الخميس، 18 مايو 2017

من الردود على الملحدين والمشككين 1

من الردود على الملحدين والمشككين 1

يقول الملحدون والمشككون:
كيف كانت توجد عملات معدنية ترجع إلى عصر المتسلطين الأمويين الأوائل (معاوية ويزيد ومروان) عليها رموز وشعارات مسيحية وأحيانًا يهودية؟ وكيف لا توجد أية وثيقة كنسية تذكر اسم الإسلام مثلا أو تشتكي من اعتناق المسيحيين للإسلام أو من التضييق على المسيحيين كما سيحدث من بعد؟ ألا يدل ذلك على أن معاوية كان مسيحيا مثلا، أو إنه كان حاكمًا عربيًّا تمرد على سادته البيزنطيين واستقل بسوريا، وأن الإسلام قد تم تطويره وصناعته في هذه الفترة للسيطرة على الإمبراطورية في عهد عبد الملك بن مروان المؤسس الثاني للإمبراطورية الأموية؟
الردود عليهم:
1.        قبل أن يبدأ العرب في غزو الشام كانت الإمبراطورية البيزنطية في حالة يُرثى لها رغم انتصارها على الفرس، فهذا الانتصار لم يكن البيزنطيون يستحقونه أبدًا، بل كان بمحض تدبير إلهي لأسباب معلومة، أما البيزنطيون فظلوا على ما كانوا عليه، وكانوا أيضًا يواجهون تمرد الكنائس المشرقية وأتباعها في الشام ومصر ورفضها للمذهب (الوسطي) الذي حاول هرقل فرضه عليهم بالقوة لتوحيد الإمبراطورية فزادها انشقاقًا وتمردا، وتورط جنوده في اقتراف بشاعات جعلتهم هم أنفسهم في شكٍّ من أمرهم، وجعلتهم أقرب إلى توقع انتقام إلهي، هذا مع العلم بأن جيوش البيزنطيين لم يكونوا أبدًا بنفس تعصب الصليبيين الذين سيأتون من بعد، وكانوا أقرب إلى الجيوش المهنية المحترفة، أما الرعية فقد أصبحوا يتوقون إلى الخلاص من عسف الحكم البيزنطي، وكان الرومان قد طردوا الفرس لتوهم من الشام، وكان الناس يتوقعون حكمًا أفضل، فخاب أملهم.
2.        وعندما شرع العرب في غزو الشام وجدوا أنفسهم أما حشود جاءت لتُذبح وليس لتقاتل قتالا شرسا، ووقف السكان المحليون يراقبون بحياد نتيجة الصراع الجديد، انتصر العرب على الرومان واكتسحوهم وألقوا بجيوشهم خارج الشرق الأوسط.
3.        ساعدت الظروف معاوية إذ فتك الطاعون بالناس، وعلى رأسهم رجال قريش الأقوياء مثل أبي عبيدة بن الجراح والفضل بن العباس وشرحبيل بن حسنة، كما خلصه عمر بن الخطاب من رجلٍ لا قبل له به، وهو خالد بن الوليد، كان معاوية جنديا في فرقة من الجيش الذي أرسله أبو بكر لفتح الشام، كانت هذه الفرق بقيادة أخيه يزيد بن أبي سفيان الذي هلك أيضًا في نفس الطاعون.
4.        وجد السكان أنفسهم أحرارا في دينهم، ولم يجدوا من يذكر أمامهم شيئا عن الإسلام ولا من يدعوهم إليه، فلم يكن العرب معنيين بذلك أصلا، كان شغلهم الشاغل التسلط والأموال ومتاع الدنيا وتدعيم أركان دولتهم، لذلك كان من الطبيعي أن يحظى الحكم الجديد برضا الجهاز البيروقراطي الذي كان قائما بشقيه الديني والمدني فوضعوا أنفسهم في خدمة المتسلطين الجدد، وجد هذا الجهاز البيروقراطي نفسه مطلق التصرف، وتمتعوا بحريات لم يحظوا بمثلها أيام البيزنطيين، وتعلم منهم معاوية كيف يكون بالأساس حاكما سياسيا، وما يقتضيه ذلك من استغلال الدين وليس خدمته، ولكل ذلك لم تتحدث وثائق الكنائس عن العرب كقوم أتوهم بالإسلام، فلم يكن أكثر من دخلوا الشام من العرب يعلمون عنه شيئا يُعتد به ولا يدعون أحدًا إليه، لذلك بقيت الأغلبية الساحقة من السكان في الشام على دينهم القديم، وظلت نسبة المسيحيين في الشام أعلى نسبة في الشرق الأوسط إلى الآن، ولم يتعرض لهم أحد إلا في العصر المملوكي، وذلك عندما انضم بعضهم إلى المغول والتتار ثم إلى الصليبيين في الصراعات المهولة التي ستنشب من بعد، كما تعرضوا لبعض الاضطهادات بل والمجازر في العهد العثماني أيضًا.
5.        وهكذا ترك معاوية الناس في الشام على نظمهم القديمة، وتولى طرد أي متحمس ديني يأتي إلى الشام بهدف دعوة الناس إلى الإسلام، وأصبح الدين هو ما يقوله هو للناس هناك، واستمر صك العملة على ما كان عليه، وكان بإمكانه أن يحظر وضع رموز مسيحية على العملة، ولكنه لم يفعل، وفضَّل بقاء الحال على ما هو عليه، واستمرت اليونانية هي لغة الدواوين، لذلك لا غرابة في أن يظن بعض المشككين أنه كان واليا عربيا لبيزنطة على الشام، أو يظن أنه كان مسيحيا.
6.        ومن الطبيعي أن يشرع بعض سدنة الدينين اليهودي والمسيحي في الكيد للدين الجديد وتحريفه خدمة لدينهم القديم، خاصة بعد أن رأوا قلة اكتراث الحكام المحسوبين على الإسلام، وكان أول كتاب يهاجم الإسلام في التاريخ من وضع (القديس) يوحنا منصور سرجون الدمشقي (دفاق الذهب)، وهو ينحدّر من أسرة مسيحية كبيرة جدّا؛ كان أبوه مدير إدارة بيت المال عند الفتح العربي، وكان وزيرًا عند معاوية وعند ابنه يزيد، وقد نشأ وترعرع مع يزيد فتكوّنت بينهما علاقة طيبة، ومنهم تعلم معاوية توظيف الدين لخدمة السلطة، وأنشأ طائفة القصاص في المساجد لتشغل الناس بأساطير أهل الكتاب عن أمور الدين الكبرى، وكان هؤلاء بحاجة مستمرة إلى مادة جديدة لإبهار الغوغاء والدهماء وجذب اهتمامهم، ووجدوا ضالتهم بالطبع عند أهل الكتاب، كما بدأت حركة تحريف ووضع المرويات لحساب معاوية، ولحساب مركز حكمه، وهذا هو الاتجاه الذي سيتمخض من بعد عن بناء قبة الصخرة في عهد عبد الملك بن مروان لتكون بديلا عن الكعبة.
7.        لكل ذلك فالأمويون لم ينشئوا الإسلام، وإنما أنشأوا دينًا جديدًا حلَّ محله، هو الدين الأعرابي الأموي في صورته الأولى النقية الخالصة، وفي إطار صراع الأمويين مع السابقين الأولين ومن تابعهم تفاقم العداء للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ولأهل بيته وللأنصار، ولم يجرؤ الأمويون على الجهر بموقفهم من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وإلا لانهار أساس ملكهم ولفتحوا على أنفسهم أبواب الجحيم، فاكتفوا بمحاولة النيل منه عن طريق المرويات الموضوعة، وهكذا تشكلت أسس الدين الأعرابي الأموي الناصبي، وفُرض على الناس بقوة السلطة شيئا فشيئا.
8.        تمكن عبد الملك بن مروان من القضاء على كل خصومه، وعلى رأسهم عبد الله بن الزبير، كانت ثورة عبد الله بن الزبير آخر انتفاضة قرشية حجازية ضد التسلط الأموي، وهو لم يفعل إلا أن هزم للأمويين خصومهم من أنصار أهل البيت وزاد من تفاقم التيار الناصبي لصالحهم أيضًا!!! وحتى لا تتكرر مثل هذه الثورات بدأت سياسة إغراق أهل الحجاز بالمال وشغلهم بمتاع الدنيا، فأصبحت مكة والمدينة بمثابة لاس فيجاس الجزيرة العربية.
9.        وجد عبد الملك نفسه على رأس إمبراطورية هائلة، لا تهددها إلا الإمبراطورية البيزنطية المتاخمة لها، كما وجد أن جهازه البيروقراطي وأركان دولته العميقة يتحدثون بلغة أعدائه، أما في الجناح الشرقي فكانت الفارسية هي المستعملة، وقد كان يتوجس بالطبع خيفة من هؤلاء الفرس المتربصين بدولته، وباعتباره رجل دولة وسياسيا بارعًا أصدر أمره بتعريب الدواوين، فبدأ التذمر المستتر يتصاعد ضده، وبدأ الناس في الشام يتحدثون عن الإسلام واضطهاده للمسيحيين، ثم جاء المشككون ليعتبروه هو المؤسس الحقيقي للإسلام، وكل ما فعله هو أنه بدأ يكسب دولته الصبغة العربية، وتابعه في ذلك ابنه الوليد، والذي أطلق الجيوش العربية شرقا وغربا لتصل إلى أقصى مدى يمكنها الوصول إليه.

10.    الزعم بأن الإسلام منبثق عن النصرانية هو زعم مضحك، لا يثير إلا الرثاء لمن يقول به أو يروج له، الإسلام، الماثل في القرءان وما يصدقه، هو بنيان هائل شامخ متماسك، ولديه كتاب هو الذروة في الإتقان والإحكام والبلاغة والعلوم الدينية الجديدة، ويقدم مفهومًا عن الإله لا يرقى إلى شيءٍ منه دين من قبله، ويقوض تحريفات اليهود والنصارى، كما يقدم منظومة قيم وأخلاق لا يرقى إليها أي نظام ديني آخر.

*******

هناك تعليق واحد: