سدنة الدين الأعرابي الأموي يخاطبون القرءان
سدنة الدين الأعرابي الأموي
يقولون للقرءان: اسمع أيها القرءان! لقد اجتمعنا نحن، سدنة الدين الأعرابي الأموي
السلفي، وقرّرنا ـ بعد بحثٍ مستفيض ـ أن لا تتجاوز حصتك في بنية الدين ربعًا
ناقصًا، وسيتقاسمه معك: الإجماع، والقياس، والاستصلاح، والاستحسان، وسائر ما
سنستحدثه من أدوات التحليل المقدّسة حسب مقتضى مصلحة السلطان اللعين، وما نتلقاه
من الشيطان الرجيم، ولقد حظي قرارنا هذا بإجماع الأمة وتلقته بالقبول، كما حظي برضا
ومباركة كل شياطين الإنس والجن، ولم نعلم له مخالفًا.
القرءان: ولمن إذًا سيكون ثلاثة أرباع الدين؟
السدنة: للسنة
المطهّرة، طبعًا.
القرءان: وما المقصود بـ"السنة
المطهّرة"؟ أهي سنة الله الكونية وسنته في خلقه التي أتضمنها بين آياتي؟
السدنة (متعجبين): لا يا أيها القرءان! بل تلك السنة التي
بين دفّتي الصحيحين وكتب السنن، والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها!
القرءان: غريبٌ أمركم، ما علمتُ أن لي سننًا أخرى
خارج نصي، ولا أنّ البخاري كان شريكًا لي في ملكي!
السدنة (بغطرسة): أما علمت أنك أنت من أمرتنا باتباع
السنة؟ ألم تكن تقصد ما دوّنه البخاري وشركاؤه بعدك بقرنين!
القرءان (بهدوء شامخ): لا أدري عمّا تتحدثون، ولكن الذي أعلمه
أني كتاب الله العزيز، الحقّ والصدق، المهيمن والعليّ الحكيم، العظيم والمجيد، حكم
الله الذي لا يُشرك في حكمه أحدًا.
السدنة (متبرمين): اسمعْ أيها القرءان، لقد جادلتنا فأكثرت
جدالنا، ونحن لا نحب الجدال إلا حين يكون ضد العقل أو دفاعًا عن باطل! فهلاّ
أقررتَ بأن حاجتك إلى مروياتنا أعظم من حاجتها إليك، وأن الصحيحين هما الحكم فيك،
وأن سلطانهما يعلو سلطانك؟!
حسبك أن يُتلى اسمك للتبرك في
المناسبات، وأن يشتغل الناس بإعرابك وموازنتك بالشعر الجاهلي المقدّس ليتأكدوا أنك
لا تلحن!
حسبك
أن يُستخرج من آياتك شيء من البديع والطباق والجناس، وأن تُتلى في المآتم والحفلات
حتى يصرخ السامعون وتسيل دموعهم ويتصايحون ويبكون، ويذرفون الدمع الهتون!
حسبك
أن تُختم قراءتك في التراويح كل عامٍ مرةً واحدة، وأن تُعلّق في السيارات
والمحالّ، وتُكتب بماء الذهب على الجدران، وتُزيّن بنسخك المكتبات.
أما
أمور الدين والدنيا، والحكم والسياسة والقتال والنساء والعبيد والجزية والسبي،
فدعها لـ صحيح البخاري.
القرءان: ولماذا يجب عليّ أن أفعل
ذلك؟
السدنة (متبرمين): هل حقًّا لا
تعلم الأسباب؟ البخاري لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولم يغب عن علمه مثقال
ذرة في الأرض ولا في النفوس.
البخاري لم يترك أمرًا إلا وقد
بين له حكما، وفي أحيان عديدة قدم له حكمين متناقضين.
وماذا عن صلاة الظهر؟ لماذا لم تذكر
ولو مرة واحدة شيئا عن صلاة الظهر، بينما ذكرت حديث النملة للنمل؟
أين عقوبة قتل المرتد التي لولاها
لكفر بك الناس؟ أين رجم الزاني؟ أين جهاد الطلب لقتل الناس ونهب أموالهم
واستعبادهم إن لم يؤمنوا بك؟
هل تريدنا أن نسترسل في ذكر
الأمور الأخرى؟
ولماذا تحاول أن تطعن في البحاري؟
ألم يكن يعلم أسماء المنافقين الذين لم يعلمهم الرسول نفسه بنصّك؟
ألم
يكن يدرك خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
ألم
يكن يطّلع على نيات ستة أجيال من البشر قبل أن يُولد هو نفسه؟
ألم
يكن كالنار الموقدة التي تطّلع على الأفئدة؟
ألا
تعلم أنه كان يستطيع أن يحفظ أي مروية بسندها ولو تم قلبها رأسًا على عقب، وكان
يمكنه إعادتها إلى أصلها، فهو بذلك كان متمرسا في فكّ الشفرات A
decoder قبل أن يعلم العالم كلخ شيئا عن ذلك؟
ألا تعلم أنه كان إذا أراد أن
يدوّن حديثًا توضّأ وصلّى ركعتين!
فكيف
تظن بعد كل ذلك أنه يمكن أن يخطئ؟!
القرءان (بصوتٍ متهدّجٍ مفعمٍ
بالأسى):
عجبًا
مما أسمع! الذي أعلمه الآن أنكم اتخذتموني مهجورًا.
صنعتم
دينًا بديلا، أساسه الظلم والقهر والعدوان، لا العدل والرحمة والإحسان.
حوّلتم
الرسالة التي نزلت رحمةً للعالمين إلى رسالة نقمةٍ على العالمين.
جعلتم
الدين مطيّةً لنهب الثروات، وذريعةً لاستباحة الإنسان، وسلاحًا لتبرير الطغيان.
نصبتم
أنفسكم أوصياء على الناس باسم الله، فظلمتم أنفسكم والبشرية معكم.
لكن
اعلموا: لن تفلحوا إذًا
أبدا، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق