسلافهم وكأنه آيات مقدسة، وبالطبع سيوجد منهم من يقول إن ذلك
دليل على صحة كتابهم المقدس، وإلا لكان من الواجب حذف هذه القصة، أو من يقول إن
اليهود كانوا أمناء في بيان أن الأنبياء كانوا بشرا تعتورهم كل العوارض البشرية.
ومنهج بعض المفسرين التقليديين هو اتباع سنن اليهود، وهم
مولعون بأساطير بني إسرائيل ويشعرون تجاههم بالنقص والدونية، لذلك فهناك من نقل
قصتهم بحذافيرها وضمنها تفسيره موهما الناس بأنه أخذها عن أحد (الصحابة) المكثرين
من الحديث بالإضافة إلى أن منهم من يميل إلى تأليه البشر، وهم أيضًا يتخيلون أن
علو المرتبة يجعل الإنسان فوق القوانين، فلما جاء المتكلمون وقالوا بعصمة الأنبياء
كان عليهم أن يجدوا مخرجا من الورطة التي أوقعهم فيها بعض السلف
*******
من قصص الأنبياء
ردحذف