الاثنين، 25 أغسطس 2014

الجهاد في سبيل الله ، الجزء 1

الركن السابع عشر
الجهاد في سبيل الله
الجزء 1

إن الجهاد هو ركن من أركان الدين الملزمة لكل الكيانات الإنسانية من الفرد إلى الأمة، وهو يتضمن جميع الأعمال والإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها من قبل الكيان المسلم ضد كل ما يعوق سعيه للقيام بأركان الإسلام ودعم وتوطيد وترسيخ قيمه ومثله وسننه وتحقيق أهدافه ومقاصده، وأخطر ما يعوق هذا السعي هو نفس الكيان.
فالجهاد يعني أن يبذل الكيان الإنساني غاية الجهد لتحقيق مقصد كلي أو فرعي من مقاصد الدين أو للقيام بركن من أركان الدين أو لدعم وترسيخ قيمه وسننه وذلك في وجود ما يمكن أن يحول بينه وبين ذلك من الكيانات المادية أو المعنوية أو اللطيفة أو الكثيفة بما في ذلك الكيان نفسه أو مكوناته أو صفاته، فالجهاد يتضمن كل الأعمال المشروعة التي يمكن أن يقوم بها الكيان المؤمن لتحقيق مقاصد الدين على كافة المستويات، فهو يتضمن بذلك مغالبة الكيان المسلم لأي كيان -بما في ذلك نفس الكيان- يحاول أن يحول بينه وبين تحقيق مقاصد الدين والقيامِ بأركانه وتحقيق قيمه، لذلك فعندما يكون الكيان فردا فإنه يكون ملزماً بجهاد نفسه، وجهاد النفس يعني مغالبة مقتضيات نقصها من الأحاسيس والأهواء والدوافع والرغبات والعادات التي تحول بين الإنسان وبين تزكية كيانه، فهو يتضمن جهاداً ضد الصفات المترتبة علي نقص نفسه اللازم لها والذي يجتذب إليها إيحاءات وإلقاءات ووساوس شياطين الإنس والجن.
ومن الأركان الفرعية للجهاد: جهادُ النفس، التصدي للظلم والبغي والكفر والنفاق والشرك والفساد والإفسـاد في الأرض، وكذلك مقاومة الجهل والتخلف والاستبداد والطغيان والفسوق، وجهاد الكفار والمنافقين يعني بذل غاية الجهد للتغلب عليهم ودحضِ حججهم ودمغِ باطلهم ولكنه لا يتحول إلى قتال إلا دفعاً لعدوان صريح منهم أو درءاً لفتنة، فالجهاد يتضمن كل سعي وعمل إيجابي ضد كل ما يحول بين الكيان المجاهد وبين مقصد ديني يسعى إلى تحقيقه.
------------
إن الجهاد في سبيل الله تعالي يتضمن كل ما يجب القيام به لمواجهة ومغالبة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين من الكيانات المعنوية والمادية ومنها كيان الإنسان نفسه، فعلي الإنسان أن يجاهد نفسه بمغالبة مقتضيات نقصه، فكل إنسان ملزم باستخدام كل موارده وإمكاناته المادية والمعنوية لتحقيق المقاصد الدينية.
فمن مقاصد الدين العظمى إعداد الإنسان الرباني الفائق وإعداد الأمة الخيرة الصالحة والتعايش السلمي المثمر مع الآخرين، فكل عمل أو جهد لتحقيق ذلك هو أمر ديني لازم، وكل عمل أو جهد لمغالبة من يحول دون تحقيق ذلك هو من الجهاد.
وعلى سبيل المثال فذكر الله تعالى هو من أركان الدين، والتحقق به هو من مقاصد الدين التي هي من لوازم إعداد وبناء الإنسان الرباني الفائق الصالح المفلح، وبالطبع هناك الكثير من الكيانات والعوامل التي ستعمل على منع تحقيق كل ذلك وعلى رأسها نفس الإنسان والشيطان، فكل عمل للتغلب على هؤلاء هو من الجهاد.
والجهاد يستلزم التصديَ بقدر الاستطاعة للظلم والبغي والجور والطغيان والإفساد في الأرض واضطهاد الناس في دينهم، فعلى الفرد أو الجماعة مثلا التصدي للبغي الصادر من فرد أو جماعة، أما البغي الصادر من كيانات أكبر فهو مسؤولية الأمة، وعلي كل فرد ألا يسمح بظلم أو إفساد في النطاق القريب منه، ومفهوم الإفساد يتسع وفقاً لمقتضيات التطور؛ فهو يشمل الآن مثلا كل عدوان علي الممتلكات أو الأموال العامة وكل تخريب أو تلويث للبيئة وكذلك يشمل استعمال الوسائل الحديثة لإشاعة الفواحش والترويج لها وكل ما يؤدي إلى إهدار حقوق أو كرامة الإنسان، ومن صور الإفساد الحديثة ما يسمى بالإرهاب؛ فهو يؤدي إلى ترويع الأبرياء وتدمير الممتلكات ولا يجلب إلا الشر، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الاستسلام للظلمة والركون إليهم وموالاتهم، فلابد على الأقل من الإنكار القلبي لأفعالهم، ولابد من لعنهم طالما كانوا ظالمين مثلما لعنهم الله تعالي في كتابه العزيز، ولابد من العمل للقضاء علي كل ما يسمح بوجودهم واستنباتهم، ومن الجهاد التصدي للمتهجمين علي الله وكتابه ورسوله وتفنيد أقوالهم وكشف مدى زيفها وضلالها، ومن الجهاد التصدي كذلك للمذاهب الضالة التي فرَّقت الدين وأحدثت وتبنَّت وأشاعت تصورات خاطئة عن رب العالمين وتقولت عليه ولم تعرف قدر كتابه ورسوله، والجهاد قد يستلزم القتال في سبيل الله تعالى عند توفر شروطه الشرعية اللازمة وذلك في ظل وجود الأمة الخيرة الفائقة.
ومن كبائر الإثم المضادة لركن الجهاد: التقاعس والتراخي والرضا بالدنية والإخلاد إلى الأرض والتخلف عن القتال عندما تتوفر شروطه الشرعية التي توجبه وكذلك الفرار من ميدان القتال.
ومن لوازم وتفاصيل هذا الركن الجهاد بالمال أي الإنفاق في سبيل الله أي لتكون كلمته هي العليا؛ وذلك بتمويل الجهاد ضد أعداء الله والأمة، ولقد سُمِّي هذا النوع بإقراض الله قرضاً حسناً وكفى بذلك شرفا.
والجهاد بالنفس يتضمن بالضرورة الجهاد بكل ما هو للنفس من قوى وموارد وإمكانات، ومن تلك الإمكانات الوقت، فالمطلوب من الكيان المسلم أن يكرس كل ما يستطيع من وقت لتحقيق مقاصد الدين، والمطلوب منه أيضاً أن يعمل كل ملكاته الذهنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا لنصرة الحق، والملكات الذهنية هي الآن أسمى الموارد والإمكانات فعلى كل إنسان أن يستعملها لنصرة الحق ودحض الباطل.
-------
إن الجهاد هو كل ما يجب القيام به لمواجهة ومغالبة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين العظمى من الكيانات المعنوية والمادية ومنها كيان الإنسان نفسه، وهذا يلزم الإنسان بالتصدي أولاً لمظاهر نقصه هو  ثم التصدي للجهل والخرافات وعبادة الأسلاف والصيغ والمذاهب المحنطة والأساليب المزيفة لتلقي المعارف، وقد يستلزم الأمر مواجهة أهل الكهنوت والجهلوت والتصدي للإفساد في الأرض، وكذلك من الجهاد التصدي للحملات ضد الإسلام في الداخل والخارج ودحض الشبهات التي يعمل على نشرها أعداؤه، فللجهاد صوره العديدة التي تتنوع وتتطور بمضي الزمن.
إن من الجهاد اللازم الآن الدفاع عن دين الحق ضد ما يتعرض له الآن من حملات التشويه، والدفاع عن كتاب الله تعالى ضد محاولات تهميشه وإلغاء أحكام آياته ومنع الناس من النظر فيه وتدبره، والدفاع عن رسول الله ضد المفتريات التي دسَّها الأسلاف في التراث ويدافع عنها بشراسة عبيدهم ويستغلها الآن أعداء الدين ضد الدين، وكذلك التصدي للمذاهب والشيع التي مزقت الأمة وفرقت الدين، وكذلك التصدي لما تحفل به الكتب التراثية من الأساطير والخرافات والخزعبلات والأكاذيب والافتراءات التي تحاول النيل من قدر الله وكتابه ورسوله.
------------
إن الجهاد هو من الأركان الدينية الملزمة لكل الكيانات الإسلامية بدءاً من الفرد وانتهاءً بالأمة، فكل كيان ملزم به بقدر وسعه.
والجهاد هو من أركان الدين غير المحدودة؛ فهو قابل للاتساع والتطور باطِّراد التقدم، ومن صور الجهاد اللازمة الآن الجهاد ضد ما استجد من وسائل الإفساد في الأرض، وما يسمى بالإرهاب هو من وسائل الإفساد في الأرض، فهو يؤدي إلى ترويع الأبرياء وتدمير الممتلكات ولا يجلب إلا الشر، وهو يعطي المجال لأعداء الإسلام لتشويه صورته وشن الحملات الإعلامية الظالمة ضده، فما يسمى بالإرهاب هو من وسائل صد الناس عن سبيل الله تعالى، بل هو الآن من أكثرها فعالية.
ومن وسائل الإفساد التي يجب الجهاد ضدها: كل سعي لتقويض القيم والأخلاق ونشر الفواحش والتطاول على الناس بالباطل والتمادي في تكفير الخصوم التكفير المخرج من الملة وكذلك تأليه سدنة المذاهب والسلف والقائمين على الأمور أو كل ذي سلطة وشغل الناس بالباطل وتبديد المال والوقت فيما لا جدوى منه. 
------------
والجهاد هو نشاط طبيعي وليس بأمر استثنائي، وعلي الإنسان أن يوطن نفسه عليه في حياته الدنيا، فالدنيا دار فتنة وابتلاء وتمحيص، ولا يغني عن أعمال الجهاد الحقيقية أعمال مثل خدمة المساجد أو ممارسة الأعمال الطقوسية والشكلية أو ارتداء ما يسمونه بالملابس الشرعية، والذي سينتفع بالجهاد هو الإنسان نفسه؛ فهو لن يبلغ بجهاده نفع ربه، والإنسان مطالب بالتمسك بحسن الخلق والحلم والعفو والصفح والبر عند تعامله مع الآخرين إلا إذا حاول هؤلاء فتنته أو فتنة جزء من الأمة في الدين أو بادروا بالعدوان عليهم، فعندها لابد من التصدي الحاسم لهم وقتالهم إذا لزم الأمر.
والقتال المشروع هو من الصور الممكنة للجهاد، ولكي يكون مشروعا ينبغي أن يكون في سبيل الله أي خضوعاً لأمر شرعي حقيقي وليس طلباً لعرض دنيوي أو استجابة لأهواء النفوس أو لوساوس الشياطين أو لنوازع مذهبية أو حزبية أو طلباً لسلطة، والإنسان مطالب بالدفاع عن كل ما استخلفه الله فيه من مال وأهل وديار، والتي يجمعها الآن مفهوم الوطن الذي يوفر للإنسان حاجاته الفطرية الأساسية المادية والمعنوية، فالقتال دفاعا عن الوطن وعن تماسك الوطن هو قتال في سبيل الله، فهو قتال مشروع، وهو من الجهاد.
وللجهاد وسائله العديدة، وكل عمل يقوم به الكيان الإنساني لتحقيق مقاصد الدين ويتضمن مغالبة كيان آخر هو جهاد، وكل عمل يؤدي إلي زيادة القوة المادية والاقتصادية والثقافية وزيادة الثقل الأمري للأمة وموارد الأمة ومنعتها وتحقيق عزتها هو جهاد.
فالجهاد إنما هو لتكون كلمة الله هي العليا على كافة المستويات، وهذا يتضمن العمل لكي تعلو وتسود قيم ومبادئ ومثل وسنن دين الحق الذي هو كلمة الله التامة، وهذا بدوره يتضمن الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ونصرة المستضعفين ومقاومة الاضطهاد والفتن والظلم والتمييز العنصري والإفساد في الأرض.
فالجهاد إنما يكون في سبيل الله تعالى ومن ذلك القتال إذا لزم الأمر للدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكف بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم ومحاربة حرية العقيدة، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتد بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريماً باتاً، وعليهم الالتزام بكل آداب القتال والأوامر الشرعية المنظمة له فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو البهائم أو النباتات، فلا يجوز الإفساد في الأرض، ومن لوازم الجهاد أخذ الحذر من الأعداء والكافرين وألا يوالوا عدوا لله أو للأمة، والآثام المضادة لهذا الركن تشمل التخاذل والوهن وموالاة الأعداء والاستسلام لهم.
------------
من لوازم ركن الجهاد: الجهاد ضد الظالمين والمستبدين والمفسدين، والجهاد دفاعا عن المستضعفين وعن حقوق المستضعفين، والجهاد ضد المعتدين وأهل البغي، الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، ولكن تمَّ وأد كل ذلك لحساب المتسلطين والمفسدين والطغاة والمستبدين والمجرمين.
وكلما كبر الكيان الإسلامي كلما اشتدت أهمية هذا الركن وعظم شأنه، فالجهاد في سبيل الله تعالى هو ركن من الأركان الكبرى الملزمة للأمة.
فالأمة ملزمة بالجهاد لتكون كلمة الله هي العليا على كافة المستويات، وهذا يقتضي مقاومة كل كيان يحاول إطفاء نور الله بالتصدي لدين الحق، والجهاد يتضمن مقاومة الاضطهاد والفتن والظلم والتمييز العنصري والإفساد في الأرض، وكذلك يتضمن الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ونصرة المستضعفين والتصدي لأهل البغي، فالجهاد إنما يكون في سبيل الله تعالى.
وقد يقتضي الجهاد القتال إذا ما توفرت شروطه الشرعية، فمن القتال الشرعي الدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكفِّ بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتد بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريماً باتاً، والغايات لا تبرر الوسائل في الإسلام، فيجب دائماً الالتزام بالوسائل الشرعية، والمسلم في الحقيقة يتعبد إلى ربه بالالتزام بالوسائل الشرعية والحركة في إطار حدودها، فلا يجوز القتال في سبيل مكاسب الدنيا ولا للتوسع في أراضي الآخرين ولا لإكراههم على الإيمان.
وإذا ما اضطر المسلمون إلى القتال –عند توفر أسبابه الشرعية- فعليهم الالتزام بكل آدابه والأوامر الشرعية المنظمة له فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو الدواب أو النباتات، ومن لوازم الجهاد أخذ الحذر من الأعداء والكافرين واجتناب موالاة أعداء الله والأمة.
والآثام المضادة لركن الجهاد تشمل الإخلاد إلى الأرض واتباع الأهواء واتباع إلقاءات الشياطين والتخاذل والوهن والهلع والجذع والخيانة وموالاة الأعداء والاستسلام لهم والعمل على إضعاف وحدة الأمة وبنيانها.

ومن الأركان الفرعية لهذا الركن التصدي للظلم والبغي والجور والإفساد في الأرض الصادر عن كيانات كبيرة كالدول، فعلي الأمة ألا تسمح بظلم أو إفساد في النطاق القريب منها، ومفهوم الإفساد يتسع وفقاً لمقتضيات التطور؛ فهو يشمل الآن مثلا كل عدوان وكل تخريب وكل تلويث للبيئة وكل ما يؤدي إلي هلاك الحرث والنسل وكل عدوان علي القيم الرحمانية التي هي من أقدس مقدسات الإسلام، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الاستسلام للدول الظالمة والركون إليها وموالاتها، ولابد من العمل علي التصدي لهم وردعهم وكف بأسهم، ولابد من التصدي لكل عدوان ولو كان صادرا عن كيان محسوب علي الإسلام.
والأمة المؤمنة لا تقاتل إلا لتحقيق المقاصد التي شُرع من أجلها القتال مثل نصرة دين الحق وإعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين ومنع الفتنة وكف بأس الذين كفروا ودرء العدوان وردع المعتدين، فالالتزام بذلك يضمن لها النصر النهائي الحاسم، أما القتال من أجل المغانم الدنيوية فليس من مهام الأمة المؤمنة بل هو من العدوان المنهي عنه بنصوص قاطعة، ولقد كان الانشغال بالغنائم الدنيوية من أسباب الهزيمة في أحد وبواتييه (في فرنسا) ومن أسباب تقويض صرح الأمة المؤمنة، وجماع كل الجهود اللازمة لتحقيق النصر هو الجهاد وهو ركن ديني ملزم للأمة المؤمنة.
ومن السنن الكونية الخاصة بالكيانات المخيرة أن ترك الجهاد يجلب الأمراض التي تصيب الكيان الجوهري للأمة ويعرضها للعقاب العاجل وربما يستبدل بها غيرها إذ لابد من وجود أمة تحمل بطريقةٍ ما الرسالة الخاتمة، وكذلك الأمر في كل الأركان المنوطة بالأمة؛ فإن تركها يستوجب عقاباً عاجلا في تلك الدنيا وذلك للمسئولية المضاعفة الملقاة علي عاتقها، وعندما يصبح حال قومٍ ما ميئوسا منه تقتضي السنن أن يستبدل بهم غيرهم، وهكذا حمل راية الإسلام العرب ثم الفرس ثم المصريون والأتراك والتتار والمغول، وقد تنشأ أمم خيِّرة جزئيا في شتي بقاع الأرض.
