الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

الْعَلِيُّ الْكَبِيـرُ

الْعَلِيُّ الْكَبِيـرُ


قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} الحج62، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }لقمان30، {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}سبأ23، {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} غافر12، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}النساء34. 

فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

والاسم "الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" يشير إلى سمة واحدة تفصيلها العلو والكبرياء، وتلك السمة هي أمر واحد ذاتي مطلق عُبِّـر عنه بلفظين، وهي لله سبحانه، ذلك لأن له الوجود الواجب الذاتي المطلق، فمن حيث هذا الاسم هو الحق المطلق وما عداه هو الباطل، أي أن ما عداه هو عدم من حيث ذاته، فلا يملك كل من هم دونه من حيث ذواتهم إلا الباطل، أما ما ظهروا به من كمالات فإنما أوتوها بقدر ما يحقق الظهور التـفصيلي لكمالاته، فلقد خلق الأشياء لذاته ليطالع فيها تفاصيل حسنه وكمالاته، وهو يمدهم بها دون أن يفقد شيئا منها، ولذا خضع الكل لمشيئته.
وذلك العلو والكبرياء أمر منزه عن التقيد بالزمان أو المكان، ومن حيث هذا الاسم كان له مدد وإفاضة ورحمة وشفاعة منه هو، ولذا لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له؛ أي إلا إذا وافقت تلك الشفاعة قوانينه وسننه وحكمه، فلا شفاعة عنده إلا بالحق، فمن حيث هذا الاسم كان قوله الحق وحكمه الحق وشريعته الحق ودينه الحق وأمره الحق، وكلمة الحق تـنوب عن كل ما أوحى به إلى ملائكته ذلك الوحي الذي يتلقَّـونه بالفزع والإذعان والأدب اللائق اللازم.
والاسم "الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" يعبر عن المرتبة التي هي حق لله على كل ما هو من دونه، ومقتضيات هذا الاسم إنما هي من حيث المرتبة، لذلك، كان لابد له من مقتضيات على مستوى الشرائع والأحكام، فله المرتبة الإلهية العليا، وبالتالي فالحكم له والتأثير المطلق له والأمر له، وكل ما يدعون من دونه هو الباطل، فهذا الاسم دامغ بذاته لكل شرك لأن صفته تمحق بذاتها أي شريك، ولهذا الاسم الهيمنة علي عالم الأمر كما للاسم "العليّ العظيم" الهيمنة علي عالم الخلق، وهذا الاسم من الأسماء التي اقتضت المراتب والدرجات والتي اقتضت الأمور التراتبية في الكون ومنها تراتب أنساق القوانين والسنن.
فمن حيث هذا الاسم كان له الحكم، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، فالحكم له بكل معنى من معاني الحكم، فله الأمر، وله حق إصدار الأحكام والتشريعات، وله حق سنّ السنن، وله حق الحكم على الفعل الإنساني وتقديره.
فهو سبحانه العليّ بما له من الدرجات والمراتب، وهو العالي الشامخ فوق كل شيء علو ارتفاعه، فله العلو المطلق في كل المجالات أو الأبعاد، فكما له العلو المطلق بحضوره الذاتي مع كل مخلوقاته فله العلو المطلق في عين قربه منهم بكنه ذاته وعلوّ درجاته.
والسمة المشار إليها بالعلو والكبرياء هي أمر منزَّه عن التـقيد بالزمان أو بالمكان، فلقد كان سبحانه ولا زمان ولا مكان، فليس ثمة ركن بارز في الكون يتربع فيه الإله، إذ أن كل الأزمنة والأمكنة من إبداعاته، ولو افترض جدلاً أن إنساناً ما قد أوتى القدرة على الطواف بكل أرجاء الكون لما وجد هنالك إلا ما وجده هنا بل ربما كانت آيات الله تعالى في هذه الأرض المحدودة أعظم مما سواها في أرجاء الكون الأخرى، ولذا أراح الله تعالى عباده وأخبرهم بأنه مع علوه وتعاليه قريب منهم، وأن آياته الدالة على سماته كما هي في الآفاق هي أيضا في أنفسهم.
فالعلو الذي يشير إليه هذا الاسم هو علو الدرجات والمرتبة، لذلك كانت له المرتبة الأعلى التي تقتضي بذاتها ألا يعبد سواه وألا يتخذوا من دونه شريكاً مختلقا في ملكه.
فالسمة المعبر عنها بالعلو والكبرياء تشير إلى جمعه سبحانه لكل الكمال المطلق وانفراده به، فهو الأعلى لتقدُّم الكمال الأصلي وتفوقه على كافة مقتضياته وتفاصيله وآثاره، ولما كان كماله لا يتناهى كان لابد من ألا تتناهى مخلوقاته، ولما كان الكمال ذاتيا له كان هو أصله ومصدره، فهو يفيضه على من هم دونه دون أن يفقده، ولا يمكن أن يظهر كمال في الوجود لا يستند إليه، كما لا يمكن أن يظهر الكمال إلا بتفاوت مظاهره أي بوجود النقص في طبائع المخلوقات، والذي به يظهر الكمال بتميزه عما يناقضه.
فهذا الاسم يشير إلى إن الكبرياء لله وحده، والكبرياء هي من السمات التي استأثر بها لنفسه، فهي له بالحق، وليست لمن هم دونه إلا بالباطل، ولذا فإنه كلما تكبَّر إنسان في ظاهره كلما تضاءل في جوهره وباطنه، حتى يصير كالذرِّ أو أصغر، وعلى هذا سيحشر، حتى ليطأه الناس يوم القيامة، فلن ينال أحدٌ بتكبره إلا الحسرة والندامة.
وهذا الاسم من الأسماء التي اقتضت سنن التراتب في الوجود ونظمت أمر الكائنات فيه وعلاقاتها فيما بينها.
وهذا الاسم من:
منظومة أسماء السنن الكونية الخاصة بالمخيرين المكلفين
منظومة أسماء العلو
حلقة من النوع الثالث:
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ-الْكَبِيرُ-الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ-الْمُتَعَالِ

*******

هناك تعليق واحد: