الأحد، 4 أكتوبر 2015

التسبيح

التسبيح

إن التسبيح أو التسبيح بالحمد من حيث أنه ذكر لله لا يعنى مجرد ترديد صيغ التسبيح، ولكن الإنسان يتفعل ليتحقق بالفعل، فهو يسبح بلسانه مع حضور قلبه مع معاني هذا التسبيح حتى ترسخ تلك المعاني والحالة الوجدانية المترتبة عليها في قلبه ويكتسب بذلك استعدادات جديدة تؤهله لاكتساب المزيد من المعلومات والمشاعر التي يرقي بها كيانه الجوهري، والإنسان إذ يسبح ربه فهو ينزهه عن تصورات الناس فيرقي بذلك التصور الذي لديه عن ربه، ورقي هذا التصور هو أفضل ما يمكن أن يلقي به الإنسان ربه، وبالتسبيح بحمد الله يتوافق الإنسان مع أنغام الوجود وسننه بل مع نبضات قلبه فيعمل كل شيء لما فيه صالحه، فكل شيء يسبح بحمد الله، ولما كان للإنسان النطق باختياره كان عليه أن يسبح بحمد ربه باختياره وبوعيه وبإدراكه كما تسبحه بطريقة آلية كل ذرة من جسمه والماء الذي يشربه والهواء الذي يستنشقه

التسبيح بالحمد
قال تعالى:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً }الفرقان58، {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }السجدة15، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}غافر55، {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}ق39، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }الطور48.
وبالنسبة لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فإن مجرَّد وجود أي كائن وسيره وفق قوانين الله وسننه هو تسبيح بحمد ربه، فذلك التسبيح والذي يعني سعي كل كائن طوعا إلى ربه هو الذي يحفظ على هذا الكائن وجوده، ويُظهر أيضا من كمالات الله ما ينطق الألسنة بالثناء عليه، فإذا نظرنا مثلاً إلى أبسط الأشياء المادية وألطفها وهو الضوء فإن الجسيمات المكونة له وهي الفوتونات لابد أن تكون سابحة بسرعة الضوء وإلا لما كان هنالك ضوء أصلاً، فتلك الحركة هي عين تسبيحها بحمد ربها ولولاها لزالت، وبالنسبة للإلكترون مثلاً فإن مظاهر تسبيحه بحمد ربه هي حركته الغامضة والمعقدة في الذرة فهي التي تحفظ عليه وجوده، ولولاها لهوى على النواة واتَّحد بمكون من مكوناتها ولما كانت هنالك ذرة أصلاً ولزال العالم المادي، وكذلك تغيرات الكيانات النووية في عالمها الخاص، وكذلك حركة الأرض المعقدة، وهي التي تحفظ عليها وعلى كل من يحيا في كنفها بقاءه ووجوده، والهرة التي هي مبرمجة بحيث تسعى في مصالح صغارها وتتحمل في سبيل ذلك الظروف المعيشية الصعبة والعدوان المستمر من الكائنات الأخرى ولكنها تقاتل بشراسة من أجل بقائها وبقاء نوعها، فهي بسعيها هذا مسبحة بحمد ربها، فتسبيح الكائنات بحمد ربها هو من مقتضيات هذا الاسم وذلك التسبيح بحمده هو الصلاة التي ترفعها كل الكائنات إليه.
وعلى الإنسان من حيث أنه كائن مخير أن يسبح بحمد ربه بقوله وعمله، فعليه أن يجعل من حياته تسبيحا بحمد ربه، فينزه الله تعالى بها ويظهر تفاصيل كماله وحسنه.
-------
التسبيح بالاسم
قال تعالى:
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الواقعة74
فالاسم الْعَظِيمِ من الأسماء التي تشير إلى حقيقة الذات الإلهية؛ أي الكيان الإلهي الذي تستند إليه السمات، لذلك فالإنسان وكل الكائنات لا يمكنهم الحياة إلا به، وسر الحياة هو التسبيح، وهو سبحانه قيوم السماوات والأرض وما فيهن، وجسد الإنسان يسبح مثل سائر المخلوقات بمقتضى حقيقته، وهو مأمور أن يسبح من حيث نفسه التي هي كيانه الجوهري بمحض اختياره وإرادته، وبذلك يتوافق مع الكون كله، ويعمل الكل على تحقيق المقصد من سعيه وإصلاح أمره.
-------
تسبيح الاسم
قال تعالى:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} الأعلى1
الاسم الأعلى يشير إلى علو الذات مع علو المرتبة على كل التصورات والمفاهيم والمدارك علوا مطلقا، لذلك على الإنسان أن يتحقق بهذه الحقيقة وألا يقيد ربه بما لديه بما لديه من تصور عنه وأن ينزهه عن كل أفكار أو مفاهيم عنه لديه، ليس بمعنى نفيها نفيا تاما، وإنما بمعنى اليقين بأنه سبحانه يتعالى فوقها علوا كبيرا.
وآيات تسبيح أسماء الله تعالى عديدة.
-------
التسبيح لله
قال تعالى:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }الجمعة1، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التغابن1، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}الحديد1، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ...(37) (النور)
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} الإنسان26، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفتح9، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }ق40،  {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ }الطور49، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{42}} الأحزاب42، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44]
إنه بثبوت أنه لا يوجد مرجع مادي ثابت يمكن نسبة الحركات والتغيرات إليه وعدم وجود ساعة كونية يمكن حساب الحركات والتغيرات بالنسبة إليها وأن زمان ومكان هذا العالم نشآ معه وأن كل الحركات نسبية، فقد ثبت بالضرورة أن الله تعالى هو المرجع الأوحد للحركات والسند الأوحد لوجود الأشياء، فهي بحركاتها الذاتية والخارجية تسعى إليه في مسارات هو الذي رسمها لها في العالم الحقيقي ذي الأبعاد العديدة المتنوعة.
والإنسان يجب أن يسبح ربه بلساني المقال والحال كما تسبحه كل الكائنات بلسان الحال، فيجب أن يجعل الإنسان تسبيحه الذاتي المؤدي إلى بقائه وحياته وسعيه في هذا العالم على كافة المستويات لله رب العالمين مدركا أن ذلك مما يؤدي إلى ظهور سمات الحسن والكمال الإلهية، والتسبيح اللساني مع الحضور والتركيز من وسائل التحقق بهذه الحالة.


*******


هناك تعليق واحد: