كلام المسيح في المهد وكهلا ج1
لقد تكلَّم المسيح عليه السلام في المهد
بشأن مهمته، وهذا ما ذكره القرءان، قال تعالى:
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ
قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ
مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
(29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي
بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ
يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ
وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} مريم.
والفاء في العربية للترتيب والتعقيب، وهو
تكلَّم من بعد أن أتت به قومها تحمله، أي إنه تكلم وهو مازال في السنّ التي يمكن
لفتاة صغيرة أن تحمله.
ولم تذكر الأناجيل شيئا عن كلامه في
المهد!
ثم انقطعت أخباره تماما من بعد، وصمت
تماما عن كلام كهذا –أي في شأن رسالته- إلى أن آن أوان بدأ رسالته، قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}
الصف
فلقد أعلن عن رسالته وعن ملخص مضمونها من
قبل أن يأتيهم بالبينات ومن بعد أن أراهم الآيات، قال تعالى:
{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ
اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ
وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ
اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا
أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ (52)} آل عمران
تكلم المسيح عليه السلام في المهد عن
مهمته، ثم رحل بعيدا عن مسرح الأحداث في رحلة طويلة لا يعرفون عنها شيئا، وصمتت
عنها الأناجيل إلا إشارة تقول إن أسرته ذهبت إلى مصر، ثم استدعي من حيث كان ليبدأ
مهمته، فهو لم يستأنف الكلام بشأن مهمته إلا عندما بلغ مرحلة الكهولة (التي تبدأ
عند سنّ حوالي30 سنة)، وهي المرحلة التي يكون فيها الإنسان في عنفوان قوته، وهذا
على عكس المفهوم الشائع، فالكهولة هي التي تسبق مرحلة الشيخوخة، واكْتَهَلَ النبتُ يعني أنه طال وانتهى منتهاه، وفي
معاجم اللغة: تَمَّ طولُه وظهر نَوْرُه، والكَهْلُ في القاموس
المحيط مَنْ وخَطَهُ الشَّيْبُ ورأيتَ له بَجالَةً، أو من جاوَزَ الثلاثينَ أَو أربعاً
وثلاثين إلى إحْدَى وخمسينَ.
كهل (لسان العرب)
الكَهْلُ: الرجل إِذا وَخَطه الشيب ورأَيت
له بَجالةً، وفي الصحاح: الكَهْلُ من الرجال الذي جاوَز الثلاثين ووَخَطَه الشيبُ.
وفي فضل أَبي بكر وعمر، رضي الله عنهما: هذان
سيِّدا كُهول الجنة، وفي رواية: كُهولِ الأَوَّلين والآخِرين؛ قال ابن الأَثير: الكَهْلُ
من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إِلى الأَربعين، وقيل: هو من ثلاث وثلاثين إِلى تمام
الخمسين؛ وقد اكْتَهَلَ الرجلُ وكاهَلَ إِذا بلغ الكُهولة فصار كَهْلاً
واكْتَهَلَ النبتُ: طال وانتهى منتهاه، وفي
الصحاح: تَمَّ طولُه وظهر نَوْرُه؛ قال الأَعشى: يُضاحِكُ الشمسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ،
مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْت مُكْتَهِل وليس بعد اكْتِهال النَّبْت إِلاَّ التَّوَلِّي؛
وقول الأَعشى يُضاحِك الشمسَ معناه يدُور معها، ومُضاحَكَتُه إِياها حُسْن له ونُضْرة،
والكَوْكب: مُعْظَم النبات، والشَّرِقُ: الرَّيَّان المُمْتلئ ماءً، والمُؤَزَّر: الذي
صار النبت كالإِزار له، والعَمِيمُ: النبتُ الكثيف الحسَن، وهو أَكثر من الجَمِيم؛
يقال نَبْت عَمِيم ومُعْتَمٌّ وعَمَمٌ.
واكْتَهَلَت الروضة إِذا عَمَّها نبتُها، وفي
التهذيب: نَوْرُها.
ج: كَهْلونَ وكُهولٌ وكِهالٌ وكُهْلانٌ وكُهَّلٌ،
كرُكَّعٍ، وهي: بهاءٍ
ج: كَهْلاتٌ، ويُحَرَّكُ، أو لا يقالُ كَهْلَةٌ
إلاَّ مُزْدَوِجاً بشَهْلَةٍ.
واكْتَهَلَ: صار كهْلاً. قالوا: ولا تَقُلْ
كَهَلَ.
كهل (مقاييس اللغة)
الكاف والهاء واللام أصلٌ يدلُّ على قُوَّة
في الشَّيء أو اجتماع جِبِلَّة. من ذلك الكَاهل: ما بين الكتِفين: سمِّي بذلك لقُوّته.
ويقولون للرَّجُل المجتمِع إذا وَخَطه الشَّيب:
كَهْل، وامرأة كَهْلة. قال:
ولا أعود بعدَها كَرِيَّا أُمارِسُ الكَهلة والصَّبِيَّا
وأمَّا قولُهم للنَّبات: اكتَهَلَ، فإنما
[هو] تشبيه بالرّجل الكهل.
واكتهالُ الروضة: أن يعمَّها النَّوْر. قال
الأعشى:
كهل (الصّحّاح في اللغة)
الكَهْلُ من الرجال: الذي جاوزَ الثلاثين ووَخَطَهُ
الشَيْبُ.
فهذا هو الكلام
في المهد وكهلا؛ هو الكلام بخصوص مهمته.
أما أين كان
المسيح، فهناك نصٌّ في إنجيل متَّى، الإصحاح الثاني يقول:
13وَبَعْدَمَا
انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ
وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى
أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ
لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً
وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ
هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ
مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
وجاء في الفصل الثامن لإنجيل برنابا:
"فلما
رأى هيرودس أن المجوس لم يعودوا إليه ظن أنهم سخروا منه، فعقد النية على قتل الطفل
الذي ولد، ولكن بينما كان يوسف نائما ظهر له ملاك الرب قائلا: انهض عاجلا وخذ
الطفل وأمه واذهب إلى مصر لأن هيرودس يريد أن يقتله. فنهض يوسف بخوف عظيم وأخذ
مريم والطفل وذهبوا إلى مصر".
وهذا ما حدث بالفعل، ولكن
الفرار كان خوفا على الوليد من بطش اليهود بعد أن يزول تأثير الصدمة الأولى، وكان
مطلوبا –مثلما حدث مع موسى من قبل- أن يتم تنشئة عيسى بعيدا عن تأثيرات اليهود
المتحجرين.
وهناك نصٌّ في
العهد القديم في الإصحاح الْحَادِي عَشَر لهوشع يقول:
1«لَمَّا كَانَ
إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2كُلَّ
مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ،
وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3وَأَنَا دَرَّجْتُ
أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي
شَفَيْتُهُمْ. 4كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ
الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ،
وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.
فمن الواضح من النص أن الذي دُعِي من مصر
هو قبيلة إسرائيل وليس المسيح، وهذا ما يقول به المفسرون اليهود، وقول إنجيل متَّى
أن المقصود هاهنا هو المسيح هو تأويل للنص؛ أي هو من باب الإشارة، وهي إشارة
صحيحة، وكما بدأت مهمة بني إسرائيل بالخروج من مصر فقد انتهت سلسلة أنبيائهم
بالنبيِّ الذي دُعي من مصر.
ومن معجزات القرءان تأكيده على كلامه
للناس في المهد وكهلا، قال تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً
وَمِنَ الصَّالِحِينَ }آل عمران46، {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ
اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ
الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً
بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ
الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ
مُّبِينٌ}المائدة110.
ولمعرفة طبيعة الكلام كهلا المقصود في
الآيات يجب معرفة طبيعة الكلام في المهد، وهذا يتبين من الآيات الآتية:
{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ
صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً{26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا
تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً{27} يَا أُخْتَ
هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً{28}
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ
صَبِيّاً{29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي
نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّاراً شَقِيّاً{32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً{33}}مريم.
فالكلام في الكهولة كان في هذا الإطار؛ أي
كان تفصيلا وتحقيقاً لكل ذلك، والكلام الموجه للسيدة مريم بهذا الخصوص ليطمئن
قلبها إلى أنه سيعيش إلى أن يبلغ مرحلة الكهولة مهما اشتدت المؤامرات عليه في المجتمع
اليهودي الذي كان يتباهى بقتل النبيين، وكان ذلك من أسباب أمرهم بالهجرة إلى ربوة
ذات قرار ومعين حيث الأمن، قال تعالى:
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين} [المؤمنون:50]
فالكلام في الكهولة لا غرابة فيه، فكل
الناس يتكلمون في كهولتهم، ولكن المقصود الكلام بخصوص مهمته أي رسالته، ولكن من
يريدون توثين المسيح وليّ عنق الآيات لتؤيد الخرافة التي ألقاها إليهم شياطين أهل
الكتاب حمَّلوا الآيات ما لا تطيق وحرفوا الكلم عن مواضعه فضلوا وأضلوا وضلوا عن
سواء السبيل! وهم يزعمون أن الكلام في الكهولة يجب أن يكون معجزة، وبذلك لابد أن
يعود المسيح ليتكلم وهو كهل!!! وهم بالطبع لا يعرفون شيئا عن الكهولة وقولهم هذا
يتضمن قطعهم بأنه توفى شابا، وهذا ما لا دليل عليه، فكل المعلومات تشير إلى أنه
مارس الرسالة كهلا!! بل إنه لا يمارس الرسالة إلا من بلغ مرحلة الكهولة، والآية
تعطف كونه عليه السلام من الصالحين على كل ذلك، فهي تقول: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ
فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}، فهل ثمة معجزة بالضرورة في كونه
من الصالحين؟ كما زعموا أنه يجب أن يعود ليؤمن به كل أهل الكتاب، مع أن الخرافة
تقول إنه لن يقبل منهم الجزية!!!! وسيبيدهم إن لم يسلموا!!!!!
ولا يوجد أدنى علاقة بين الكلام في مرحلة
الكهولة وبين ضرورة النزول إلى الأرض فضلا عن بقائه حياً بجسده في السماء (بجانب
الرب) لآلاف الأعوام، فلا يجوز تحميل أساطيرهم على الآية، ولكنها الأهواء عمَّت
فأعمت!
أما ما بين مرحلتي المهد والكهولة للمسيح
الحقيقي فهي سنوات غامضة، لم يستطع أحد ممن أرَّخ له أن يعرف أسرارها إلى الآن
معرفة وثيقة، وقد صمتت الأناجيل عنها ولم تقدم شيئا يُعتد به، وذلك لخلطهم بين
القصتين المختلفتين؛ قصة المسيح الحقيقي وقصة المسيح المزيف، وقد قدم الكثيرون
بشأنها تفسيرات كثيرة، وهم يسمونها بالسنوات الضائعة (The Lost Years of Jesus)،
حتى زعم بعضهم أنه هاجر إلى الهند وتعلم هناك أسرار دياناتهم، ولذلك أخذت تعاليمه
سمات أديانهم من الرحمة والعطف والحب على عكس الديانة الإسرائيلية التي كانت تأخذ
صورة وحشية قاسية غاضبة، وكان الرب فيها هو رب الجنود الذي لا يرحم أعداء قبيلته
الأرضية ولا قبيلته نفسها، ويصب عليهم حينًا بعد حين جام غضبه، وهناك من قال إنه
ذهب إلى بريطاني!! أو حتى اليابان!!!
فمعجزة القرءان هي في إشارته إلى صمت
السيد المسيح طوال المرحلة بين المهد وبين الكهولة، فهي إلى الآن سرّ غامض! وليس
لدى القوم أية إشارة ولو بسيطة لسبب الصمت طوال هذه الفترة!
والذي حدث في هذه السنوات هو ما أشار إليه
أحد الأناجيل وهو أن السيدة مريم فعلت مثل أسلافها ومثل أهل الشام قديما وبنو
إسرائيل في مثل هذه الظروف ومثلما سيتكرر من بعد على مدى التاريخ، وهو الهجرة إلى
مصر عند الخطر، وهذا ما فعله النبي إرميا عليه السلام عندما فرَّ إلى مصر ومعه
بقايا الأسرة المالكة بعد الاجتياح البابلي لأورشليم بقيادة نبوختنصر سنة 586 ق.م.،
فخوفا على ابنها من بني إسرائيل من بعد كلامه في المهد هاجرت به إلى مصر بصحبة أحد
أقاربها المتقدمين في السن ولم يكن خطيبا ولا زوجا لها بل كان حاميا وراعيا لها،
وهذا هو الأمر الطبيعي، أما من ظنُّوا أنهم هاجروا إلى الهند أو بريطانيا فقد ذهب
بهم الشطط بعيدا، فكل الأنبياء لم يخرجوا عن هذه المنطقة من العالم والمعروفة
بالشرق الأدنى فلقد بقيت النبوة في هذه المنطقة ولم تتأثر بأي تراث خارجي.
