الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

من الأسماء الإلهية الحسنى: الحسيب

من الأسماء الإلهية الحسنى
الحسيب

قال تعالى:
{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }النساء86  *  {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً}النساء6  *  {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}الأحزاب39.

والاسم "الحسيب" بذلك هو من النسق الأول من الأسماء الحسنى.

ولهذا الاسم صور عديدة هي من أنساق الأسماء التالية، وهي: الحَسْب، سَرِيعُ الْحِسَابِ، الحاسب، أسرع الحاسبين.
قال تعالى:
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} الأنبياء47
{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران199  *  {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4  *  {لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }إبراهيم51  *  {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}غافر17  *  {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19  *  {أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }البقرة202  *  {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور39  *  {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }الرعد41
{ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} الأنعام62
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} (الطلاق)  *  {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173  *  {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }الأنفال62  *  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الأنفال64  *  {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ }التوبة59  *  {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }التوبة129  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }الزمر38

من حيث الاسم الإلهي الحسيب فإن الله سبحانه هو الشريفُ المكتفى والكافي، فهو الشريف المكتفى بما هو له من ذات لها الحسنُ المطلق والكمال المطلق والأسماء الحسنى والمجد والشرف الأسمى، وكل من هم من دونه هم في حاجةٍ ماسة ودائمة إليه، وهو يكفيهم ويُمدهم بما يحفظ لهم وجودهم وبقاءهم لأداء المهام المنوطة بهم والتي لأجلِها خلقهم، وهو أيضاً يكفي من التجأ إليه وتوكل عليه وفوَّض الأمر إليه فلا يُحوجه ولا يَكلُه إلى غيره، بل ويسخِّر له من شاء من خلقه بمقتضى قوانينه وسننه.
وهو سبحانه المحاسب الذي يحصى على العباد أعمالهم، ويراقب التزامهم بما فرضه أو أوجبه عليهم كماً وكيفا؛ مبنى ومعنى، فهو الذي يقدِّر أي يثمِّن ويقيِّـم أعمالَهم وأقوالَهم وتصرفهم في أموالهم وأموالِ غيرهم، فكما يقدِّر كيف يتصرفون في أموال اليتامى فإنه يقدر كيف يلتزمون بمكارم الأخلاق وآداب الإسلام ومنها مثلاً كيفية رد التحية، وهو لا يفعل ذلك لمصلحةٍ له يريد تحقيقَها ولا لحاجةٍ به إلى ذلك، ولكن الأمرَ يتم بمقتضى نسق السنن الحاكم على الإنسان والذي اقتضى وجوده، فالإنسان من حيث هو هو قابل للتغير والتطور على المستوى الجوهري، ولو لم يكن كذلك لما كان هو هو، ولقد هداه الله النجدين وبيَّن له السبيلين وأعلن له أنه من حيث طبيعته مخير في سلوك أي الطريقين.

ومن تجليات الاسم الإلهي "الحسيب" الاسم "سريع الحساب"، فهو يحاسب ما لا يتناهى عدده من المخلوقات بدون أن يمسه نصب أو لغوب وبدون حاجة إلى زمان ممتد متطاول، ذلك لأن قوانينه اقتضت أن يتشكل باطن الإنسان وكيانه الجوهري أي نفسُه الحقيقية وفق ما آمن به من عقيدة وما صدر عنه من قول أو عمل، ويوم القيامة يُـبعث الإنسان علي الصورة التي آل إليها باطنه، فالباطن هناك مكشوف وظاهر في يوم تبلى فيه وتنكشف السرائر، أما هو سبحانه فهو مع كل فرد من الكل يحاسبه في الآن الواحد كما يحاسب الكل وكما يرزق الآن الكل ويدبر كل الأمر دون أن ينشغل بأمر عن أمر، فيوفي الكل أجورهم بمقتضى عدله، ويزيد المتـقين من إنعامه وفضله.
فمن الحساب السريع أن يتلون كيان الإنسان الجوهري ويتغير وفق آثار ما صدر عنه بمحض اختياره من أفعال.

والله سبحانه هو الحسيب من حيث رقابته علي تصرفات عباده فيما استخلفهم فيه من أموال وغيرها، وهو الحسيب من حيث وزن الأعمال بالقسط وتقيـيمها، فهو الذي يقومها ويقيِّـمها من حيث دوافعها ومقاصدها والنوايا التي صدرت الأعمال عنها، فهو يحاسب عباده علي ما قدموه من أعمال وفقـاً لما لديه من قوانين وسنن، فلا يظلم أحداً شيئاً، فكل عمل صدر عن عاملٍ ما لابد أن تـترتَّـب عليه نتائجه، فهو سبحانه سريع الحساب، وهو أسرع الحاسبين، ذلك لأن الحساب يتم وفق قوانينه التي هي من أمره، فهو ليس بحاجة إلي استجواب عباده فرداً فرداً، فإن آثار أعمال الإنسان مدونة في لوح نفسه، وقد تشكلت كل نفس بآثار أعمالها، ونفذت بقدر العمل والنية التي صدر عنها إلي العمق المقدر لها طبقاً للقوانين، ويأخذ باطن الإنسان صورته النهائية بانقطاع عمله وآثاره، وفي الدار الآخرة ينقلب هذا الباطن ظاهراً؛ فيدرك الإنسان بذلك حقيقة نفسه، ولذلك فكفي به هنالك حسيباً علي نفسه، ولكي تتم الحجة يكشف للإنسان أيضاً سجل أعماله وتشهد عليه جوارحه والأشهاد.
فالحسيب هو الذي يقيِّـم كل الأمور المادية والمعنوية؛ فيرتب ويحدد ويقدر الجزاء المناسب لكل عمل وفقا لطبيعة هذا العمل والهيئة الباطنية أو النية التى صدر عنها العمل، وذلك الجزاء يتمثَّـل فيما تركه العمل من أثر فى باطن الإنسان وجوهره، وهو الذي سيتجسد للإنسان ويصبح أمراً محسوسا في الدار الآخرة وقد يرى أثره في هذه الحياة الدنيا، فذلك الأثر يتم وفقاً لقوانين معلومة كالتي تحكم العلاقة بين السبب والنتيجة، وذلك من مظاهر وآثار أن الله هو سريع الحساب وأنه أسرع الحاسبين، إذ لابد أن يجد الإنسان آثار فعله فى نفسه لتوِّه، فهذا الحساب لا يقتضى من الله سبحانه مجهوداً أو استغراقا فكما لا يشغله أمر عن أمر كذلك لا يشغله حساب إنسان عن حساب الآخر.
-------
ويقتضي الاسم الحسيب من الإنسان أن يعلم أن كل شيء عند الله تعالى محسوب وبالمقدار، فهو يعرف لكل أمر ولكل كائن قدره لأنه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، إذاً فلا سبيل إلى خداعه ولا جدوى من مخادعته، ولا جدوى من الشرك أو الرياء أو النفاق، ولن ينفع الإنسان إلا ما أداه بإخلاص، فكل الأمور عند الله تعالى معلومة ومقيَّمة ومقدرة، لذلك فعلى الإنسان أن يعرفَ لربه عظيم فضله وأن يؤديَ واجب شكره وأن يثنى عليه بجماع قلبه، ومن لوازم ذلك أن يشكر لمن استعمله ربه لإيصال خيرٍ ما إليه، لذلك عليه أن يرد التحية بأحسن منها.
ومن يتوكل على الله فهو حسبه، ذلك لأن له الإحاطةَ التامةَ بكل الأمور، أما من هم من دونه فلا يحيطون إلا ببعضها؛ فقد يلجأ إليهم الإنسان فلا يعلمون الطريق الأمثل لتحقيق مراده فضلاً عن عجزهم اللازم لهم، أما الله، فهو بكل شيء عليم، كما أنه ما من دابة إلا وهو آخذ بناصيتها، فمن لاذ به واعتصم به واكتفى به سيجده نعم الحسب ونعم الكافي.
ويقتضي الاسم الحسيب من الإنسان أيضاً التحليَ والتحققَ بالتوكل على الله تعالى، فالتوكلُ هو خلق قويم وممارسته والتحقق به هو ركن فرعي من أركان الدين وهو من لوازم كل أركان الدين الجوهرية، والتوكل هو إدراكٌ علمي وأمرٌ وجداني يصدقه سلوك عملي يترتب عليه رسوخُ الصفة في الكيان الإنساني الجوهري، وكل ذلك من لوازم تحقيق المقصد الديني الأعظم الإنساني.
والاسم الإلهي الحسيب يقتضي أيضاً أن يكون الإنسان حسيباً على نفسه في كل أمر فإن أدى عبادة ما فليقدِّر هل حققت المقصد منها وليقابل كل فعل إلهي أو بشرى بالأدب اللائق به، وعليه أيضاً أن يتحلى بكل خلق رفيع.

وكرمز علوي فالاسم الحسيب يشير إلى سمات المجد والكرم والشرف التي هي لله وكيف أنها من تفاصيل حسنه المطلق وكماله الذي لا يتناهى والتي لها العلو والظهور وهي التي تقتضي السنن التي تسري وتتحقق بيسر إذ ليس ثمة ما يمكنه أن يعوقها، والباء إشارة إلى مقتضياتها ومجالاتها وإلى دوام فعلها وتأثيراتها وإلى أن كل شيء قد بدأ منها وبها.

*******


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق