الثلاثاء، 10 يونيو 2014

التبشير بالجنة والترضي

التبشير بالجنة والترضي

قال تعالى:
{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة25، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة82، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }النساء57، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ{7} جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ{8} البينة
تبين الآيات بكل قوة ووضوح أن الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مبشرين بالجنة وأنهم هم خير البرية، هذا أمر مقرر ومكتوب ومقدر لكل من وفَّى بالشروط المذكورة، وهذا أمر حقاني وليس أمراً شخصيا، ولكن أتباع المذاهب المحسوبة على الإسلام يظنون أن كتاب الله هو قصيدة مدح لبعض القرشيين وهجاء لغيرهم!
والرسول كان مأمورا بأن يبشر كل من كانوا من الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بالجنة وبإعلان رضا الله تعالى عنهم، ولقد بشَّر بالفعل بعض السابقين الأولين بها مثل أهل بيته وأسرة عمار وسلمان وبلال وسعد بن معاذ .... الخ، وكان معلوماً وجود الشروط، أن يظلوا على الحالة التي اقتضت التبشير، أما مروية العشرة المبشرين بالجنة فموضوعة وفات الذي وضعها أن يقدم المشيئة!
ولكن أتباع المذهب اللاسني السلفي الذين أحدثوا مصطلح (الصحابة) وجعلوه المصطلح الأقدس في الدين هم الذين أحدثوا بدعة ذكر (الصحابي) مسبوقا بالتسييد ومنتهيا بالترضي ليلقوا الرعب في قلوب الناس تجاههم، ولذلك تجد من هو أجهل من دابة يسبّ الدين بلا أي مبرر أو في مشاجرة عادية أو على سبيل الدعابة أو الاستظراف، ولكنه يخر للأذقان ساجدا إذا ورد ذكر أي (صحابي)، وتجدهم لا يعلمون شيئاً عن آيات القرءان التي ذكرت بعض الآثام التي اقترفها بعض (الصحابة) ويكاد يتهم من يذكرها له بأنه هو الذي وضعها!!! أما خطباء المساجد فيكاد يكون شغلهم الشاغل تكريس عبادة (الصحابة) وتكريس شعور الناس بالنقص والدونية تجاههم.
-------
إن التبشير بالجنة في القرءان هو أمر حقاني، وليس أمرا ذاتياً شخصيا، إن المبشرين بالجنة هم من أحسنوا القيام بأركان الإسلام الحقيقية وتحققوا بأخلاقه، والفئات الآتية مبشرون في القرءان بالجنة: عباد الرحمن- المتقون-المؤمنون- الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا -الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ-المجاهدون الصابرون-الشهداء-المحسنون- المهاجرون في سبيل الله-المقاتلون في سبيل الله-من يطع الله ورسوله-الصادقون-السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ-الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ- مَن تَزَكَّى-من لا يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- الَّذِينَ آمَنُوا وتابُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً- الصَّابِرونَ وَالصَّادِقونَ وَالْقَانِتونَ وَالْمُنفِقونَ وَالْمُسْتَغْفِرونَ بِالأَسْحَارِ-.....
فالتبشير بالجنة هو أمر حقاني موضوعي وليس بأمر ذاتي شخصي، وهو من مهام ووظائف الدعاة إلى الله تعالى، وهو من وسائلهم لحث الناس على سلوك سبيل الرشاد، ولكن المغضوب عليهم هم الذين كذَّبوا بالآيات وجعلوه أمراً شخصياً يناله من ارتبط بطائفةٍ ما متبعين في ذلك سنن من كان قبلهم، ولم يتسبب مسلكهم هذا إلا في تفريق الدين وتمزيق الأمة، وكان من أسباب ذلك هجرهم القرآن ومنهجه واتخاذهم المرويات الظنية كتابا من دونه وجعلهم المرويات قاضية عليه، إنه يجب التأكيد دائماً علي أن القرآن بشر بالجنة من قاموا بأعمال معينة ومن اتصفوا بصفات معينة وليس من انتسب إلي أحد الصالحين أو إلي قبيلة أو طائفة معينة، فالمؤمن بدين الحق يقول إن المبشرين بالجنة هم الطوائف التي ذكرها القرآن من عباد الرحمن والصديقين والشهداء والصالحين...إلخ، أما أتباع المذاهب التي فرقت الدين ومزقت الأمة فيقولون إن المبشرين بالجنة هم فلان وفلان....إلخ، وهذه المروية التي فات من وضعها أن يقدم المشيئة لا تلزم المسلمين في شيء، فهي مجرد أثر تاريخي لا علاقة له بدين الحق.
-------
الترضي (القول رضي الله عنه) إما أن يكون دعاءً فهو حق لكل مسلم، وإما أن يكون إخبارا عن الله تعالى وهذا ما لا يجوز أن يدعيه أحد لأحد إلا إذا كان على الإجمال، فتزكية الناس بدون إذن إلهي هي من الأمور المنهي عنها، قال تعالى:
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}النجم32، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء49
ومعنى "يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ" أن يزكي بعضهم بعضا أو أن يدعي أحدهم لنفسه أو لغيره درجة من درجات الصلاح دون إخبار إلهي.
-------
قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ{7} جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ{8} }البينة، فالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قد رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فهذا إخبار إلهي، والله تعالى هو الأصدق حديثا، فطلب الرضوان لهم لن يكون إلا تحصيل حاصل، ولكن طالما كان الإنسان في عالم الشهادة فهو في خطر عظيم مهما علت مرتبته وعظم اجتهاده في العبادة والعمل الصالح، لذلك فكل الناس بهم حاجة ماسة إلى دعاء صادق من محبيهم بأن يرضى الله تعالى عنهم، وهذا يتضمن الدعاء لهم بأن يظلوا من الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وألا يفتنوا في دينهم.
ولكن لا يجوز استعمال الترضي كوسيلة للتوثين المستتر لأي إنسان، فرسالة الإسلام لم تحطم الأوثان لتستبدل بها أوثانا جديدة.
-------
إن إعلان أمور مثل الرضا الإلهي أو الاصطفاء أو التفضيل يكون لأسباب حقانية معلومة فإذا انتفت الأسباب انتفت هي أيضا كما حدث مع بني إسرائيل والعرب وغيرهم، ولذلك تستبدل أمم بأمم، لقد فضَّل الله تعالى بني إسرائيل على العالمين وجعل منهم أئمة لما صبروا، ولكنهم عصوا وتمردوا فحذَّرهم وأنذرهم، فلما تمادوا في المعاصي والضلال أعلن غضبه عليهم ولعنهم.
أما الترضي الذي أحدثه أهل اللاسنة وأتباع المذهب السلفي فقد كان المقصود به إحداث حاجز رهيب بين الناس وبين من يسمونهم بالصحابة لا يسمح بمراجعة التاريخ ولا المذاهب أبدا ولا يسمح لأحد بتدبر القرءان والانتفاع بما فيه أبدا.
ورغم أنهم يزعمون أنهم يتصدون لكل إحداث في الدين فقد أحدثوا بجانب الترضي الصلاة عليهم أيضاً مثلهم مثل آل محمد، وهذا يبيِّن أن الأمر كان أمر أهواء ومذاهب وليس أمر دين.
-------
إن المطلوب منك تجاه من سلف هو ما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}الحشر10 
فهو الاستغفار إجمالا لمن سبق بالإيمان، وهذا يعني بالضرورة أنهم كانوا غير معصومين، والاستغفار إجمالا لأنه لا أحد يعلم كل أسماء المنافقين، فقد تقع في إثم الاستغفار لمنافق كافر، ظل يكيد للإسلام والمسلمين ويحاول أن يحرِّف الدين، اقرأ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}التوبة101، ولا يجوز الاستغفار لكافر أو منافق!
-------
إن إلزام المسلمين بالصراخ بالقول "رضي الله عنه" لدى سماع اسم أي امرئ من السلف كان من المحدثات في الدين، وكل محدثة ضلالة، وكل ضلالة تقود حتما إلى النار، هذه الضلالة لم يأمر بها القرءان، ولم يأمر بها الرسول، ورغم ذلك أصبحت واقعياً من أركان الدين، وتمّ بسببها تحريف الدين وصد الناس عن تدبره وفقهه وتوثين (الصحابة) والسلف، وترى الجمع من المسلمين وهم يستمعون إلى خطيب الجمعة وهم في حالة ترقب وهلع خشية أن يفوتهم الترضي على واحد منهم إذا فاجأهم بذكر اسمه، إن مثل هذه الأمور والسلوكيات هي التي خلقت هذه الشخصيات النمطية العصية على الإصلاح والتي لا يُرجى منها أي خير والتي تملأ أرجاء العالم المحسوب على الإسلام.

*******


هناك 6 تعليقات:

  1. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا

    ردحذف
  2. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا

    ردحذف
  3. {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:10]

    ردحذف
  4. رائع ، واستأذنك في الاقتباس

    ردحذف