الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

الإسلام والديمقراطيـة

الإسلام والديمقراطيـة

إن الديمقراطية طبقاً للتعريف الشائع هي حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب، وهذا ما لم وما لن يتحقق أبدا إلا في تجمع صغير من الناس، وهذا التعريف يمثل بالأحرى المقصد من الديمقراطية، أو هو أمل لا سبيل إلى تحقيقه، ولا يجوز تعريف الأمر بالمقصد منه، وكم من فئة ادعت أنها هي الشعب وأن لها وحدها حق التحدث باسم الشعب، والذي يحدث عادة هو أن فئة معينة تمثل أصحاب مصالح مشتركة هي التي تملي إرادتها على هذا الشعب وتسيره وفق مصالحها هي الخاصة.
وعلى سبيل المثال فلم يكن من صالح الشعب الأمريكي مثلاً الزج به في حرب فيتنام ولا في العراق، وليس من مصلحته مناصرة إسرائيل، بل إن مناصرة إسرائيل هي ضد مصالح أمريكا والشعب الأمريكي وقد تؤدي في النهاية إلى تفتيت أمريكا أو إضعافها على الأقل، ولكن توجد فئة تمكنت من فرض إرادتها باستعمال شتى الوسائل على سائر الشعب هناك.
فالديمقراطية في الحقيقة هي جماع قيم وآليات لضمان سلمية الصراع بين مراكز قوي مختلفة تود تحقيق مقاصدها وضمان مصالحها الخاصة.
------------
إن الديمقراطية لا تصلح إلا كوسيلة للتعايش السلمي بين مراكز قوى ونفوذ متعددة ومتدافعة ومتناقضة في دول لديها آليات لمتابعة التقدم ورعايته ويتوفر لشعوبها القدر اللازم من الرقي والثقافة والوعي، أو على الأقل يتوفر لديها قدر من الانضباط والولاء لقادة طوائفهم، ولا توجد فيها تناقضات حادة لا تسمح بالتعايش السلمي، ولكن هذه الديمقراطية لا تصلح لتحقيق طفرات تقدمية ولا لعلاج مشاكل شعوب ضربها الجهل والتخلف والانحطاط في مقتل.
ولا حاجة إلي الديمقراطية الغربية عند شعوب تملك صيغاً للتعايش السلمي بين مراكزها وطوائفها المتعددة أو تتسم أصلاً بالتجانس، ولا جدوى من الديمقراطية إذا كانت هذه الطوائف طوائف دينية أو مذهبية أو عرقية أو لغوية بحيث توجد أغلبية كاسحة وأقليات متعددة كما هو الحال في معظم الأحيان، ولكن المطلوب هاهنا هو نظام مدني ليبرالي اجتماعي يلتزم بسيادة القانون ويحترم حقوق الإنسان ويملك صيغة فعالة لتحقيق التقدم، إن محاولة افتعال نظام ديمقراطي في بلد لا حاجة له به ولا جدوى من تطبيقه فيه لن يزيد الأوضاع إلا سوءا، فسيؤدي ذلك بالضرورة إلي ظهور أحزاب مفتعلة وإلي إحداث انقسامات وإلى استهلاك طاقات الأمة في تمزيق نفسها وتكريس مشاكلها، وبالطبع سيوجد من يسيء استغلال مشاعر الناس الدينية ومن سيتلقى أموالاً من كافة القوى الأجنبية لتمويل حملاته الانتخابية فيكون ولاؤه من بعد لهم وعمله لتحقيق مصالحهم، وسيوجد من يسخِّر الناس للعمل ضد مصالحهم الحقيقية.
إن من أشد أخطار الديمقراطية هو إلزامها الأمة بالأخذ برأي الأكثرية في كل الأحوال رغم أن رأي الأكثرية هو خطأ في جلِّ الأحيان، والحق هو أن الديمقراطية هي أفضل من كل ما يناقضها من نظم تسلطية، ولكن الأمة التي تريد التقدم يجب أن تأخذ بالنظم الإدارية الحديثة الحقيقية فهي أكثر اتساقاً مع دين الحق، وفي تلك النظم يتولى الإدارة هيئات من أولى الأمر المؤهلين الخبراء المتخصصين ويتعلم كل إنسان أن يأخذ برأي ولي الأمر (الخبير المؤهل المتخصص الجدير بالأمر) كما يأخذ برأي الطبيب المعالج عند مرضه وأن يطيع القانون لأنه يعبر عن آماله ويجسد طموحاته ويجد فيه ملجأه وملاذه.
-------
رغم أن الديمقراطية على النمط الغربي ليست هي الحل الأمثل لمشاكل الدول المحسوبة على الإسلام وليست بالأحرى الوسيلة الأمثل لبناء دولة قوية متقدمة، فإنه لا يوجد لها بديل الآن، لذلك فكل مجموعة ترى أن لديها مبادئ مشتركة وبرنامجا متفقا عليه فيما بينهم مدعوة الآن إلى سلوك الطريق الآمن الوحيد: تشكيل حزب يمثلها والدعوة إلى مبادئه وبرنامجه بالطرق السلمية المشروعة، ويجب تفعيل ما هو متفق عليه في أي نظام ديمقراطي من استبعاد التنظيمات الإرهابية الدموية التي لا تعترف بمبدأ المواطنة ولا بالديمقراطية أساسا ولا تلتزم بالتعايش السلمي مع الآخرين.
-------
كل محاسن ومزايا النظام الديمقراطي موجودة في الإسلام، ولكن الإسلام بريء من عيوبها، والإسلام يجعل كل أمر من الأمور بما فيها السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية بيد أولي الأمر المؤهلين تأهيلا تاما، ويجعل الأمر شورى بينهم لا يستبد به أحد، ولكن الإسلام لا يعترف بسلطة للأكثرية ولا يذكر الأكثرية إلا في موضع الذم، ومن المعلوم أن هذه الأكثرية تتلاعب بها أجهزة الإعلام حتى في أشد الديمقراطيات رسوخا، ولا وجود في الإسلام لصناديق انتخابات يُساق إليها الناس بالرشاوى، فالإسلام لا يسمح بالهبوط بالإنسان إلى مرتبة القطعان من الأنعام.
فالهدف ليس تحقيق الديمقراطية وإنما هو الرقي بالأمة بكاملها إلى أعلى درجة ممكنة وجعل الإنسان إنسانا ربانيا فائقا وليس دابة في قطيع حزبي.
-------
إن نجاح الدول الغربية وتقدمها ليس بسبب الديمقراطية وحدها، بل إن الديمقراطية هي من نواتج التقدم وهي في وجوده وتحققه تصبح أيضاً من الدوافع إليه ومن عوامل الحفاظ عليه، وإنما تقدَّمَ الغرب بسبب منظومة القيم السائدة في دوله والتي يتربى عليها الغربي ويتشرب بها حتى إنه يصعب عليه إمكانية تخيل نمط حياة بدونها، وهذه المنظومة تضمن لكل شعب غربي بل لكل الشعوب الغربية الإفادة من كل إنجاز أو مجهود يبذله أدني فرد فيهم مهما كانت ضآلة هذا الإنجاز أو المجهود بعكس الحال في الدول المتخلفة وخاصة في المشرق العربي حيث تسود منظومة أخلاق ومفاهيم وتصورات قادرة علي إهدار وتبديد كل الإنجازات والمجهودات مهما عظم قدرها ومقدارها، والمنظومة الغربية تسمح لهم بمتابعة التقدم والبناء علي ما سبق، أما المنظومة العربية الشرقية فتحطم وتبدد كل مجهود وتعيد الناس دائما إلي نقطة الصفر وربما إلي ما دونها.
------------
إن إنشاء أحزاب مفتعلة أو حقيقية والسماح لها بالثرثرة في برلمان وإنشاء جرائد أو فضائيات للترويج لأفكارها كل ذلك لا يصلح لتحقيق التقدم والنهوض الحقيقي الجاد بالأمة، بل هو بالأحرى من أسباب استنفاد طاقاتها وترسيخ أسباب الخلاف فيها، ولكن في غياب المعرفة بدين الحق وما لديه من صيغ وآليات لبناء الأمة الخيرة الفائقة فإنه لا بديل عن نظام مدني ليبرالي لتحقيق قدر طفيف من التقدم والرقي بالناس، والعلمانية الحقة لا تتعرض للأمور الدينية ولا تفرض على الناس ما يتناقض مع عقائدهم، ولكنها لا تلزم الكل بمذهب البعض ولا تعطي مزايا مجانية لأتباع أية طائفة أو مذهب.
ولا حاجة بالأمة إلى كل المظاهر المهرجانية التي تصاحب تطبيق الديمقراطية، ولكن لابد من حرية الفكر والإعلام وتداول الآراء والأفكار ولا بد من قوة القانون والنظام ومن التحضر والرقي العام.
------------
إن الديمقراطية هي منظومة قيم وآليات تبلورت نتيجة للصراع الهائل الذي نشب في أوروبا بين قوى الرجعية ممثلة في الكنيسة ومن كان يستمد شرعيته منها مثل الملوك والبارونات وبين مختلف القوى الصاعدة من فلاسفة وعلماء وتجار وبرجوازية ومثقفين وإنسانيين وإصلاحيين، ولقد تمخض كل ذلك عن الإطاحة بالملوك المستبدين أو تحجيم سلطاتهم ومنع تسلط الكنيسة علي أمور الناس العامة وفصل الدين عن الدولة، ولذلك أصبح من حق ممثلي الأمة سنّ ما يلزم من قوانين وتشريعات تجسِّد القيم الحقيقية السائدة، وأصبحت الديمقراطية من الناحية العملية تجسيداً لمصالح مراكز القوى في كل بلد، هذا مع العلم بأن مفهوم القوة أخذ يتطور مع العصر، فهو لا يعني الآن المال أو العصبية أو القوة العسكرية فقط كما كان الحال في الماضي.
------------
إن الديمقراطية نظام يقوم على الصراع السلمي بين القوى المتدافعة ذات المصالح المتعارضة والآراء المختلفة في الوطن الواحد، والديمقراطية وما يترتب عليها من ثرثرة برلمانية لا تصلح بالفعل لتحقيق التقدم وحماية حقوق الإنسان وكرامته في البلدان المحسوبة ظلماً علي الإسلام وخاصة فيما يسمى بالعالم العربي، ولا جدوى من محاولة افتعال نظام ديمقراطي في مثل هذه البلدان التي تفتقد كل آليات مثل هذا النظام، والأجدى هو أنه علي كل من يستطيع شيئاً أن يعمل علي رفع المستوى الثقافي العام لتلك الشعوب، ومن ذلك أنه لابد من القضاء علي الجهل والتخلف ورفع مستوي التعليم والثقافة والعمل علي حماية الناس من قوى الجهلوت والكهنوت والطاغوت وتجفيف منابع تلك القوي، وعلي النظم الجادة ألا تترك ساحات المساجد لقوي الجهل والتخلف لتقوِّض كل جهد للرقي بالأمة.
------------
إن نجاح النظم الديمقراطية الغربية كان له أسبابه التاريخية ومنها نهب خيرات المستعمرات والظروف التي فرضها التطور التاريخي والصراع الحاد والدموي بين قوي الجهل والتخلف والكهنوت المتمثلة في الكنيسة وملوك يحكمون بالاستناد إلى شرعية مستمدة من تلك الكنيسة وبين قوي التقدم المتمثلة في الفلاسفة الإنسانيين والماديين والعلماء الطبيعيين يدعمها شعور شعبي متنام تولَّد من معاناة هائلة نتيجة قرون متطاولة من الظلم والاستعباد والطغيان والصراع بين الأسر الحاكمة المتسلطة والمجازر الدينية المذهبية الدموية، وكان أيضا بسبب رسوخ منظومة قيم وصفات إيجابية نتيجة لعوامل لا حصر لها، والحق هو أن منظومة القيم الإسلامية الحقيقية هي أرقى بكثير من منظومة القيم الغربية.
أما النظام الأمثل فهو أن يتولى أمور الأمة هيئات دائمة من أولي الأمر في كل مجال من المجالات بحيث لا تتدخل جهة في اختصاصات الأخرى، وتكون الشورى هي آلية التعامل فيما بينهم للوصول إلى الرأي الأمثل، ويجب أن يكون ثمة آليات متفق عليها تضمن تأهيل كل إنسان بحيث يتخصص في المجال الملائم له وبحيث يتولى إدارة كل هيئة أفضل عناصرها وبحيث تتراكم فيها الخبرات الخاصة بمجال تخصصها، ويجب بالطبع أن يكون ثمة دستور يتضمن كل ما يلزم من قواعد وقوانين عامة ملزمة للناس والهيئات تحكم العلاقات بين الهيئات المختلفة وتضمن ألا تتجاوز أية هيئة نطاق عملها ومجالها.
------------
إن الديمقراطية لا يمكن لها أبداً أن تصلح أحوال شعب مبتلىً بكافة الأمراض والعاهات الاجتماعية، ومعظم الشعوب المحسوبة على الإسلام مبتلاة لأسباب عديدة بقائمة هائلة من هذه الأمراض المزمنة والعاهات الخطيرة، وفي مثل هذه البلدان سيهرع الناس على حزب الحكومة أو المؤيد من الجهة المتسلطة، ومثل هؤلاء سيمتلكون بذلك صكا يتيح لهم العلو على القانون والتطاول على الناس، وستستهلك بذلك طاقات الأمة في مهاترات وإحباطات ومنازعات لا تنتهي، ولن تجني الأمة من كل ذلك إلا تكريس جهلها وتخلفها وازدياد تسلط منظومة الصفات الشيطانية عليها، أما سن القوانين فلن يقوم به في النهاية إلا بعض المتخصصين أيضاً، ولكن هؤلاء لن يكونوا ملتزمين بالضرورة بأحكام الشريعة، وهم من الناحية الأخلاقية أو القيمية لن يكونوا أفضل من سائر الناس بل قد يكونون أسوأ من حثالتهم.
------------
إن جوهر الديمقراطية ولبابها هو استمداد التشريع من الشعب ممثلاً في أشخاص منتخبيه، والحق هو أنه لا حرج في أن يسن أولو الأمر للناس ما يلزمهم من القوانين، ولكن أولي الأمر هؤلاء يجب أن يكونوا أولي أمر حقيقيين، بمعنى أنهم يجب أن يكونوا قد تلقوا التأهيل اللازم في الأمور الدينية والقانونية وكل ما يلزم معرفته في المجال المطلوب فيه سن القوانين، هذا إذا كان الأمر يتعلق بأمة إسلامية تريد أن تعيش وفق ما يفرضه عليها دين الحق.
أما في الدولة الحديثة أي الدولة وفقاً للمفهوم الحديث والتي تتعدد أديانها وأعراقها ومذاهبها فإنه على الناس الاستفادة من كل ما هو متاح من معارف ومن تجارب الأمم الأخرى، وفي غياب المعرفة بدين الحق وسيادة المذاهب التي حلَّت محله لا بديل عن العلمانية والليبرالية في مثل هذه الدولة الحديثة، أما الديمقراطية فهي مجرد نهج أو مجموعة من الآليات المحايدة والتي يمكن أن يستبدل بها غيرها، ومن البدائل الأكثر فعالية نظام هيئات أولي الأمر، فآليات الديمقراطية ولوازمها لا يمكن أن ترقى بالمستوى العام للناس وإنما يمكن أن تؤدي إلى تكريس وترسيخ ما هو موجود، فإذا كانت الدولة متخلفة فلن تزداد بالنظام الديمقراطي إلا تخلفا، والدول التي تقدمت حديثاً في ظل نظام ديمقراطي كان لتقدمها أسباب أخرى منها أن الشعب كان على درجة مقبولة من الرقي أصلا أو أنها تأخذ بنظم إدارية حديثة أو أنها تأخذ بآليات تقدم علمي فعالة وجادة أو أنها تطبق القوانين بجدية وصرامة.....، إن آليات التقدم في العصر الحديث معلومة ومنها ما ذُكِر، ولا يمكن لتحقيقها الاعتماد على من يجهلونها تحت أي مسمى، إن القيام بشيء من أمور دولة حديثة هو عمل كسائر الأعمال بل هو من أهم الأعمال، ويجب أن يتلقى من يريد القيام بذلك أرقى تأهيل ممكن ولا يجوز أن يترك للأهواء أو الأمور العشوائية.   
واستمداد التشريع من الشعب ممثلاً في أشخاص منتخبيه -وهو لب الديمقراطية- لا يعني أبداً اتخاذهم أرباباً مشرعين من دون الله، فلابد للناس ممن يسن لهم القوانين التي تلزمهم للتعامل مع ما يستجد من الأمور مع الالتزام بمنظومات السنن والقيم الدينية، ولم تظهر الحاجة لذلك قديماً لجمود الأوضاع وثباتها وتخلف وانحطاط الشعوب المحسوبة على الإسلام من ناحية ولسيادة الاستبداد والطغيان من ناحية أخرى، أما في العصر الحديث فالناس في حاجة ماسة إلى قوانين في كل ما استجد من أمور الحياة وهي كبيرة كما وجديدة نوعا، وبالطبع لم يخطر أمر من هذه الأمور ببال أحد من السلف ليشرع لها، ولم يكن من المطلوب أبداً وجود قوانين لكل ما يمكن أن يستجد من أمور إلى قيام الساعة، ولذلك كان لابد من أولي أمر تشريعيين لسن ما يلزم من قوانين، والنظام الإسلامي الحقيقي يقتضي أن يكون هؤلاء أولي أمر حقيقيين، وهم إن كانوا كذلك بالفعل فسيأتي ما سيسنونه من قوانين على اتساق واتفاق تام مع منظومة القيم الإسلامية ومع قواعد التشريع الإسلامية، وهذا هو المطلوب، وتشريعهم بالتالي لن يحلل حراماً ولن يحرم حلالا، ذلك لأنه ليس لهم التدخل فيما قرره دين الحق أصلا.
------------
يعرف بعضهم الديمقراطية بالقول بأنها:
"أن يختار الناس من يحكمهم ويسوس أمرهم، وألاّ يُفرض عليهم حاكم يكرهونه، أو نظام يكرهونه، وأن يكون لهم حق محاسبة الحاكم إذا أخطأ، وحق عزله إذا انحرف، وألاّ يُساق الناس إلى اتجاهات أو مناهج اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية لا يعرفونها ولا يرضون عنها".
وليس هذا بتعريف على الإطلاق للديمقراطية وإنما هو بالأحرى حلم إنساني ليس إلا، أي إنه مجرد هدف يعلم الكل أن لا سبيل إلى تحقيقه بحذافيره، ففي أعرق الديمقراطيات يختار الحاكم أو الاتجاه أو القرار بأغلبية قد لا تتجاوز 51%، وهذا يعني أن حوالي نصف الناس لن يتحقق بالنسبة إليهم التعريف المذكور إذ سيحكمهم من يكرهونه وسيسوقهم إلى حيث لا يرتضون وسيرون نصف الأمة الآخر يصفقون لقرارات تعتبر في نظرهم هم جرائم أو أخطاء جسيمة!
إنه في نطاق الوطن الواحد أو الشعب الواحد من حق أية طائفة ترى أن ثمة ما يجمعها من المبادئ أو الميول أو المصالح أو المقاصد أن يكون ثمة إطار شرعي أو كيان شرعي يجسد اتجاهها هذا، وذلك أقرب إلي تحقيق مقاصد دين الحق، والنظام الديمقراطي يشكل أيضاً جماع آليات ووسائل لتحقيق ذلك، ولكن لا يجوز أن يؤدي ذلك إلي تكوين أحزاب تسعى للاستحواذ علي السلطة عبر الصناديق إلا للضرورة القصوى، إن ذلك يعطي مزايا غير موضوعية للأكثرية العددية، إن النظام الحزبي لا يصلح للنهوض بشعوب أعماها الجهل وضربها التخلف والانحطاط والفقر القيمي والماضوية في مقتل، ولقد نجحت الديمقراطية بالفعل مع شعوب كانت أكثر فقراً في الموارد الاقتصادية وعاشت علي مدى التاريخ علي هامش التاريخ البشري، ولكن تلك الشعوب لم تُشرب في قلوبها منظومة الصفات الشيطانية كما حدث مع الشعوب المسماة بالإسلامية.
------------
الديمقراطية هي جماع مناهج وآلات وتقنيات ذات طبيعة خاصة للقيام بأمور شعب ما، وهي تستند إلي منظومة معينة من القيم والمفاهيم والتصورات، ولابد من أن تكون هذه المنظومة الأمرية المعنوية هي المنظومة الحاكمة بالفعل علي الناس؛ وعلي سبيل المثال فلابد أن يؤمن كل الناس مثلا بأنهم أكفاء وأنهم سواء أمام القانون وأن يكونوا مبرمجين علي العمل بمقتضى ذلك، فلا يمكن أن تنجح الديمقراطية في مجتمع تعتقد طائفة منه بأنها الشعب المختار أو الفرقة الناجية من دون الناس لمجرد انتمائهم إلي أصل عرقي معين أو إلي ملة ما أو إلى تنظيمٍ ما كما لا يمكن أن تنجح في وجود شعب جاهل تتسلط عليه منظومة معنوية ومذهبية تجعله يقدس من تسلط عليه ويعبد ما ألفى عليه آباءه.
وواقعياً فإن الديمقراطية هي وسيلة سلمية لتداول السلطة بين مجموعات من مراكز القوى والتسلط، ومن أسباب نجاحها أنها بذلك تعمل علي جعل كل مركز رقيباً على الآخر بحيث لا يستطيع أحدهم أن يخالف القانون أو أن يسيء استخدام السلطة وبحيث يلتزم الكل بمنظومة القيم المتفق عليها.
------------
إن الديمقراطية هي نهج وآليات مجردة محايدة لا تنتمي إلى أي فلسفة أو فكر أو دين أو مذهب، فهي ليست بعقيدة ولا تقدم بديلا عن أي مذهب ولا تقدم حلولا لأية مشكلة ولكنها البديل الذي وجده الناس في الغرب ملائماً لظروفهم وبديلا عن الصراع الاجتماعي والحروب الأهلية وسياسات القمع والإقصاء، ونجاحها يستلزم توفر حد أدنى من الرقي الإنساني والاجتماعي والثقافة، وهي لكل ذلك لا تصلح لحل مشاكل حقيقية ولا لتحقيق طفرات تقدمية.
------------
إن تكوُّن الأحزاب في مجتمع غربي هو أمر طبيعي، وهو البديل الراقي عن الصراع الدموي الذي جربوه كثيراً وعرفوا وخبروا ويلاته، وتلك الأحزاب تختلف فيما بينها ولكنها لا تشكِّل إلا صوراً ممكنة لما هو سائد من تيار عام فهي تنبع منه وتصب فيه، أما أي تجسيد لتيار آخر آت من مصدر آخر أي نابع من منظومة قيم مختلفة فهو غير مسموح له بالوجود إلا مهمشاً أو كصورة فلكورية، ومما هو جدير بالذكر أن كراهيتهم العميقة للغيبيات سوف تقضي علي مستقبلهم في الآخرة وعلي سعادتهم في الدنيا علي المستوي الجوهري.
------------
يظن البعض أن الديمقراطية هي الحل لكل مشاكل الأمة، بينما هم يعلمون جيداً أنه لا يمكن إجراء أية انتخابات نزيهة في مجتمع يسوده الفقر والجهل والتخلف والانحطاط والنفاق وانعدام الضمير وازدراء القانون والاتجار بالدين والفوضى والعشوائية وغير ذلك من شتي عناصر المنظومة المعنوية الشيطانية السائدة في نفوس الناس، إن مجتمعاً كهذا يمكن استنفار قوى الجهل والتعصب فيه وحشدها ويمكن استغلال الناس ضد مصالحهم ويمكن استغلالهم من قِبَل كل من يرفع راية الدين حتى ولو كان شيطاناً رجيما، كما يمكن خداعهم بمكاسب مادية تافهة، إنه لا جدوى من قيام الأحزاب في المجتمعات المسماة بالعربية ولا طائل من إجراء انتخابات حقيقية أو وهمية، إن حل مشكلة السياسة الداخلية هي ألا يكون ثمة هيئات تتكسب من تلك السياسة الداخلية أو تبدد شيئاً من موارد الأمة لأغراض حزبية، إن شئون الشعب الداخلية يجب أن تتولاها هيئات تكنوقراطية محترفة تلتزم بالمواثيق والأعراف والقوانين الدولية وعلي رأسها بالطبع مواثيق حقوق الإنسان وتعمل لصالح الوطن والشعب كله، وعلي من يريد أن يلتحق بتلك الهيئات أن ينضم إليها بعد أن يحصل علي تأهيل في معاهد خاصة يتعلم فيها كل ما يلزم من معلومات تاريخية وجغرافية وسياسية وإدارية وثقافية وعلمية علي أيدي علماء متخصصين محترفين، ولا بأس من الاستعانة بخبراء من الدول المتقدمة لتحقيق ذلك.
------------
إن شعار (الإسلام هو الحل) هو كلمة حق أريد بها باطل، وهو شعار أشد ضلالاً وأسوأ عاقبة من شعار (الديمقراطية هي الحل)، ذلك لأن أكثر المسلمين لا يعرفون شيئاً يعتد به عن دينهم، وهم لا يتعصبون له إلا كتراث للآباء والأجداد، ولو حاولوا العودة إلي ما يتصورون أنه الإسلام لما عادوا إلا إلي مذاهبهم الضارة المفلسة المتخلفة التي حلَّت محلّ الإسلام والتي مزقتهم وخربت بلادهم وأعادتهم إلي ما قبل العصور الحجرية من قبل أن يأتي الاستعمار الأوروبي، وما قوم طالبان الأفغان والصوماليين وأكلة لحوم البشر من السلفيين الوهابيين منكم ببعيد.
------------
إن نجاح النظام الديمقراطي يستلزم حداً أدني من رسوخ التقاليد والقيم والتطور وكذلك حداً أدني من البشر المؤهلين والمتمرسين، وهي لا تحقق بالضرورة طفرات تقدمية أو إحياء أمة، أما سبب تقدم شعوب أوروبية مثل الأسبان والبرتغاليين والتشكيك...الخ بعد الأخذ بالديمقراطية فلأنهم كانوا أوروبيين بالفعل وعلي صلة وثيقة بالثقافة والقيم والمناخ والتأثير الأوروبي العام فضلا عن تعاطف الغرب معهم ودعمه لهم وليس تآمره عليهم ولا تربصه بهم، هذا فضلاً عن أنه كان لدي شعوبها من الدوافع والحوافز والإصرار ما جعل اللحاق بالغرب أمرا لازما وحتميا لهم.
إن الشورى ليست هي الديمقراطية وإنما هي آلية لتبادل الآراء بين مجموعة من الناس بخصوص أمر مشترك فيما بينهم، وهي نوع من التدبر والتفكير الجماعي والمشاركة في الحواس والملكات والخبرات يتيح للكيانات الإنسانية تبادل الخبرات والاستعمال الأمثل للملكات، وهي بمقتضى القرآن ركن فرعي من أركان الدين، وهي من تلك الحيثية ملزمة للناس أجمعين وخاصة بين أولي أمر معين، والمقصود بأولي أمر معين هم أكثرهم إلماماً به وتأهيلاً له وإحاطة به من كافة جوانبه والذين وصلوا إلي ذلك وفقا لآليات شرعية مقررة ومعترف بها من الناس، فولي الأمر ترشحه لذلك ملكاته وقدراته وإنجازاته وصفاته وتحقيقه لكافة المتطلبات اللازمة.
أما الديمقراطية فهي البديل للصراع الدنيوي، فهي منظومة مبادئ ومفاهيم وآليات لجعل التنافس علي القيام بالأمر بين أولي المصالح المتناقضة أو مراكز القوى أو المتنافسين تنافساً سلميا، ولابد من رسوخ مفاهيم وقيم وآليات تضمن استقلال السلطات وتقتلع نزعات عبادة البشر وتوثينهم من النفوس، ولا يمكن أن تنجح الديمقراطية في شعوب يقدس أفرادها كل من تسلط عليهم وقهرهم وعلا عليهم لأي سبب من الأسباب، ويلاحظ أن كافة المذاهب المحسوبة علي الإسلام توطن الناس علي توثين طوائف معينة من البشر والخضوع لهم، ويلاحظ أن النظام الفرعوني هو نتيجة لازمة لأحوال شعب ما، فالفرد في مثل هذا النظام يجمع كما يجمع المغناطيس بين طرفين كل منهما نقيض للآخر ولكن لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فكل منهما لازم لوجود وتعين الآخر، والنقيضان هما الخضوع والذل من ناحية والاستكبار والطغيان من ناحية أخري، لذلك يستطيع أي فرد أن يظهر أقصي درجات الخنوع والذل والتملق والنفاق والماسوشية لمن هو أعلي منه ويمارس أقصي درجات الاستكبار والفرعنة والسادية ضد من هو أدني مرتبة منه، أما الديمقراطية فتتضمن منظومة قيمها ما يضمن تنمية ودعم وتزكية الصفات الايجابية والفعالية في نفوس الناس وترسخ فيها مبادئ التكافؤ والمساواة ووحدة الأصل البشري وتسخر من الطغيان والتسلط، إن سر نجاح الديمقراطية هو توفر الآليات الرقابية حيث تجعل من كل حزب من الأحزاب المتنافسة رقيباً علي الآخر ويساعد علي ذلك قوة الصحافة ووسائل الإعلام وحرية الفكر وحرية تبادل المعلومات، وكذلك معاملة سائر الناس كبشر طبيعيين وليس كأرباب معصومين، ولا بديل لتحقيق الرقي بالنظام الديمقراطي إلا تفعيل منظومات قيم ومقاصد وسنن وأركان دين الحق فهو يحقق للناس أفضل ما في الديمقراطية ويحميهم من شرورها، وهو الكفيل بتحقيق السعادة للعالمين في العالمَيْن.
------------
إن موقف الإسلام من المنافقين لمما يدل علي أقصي درجات التسامح التي لم يصل إليها دين ولا عقيدة مذهبية أو سياسية من قبله ولا من بعده، إن ما قبله الإسلام من المنافقين لم يكن ليقبله أحقر متسلط أموي أو عباسي من معارضيه؛ فلقد كان هؤلاء يقتلون الناس لمجرد الشك في ولائهم، أما الإسلام فقد كان يسمح لهم حتى بانتقاده والخوض في آياته ولا يطالب المسلمين بأكثر من الإعراض عنهم وهم يخوضون في الآيات وليس الإعراض عنهم مطلقا، ولم يؤمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بعقابهم ولا بتأديبهم، ولقد كانوا يؤذون النبي نفسه بأقوالهم فلم يؤمر بأكثر من الإعراض عنهم.
------------
إنه لا يوجد بديل الآن عن إقامة نظام ليبرالي مدني وطني اجتماعي، ويجب ألا يسمح بالفعل لأية قوة تدعي أنها تمثل الدين بالتسلط علي الوطن الذي هو لكل من انتمى إليه؛ أي إنه لابد من ترسيخ مبادئ المدنية والمواطنة وحرية العقيدة والفكر في كل وطن لا يريد الانتحار في هذا العصر أو لا يريد الدوران في حلقات مفرغة حابسة من الفشل والإحباط، ودين الحق في الحقيقة يقدم للناس أفضل مما يقدمه النظام المذكور بكل قيمه ومبادئه، ولكنه للأسف سيتعرض لهجوم كاسح من شياطين الإنس والجن الذين يريدون محو شعوب هذه المنطقة من الوجود أو علي الأقل إبقاءها في حلقة مفرغة من الفشل والهزيمة والإحباط وفقدان الكرامة، هذا بالإضافة إلي هجوم آخر من كافة المذاهب المحسوبة على الإسلام وكافة النحل التي أعماها الجهل والتعصب والتطرف والتخلف والبغضاء، ومن المعلوم أن منتحلي الأديان الأخرى والمذاهب المحسوبة على الإسلام يفضلون أن يتجرعوا شراباً من حميم وكئوساً من العذاب الأليم على أن يتذوقوا دواءً حلوا يأتيهم به الإسلام.
------------
إن النظم المدنية العلمانية الليبرالية السائدة الآن في الغرب هي خير النظم التي يمكن للمسلمين هناك أن يتعايشوا معها ويحققوا مقاصد دينهم العظمى، ولكن شياطين الإنس والجن لن يتوانوا عن استخدام عباد المذاهب الضالة المحسوبة على الإسلام ضد المجتمعات الغربية مما سيدفع بها إلى الردة جزئياً أو كلياً عن علمانيتهم، وربما يعودون إلى صليبيتهم، وعندها ستدفع البشرية كلها الثمن غاليا.
-------
إن الديمقراطية كانت نتاجا طبيعيا لتقدم الغرب ورقي منظومة القيم التي لديه وتطورها، وهي أيضا من وسائل الحفاظ علي هذا التقدم، فهي تعمل علي الحفاظ علي الأسباب التي أدت إلي ظهورها، ولكنها ليست بالضرورة الطريق الأمثل كما أنها لا تصلح إلا إذا توفرت وسادت قبلها منظومة القيم اللازمة والمنتجة لها، ولم تكن هي التي أوصلت الغرب إلي حالته تلك ولكنها كانت من ثمار حضارته وتقدمه.
والأحزاب لديهم هي من وسائل إعداد أولي الأمر من النواحي التشريعية والتنفيذية وتدريبهم وتربيتهم وتعليمهم وتنمية إمكاناتهم وقدراتهم والسماح لهم بالعمل السلمي المنتج والإنجاز والتعامل والتواصل مع الناس والتعرف عليهم ومعايشتهم، وتعدد الأحزاب يؤصل إمكانية التعايش السلمي بين أناس مختلفين، فهو البديل عن ثقافة التمانع والتنافي والتناحر والاستئصال السائدة في العالم المحسوب ظلماً علي الإسلام والتي تجعل كل طائفة تود الفتك بمن يختلف عنها أو معها وتريد الاستمتاع بسحقه واستئصاله، وتعدد الأحزاب يوفر آلية رقابية ناجعة وفعالة واقتصادية مما يحد من الإجرام والفساد وسوء استغلال النفوذ، والأنشطة الحزبية هي من أفضل وسائل إعداد أولي الأمر والرقي بالرأي العام وتثقيف الجماهير فيما يتعلق بالأمور التشريعية والتنفيذية.
إن محاولة تطبيق النظام الديمقراطي تصبح أمرا خطرا وغير ذي جدوى بالنسبة إلي أمة تعاني من الجهل والتخلف وشتي العاهات والأمراض النفسية والاجتماعية والتي تجعل منها بيئة حاضنة لجراثيم وميكروبات وفيروسات كل صفة ذميمة وكل خلق ردىء ويشيع فيها الظلم والجور والاستبداد وأكل الحقوق بالباطل وازدراء الآخر والتعالي عليه بالباطل وازدراء القوانين والسنن والآيات الكونية وفرح كل ذي جهل بجهله وكل فاشل بفشله وكلا ذي خلق سيئ بسوء خلقه، وإذا كانت الديمقراطية فضيلة فإنه في مجتمع كهذا تصبح الفضائل فضلا عن الرذائل خطرا علي الأمة، فصلة الرحم مثلا فضيلة وأمر ديني، ولكنها في مجتمع مريض تصبح وبالا عليه إذ ستكون من أسباب انتشار المحسوبية والعصبية والأخلاق القبلية والرغبة في الاستئثار بكل ما يمكن الاستئثار به.
ويجب العلم بأن كل ما في النظام الديمقراطي من الفضائل هو من قيم الإسلام الحقيقي وأركانه الملزمة للأمة وللفرد ولقد جعلها الإسلام إما حقوقا للفرد وإما واجبات عليه، ولكن هذا الإسلام الحقيقي غريب، والناس لا يتبعون إلا المذاهب الشركية الضالة التي حلت محله، وهم بضلالهم وجهلهم وانحطاطهم فرحون وفخورون.
-------
لا جدوى من إنكار مزايا الديمقراطية، وهي مازالت الأسلوب الممكن للتعايش السلمي بين فئات متعارضة المصالح، ولكن يجب أيضا معرفة عيوبها، ومنها أنها تجعل من الأكثرية إلها مشرعا، وتلك الأكثرية خاضعة خضوعا مطلقا لتأثير الإعلام الذي يمكن تضليله، وموقف أمريكا المؤيد لإسرائيل على طول الخط رغم تعارض ذلك مع مصالح الشعب الأمريكي نفسه ومع كل القيم معلوم، ولا توجد أية علاقة بين الديمقراطية وبين الشورى الإسلامية، فالشورى الإسلامية هي تداول الرأي بين أولي الأمر المؤهلين في مجال تأهيلهم للوصول إلى الرأي الأمثل فهي لا تستفتي أحدا فيما يجهله، ولم تكن الديمقراطية هي التي صنعت التقدم الهائل في أكثر دول أوروبا أو في الصين أو في شرق آسيا ولكن الذي صنعه هو منظومة القيم السائدة والتي من أبرز عناصرها سيادة القانون وتقديس العلم والعمل الجاد المتقن والانضباط والنظام الصارم، والأكثرية في الدول التي تتخبط في تخلفها هي في الدرك الأسفل من الجهل والانحطاط وعبادة الماضي والأسلاف، فلا يمكن التعويل عليها للإصلاح، ولقد فشلت الديمقراطية من قبل في مصر وتسبب مجموعة صغيرة من الإخوان الفاشيين في القضاء عليها بسهولة، وهذا ما يبين مدى هشاشتها.
وما يحدث في الغرب الآن وما سيحدث من أزمات عاصفة تزلزل أركان نظمهم يثبت أن الديمقراطية على النمط الغربي ليست هي الحل الأمثل لمشاكل الشعوب، إنه على الجميع البحث عن طريق جديد، إن كبار المثقفين والمحللين في الغرب يدركون الآن جيدا أن نمط حياتهم الحالي زائل لا محالة، وما يعنينا هو أي طريق هو الأفضل لنا، إن كل القوى التي تريد أن تلعب لعبة الديمقراطية في مصر الآن لا تؤمن حقا بالديمقراطية إلا كوسيلة للوثوب على السلطة، ولن تقبل الأقلية الأرثوذكسية أبداً بأن تحكم بالشريعة الإسلامية رغم أن هذه هي رغبة الأغلبية الساحقة من المصريين وستتحالف مع إبليس نفسه لتمنع ذلك وقد تهدم مصر على رؤوس الجميع لتحول دون ذلك، وستستهلك طاقات الأمة في التناحر الحزبي وليس في صناعة التقدم وبناء الإنسان، وسيحاول من هو أجهل من دابة أن يلقن الآخرين دروسا في السياسة، وسيقوم من لا يستطيع أن يدير أمور نفسه بتعليم الناس كيفية إدارة البلاد.
إن الديمقراطية كما هو معلوم تماما تجعل من الاحتكام إلى الأغلبية الحكم الفيصل في الأمور، ولا يوجد ما يضمن العصمة لهذه الأغلبية، ولو قرأت القرءان لعلمت أنه لم يذكر الأكثرية إلا في موضع الذم وأنه قرر بوضوح أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قليلون وأن السابقين قليلون وأن أصحاب اليمين قليلون وأن الأكثرية لا يسمعون ولا يعقلون وأنهم أضل سبيلا من الأنعام، والتاريخ يثبت أن البشرية مدينة بتقدمها وتطورها إلى أفراد معدودين من الأنبياء والفلاسفة والعلماء والمصلحين، وضربنا مثلا بتأييد الإدارة الأمريكية الأعمى لإسرائيل طمعا في أصوات الأغلبية المضللة إعلاميا ضد مصالح أمريكا والعالم وضد كل القيم والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان، وأنت تعلم كم عانينا نحن من جراء هذه الديمقراطية، أما إدارة الأمور العامة فهي مثل أي علم أو فن فهي ليست أهون من إدارة الأعمال التجارية في الشركات والذي لا يمارسه إلا من تلقى التأهيل اللازم، وإليك هذه الأسئلة: إلى ماذا تستند منظومة القيم في النظام الديمقراطي؟ وما هي المعايير الأخلاقية؟ بل إلى ماذا يستند القانون ذاته؟ إن الديموقراطية والليبرالية والعلمانية هي الآن منظومة واحدة لا تنفصم، ومع كل ذلك تبقى الديمقراطية وسيلة للتعايش السلمي بين طوائف متنافية متمانعة تعيش في وطن واحد، ولكن للتقدم وإحداث الطفرات الحضارية آليات الأخرى.
-------
من الأسباب التي تجعل النظام الديمقراطي محكوما عليه بالفشل حاجة المترشحين (أي طالبي المناصب) الماسة والمتزايدة إلى المال وإلى دعم القادرين، ومن المعلوم أن القادرين على الصمود أمام إغراء المال هم نسبة لا تكاد تذكر من مجموع الناس، ومن المعلوم أن النادر لا حكم له، ولا يمكن أن يعلق به مصير أمة، وبالطبع سيظل المترشح مدينا لمن قدم له أي نوع من أنواع الدعم، ولقد كان ذلك من أسباب دعم الإدارة الأمريكية المطلق للكيان الصهيوني الخارج على كل قانون، هذا فضلا عن حاجة الناخبين أنفسهم إلى المال، ولقد كانت حاجة الفلاحين والعمال إلى أموال من يعملون عندهم من أسباب فشل الديمقراطية في مصر قبل ثورة يوليو، أما النظام الاشتراكي فهو محكوم عليه أيضاً بالفشل الذريع، فلا يمكن أن يؤتمن من هو معدوم الدين والضمير على مصير مؤسسات كبرى هي ملك للأمة جمعاء.
-------
إن الديمقراطية تختلف عن الإسلام في أمور كثيرة منها:
  1. لا يعترف الإسلام بأية سلطة للأكثرية، بل هي مذمومة أينما ذُكِرت.
  2. ليس من حق الأكثرية ولا ممثليهم أن يشرعوا أصلا مثلما أنه ليس من حقهم سنّ قانون ديني وليس في استطاعتهم اختراع قانون كوني.
  3. الإسلام يأخذ بنظام أولي الأمر، وأولو الأمر هم المؤهلون تأهيلا تاما في هذا الأمر وفق معايير العصر والمصر، والأمر كلمة عامة، وإدارة الأمور العامة مثلها مثل أي أمر آخر كممارسة الطب مثلا، لابد لها من تلقي التأهيل اللازم، بل هي أولى الأمور بحتمية تلقي التأهيل الرفيع ولأولي الأمر المؤهلين فقط سنّ ما يلزم من قوانين في مجال تخصصهم فقط ويبقى الناتج عن ذلك قوانين بشرية وضعية.
  4. من المعلوم أن السعي إلى الإمارة -أي إلى المناصب الدنيوية التنفيذية بلغة العصر الحديث- يُعتبر من الآثام في الإسلام، بل إنها توجب حرمان من تطلع إلى المنصب منه، والمسلم مأمور بألا يزكي نفسه؛ أي ليس له أن يثني عليها أو أن يتباهي بإمكاناته وإنجازاته، بل من المفترض أن تبرزه إنجازاته وقدراته وكفاءته، فالبديل الإسلامي هو أن يسعى المنصب إلى الإنسان بحكم تأهيله، وهذا يقتضي أن يكون المنصب تكليفاً وليس تشريفاً ولا وسيلة للتربح الدنيوي.
  5. الشورى الإسلامية تختلف تماماً عن الديمقراطية الغربية، فالشورى تكون بين أولي الأمر وهم الصفوة من أولي الألباب المؤهلين في مجالهم، وهم دائما قلة، أما الديمقراطية فهي تعطي السلطة للأكثرية بحالتهم التي هم عليها، وهذه الأكثرية حتى في أكثر الدول تقدما يصنعها الإعلام الذي يسيطر عليه أصحاب المال والمصالح وشياطين الإنس والجن.
الفرق هائل بين الإسلام وبين الديمقراطية، والشورى الإسلامية هي آلية للوصول إلى الرأي الأمثل بين أولي الأمر المؤهلين من المؤمنين ولا علاقة لها بالديمقراطية، والفصل بين السلطات من الممكن أن يتحقق بآليات أخرى غير الديمقراطية مثل نظام أولي الأمر الإسلامي.
-------
الصفوة من أولي الألباب المؤهلين تؤهلهم وتختارهم إمكاناتهم، ويجد الناس الجادون أنفسهم ملزمين بالسعي إليهم والالتزام بطاعتهم، وأنت عندما يصيبك داء عضال ستترك كل الأقوال الشاعرية الخيالية وستبحث عن طبيب من الصفوة ليعالجك، وعندما تنشئ مؤسسة للتعليم أو مستشفى استثماري ستحاول اجتذاب الصفوة لإدارته والعمل فيه إن كنت تريد لمشروعك النجاح، وإدارة أمور الدولة الآن هي علم شديد التعقيد، فهي في أشد الحاجة للصفوة من أبناء شعبها ليحسنوا إدارتها، ولقد انتهى عصر الديماجوجية والأيديولوجية.
-------
إن الديمقراطية ليست هي السبيل الأمثل لاختيار أولي الأمر ولا لحسم أي أمر ولا للوصول إلى القرار الأمثل، ذلك لأن الديمقراطية تعني أن تستشير الناس فيما يجهله كلهم تقريبا، وتتغلب فيها الأمور الشخصية على الأمور الموضوعية، ويجب العلم بأن القرءان الكريم لم يذكر الأكثرية إلا في موضع الذم، وأكد دائما على أن المصطفين والسابقين وأصحاب اليمين والمؤمنين ومن يفقهون ومن يعقلون كلهم قليلون، وهذا ما تؤكده دائما الإحصائيات العلمية التي لا ريب فيها ويؤكده منحنى التوزيع القياسي (Standard Normal Distribution) ، فالمتميزون في أي مجال دائماً قليلون حتى لو كان هذا المجال هو الرقص الشرقي، وفي دفعات الطب مثلاً الذين من المفترض أنهم أفضل طلبة الثانوية العامة لا يتفوق ويلمع منهم أيضاً إلا نسبة محدودة، وبالمثل فإن إدارة أمور أمة ليست أقل شأنا من الطب أو الرقص الشرقي، بمعنى أن من يطمع في أن يتولى أمرا يجب أن يكون لديه الاستعداد اللازم لقبول التأهيل، ومن لديهم مثل هذا الاستعداد هم قلة يجب على نظم التعليم أن تكتشفهم وتصقل وتنمي استعدادهم، ويجب أن يتلقوا التأهيل اللازم والذي يشمل التعلم والممارسة والنجاح في اختبارات، ويجب على كل أمة أن تضع الآليات المرتضاة لتأهيل ولاة الأمور التنفيذية واختبارهم، ولابد بالطبع من الانتفاع بتجارب الآخرين مثلما أخذنا عنهم مثلا كيفية تأهيل الطبيب أو المدرس.
-------
إن من عيوب النظام الديمقراطي أنه حتى في أعرق الديمقراطيات فإن النواب المنتخبين الذين سيكون منهم كل أصحاب السلطتين التشريعية والتنفيذية إنما يمثلون أصحاب رؤوس الأموال، فهم الذين يملكون الأموال اللازمة لتمويل حملاتهم الانتخابية ولإيصالهم إلى الحكم، ومقصدهم من ذلك بالطبع تأمين مصالحهم وتصريف الأمور كما يحلو لهم.
أما في الدول التي تتخبط في دياجير الجهل والتخلف فإن النواب المنتخبين الذين سيكون منهم أصحاب السلطتين التشريعية والتنفيذية هم من يمكنهم الحصول على التمويل بأية وسيلة من الوسائل، وهم الذين يجيدون الاستغلال السيئ للدين أو لمخاوف الناس المرضية كما يجيدون استغلال جهل الناس وتخلفهم، وهم بالطبع سيعملون على الحفاظ على مصالح من يمولهم وكذلك سيعملون على تكريس العوامل التي أدت إلى تسلطهم فتزداد البلدان التي تسلطوا عليها جهلا وتخلفا.
-------
إن الديمقراطية ولوازمها هي أفضل نظام ممكن لدولة عصرية حديثة تتضمن طوائف عديدة إذا كان المطلوب هو مجرد التعايش السلمي وضمان الحد الأدنى من حقوق الإنسان، ولكنها لا تصلح أبدا لوحدها للنهوض بأمة تجذرت فيها منظومة الجهل والتخلف والتدين الزائف المغلوط.
-------
يقولون إن من عيوب الديمقراطية أن الأمة تظن نفسها حرة، ذلك في حين أنها لا تكون حرة بالفعل إلا إبَّان فترة انتخابات أعضاء البرلمان، وبمجرد أن ينتخبوا تنتفي عملياً تلك الحرية،  فالحرية لا تمارس بالفعل إلا لفترة قصيرة، ولكن هؤلاء النواب المنتخبين يعلمون تماماً أنهم مدينون -إلى حد كبير- بمكانتهم للناس ولا يستندون إلى أسرة مسيطرة أو حق إلهي مزعوم أو قرابة من أحد الصالحين، فلا يستطيعون أن ينصبوا أنفسهم على الناس أرباباً من دون الله، وهم يعلمون أن مكانتهم ليست دائمة لهم وأنهم مسئولون أمام من انتخبوهم وأنهم سيتعرضون لحساب قاس عند أول انتخابات تالية، إن الآليات الديمقراطية ترغم الناس على أن يرتقوا مقارنة بالناس الذين استمرئوا الخضوع المطلق لأي نظام طاغوتي يحكم باسم الدين أو بأية أيديولوجية أخرى، وبالطبع فإن النظام الطاغوتي الاستبدادي هو ألد أعداء الدين مهما ادعى خلاف ذلك، ومع ذلك فالديمقراطية تبقى مجرد وسيلة وليست إلها معبودا ولا دينا مقدسا، وهي لذلك لا تجدي نفعا مع أمة تتجرع العذاب في الدرك الأسفل من نيران الجهل والتخلف وعبادة السلف والتدين الزائف المغلوط، يجب أولا إنقاذ الأمة ووقف استشراء الداء.
-------
إن عبيد العقائد البشرية أو الأيديولوجيات ينظرون إلى الصفوة من أبناء الشعب وكأنهم قوة خارجية أو كأنهم أعداء الشعب، هذا مع أن كل الدول المتقدمة بغض النظر عن الأيديولوجية الحاكمة عليها إنما هي تتقدم بجهود هؤلاء، وهي لا تكتفي بما لديها منهم بل تحاول اجتذابهم من بلادهم الأصلية.
أما الإسلام فيعامل هؤلاء على أنهم من صميم الأمة، انظر على الكلمة "منهم" أو "منكم" في الآيات:
{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59.
والحق هو أن هؤلاء الصفوة لكونهم قلة هم الأولى بالحماية من الأكثرية، وهذه الأكثرية يجب أن تُبرمَج على الإقرار بما للصفوة منهم من فضل وجدارة، هذا مع العلم بأن مجالات التميز الآن لا حصر لها، فهناك صفوة في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني.
ومن العجيب أن تجد أحدهم يود الزواج من أجمل امرأة والعلاج عند أفضل طبيب وأن يبني له بيته أمهر مهندس ولو كان لديه شركة لبحث لها عن أقدر المديرين.....الخ، ولكنه لا يسلم أبداً بأن إدارة أمور الأمة يجب أن يتولاها من هم مؤهلون لذلك تأهيلا تاما وفق المقاييس الدولية
ولقد انتخب المغيبون والمغفلون في مصر أحد الإخوان المتخلفين رئيسا ثم اكتشفوا أنه بحاجة ماسة إلى أن يتعلم كل شيء ليمارس مهنته وتسبب في فضائح وكوارث معلومة!
-------
إنه لا حرج من الرجوع إلى الشعب في أمر قانون أو قرار كما يقتضي النظام الديمقراطي، فإذا كانت الأمة الإسلامية في بلد ما تشكل الأغلبية فيمكنهم فرض القانون الذي يتفق مع الشريعة، أما إذا كانوا أقلية فهم غير مكلفين إلا بما هو في وسعهم ويكون حكمهم حكم المضطر، ولكن عليهم أن يقوموا بواجب الدعوة إلى ما يتفق مع الشريعة.
------------
إن النظام الحزبي الديمقراطي يسعى إلى تعميق وتضخيم الخلافات بين طوائف الشعب بل واختلاقها إن لم يكن لها وجود، أما دين الحق فيقر بالاختلافات ولكنه يستثمرها إلى المدى الأقصى لزيادة الثروة الأمرية (المعنوية والفكرية والثقافية) للأمة ويجعل الشورى بين أولى الأمر وسيلة للوصول إلى الرأي الأمثل أو لصياغة القانون الأمثل، فحق سن القوانين الملزمة للناس مقصور علي أولي الأمر في المجال الذي يراد سن قانون بخصوصه، وقد يستلزم سن قانون ما تضافر هيئات متعددة من أولي الأمر، وبالطبع فإن هذا القانون يظل قانوناً مدنياً ولا يكتسب أبداً أية صبغة دينية، إنه يجب العلم بأن الديمقراطية تفرق في حين أن دين الحق يوحد.
-------
إنه لا جدوى ولا معنى لافتعال أحزاب لا جذور تاريخية لها، وإنما يمكن أن تتعدد آراء أولي الأمر عند إصدار تشريع ما أو البت في أمر ما، وعندها يجب إعمال الشورى واتباع المناهج العلمية السليمة، وكلها مناهج موضوعية لا دخل فيها للأصول الاجتماعية ولا الأهواء المذهبية أو الطائفية.
رغم كل محاسن النظام الديمقراطي إلا أنه ليس هو النظام الأمثل المتفق مع دين الحق كما أنه لا يصلح أبداً للخروج بالأمة من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط والتمزق، بل إنه يؤدي إلي تفاقم وترسيخ تلك الظلمات، وهو أيضاً لا يصلح لتحقيق تقدم حقيقي وجاد في أمة تريد أن تنمو وتتقدم.
------------
إن أفضل ما في النظم الديمقراطية سيادة القانون وتساوي كل الناس أمامه وشدة الرقابة على من يمارس الأمور العامة، وكذلك حرية الرأي والفكر والعقيدة وحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق وحق الحصول على المعلومات والفصل بين السلطات واستقلالها....، وكل تلك الأمور يمكن تحقيقها بتفعيل نظام أولي الأمر الإسلامي وإلغاء كل مظاهر التسلط، ولكن يلزم دائماً درجة معينة من الرقي العام للناس، إن استيراد أفضل النظم لن يصلح للرقي بشعب جاهل منحط متخلف يحتقر العمل ويزدري النظام والقانون ويعبد الكهنوت ويؤمن بالخرافات ويحترم ويوقر الاستبداد ولا يعرف معنى الحرية أو الكرامة ويقدم الولاء للأسرة أو القبيلة أو المذهب الذي هو محسوب عليه ولا يعرف عنه شيئا على أي ولاء آخر، ويجب القول بأنه لدى الشعوب المحسوبة على الإسلام أفضل الأديان ولكنهم لم يتمكنوا من الانتفاع به، فقد اتبعوا من قديم المذاهب التي حلت محله، هذا في حين أن تسرب بعض قيمه ومناهجه إلى أوروبا قد تسبب في نهضتها وتحررها من ظلمات العصور الوسطى.
-------
إن القول بأن الشعب هو الذي يحكم في النظام الديمقراطي ليس بالقول الدقيق، فالذي يحكم بالفعل هم دائما الأقلية وهم صنائع أصحاب القوة الحقيقية والمصالح والنفوذ، وبالمقارنة بين نظام أولي الأمر الشرعي وبين النظام الديمقراطي يتبين تفوق نظام أولي الأمر، ذلك لأن المؤهلين للقيام بالأمر في النظام الديمقراطي ليسوا هم الشعب كله، بل هم مجموعة أناس معينين محدودين ممن احترفوا العمل السياسي، أما الشعب فلا يمارس الحكم، وإنما يختار من المرشحين من يقومون بممارسة الحكم، وهو لا يمارس هذا الحق إلا مرة كل بضع سنين عندما يحين أوان الانتخابات، وهو ما يئول في النهاية أن تكون الديمقراطية بحق هي حكم الأقلية وليس حكم الأكثرية، وكم خيب المنتخبون ظن الناس، والمشكلة هي أن تلك المجموعة المنتخبة سيتم اختيارها من محترفي العمل السياسي، فهم متمرسون بكل ما يستلزمه ذلك من مكيافيلية وبهلوانية وبراجماتية وديماجوجية، وهؤلاء أثناء صعودهم لابد لهم من قوى تدعمهم ثم تستغلهم لتحقيق مآربها، فهم منحطون بالضرورة وسيزيدون من انحطاط أنفسهم وأمثالهم والناس الذين قد يضطرون أحياناً لاختيار أفضل السيئين، أما الدول المتقدمة فيوجد لديها مراكز أبحاث استراتيجية ومراكز لصنع القرار توفر كل ما يلزم لمن وقع عليه الاختيار ليتخذ القرار، أما النظام الشرعي فإن القيام بالأمر فيه يتم عن طريق هيئات قوية ومترابطة من أولي الأمر، فهو يجعل من ولي الأمر صانعا للقرار ومتخذا له بحكم تأهيله الرفيع، وبذلك تتم إدارة أمور الأمة بأسلوب علمي وقيمي رفيع ويتم القضاء على أسباب الفساد والإفساد، وهيئة أولي الأمر تشكل كياناً دائماً تتراكم فيه المعلومات والخبرات وتجنب الناس شر القرارات الجاهلة الأهوائية وشر القرارات الارتجالية العشوائية وشر المغامرات الطائشة.
أما سبب نجاح النظم الغربية فهو فيما يتمتع به الإنسان هناك من الرقي وما اكتسبه على مدى العصور من حقوق لا يمكن لأحد منهم المساس بها، وكان ذلك نتيجة كفاح وثورات وصراع طويل، ومن تلك الحقوق حقوق الإنسان الرئيسة ومنها حق التملك وحق الأمن وحرية التنقل والاستقلال في الرأي والتفكير وحرية العقيدة والمشاركة في القرار السياسي وفي اختيار الحكومة، وفي القدرة على إبداء الرأي وانتقاد الأوضاع، وتغيير الحكومات عندما يثبت فشلها أو تتجاوزها التطورات، كما تحقق هذه النظم المساواة للجميع أمام القانون، ومن المعلوم أن الإسلام يكفل للمرء حقوقاً أفضل وأسمى من هذه الحقوق المذكورة بل ويجعل صيانتها والحفاظ عليها من أركانه ومقاصده.

*******


هناك 3 تعليقات:

  1. استنباط حكيم مغيب عن عامة الناس

    ردحذف
  2. ارى ان الامبريالية تفرض الديموقراطية على الدول المستقلة عنها وتدعم احزابا شيطانية شعارها الاسلام لتفتك السلطة وتعيث في البلد فسادا ثم تاتي من جديد هذه الامبريالية لاستعمارها باسم حقوق الانسان ومحاربة الارهاب

    ردحذف