وقد كان اليهود قوما مجرمين شرسين في ذلك
العصر، وكانوا يتباهون بقتل الأنبياء والمصلحين، فكان لابد من الاختفاء عنهم في
منطقة كثيفة السكان.
وقد عاشت أسرة المسيح عليه السلام في مصر
لمدة طويلة، إلى أن بلغ أواخر العشرينات من عمره، ثم
عادت الأسرة إلى فلسطين، وإلى ذلك الإشارة بالنبوءة القديمة في
الإصحاح الْحَادِي عَشَر لهوشع يقول:
1"....
وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي .... "، والإشارة تعني أصلا بني إسرائيل.
فالمسيح الحقيقي كان لابد أن ينشأ بعيدا عن تأثيرات بني
إسرائيل المتعصبين المتجمدين، مثلما حدث مع موسى من قبل، الذي تربى بعيدا عنهم في
بلاط فرعون ملك مصر من أسرة الرعامسة؛ وهي الأسرة العشرون (في تقدير المؤرخين، أما
عندنا فالأسر أكثر من ذلك بكثير)، ولذلك امتنّ الله تعالى عليه بقوله: {... وَلِتُصْنَعَ
عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، ولذلك يُلاحظ أن روح خطاب المسيح لهم كان غير مألوف
بالنسبة إليهم.
ولقد فرت به أمه إلى مصر، كان ذلك في عصر الإمبراطورية
الفارسية، والتي كانت مصر وأرض كنعان واليهودية تابعة لها، وعاش فيها أكثر
سنوات عمره، وتلقى تعليما على يد معلمين
عبرانيين مستنيرين ممن كانوا في مصر، ثم استُدعي ليقوم برسالته كما في الإنجيل!
فالذي جاء في الإصحاح الْحَادِي عَشَر
لهوشع تذكير بنعمته التي أنعمها على بني إسرائيل، وكيف أنهم كفروا بأنعمه وعبدوا
غيره!:
1«لَمَّا كَانَ
إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2كُلَّ
مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ،
وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3وَأَنَا دَرَّجْتُ
أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي
شَفَيْتُهُمْ. 4كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ
الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ،
وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.
فمن الواضح من النص أن الذي دُعِي من مصر
هو قبيلة إسرائيل وليس المسيح، والقول بأن المقصود هاهنا هو المسيح هو تأويل للنص
أي هو من باب الإشارة، وهي إشارة صحيحة، وكما بدأت مسيرة بني إسرائيل بالخروج من
مصر فقد انتهت سلسلة أنبيائهم بالنبي الذي دُعي من مصر.
ولم تذكر الأناجيل شيئا عن حديث المسيح في المهد الذي
ذكره القرءان، ومن بعد أن أعطت شيئا من المعلومات عن مولده لم تذكر شيئا يُعتد به
إلى أن بدا عمله.
وإنجيل
متى في الإصحاح الثاني يذكر مولد المسيح والأمر بالذهاب إلى مصر:
13وَبَعْدَمَا
انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ
وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى
أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ
لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً
وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ
هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ
مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
*******
قصص الأنبياء
ردحذف👍👍👍👍
ردحذفبارك الله فيك وجزاك الله خيراً
ردحذفذلك هو مشابه للتفسيرات المأثورة الى حد ما..
ردحذفولابد ان تلكم عيسى في المهد وكهلا ..يتضمن معاني اخرى اكثر اهمية عما فسرت ..
والحقيقة ,ان مريم عندما ظهرت لقومها ,لم تكن قد ولدت بعيسى ..وانما كانت مازالت تحمله في بطنها ..فاتت به قومهها تحمله ..وارادت منهم ان يساعدوها في اخراجه من بطنها ,فاظطروا ان يجروا لها عملية جراحية ..قيصرية ..لاخراج الجنين عيسى ..وذلك ما حدث فعلا ..
وللحديث بقية ..