التوفي
في القرءان: المفهوم اللغوي والدلالة القرءانية في سياق قصة عيسى عليه السلام
أولًا: التمهيد اللغوي والدلالي
الفعل "توفّى" في اللغة العربية من الجذر "وفى"، وهو يدلّ على الاستيفاء
والقبض التامّ، أي أخذ الشيء كاملا غير منقوص.
وعليه، فالقول "توفّى
اللهُ فلانًا" يعني في لسان العرب استوفى نفسه، أي قبضها كاملة من جسده. وقد
عبّر أهل اللغة عن هذا المعنى في معاجمهم بقولهم: توفّاه الله: قبض روحه، وفي الحقيقة أدقّ:
قبض نفسه، إذ النفس هي محلّ
الإدراك والتكليف، وهي تتضمن الروح، أما الجسد فمجرد وعاءٍ مادّيٍّ لها.
وعليه، فإنّ التوفي (tawaffī) في الاستعمال القرءاني لا يَرِدُ إلا
بمعنى القبض الكامل للنفس (the complete withdrawal of the self) من الجسد، سواء أكان
ذلك قبضًا مؤقتًا كما في النوم، أم قبضًا نهائيًا كما في الموت. أمّا الذي يُتوفّى
فهو المتوفَّى (the one whose self has been taken)، أي الذي فارق نفسه جسده، وبذلك ينتهي وجوده الحيوي في الدنيا
وتبدأ أحكام الميت من إرثٍ وعدّةٍ ونحوها.
ثانيا: التوفي والموت (death vs. tawaffī)
من الناحية التحليلية، التوفي هو السبب المباشر للموت، إذ هو فعل القبض
الإلهي للنفس، أما الموت فهو النتيجة التي تترتب على هذا القبض. وبهذا فإنّ التوفي
يُفعل بالإنسان، بينما الموت يقع عليه.
والمتوفَّى (اسم مفعول)
هو الذي توفاه ربه، أي رسل ربه، فهو بذلك الميت شرعًا، أي الذي تُستوفى نفسه
وتنفصل عن جسده انفصالا نهائيًا، فتُصبح تركته حقًا لورثته. قال تعالى:
{وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [سورة البقرة: 234]
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ
أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [سورة البقرة: 240]
فالمتوفَّون في هذه الآيات هم الأموات بلا ريب، لأن أحكام الإرث والعدّة لا
تجري إلا بعد الموت.
ومن الناحية اللغوية ففعل التوفي المقترن بالموت يرد في العبارات مطلقًا.
ثالثا: التوفي المُقيَّد في القرءان
في الآيتين الآتيتين ورد فعل التوفي مقيدًا بذكر زمنه، وهو الليل:
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ
مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُون} [سورة الأنعام: 60]
فالتوفي هنا هو قبض النفس سواء كان نهائيا (موتا) أو مؤقتا (نوما)، فيبقى
الجسد في موضعه الأرضي، فالتوفي لا يعني أبدًا رفع الجسم حيًّا إلى السماء.
فالذي يُتوفّى في الليل هو الإنسان من حيث نفسه، بينما يظل الجسد في مكانه،
ومن ثمّ فإنّ معنى التوفي لا يقتضي انتقال الجسد أو رفعه من موضعه الطبيعي (the corporeal
body remains within the terrestrial domain).
رابعا: التوفي في سياق قصة عيسى عليه
السلام
من أبرز مواضع التوفي في القرءان قوله تعالى في شأن المسيح عيسى بن مريم عليه
السلام:
{إِذْ
قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ
فِيهِ تَخْتَلِفُون} [آل عمران:55]
التحليل اللغوي والدلالي لهذا النصّ يبيّن بوضوح أن " مُتَوَفِّيكَ
"
لا يمكن أن تُفهم إلا
بمعناها الثابت في العربية والقرءان: استيفاء النفس المؤدي إلى الموت.
فالآية تُشير إلى
مرحلتين متتاليتين:
1.
التوفي: أي استيفاء نفس عيسى عليه السلام، وهو
ما يعني موته.
2.
الرفع: أي رفع تلك النفس إلى الله تعالى، لا
رفع الجسد المادي.
فلو كان المقصود هو الرفع الجسديّ الحيّ إلى السماء، لما كان في ذكر "التوفي"
معنى، ولَكَفَى أن يُقال: إني رافعك إليّ.
لكن اقتران الرفع
بالتوفي دليل على أن الرفع هنا معنويٌّ من ناحية، وخاصّ بالنفس من ناحية أخرى، أي بكيان
الإنسان الجوهري، لا ماديٌّ مكانيٌّ، إذ الله تعالى منزَّه عن الحلول في مكان، كما
أن النفس غير مادية بطبيعتها، فلا يصحّ أن يُتصوَّر رفعها فيزيائيًّا، أما الجسد
فقد سبق بيان أنه سيظل في مكانه في الأرض، فالتوفي لن يؤدي إلى رفعه إلى الله، فهو
أصلا عند الله، وكل الأماكن عند الله سواء، ولا قيمة بالطبع لمن يتصورون أن الله
سبحانه يقيم في مكانٍ ما، وأن المسيح رُفِع إلى هذا المكان ليجلس بجواره!
إنّ التعبير «إني متوفيك ورافعك إليّ» يجمع بين القبض الكامل للنفس (spiritual
completion) وتكريمها بالرفع إلى الحضرة الإلهية (divine elevation)، كما يجري لجميع الصالحين بعد وفاتهم، والشهداء المقتولون في سبيل
الله تبقى أجسادهم في الأرض، والقرءان يقول إنهم مع ذلك عِندَ رَبِّهِمْ بالفعل، قال
تعالى:
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ
بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} آل عمران
فهؤلاء الشهداء بلا شكّ أجسادهم مدفونة في الأرض، ومع ذلك هم أحياءٌ عند
ربهم؛ فـ "الرفع" هنا ليس رفعًا جسديًا، بل ارتقاءٌ في المقام الإلهي (spiritual
exaltation)، وهو المعنى نفسه في شأن المسيح عليه السلام.
خامسا: التفريق بين المعنى المؤقت
والنهائي للتوفي
ورد في القرءان نوعان من التوفي:
1.
التوفي النهائي (final
withdrawal): وهو الذي يُفضي إلى الموت، وهو لغويا يرد مطلقًا غير مقيد بزمنٍ ما، كما في
قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي
وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون} [السجدة:11]، {وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون} [سورة
الأنعام: 61]، {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ
الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم} [سورة محمد: 27]،
ومفعول هذا التوفي هو المتوفَّى، فهو الذي تنتقل ثروته إلى ورثته، قال تعالى: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم
مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ
حَكِيم} [سورة البقرة: 240]، واستعمال اسم الفاعل "متوفِّي" للدلالة على
فعل التفي أقوى في الدلالة، ويعبر عن المستقبل القريب، أي بعد الخطاب، وذلك في
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ
إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ
فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} [آل عمران:55]
2.
التوفي المؤقت (temporary
withdrawal):، وهو الذي يرد مقيدًا بالليل، فهو الذي يقع أثناء النوم كما في: {وَهُوَ
الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ
يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ
يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} [سورة الأنعام: 60]، {اللَّهُ يَتَوَفَّى
الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الزمر:42]، وفيه تُقبض
النفس مؤقتًا ثم تُعاد إلى الجسد عند اليقظة.
ولم يرد في القرءان استعمالٌ ثالث يدلّ
على قبض الجسد المادي أو رفعه إلى السماء حيًّا.
فالزعم بأنّ "التوفي"
يعني قبض الإنسان بجسده ونفسه معًا لا أصل له في العربية ولا في استعمال
القرءان، بل هو تأويلٌ مُحدَث (fabricated exegesis) لتبرير عقيدةٍ دخيلةٍ مستوردة من
تصوّرات أهل الكتاب حول رفع المسيح جسدًا إلى السماء.
سادسا: شواهد من المرويات
وبالنسبة لمن يكفرون بالقرءان
ولا يقيمون له ولا لأدلته وزنا ويريدون الدليل من المرويات على أن التوفي يكون
مقترنا بالموت، ها هي مروية نزول عيسى: (قال الإمام
أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام ، أنبأنا قتادة ، عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم
واحد ، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم ; لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل
، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران ، كأن
رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو
الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، [ ص: 458 ] ويهلك
الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض، حتى ترتع الأسود مع
الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث
أربعين سنة، ثم يُتوفَّى ويصلي عليه المسلمون")، هل رأيتم؟ "ثم يُتوفَّى ويصلي عليه المسلمون"
وجاء في البخاري نصوص عديدة تبين أن التوفي يعني الموت، ومنها:
ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي، عن بن عمر أن عبد الله بن أبي
لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني قميصك
أكفنه فيه، توفيت ابنة لعثمان رضى الله تعالى عنه بمكة وجئنا لنشهدها، قال النبي صلى
الله عليه وسلم قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه، فلم
يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي، عن جابر رضى الله
تعالى عنه قال توفي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين، عن أبي هريرة رضى
الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى
عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا، عن جابر بن عبد الله رضى الله
تعالى عنهما أنه أخبره أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، قالت
أم العلاء فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في
ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنبأنا
بن عباس رضى الله تعالى عنهما أن سعد بن عبادة رضى
الله تعالى عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، ... الخ
إن الرفع إلى الله تعالى في القرءان لا يحمل دلالة مكانية (spatial
connotation) بحالٍ من الأحوال، لأنّ الله سبحانه ليس محدودًا في مكانٍ أو جهة.
فالرفع إليه هو ارتقاء
في المقام والقرب (proximity of rank)، لا في الاتجاه أو المسافة، كما في قوله تعالى:
وعليه، فقولُه تعالى لعيسى عليه السلام: {ورافعك إلي}ّ
يعني تكريمه ورفع شأنه
ومقامه بعد وفاته، كما رُفع مقام الشهداء والصالحين، وليس رفعه بجسده إلى فضاءٍ
سماويٍّ ماديٍّ.
ثامنا: النتائج والاستنتاجات
1.
الفعل "توفّى"
في القرءان يعني استيفاء
النفس من الجسم، وهو مقترن عادة بالموت.
2.
المتوفَّى هو الميت الذي قبض الله
نفسه، وأصبح جسده بلا حياةٍ في الأرض.
3.
ورود فعل التوفي مقيدًا بزمن الليل،
يشير إلى حالة النوم، ولا يحدث فيها أي رفع للجسد إلى السماء.
4.
ليس لفعل التوفي أي علاقة برفع الجسم،
فالجسم في كل الأخوال يبقى في الأرض.
5.
ليس لفعل الرفع إلى الله أي دلالة
مكانية، لذلك فرفع النفس إلى الله ليس رفعًا مكانيًّا، بل هو انتقال إلى حضرةٍ غير
مادية (metaphysical realm) ، وكل كيان هو أصلا عند الله، فكل الأماكن عند
الله سواء، ولا قيمة بالطبع لمن يتصورون أن الله سبحانه يقيم في مكانٍ ما، وأن
المسيح رُفِع إلى هذا المكان ليجلس بجواره! ولكن هناك "رفع" بالمعنى
الخاصّ للدلالة على رفعة الدرجة عند الله.
6.
قول الله تعالى { إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } نصّ صريح محكم،
وهو يؤكد على أن الله تعالى توفى عيسى عليه السلام بعد انتهاء الخطاب، وما تلى ذلك
لتأكيد علوّ درجته عنده، لا على رفع جسده
حيًّا.
7.
كلّ إنسانٍ، نبيًّا كان أو شهيدًا،
يُتوفّاه الله ثم يرفعه إليه، والَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون، وليس
لذلك أي دلالة مكانية.
8.
محاولة صرف هذه الآيات عن معناها
العربي البيّن لتوافق تصوّراتٍ خارجة عن البيان القرءاني إنما هو تحريف تأويليّ (hermeneutical
distortion).
خاتمة
يتّضح من هذا التحليل أنّ التوفي في القرءان مفهومٌ ميتافيزيقيٌّ دقيق يرتكز
على التمييز بين النفس والجسد، وبين الفعل الإلهي في القبض (divine
withdrawal) وبين النتيجة الوجودية لذلك الفعل وهي الموت.
والتعبير القرءاني في
شأن عيسى عليه السلام جاء محكَمًا صريحًا في دلالته على استيفاء نفسه ورفعها إلى
الله تعالى، لا على رفع جسده المادي، وبذلك تنتفي الأسطورة الكتابية (the Biblical
myth) التي صاغها بعض
المتأثرين بالموروث المسيحي عن الصعود الجسدي، إذ لا يقرّها نصّ ولا ينهض بها لسان.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق