الخميس، 19 يونيو 2014

الْبَـرُّ الرَّحِيـمُ

الْبَـرُّ الرَّحِيـمُ


المثنى (البـرُّ الرحيـم) والاسم (البـرُّ)

 

قالَ تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}الطور28

ولذلك فالمثنى (الْبَرُّ الرَّحِيمُ) هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.


أما الاسم (البـرُّ) فلم يرد بمفرده وإنما ورد للإشارة إلى سمة يمكن أن يفصل إليها المثني البر الرحيم.
فهذا الاسم من لوازم وتفاصيل أسماء النسق الأول، فهو بذلك من أسماء النسق الثاني؛ أي نسق الأسماء الحسنى المفردة.

والمثنى (البـرُّ الرحيـم) هو من أسماء الرحمة الخالصة والبر والإنعام الخالص، وأولى الناس به هم المتقون الذين وطَّـنوا أنفسهم على الإحساس الدائم بالحضور الإلهي معهم بالأسماء الحسنى؛ فامتنعوا عن مخالفة أوامره خوفا من عقابه واتقاءً لبطشه وعظيم سطوته وقهره وحياءً منه وحبا له وهيبة منه وإجلالا لأمره، فلم يغفلوا أبداً عن التعلق به والالتجاء إليه والتوكل عليه وتفويض كل أمورهم إليه، فهذا الاسم يشير إلى سمة واجبة لله سبحانه؛ تفصيلها البر والرحمة، فهو يعامل عباده المتقين بتلك السمة فيتجاوز عن ذنوبهم وعصيانهم ويرحم ضعفهم وقصورهم ويحسن إليهم ويتفضل عليهم، قال تعالى في سياق حديثه عن المتقين: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ(17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(19)مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ(20)} (الطور) ، إلي أن قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(25)قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ(26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27)إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28)}، فأعظم ظهور لهذا الاسم إنما هو على مستوى باطن الإنسان وجوهره ولبه أي على مستوى قلبه، والذي سيظهر للمتقين في الجنة في اليوم الآخر، ولذا فإنهم سيدركون هناك أن ما هم فيه من فضل ورحمة ونعيم مقيم إنما هو من تجليات هذا الاسم في اليوم العظيم؛ فينطقهم بالثـناء عليه من أنطق كل شيء.
وللقيام بحقوق هذا الاسم يجب أن يكون الإنسان بارّاً بمعنى ان يتسم بالبر كما بينه القرآن، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(177)} (البقرة)، فلا عبرة في البر بالظواهر السطحية للأمور، ولكن البر يتضمَّن ما يلي :
  1. الإيمان، فلابد من يصدق الإنسان بكل ما أتى به القرآن وخاصة الأركان العظمى للإيمان وعلى رأسها الإيمان بالله تعالى كما تحدث عن نفسه فى القرآن، فذلك الإيمان هو الشرط اللازم لكي ينتـفع الإنسان بثمار عمله، ويكون عمله دائما سببا لرقى نفسه، فالإيمان يشكِّـل الأساس المنطقي السليم لعمل الإنسان.
  2. عدم الاستـئـثار بالمال فامتلاكه ليس بوسيلة للتعالي على الناس أو امتهان كرامتهم، ولكنه وظيفة اجتماعية ومسؤولية ملقاة على عاتق من استخلفه الله تعالى فيه ومكن له من أسبابه، وهو من وسائل ابتلاء الإنسان.
  3. فذلك الاسم من الأسماء التي كان الله بها دياناً للعباد ومن أسماء منظومة الرحمة والهدى والإرشاد، لذلك به تتعين وتفصل أبواب الخير.
  4. إقامة شعائر الدين والتي ذكرت الآية منها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبإقامة الشعائر تعلن الأمة المسلمة عن هويتها.
  5. التحلِّي بمكارم الأخلاق، ولقد ذكرت الآية منها الوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، فالبار يعلم أن الأمور تجرى بقوانين الله وسننه لتحقيق الغاية التي من أجلها خلق الأكوان، فهو لهذا يحيا مطمئناً ثابت الجنان.

فالبر هو الصفة الإيجابية العظمى التي تدفع الإنسان إلى أداء كل ما عليه من الحقوق بالحسنى أو بالتي هي أحسن.
ولقد بينت الآية أن البارَّ هو الصادق التقى، فهو الصادق لأن أعماله الظاهرة جاءت متَّـسقة مع معتقداته الباطنة، وهو التـقي لأن كل ذلك يبين حرصه علي القيام بالحقوق الواجبة والآداب اللازمة تجاه الحضور الإلهي مع العباد، وتبين الآية بوضوح أن الاستخدام السليم للمال مقدم علي إقامة الشعائر، كما تبين أن التحلي بمكارم الأخلاق هو ركن من أركان البر كإقامة الشعائر، وكان لزاماً علي المسلمين أن يعطوا لتلك الآية حقها، وأن يقدروها حق قدرها، وأن يعملوا بمقتضياتها، فإن أركان البر الواردة في القرآن لا تـقـلُّ في أهميتها عن كافة أركان الإسلام.
ومن وطنوا أنفسهم على الاتصاف بالبر والرحمة والعمل بمقتضى أن الله عزَّ وجلَّ حاضر معهم هم الذين سيجدون أنفسهم عنده في الدنيا والآخرة.   
وهذان الاسمان من أسماء منظومة الرحمة والهدي التي اقتضت كل ما يلزم لصلاح الإنسان من قيم وأوامر وسنن، وسمة البر مقترنة ومرتبطة بالرحمة، والظهور الأكمل لهذا الاسم سيكون للمؤمنين في الجنة.
والاسم البر الرحيم من أركان منظومة الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء وكذلك الرحمة التي كتبها الله على نفسه للذين يتبعون ما أنزله عليهم من البينات والهدى.
والرمز (بر) يشير إلى أن منه سبحانه بدأ كل خير وإنعام وود وحنان وانتقل كل كيان خلقي أو أمري من باطن إلي ظاهر، والراء المشددة إشارة إلى تتابع كل ذلك وتكراره، وهو يشير أيضاً إلى أن إليه مرجع ومآب كل من لاذ به من الأبرار.
والرمز يشير إلى أن به كان بدء وتعين كل خير وتكراره وتفصيله وعودته وصعوده إليه.



*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق