الاثنين، 30 يناير 2017

الفرقة الناجية

الفرقة الناجية

يتحدث الكثيرون عمَّا يسمونه بالفرقة الناجية، ويدعي هذا اللقب لأنفسهم كل طائفة من طوائف المغضوب عليهم والضالين ومتبعي الشيطان الرجيم وعبدة أهل البغي والمنافقين والْمُشْرِكِين مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون، وهؤلاء بالطبع اتخذوا من قديم القرءان مهجورا، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ولو عادوا إلى القرءان مؤمنين متدبرين لعلموا أن الناجين قلة من قلة، وأن القرءان يقدم البديل الأرقى والأسمى، الناجون بل الفائزون هم:
1.    من بشَّرهم الله تعالى في القرءان بالجنة؛ وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، والإيمان هو بما هو مذكور في القرآن من الأمور الغيبية كلها، وكل الطوائف المحسوبة على الإسلام يبنون مذاهبهم على الكفر بالكثير منها.
2.    من أعلن أنهم هم المفلحون، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
3.    من أعلن أنهم عباد الرحمن، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
4.    من أعلن أنهم المتقون، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
5.    من كانوا حريصين على تجنب الصفات والأفعال التي لا يحبها والتحلي بما يحبه، وكل ذلك مذكور في القرءان.  
أما المحسوبون ظلما على الإسلام من غثاء السيل وعتاة الشياطين من تجار الدين والطغاة والمستبدين فعليهم أن يعلموا أنهم مجرد أدوات شيطانية لصدّ الناس عن سبيل ربهم وتكريس كفر الناس بربهم بدلا من أن يحملوا رسالة الحق إليهم، وأنهم خير عذر لهؤلاء المساكين عند الحساب في يوم الدين، فلم يتحقق بالنسبة لهم شرط البلاغ المبين.
وعلى كل الناس أن يقرؤوا هذه الآيات المزلزلة:
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} هود
والفرقة الناجية على المستوى الإنساني العام هم كل من كان حريصًا على طلب الحق واتباعه أو كرَّس نفسه لخدمة ربه في خلقه وتحقيق مقاصده.
أما الفرقة الناجية من المحسوبين على الإسلام فأمرهم أصعب وأحمالهم أثقل بحكم أنهم هم الذين أورثوا الكتاب ليحملوه إلى الناس كافة وليدعوهم إلى سبيل ربهم، وليس ليصدوهم عنه.
هذه الفرقة تضم كل من كان حريصًا على القيام بأركان الدين الحقيقية لتحقيق مقاصده الحقيقية بقدر وسعه، وأركان الدين الحقيقية هي:
1.            الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان.
2.            عبادة الله تعالى بالسعي للقيام بحقوق الأسماء الحسنى والحياة وفق مقتضياتها.
3.            ذكر الله، وذلك يتضمن الدعاء والذكر بالأسماء الحسنى والتسبيح والحمد والتسبيح بالحمد.
4.            العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالي وعلاقة حميمة معه سبحانه ودعمها وترسيخها.
5.            الإيمان بالقرءان ككتاب منزل من لدن رب العالمين والقيام بحقوقه وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعلم منهج التعامل معه.
6.            الإيمان بأن محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ هو رسول الله إلى الناس كافة وخاتم النبيين والمرسل رحمة للعالمين والعمل بمقتضى ذلك.
7.            الإيمان بالغيب المذكور في الكتاب العزيز، وعلى رأس ذلك الإيمان باليوم الآخر وبكل ما يتضمنه مما أورده القرءان عنه والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله.
8.            التزكي؛ أي تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب ولطائف ونفس وجسد، وهذا يتضمن التحلي بمكارم الأخلاق الإسلامية.
9.            الالتزام بالشريعة الإسلامية في كافة الأمور الحياتية وفي كافة المعاملات والعلاقات؛ أي العيش وفق منظومة القيم الإسلامية، (برّ الوالدين، صلة الرحم، احترام حقوق وكرامة الإنسان، تأدية الأمانات إلى أهلها، الحكم بالعدل، القيام بالقسط، إقامة الشهادة لله، الوفاء بالعهود والمواثيق، مراعاة حقوق دواب الأرض وحقوق البيئة، طاعة أولي الأمر من المؤمنين، الالتزام بالشورى في كل أمر، القيام بحقوق الأسرة والأمة.
10.         اجتناب كبائر الإثم والفواحش والانتهاء عن المنكر.
11.         إقامة الصلاة، ومنها الصلوات الخمس المعلومة.
12.         إيتـاء الزكاة.
13.         الإنفاق في سبيل الله.
14.         العمل الصالح وهو كل عمل يقوم به الإنسان للوفاء بمقتضيات أنه حامل للأمانة وخليفة في الأرض.
15.         الدعوة إلى الله؛ وهي تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
16.         استعمال الملكات الذهنية والحواس الإنسانية للنظر في الآيات الكونية والنفسية وفي عواقب الأمم السابقة ولفقه واستيعاب السنن الإلهية والكونية والإفادة منها ولتحقيق المقاصد الدينية.
17.         الجهاد في سبيل الله؛ الجهاد في سبيل الله؛ وهذا يتضمن كل ما يجب القيام به لمواجهة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين العظمى من الكيانات وعلى رأسها كيان الإنسان نفسه، ومن الجهاد القتال المشروع ضد المعتدين ودفاعا عن النفس والأهل والمال والعرض والديار (الوطن).
18.         الصيام، وحده الأدنى صيام شهر رمضان.
19.         حِجُّ الْبَيْتِ لمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا.
أما مقاصد الدين العظمى فالذي يعني الفرد هو المقاصد الخاصة به، وكل مرتبة من الكيانات الإنسانية لها مقصدها الخاصة بها، والمقاصد العظمى هي:
1.    إمداد وتزويد الإنسان بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ أي العلمُ بأسماء الله الحسنى وبسماته وشؤونه وسننه ومقتضيات ذلك من الأمور الغيبية، ومنها كلُ ما يتعلقُ باليوم الآخر، وكذلك العلمُ بما يتضمنه كتابه من الأوامر والوصايا والمعلومات والبينات.
2.    إعداد الإنسان الربانيِّ الفائق (أي الصالح المفلح المحسن الشاكر) أي الإنسان الذي يجسدُ المثلَ الإسلامي الأعلى على المستوي الفردي والمؤهلِ للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة، وهو الذي يسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الحقيقية الملزمة للفرد، وإعداد هذا الإنسان يقتضي من الكيانات الأكبر الحفاظَ على كافة حقوقهِ وكرامته كإنسانٍ مستخلفٍ في الأرض وحاملٍ للأمانة ومكرمٍ ومفضلٍ وعلةٍ غائية لخلقِ السماوات والأرض، والإنسانُ الفائق هو الذي يتميز بأرقى ملكات ذهنية ووجدانية ممكنة وبأعلى تأهيل علمي ومهني ممكن وبأسلم وأصلح بنيانٍ مادي، هذا الإنسان الصالح هو الذي يمكن أن يباهي به الله ملائكته، وهو الذي يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"، إنه الإنسان الحرّ الفائق؛ The superhuman.
3.    إعدادُ الأسرةِ الصالحة المفلحة، والأسرةُ الصالحة هي أسرةٌ شرعيةٌ قانونية تتسم بالتماسك وبسلامة ومتانة البنيان وبارتباط كل فرد منها بالآخرين بأواصر المودة والرحمة والاحترام، يقوم الوالدان بحقوق أولادهما، ويوقر الأولاد الوالديْن ويقومون بحقوقهما، فوجود هذا الكيان الإنساني المسمى بالأسرة هو أمرٌ لازم لإعداد الإنسان الرباني الفائق المفلح وهو المدرسةُ الأولى والمعملُ الأول الذي يتم فيه تربيته وإعدادُ وتنمية شخصيته وتوفيرُ البيئةِ اللازمة لكي تتفتحَ ملكاتُه ومداركُه وكذلك يتمُ منه تزويده بالعلوم والمهارات الأساسية والأولية اللازمة لكل ذلك، وفي الأسرة يجب أن يتلقى الطفل ويألفُ المنظومةَ المعنوية الإسلامية؛ أي منظومة القيمِ والتصوراتِ والمفاهيم والسننِ والأوامر الإسلامية.
4.    إعدادُ الأمة الخيرة القوية الفائقة التي تجسِّد المثل الإسلامي الأعلى علي المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها الدعوةُ إلي الله تعالى والقيامُ بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر واحترامُ حقوق وكرامة الإنسان ومعاملةُ كل من ينتمي إليها أو يحتمي بها وفق الأوامر والقيم والسنن الدينية، ومن مهامها توفير كل ما يلزم للقيام بالمقاصد السابقة من العلوم والوسائل والإمكانات، فالأمةُ تمثل الإنسان المستخلفَ والمكرمَ وحاملَ الأمانة على المستوى الأممي، وهي الأمةُ الداعية إلي الخير المجاهدةُ لإعلاء كلمة الله تعالى الساعيةُ إلي إظهار دين الحق المدافعة عن المستضعفين في الأرض والمقاومة للفتن والتعصب والاضطهادِ الديني والاستعلاءِ العنصري والإفسادِ في الأرض.
5.    تزويدُ كل كيانٍ إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجدَ من كيانات والبشرية جمعاء- بالمنظومة المعنوية (القيم، القوانين، السنن،...) التي تمكنه من التعايشِ السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمنُ التوظيفَ الإيجابيَّ للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمةٌ لصلاحِ أمر البشرية وازدهارها وقيامِها بمقتضياتِ حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايشُ السلمي بين الناس وحتى تتحققَ الاستفادةُ الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها، والمنظومة المعنوية تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع هذا المقصد تزويدُ الجماعةِ المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.
إن كل متبعٍ لدين الحق يجب أن يعلم هذه المقاصد وأن يضعها نَصبَ عينيه وأن يبذل كل ما هو في وسعه لتحقيقها.
وكل مسلم مطالب بأن يحقق هذه المقاصد لنفسه ولغيره بقدر وسعه، فالمقصد الأول يعني أن على المسلم أن يقوم بمقتضياته فيتزود بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ وينقل إلى غيره هذه العلوم.
والمقصد الثاني يستلزم منه هو أولا أن يجسدُ المثل الإسلامي الأعلى على المستوي الفردي وأن يؤهل نفسه للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة بالقيام بأركان دينه، ومن ذلك أن يزكي نفسه بالتطهر من مساوئ الأخلاق والتحلي بمكارمها وأن يكون حريصا على القيام بكل ما أمره الله تعالى به حتى يحق له أن يقول: يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق