السبت، 16 أغسطس 2014

الرق، ملك اليمين والعبيد

الرق
ملك اليمين والعبيد


إن لمنظومة القيم الإسلامية الثابتة بآيات القرءان الكريم الحكم على كل الأوامر والوصايا والتعاليم، ومن أركان هذه المنظومة العدل والقسط، وهي بذلك طاردة ومانعة لكل ما يضادها من صفات تتضمنها منظومة الصفات الشيطانية وعلى رأسها الظلم، فلا يجوز أن يشوب أية معاملة أي قدر من الظلم.
والرق ليس إثما فرديا مثل السرقة أو الزنى مثلا لكي يتم تحريمه ومنعه بأمر بسيط مباشر، بل كان هو عماد النظام الاقتصادي قبل العصر الحديث، كما كان أمرا تقتضيه طبيعة العلاقات بين الكيانات المتناحرة والتي لم يكن من السهل اجتماعها واتفاقها على أي شيء، فقد كانت القوة المحض هي أساس العلاقات، وكانت شريعة الغلبة والفتح هي السائدة، فلم تكن تُجرى أية مباحثات لحل المشاكل في العلاقات ولم يكن من الممكن عمل اتفاق ملزم لكافة الدول والقوى كما هو الحال الآن.
إن كل مقاصد الدين وسماته وأوامره لا تقر أن يستعبد إنسان إنسانا آخر، والإنسان في الإسلام خليفة في الأرض ومكرَّم وحامل للأمانة ومطالب باستعمار الأرض، ولقد تضمن الدين أوامر وأحكاماً لمعالجة أوضاع قائمة والتخلص السريع من آثارها، وهو بذلك لم يكن ليسمح بفتح ثغرات تقوِّض في النهاية مقاصده، والإسلام ليس بمسئول عن بعض السلوكيات الإجرامية التي صدرت عن العرب والأعراب من بعد انتقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والتي ترتب عليها استعباد حشود هائلة من البشر حتى أصبح استعباد الناس واقتناء الجواري والعبيد هو المقصد الأعظم للمحسوبين على الإسلام، وهو السمة العظمى المميزة للحضارة المحسوبة على الإسلام، ولكنها لم تكن إلا حضارة الجواري والخمر والغلمان.
ولقد زعم السلفية وغيرهم أن الإسلام قد أقر الرق وأن كل ما فعله أنه حدد مصادره وأمر بالإحسان إلى الرقيق، والحق هو أنه لا توجد أية آية في القرءان ورد فيها أمر باستعباد الناس أو بإباحة الرق أو السبي، وأساليب الأمر والإباحة في القرءان معلومة، فلم ترد عبارة مثل: لا جناح عليكم أن تستعبدوا الناس أو أن تسترقوا الناس، ولم يرد فيه قول مثل: استعبدوا الأسرى أو استعبدوا من رفض الإسلام.  
ولقد زعموا أن الاسترقاق يقع على الكافر إذا وقع في أيدي المؤمنين هو ومن جاء من صلبه حتى ولو أسلموا، وهكذا يحرفون الإسلام ويستغلونه أبشع استغلال، فباسم الإسلام استعبدوا الكافر الذي وقع في أيديهم، ولكنهم أبوا أن يقيموا وزناً للإسلام عندما كان في الأخذ به تهديدا لمصالحهم المادية، وهذا الحكم يبين أنهم يعاملون الإنسان كبهيمة لهم حق التصرف فيها وفي إنتاجها، ولأنه لابد –وفقاً للسنن- أن تتحقق العدالة وللإنسانية أن تثأر لنفسها فسرعان ما تسلط العبيد على من استعبدوهم وساموهم سوء العذاب، ولقد أصبح للجواري التحكم في المتسلطين العباسيين والعثمانيين، أما الأعراب فسرعان ما اندحروا على أيدي من استعبدوهم من الترك والمماليك.
ولكن ماذا لو طبقت أمم الأرض على المسلمين ذلك الحكم السلفي الأثري؟ إن أكثر أمم الأرض الآن تعتبر المحسوبين على الإسلام كفارا، وهم الآن أكثر عدداً وأقوى عدة بينما المسلمون مغلوبون على أمرهم حتى في ديارهم، فهل يتقبل المسلم أن يفعل به الآخرون ما يتصور هو أن من واجبه فعله بهم؟
-------
إنه يجب العلم بما يلي:
1-                الإسلام يقرر أن الإنسان مُكرَّم وحامل للأمانة ومستخلف في الأرض، والمسلم يتعبد إلى ربه باحترام حقوق أخيه الإنسان، ذلك أمر محسوم.
2-                الإسلام يقرر أن حكم الأسرى هو المنّ أو الفداء، فلا يجوز استعباد الأسير.
3-                لم يحدث أبداً أن خالف الرسول عن الأوامر القرءانية الواضحة، وإنما زيف الناس وزوروا السيرة ليشرعنوا مخالفاتهم لأحكام الله تعالى.
4-                الإسلام يحرِّم الاعتداء على الناس ومنهم غير المحاربين، وبالتالي لا يجوز الاعتداء على النساء غير المحاربات ولا على أطفالهن، ولا يجوز سبيهن، كذلك يحرم بالضرورة مهاجمة مواطن الآخرين وخطف بناتهم وأبنائهم للاتجار بهم.
5-                وبذلك يكون الإسلام قد قضى على مصادر الرق ومنابعه.
6-                الإسلام بجعل من أفضل أعمال البر ومكفرات الذنوب تحرير العبيد، وبذلك يحثّ الناس على تصفيته، وكان عليهم أن يقوموا بمحض اختيارهم بما يحبه الله تعالى.
7-                ومع ذلك كان الرق من أسس العالم القديم الراسخة لأسباب لا حصر لها، ولم يكن من الممكن أبدا تحريمه كما سيحدث في العصر الحديث، فلم يكن من الممكن قديما أن يجتمع الناس ويقرروا أمرا مثل هذا، ذلك لأن كل كيان في العصور القديمة والوسطى كان عدوا لكل ما يحيط به من كيانات يترقب فرصة ضعفها ليلتهمها، وكذلك لم يكن من الممكن منعه من طرفٍ واحد، فالقضاء على الرق –كما ثبت- لم يكن ممكناً أبداً إلا من بعد أن تبلغ البشرية درجة معينة من التقدم الحضاري، وحتى في مطلع العصر الحديث فقد استلزم منع الاتجار بالبشر حروبا دامية ومنها الحرب الأهلية الأمريكية.
8-                في العالم القديم كان كل كيان كبير ينظر بعداء إلى كل من اختلف عنه وربما إلى كل من جاوره، وكانت الحرب هي الوسيلة الرئيسة للتعامل فيما بينهم، ولم يكن من الممكن أبداً إبرام معاهدات عالمية ملزمة لكل من على ظهر هذا الكوكب.
9-                لم يرتق أكثر العرب والأعراب إلى مستوى القرءان الكريم فقتلوا الأسرى بعشرات الألوف واستحيوا وسبوا نساءهم وأبناءهم، أما المتسلطون فكانوا بحاجة ماسة إلى الرقيق بكافة أنواعه، وكانت بلادهم أكبر سوق له، وهم وحدهم –وليس الإسلام- يتحملون وزر أعمالهم.
10-            في الرسالة العالمية لابد من وجود أحكام واقعية تعالج أحوال الناس الحقيقيين الواقعيين وليس أحوال ملائكة أناس مثاليين مفترضين، وبذلك ألزم الإسلام الناس بما قرره بخصوص حقوق الإنسان وكرامته وجعل من الإحسان إلى الأسير عملا من أعمال البر.
11-            في ظل وجود العبيد لأي سبب من الأسباب –وهو نظام بغيض مرفوض- لابد من تشريعات لضمان حقوق كافة الأطراف، فمن اشترى فتاة مثلا تصبح ملكا له، لها عليه حقوق شرعية وله عليها حقوق شرعية، ويجب أن يكون ثمة قوانين تنظم كل ذلك، ومن ذلك قانون عقوبات خاص بها قد يختلف شيئا قليلا عن قانون العقوبات الخاص بالحرة، ويجنح نحو التخفيف نظرا لظروفها.
12-            طالما وصل الناس إلى درجة من الرقي بحيث أمكن إبرام اتفاقات عالمية لتحريم وتجريم الاتجار بالبشر فيجب على المسلمين أن يكونوا أول من يلتزم بها، ويجب عليهم أن يكفِّروا عن أخطاء وجرائم أسلافهم الذين عظمت جرائمهم في حق الشعوب المجاورة لهم في مجال الاتجار بالبشر، ولولا أن الكيانات البغيضة التي أقرت ذلك وتورطت فيه قد ذاقت وبال أمرها وبادت لوجب عليها تقديم الاعتذار للبشرية جمعاء.
13-            ربما عادت البشرية إلى نظام مشابه لما كانت عليه لأي سبب من الأسباب لذلك سيكونون بحاجة إلى تشريعات تنظم العلاقة بين الطرفين كما كان من قبل، ولكن يحرم على المسلمين العمل من جانبهم على إعادة عصر الرق من جديد.
-------
لقد كان الرق أمرا شائعا ومفروضا منذ أقدم العصور، وكان لابد من التعامل معه والتعايش معه دون إحداث كوارث اجتماعية، فأنت لا تستطيع أن تمنع الرق في عالم يعتبره أمرا عاديا، وإلغاؤه كان يستلزم إجماعاً دوليا كان مستحيلا في القرون الوسطى، فقد كان كل تجمع بشري يعتبر التجمعات الأخرى أعداء طبيعيين عليه أن يفترسهم قبل أن يفعلوا هم، لم يكن البشر قد وصلوا إلى هذا المستوى الحضاري الذي استلزم بذل تضحيات هائلة، ولكن كان يجب بحكم القرءان تجفيف منابعه، وكان موضوع ملك اليمين حلا لمشكلة الفتيات اللائي يفقدن العائل والمأوى بسبب الحروب في زمن كان الحكم فيه للقوة البدنية، وبالطبع لم يكن يجوز أبدا أن يتمادى المحسوبون ظلما على الإسلام في هذا الأمر ولا أن يتسببوا في جعله تجارة دولية على نطاق واسع، ولكن ذلك يُحسب على المذاهب التي أحدثوها وحلَّت محلّ الإسلام، وكان ذلك من الكوارث التي سببها هؤلاء على الجنس البشري وعطلوا مسيرة تقدمه.
أما الإسلام الحقيقي فقد وفَّر كل ما يلزم من قيم ومبادئ وأسس للقضاء على الاتجار بالبشر، هذا مع العلم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي اهتم بأمر العبيد وجعل من أفضل الأعمال الصالحة ومن مكفرات الذنوب عتقهم.
وحيث أن أهل الغرب قد ارتقوا في سلم الإنسانية وتجاوزوا المحسوبين ظلما على الإسلام في مضمارها وعملوا على محاربة الاتجار بالبشر فقد حققوا للإسلام مقصدا من مقاصده وعملوا بمقتضى آياته بل بمقتضى عقيدته الأساسية: "لا إله إلا الله"، ولذلك فهم مشكورون، ولذلك مكَّن الله لهم في الأرض وأفاض عليهم من الرزق الواسع، وهم في الحقيقة قد عملوا بأوامر الإسلام وحققوا مقاصده في أمور عديدة أخرى.
فيجب على المحسوبين على الإسلام طالما لم يشاركوا في شرف تحرير الإنسان بل كانوا من أسباب تكريس استعباده ألا يحاولوا من جديد استعباده.
وحيث أن الإسلام يحث الإنسان على ألا يجعل الدنيا أكبر همه ولا مبلغ علمه فيجب على المسلم ألا يتحايل على الأمور الدينية الثابتة وألا يحاول من جديد إهانة الإنسان الذي كرمه الله تعالى واستخلفه في الأرض.
ومن المعلوم أن هذه الأمة المنافقة قد دفعت غاليا ثمن استعبادها للناس فتحكَّم فيها الأرقاء والجواري وذاقت على أيديهم الأمرين.
فلابد من تحقق العدل المطلق وإن طال المدى، وكان من أسباب تقويض الخلافتين العباسية والعثمانية الاتجار بالرقيق وتحكم الجواري في السلاطين، وكان الأوروبيون يسربون بعض الجواري إلى القصور لتقويض الخلافة العثمانية.
ومع ذلك لو ارتدت البشرية حضاريا وعاد الرق من جديد، وهو احتمال قائم لحتمية انهيار مجتمع الوفرة والرفاه والاستهلاك، فسيجد الناس أنفسهم بحاجة إلى التعامل الشرعي مع هذه الظاهرة، فأحكام ملك اليمين هي علاج لمشكلة قائمة وليست لتحويل الناس إلى وحوش جنسية.
لقد كان لابد من وجود أحكام لمعالجة وضع قائم، ومن الممكن أن يعود، فسنّ تشريع لمعالجة وضع قائم لا يعني الرضا به، والإنسان في القرءان مكرم ومستخلف في الأرض، وهذا يعني بالضرورة أنه لا يجوز أن يكون عبدا لغير ربه.
-------
إن أحكام ملك اليمين هي خاصة بعصر كان فيه الرق البغيض أمرا واقعا، فكان لابد من تشريعات لتحكم التعاملات في مثل ذلك الواقع المرير وتخفف من آثاره الوبيلة، ولا يجوز الالتفات إلى القواعد الإجرامية التي أرساها سدنة المذاهب ولا إلى سلوك السلف في هذا الأمر، والمسلمون الآن ليست بهم حاجة إلى النظر في سلوكيات وقواعد السلف ولا للاعتذار عما أقدم عليه السلف، وحسب المسلمين المقاصد العامة للقرءان الكريم، واستعباد أي إنسان لا يتفق أبداً مع هذه المقاصد، ولقد كان تمسك المحسوبين ظلماً على الإسلام بنظام الرق وكل ما يتعلق به سببا في تقويض حضارتهم وفي تعويق التطور البشري.
-------
إن الأصل في الإنسان أن يكون حرا وأن يكون عبداً خالصاً لله تعالى وحده، ولم يكن من الممكن في الماضي عقد اتفاقات دولية بتحريم الرقيق يتعهد الجميع باحترامها، ومن جاهدوا لمنع الاتجار بالإنسان هم الأقرب إلى روح الإسلام، ولكن لو حدث وارتدت البشرية إلى عصر يقنن الرق ويرتضيه فسيجدون أنفسهم بحاجة إلى أحكام بهذا الخصوص.
وبالطبع يجب الحذر من آراء المذاهب في هذا الشأن، بل يجب الأخذ بما قرره القرءان وما وصل إليه الإنسان في سعيه الدءوب نحو الرقي والتحضر.
-------
إنه يجوز في حالة عدم القدرة على نكاح المحصنات نكاح الإماء؛ الفتيات المؤمنات اللائي هنّ ملك للآخرين، ولذلك يجب الحصول على إذن من المالك بذلك، والتشريعات الخاصة بالرقيق هي خاصة بالعصر الذي كان يسمح بذلك، ومن مقاصد الإسلام أن يكون الناس أحرارا، ولكنه كان يجب أن يتضمن التشريع اللازم لعلاج الوضع القائم والحد من آثاره السيئة وتحقيق العدل والقسط، وعلى سبيل المثال فمن مقاصد الإسلام تطهير الناس، ولكن الوضع القائم هو أن أكثر الناس غير مطهرين، لذلك كان لابد من أن يتضمن الإسلام ما يطهرهم، ولذلك فتحرير الرق أو العبيد هو مقصد شرعي مطلوب قاومه المحسوبون ظلما على الإسلام بشراسة زمناً طويلا، ولم يتحقق إلا على أيدي الغرب العلماني، وكان ذلك رغم أنف المحسوبين على الإسلام وسدنة مذاهبهم، فلا أقل من ألا يسمح المسلمون بعودته، ومع ذلك قد يعود، وعندها سيجد الناس في القرءان ما يسمح لهم بمعالجة هذه الظاهرة.
-------
لقد جاء الإسلام وموضوع استرقاق البشر لأي سبب من الأسباب أمرا شائعا راسخا، كانت هذه الأسباب موضوعية وعالمية، فوجود الأرقاء من الرجال والنساء كان أمرا مقررا ومن دعائم الحياة والاقتصاد والكيان الاجتماعي، كانت كل الكيانات الدولية متعادية متناحرة، وكان القانون الدولي هو شريعة الغاب؛ القوي يأكل الضعيف، ومن المعلوم أنه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولي كانت الكيانات البشرية بصفة عامة تتربَّص ببعضها الدوائر ولم يكن يوجد أية إمكانية للتعاون في الأمور المتعلقة بالحقوق العامة للإنسان، لذلك لم يكن من الممكن أبدا تحريم الرق بتشريع، ولم يفعل ذلك أي رسول من قبل، ولكن الإسلام انفرد بأن سنّ تشريعات تجفف منابع الرق مثل تحريم استرقاق الأسير بل ووجوب الإحسان إليه وإعلان أن كل إنسان هو خليفة في الأرض ومكرَّم وتحريم العدوان، فلا يجوز الهجوم على الآمنين لاختطاف نسائهم وذرياتهم وبيعها، كما جعل الإسلام من تحرير الرقاب كفارة للذنوب، ولم يرد في الشرائع السابقة شيء كهذا أبدا، بل إن نصوص المسيحية تأمر العبيد بأن يطيعوا سادتهم برعدة جسد، ومن كبائر الإثم كون العرب والأعراب قد عصوا أوامر القرءان وتمردوا عليها فقتلوا الأسرى وسبوا نساءهم، وهم -وليس الإسلام- يتحملون وزر أعمالهم.
ولكن في حالة وجود هذا النظام لأي سبب من الأسباب لا مفر من التعايش معه، فمن اشترى فتاة صارت ملكاً له، ولا بد من وجود تشريعات تقرر لها حقوقها وتحفظها وتمنع سوء استغلالها، وقد يقول قائل إن هذه الآيات ملغاة أو انتهى عمرها الافتراضي لاختفاء ظاهرة الرق، فالقول الحق هو أن القرءان كتاب عالمي خاتم كامل شامل صالح لكل زمان ومكان، فكان لابد وأن يتضمن أحكاما لعلاج هذه الظاهرة وتشريعات لضبطها، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من عودة الظاهرة من جديد، وعندها سيكون المسلمون ملزمين بالتعامل معها وفقاً لأحكام القرءان. 
ولو ارتدت البشرية حضاريا وعاد الرق من جديد، وهو احتمال قائم لحتمية انهيار مجتمع الوفرة والرفاه والاستهلاك فسيجد الناس أنفسهم بحاجة إلى التعامل الشرعي مع هذه الظاهرة، فأحكام ملك اليمين هي علاج لمشكلة قائمة وليست لتحويل الناس إلى وحوش جنسية.
ولقد كان لابد من وجود أحكام لمعالجة وضع قائم، ومن الممكن أن يعود، فسن تشريع لمعالجة وضع قائم لا يعني الرضا به، والإنسان في القرءان مكرم ومستخلف في الأرض، وهذا يعني بالضرورة أنه لا يجوز أن يكون عبداً لغير ربه، ولقد شرع الله تعالى للناس القتال وهو كره لهم، ذلك لأنه أعلم بطبيعة الإنسان.
-------
إن نكاح ملكات اليمين مشروط بعدم استطاعة نكاح المحصنات، قال تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} النساء
وبذلك فإن ما كان يفعله الخلفاء من نكاح المئات وربما الآلاف من الجواري هو جريمة كبرى وإثم مبين، فقد كانوا يستطيعون بالضرورة نكاح مُحْصَنَاتِ مُؤْمِنَاتِ خاصة وأنهم كانوا يعتبرون أموال الأمة ملكا شخصيا لهم
هذا فضلا عن كون نكاح المئات من الجواري إسرافا وتبذيرا وإهدارا لموارد الأمة وتكريسا للمقاصد الشيطانية على حساب المقاصد الرحمانية.
وبذلك يلزم القول بأن هؤلاء الخلفاء والسلاطين ومن اتبعهم من الأثرياء كانوا عار هذه الأمة وعار الجنس البشري والبهائم.
-------
إنه لا يجوز لوالد فتاة أن يبيعها بيعاً صريحا أو مستترا لأحد الأثرياء، ذلك لأنه لا يملكها، وليس له حق التصرف في جسدها، بل هو لا يملك جسده نفسه وإنما له فقط حق الانتفاع به وفقا للأوامر الشرعية.
ووجود آيات في القرءان تضمن لكل الأطراف حقوقها هو من مظاهر كماله، ولم يكن من الممكن النص على تحريم الرق في نظام عالمي كان قوامه الرقّ، ولم يكن واردا إمكان الاجتماع للاتفاق على قانون ملزم لشتى الممالك والإمبراطوريات، ولكن الإسلام سلك سبيل تقرير حقوق الإنسان وإعلان أنه خليفة وحامل للأمانة ومُفضَّل ومكرَّم بالأمر والفعل الإلهي، وبأن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، وكان لابد وأن يكون لذلك مقتضياته.
ويجب العلم بأن ما أتى به الإسلام من قيم جديدة ومن أوامر إلهية جديدة مثل الأوامر بإعمال الملكات الذهنية آتت أكلها ولو على أيدي غير المسلمين، فلا يوجد في الثقافة الغربية الأصلية مثلا ولا في ديانتهم المسيحية ما كان يسمح بإلغاء الرق، فالرق كان عماد الحضارتين اليونانية والرومانية، أما المسيحية فتحث العبد على معاملة سيده كربّ، ولم تجعل للعبيد أية حقوق، وقد كان الإسلام هو الذي قرر بأقوى العبارات أن الإنسان مكرم وحامل للأمانة ومستخلف في الأرض، وبذلك فتح الطريق نحو تحرير الإنسان، أما من يريدون باسم الإسلام استعباد الرجال وسبي النساء فهم شياطين الإنس ولا علاقة لهم بالإسلام.

*******




هناك 4 تعليقات:

  1. دكتور ما المقصود بقوله تعال لنبيه الكريم ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَيْكَ ) ما المقصود بما افاء الله عليك

    ردحذف
  2. بارك الله في عمرك❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  3. بارك الله في عمرك❤️❤️❤️❤️

    ردحذف