والجهاد هو من أركان المنظومة المعنوية الإسلامية، والهدف منه على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة هو أن تكون كلمة الله هي العليا وهذا ينبغي أن يتحقق أولا في باطن الإنسان بمعني أن يكون العلو والسيادة في هذا الباطن للمنظومة الأمرية الإسلامية، مثال: إن الله سبحانه يريد من الإنسان أن يذكره وأن يدعوه بأسمائه الحسني وأن يحسن الظن به وأن يحقق ما يريده ربه منه، ويريد الشيطان من الإنسان أن يغفل عن ذكر الله وأن يقول عليه ما لا يعلم وأن يسيء الظن به، وتريد النفس منه أن يخلد إلى الأرض وأن يتبع هواه، فإن ذكر الإنسان ربه وأحسن الظن به رغم سعي الشيطان ورغم أهواء النفس فقد جعل كلمة الله هي العليا وجعل كلمة الشيطان السفلي، ويجب العلم بأن ذكر الله تعالى هو الإكسير الذي يحوِّل التراب إلى ذهب أي يحول كل فعل مهما هان شأنه إلى عبادة حقة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وهو الذي يرفع الإنسان من أسفل سافلين إلى أعلى عليين.
------------
والجهاد هو ركن شاق، لذلك كان الصبر من أركانه ولوازمه، والمقصود بالصبر المثابرة والجلد ومتانة البنيان النفسي والقدرة على التحمل والصمود ومواجهة الصعاب، والجهاد إنما يكون ضد أهواء النفس وليس لصالحها، وهو يتضمن التغلب على عوامل القصور الذاتي وكل ما يشد الإنسان إلي أسفل، والجهاد لا يكون أبداً استجابة لنوازع الشر والرغبة في العدوان، إن أركان الإسلام متسقة لا تناقض فيما بينها، ولا يمكن في سبيل القيام بركن اقتراف كبيرة من كبائر الإثم كالعدوان مثلا.

والآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}البقرة218  *  {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران142 *  {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء95  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54  *  {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}التوبة16  *  {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة19  *  {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }التوبة20  *  {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24  *  {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }التوبة41  *  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73  *  {لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}التوبة88  *  {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل110  *  {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }الفرقان52  *  {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6  *  {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69  *  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }محمد31  *  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحجرات15  *  {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الصف11  *  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التحريم9.
-------
والجهاد هو من الأركان العامة الملزمة لكل كيان إنساني، لذلك فهو ملزم لكل من الفرد والأمة ولكل ما يمكن أن يستجد من الكيانات، وأهميته تتزايد بقدر ازدياد حجم الكيان الإنساني وإمكاناته، والجهاد يتضمن مجاهدة أي كيان إنساني بما في ذلك كيان الإنسان نفسه لتحقيق مقاصد الدين، وقد يستلزم ذلك –عند توفر الشروط الشرعية- قتال من يحاولون اطفاء نور الله والعمل علي تقويض دينه وفتنة معتنقيه، ومن الجهاد التصدي للمتهجمين علي الله ورسوله وكتابه وتفنيد أقوالهم وحججهم وكشف مدى زيفها وضلالها.
والجهاد يكون بما يتيسَّر للإنسان من موارد، وكما أنه لا يجوز الفرار من ميدان المعركة الصغير المحدود -بل يعد مثل هذا الفرار من الكبائر- كذلك لا يجوز الفرار من ميدان المعركة الكبير وهو العالم بأسره، بل إنه علي الإنسان أن يعمل فيه بكل طاقته ووسعه ولقد بيَّن القرءان للناس أن الغلبة هي لمن جمع بين صفات الإيمان والصبر والفقه.
والجهاد ليس هو القتال بالضرورة، الجهاد في سبيل الله هو بذل غاية الجهد والطاقة والوسع لتحقيق المقاصد الدينية باتباع ما تضمنه القرءان من الأساليب الشرعية، وللجهاد وسائله السلمية العديدة، والقتال هو الحل الأخير عندما لا يكون ثمة مناص منه، فعندما تجد عدوا مصمما على الاعتداء عليك ونهب أموالك إخراجك من ديارك فلن يكون هناك مناص من بذل كافة ما هو في وسعك للتصدي له، هذا حق مشروع وفق كافة الأعراف والمواثيق الدولية الآن، وما قرره الإسلام أنه جعله عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق