السبت، 17 أكتوبر 2015

لا يُفتَى وابنُ سمكة في البحر

لا يُفتَى وابنُ سمكة في البحر

كان الشيخ ابن سمكة فلتة زمانه، كان قد ملَّ البقاء في البحر، وكان البحر نفسه قد ضاق به ولم يعد يصلح لإشباع طموحاته غير المتناهية.
قرر ابن سمكة أن يهاجر إلى البر، استدعى ذلك إجراء عملية جراحية دقيقة في المستشفى المركزي للبحر لإجراء ما يلزم من تعديل في جهازه التنفسي.
لم يضيع ابن سمكة وقتا، بمجرد خروجه من البحر صحب الشيخ ابن ضفدع فأخذ منه شيئا من فنِّ النقيق، ثم صحب الشيخ ابن قطة فأخذ عنه فنّ المواء، كانت رائحة الشيخ ابن سمكة تثير دائما الشيخ ابن قطة، وقد حاول افتراسه كثيرا، ولكنه كان ينجو منه دائما بأعجوبة، كان مازال محتفظا بمهاراته التي اكتسبها في البحر، والتي ورثها من أجداده الأسماك كابرا عن كابر.
ثم صحب الشيخ ابن ثعبان وقرأ عليه كتابا في الفحيح، وقد حاول الشيخ ابتلاعه كثيرا ولكنه صبر عليه حتى حصَّل كل ما عنده.
ثم صحب الشيخ ابن جرو وأخذ منه شيئا من النباح، ثم ضرب أكباد الإبل بحثا عن الشيخ ابن بومة فوجده في خرابة عند حدود الصين وتعلم منه فن النعيق، أما النعيب فقد تعلمه من الشيخ الغراب الذي كان يسكن في خرابة أخرى في أقصى الغرب، أما الشيخ الجمل فقد قرأ عليه شيئا من الرغاء، ثم رحل إلى الربع الخالي طلبا للشيخ ابن ماعز ليأخذ عنه فن الثغاء، ثم صحب الشيخ ابن ثور، وكان يسكن ريف مصر، وقد أعجب به خاصة من حيث الحجم، وعلمه كل ما لديه، وهو الذي أذن له بالخوار، وقد أسعده الحظ هناك أيضا بالأخذ عن الشيخ جحش بن أتان فتعلم منه فن النهيق، وقد أذن له بأن يلقن الناس كل ما تعلمه منه.
ثم تصدر للإفتاء ولاقت فتاويه قبولا كبيرا حيث كان يجد حلا لكل المعضلات التي تواجه الأثرياء والأعيان، وبلغ صيته الأسد، فقصده ذات مرة طلبا للفتوى في مسألة شائكة، فقد اصطاد هو معاونوه ثلاثة ثيران أولها أبيض والثاني أصفر والثالث أحمر فاختلفوا بشأن توزيعها، وعلى الفور بادره ابن سمكة بالقول: "أما الأبيض فلإفطارك، أما الأصفر فلغذائك أما الأحمر فلعشائك، وليس لهم أن يأكلوا إلا من فتاتك"!
وهكذا أعطى للأسد ما يفوق كل توقعاته وأحلامه، وتم تعيينه بعد أن أثبت براعته مفتيا رسميا للغابة وأطبقت شهرته الآفاق وطلبه المترفون والأعيان من كل مكان، لشدة الطلب عليه أنشأ دارا للفتوى أعد فيها حشدا من المشايخ الذين هم على شاكلته وتربوا على يديه، وفي أثناء ذلك أخذ ينمو بسرعة حتى أصبح حوتا هائلا، وكلما تضخم كلما اشتدت حاجته إلى ما يملأ بطنه، ولذلك كانت فتاويه دائما لصالح المترفين على حساب الكادحين، وللأقوياء على حساب الضعفاء.
إلا أن السخط بدأ يشتد ضده من البهائم الكادحة، وذات مرة أجمعوا أمرهم ودبروا مكيدتهم وأحكموا التدبير، تقاسموا فيما بينهم ليعيدنَّه إلى البحر الذي أتى منه.
درسوا تصرفاته وسلوكياته بدقة، استعانوا على ذلك بكل ما تيسر من طيور وحشرات، قرروا أن يتربصوا به أثناء عودته ثملا من أحد قصور أعيان الغابة.
وتمكنوا فعلا من اصطياده والتغلب على أية مقاومة له، سحبوه بسرعة إلى شاطئ البحر ومزقوه إربا ثم ألقوه هناك، ما إن سقطت أشلاؤه في البحر إلا وتزاحم عليها السمك وأخذ يتبارى لالتهامها.
أشاعوا بين الناس أن الشيخ ابن سمكة قد زهد الدنيا وأنه عاد إلى البحر ليعتكف فيه، انتاب دار الإفتاء حزن عارم، امتنعوا عن الفتوى، كانوا يقولون لكل من يستفتيهم: "لا يُفتَى وابن سمكة في البحر"، فصارت مثلا.
إلا أن أحوال الغابة وأحوال بطونهم لم تترك لهم فرصة للتمادي في الحزن، لذلك سرعان ما عادوا إلى العمل بل وعلى وتيرة أشد، وأثبتوا لأهل الغابة أن العكوف على التراث قادر على إعادة إنتاج مثل ابن سمكة وابن سبع البحر وابن كلب البحر وابن خنزير البحر وابن حوتٍ أيضا. 

*******

هناك 3 تعليقات:

  1. لا يفتى وابن سمكة حي يرزق بيننا في بطون الكتب الصفراء والحمراء مالم تقلتع من جذورها او تحمى عيبتها من صدور العامة ويسجن الخاصة من الكهنة المرتزقين على ابواب السلاطين واكابرهم الذين علموهم السحر

    ردحذف
  2. لا يفتى وابن سمكة حي يرزق بيننا في بطون الكتب الصفراء والحمراء مالم تقلتع من جذورها او تحمى عيبتها من صدور العامة ويسجن الخاصة من الكهنة المرتزقين على ابواب السلاطين واكابرهم الذين علموهم السحر

    ردحذف