الأحد، 14 ديسمبر 2014

القتـال المشروع


القتـال في سبيل الله


القتال المشروع هو القتالُ في سبيل الله، فهو لا يكون طلبا لعرض دنيوي، والقتال هو من الأركان الفرعية للجهاد في سبيل الله والذي هو ركن من أركان الدين، فقد يقتضي الجهادُ القتالَ إذا ما توفرت شروطه الشرعية، وعلي كل من أراد أن يعرف حكم القرءان في أمر القتال أن يتبع منهج دينِ الحق، فعليه أن يستخلص كل الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح ومشتقاته وأن يسلِّم بأن لكل آية الحجيةَ الكاملة وأنه ليس ثمة اختلاف في القرءان وأنه ليس من حقه أن يضرب آية بآية ولا أن ينسخ آيةً بآية، وعليه أن يعلم أن آيات القرءان يبين بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا ويفصِّل بعضها بعضا، وأنها بمثابة المصابيح الموصلة على التوالي، فلا يمكن لأحد قطعُ أي مصباح منها، وإلا لغاب عنه الضوء اللازم ليعرف القول القرءاني الصحيح.
وعليه أن يعلم أن للآيات التي هي مقتضى سمة إلهية أو شأن إلهي التقدمَ على غيرها، فإذا أعلن الله تعالى أنه لا يحب المعتدين فتلك سمة إلهية لا تتغير ولا تتبدل، ولها الحكم البات في هذه المسألة، ولذلك لا يمكن لأحد أن يتقرب إلى رب العالمين باقتراف العدوان بعد أن أعلن الله تعالى أنه لا يحبه، ومن يفعل ذلك يكون مستخفا بالنهي الإلهي جاحدا للآية القرءانية وربما كافرا بالسمة الإلهية.
قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190]
فقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} هو سمة إلهية وشأن إلهي ثابت وسنة إلهية لا تبديل لها ولا تحويل، وذلك يقتضي أمرا دينيا ملزما هو نهي صارم عن الاعتداء: {وَلاَ تَعْتَدُواْ}، فالقتال مشروط بأنه قتال ضد من قاتل، وليس ضد المسالم.
فالآية تقول بكل صراحة ووضوح: إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين، فقاتلوا فقط من بدأكم بالقتال معتديا عليكم.
ومن يقولون بأن هذه الآية منسوخة هم بذلك يقولون بأن الله سبحانه قد تغير عما كان عليه، فقولهم ينطلق من تصور خاطئ عن رب العالمين، ومن موجبات الخسران المبين الظن السيئ برب العالمين والتصرف بمقتضى ذلك.
ومن يتبع منهج دين الحق سيعلم أن حالةَ السِلم هي الحالة المثلي المطلوبة والمقصودة وأن القتال هو الأمر الاستثنائي المكروه والمقيد بشروطه المذكورة في الآيات وأن العدوان محرم تحريما مطلقا.
والقتال المشروع هو من الصور الممكنة للجهاد، ولكي يكون مشروعا ينبغي أن يكون في سبيل الله أي خضوعاً لأمر شرعي حقيقي ودفاعا عن قيمٍ عليا وليس طلبا لعرض دنيوي أو استجابة لأهواء النفوس أو لوساوس الشياطين أو لنوازع مذهبية أو حزبية أو طلبا لسلطة، والإنسان مطالب بالدفاع عن كل ما استخلفه الله فيه من مالٍ وأهل وديار، والتي يجمعها الآن مفهوم الوطن الذي يوفر للإنسان حاجاته الفطرية الأساسية المادية والمعنوية، فالقتال دفاعا عن الوطن وعن تماسك الوطن هو قتال في سبيل الله، فهو قتال مشروع، وهو من الجهاد، وهو ركن من أركان الدين.

ومن القتال المشروع: مواجهةُ العدوان، الدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، التصدي لأهل البغي، وكذلك لكف بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم ولا يسمحون بحرية الدين والعقيدة، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتدٍ بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدُهم إعلاءَ كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضاً ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريماً باتاً، وعليهم الالتزام بكل آداب القتال والأوامر الشرعية المنظمة له، فكل صور الإفساد في الأرض محرمة تحريماً باتاً؛ إذ هي من كبائر الإثم، فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو الدواب أو النباتات، فلا قتال إلا عندما تتوفر شروطه الشرعية.

فالاعتداء على الآخرين هو من كبائر الإثم، وهو محرم تحريما باتا، فلا يجوز القتال إلا ردًّا لاعتداء أو لكف بأس الذين كفروا ويهددون الأمة ويحاولون فتنتها في دينها أو للتصدي للظلمة أو لأهل البغي ولو كانوا محسوبين على المسلمين وما إلى ذلك من المبررات الشرعية.
والمشركون الذين أُمر القرن الأول من المسلمين بقتالهم حتى يسلموا هم من لم يؤمن بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قومه، ذلك لأن لأقوام الرسل أحكامهم الخاصة، ومنها أنه ليس مسموحا لقوم نبي مرسل بالبقاء على كفرهم بعدما جاءهم بالبينات، فطبقا للسنن لن يقبلَ أبداً من كفروا بالرسول بالتعايش السلمي مع الذين آمنوا فيعتدون عليهم ويحاولون فتنتهم في دينهم، وعندها يصبح لابد من الفصل بينهم في هذه الحياة الدنيا إما بآية كونية وإما بأيدي المؤمنين.
ولا يجوز قتال إنسان آخر لمجرد أنه مشرك وإلا لاضطر أكثر المسلمين إلى أن يقاتلوا أنفسهم!! قال تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف106، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)} (الأنعام)، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{159} الأنعام،  وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32} الروم.
ومن المعلوم أن المسلمين قد فرَّقوا بالفعل دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وأنهم اتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله تعالى، وكل طائفة أو شيعة من المحسوبين على الإسلام إنما ترمي كل من خالفها بالشرك وبالكفر، وهم محقون جزئيا في ذلك، فلا يخلو مذهب من شرك جزئي وكفر جزئي، ولكن لا يجوز قتال من يعلن أنه مسلم بزعم أنه مشرك أو كافر، والمشركون الآن هم كل من يتخذ إلها أو رباً مع الله تعالى بطريقة واضحة صريحة معلنة، ولا يجوز قتال المشركين لمجرد أنهم مشركون إلا إذا اعتدوا هم على المؤمنين في دينهم أو حاولوا إخراجهم من ديارهم...الخ.
وعلي المسلمين عندما يفرض عليهم القتال أن يلتزموا بكافة القيم والمبادئ الإسلامية، والأمة المؤمنة لا تقاتل إلا لتحقيق المقاصد التي شُرِع من أجلها القتال مثل إعلاء كلمة الله ونصرة دين الحق ونصرة المستضعفين ومنع الفتنة وكفّ بأس الذين كفروا ودرء العدوان وقمع البغي وأهله وردع المعتدين، فالالتزام بذلك يضمن لها النصر النهائي الحاسم، فالقتال المشروع لا يكون إلا في سبيل الله، أما القتال من أجل المغانم الدنيوية فليس من مهام الأمة المؤمنة بل هو من العدوان المنهي عنه بنصوص قاطعة، ويجب العلم بأن الله تعالى هو أغنى الأغنياء، وهو لا يقبل أي عمل إنساني شابه شرك، ولقد كان الانشغال بالغنائم الدنيوية من أسباب الهزيمة في موقعة أحد وموقعة بواتييه وغيرهما ومن أسباب تقويض صرح الأمة المؤمنة.
والمسلمون ليسوا مطالبين بالدفاع عن أسلافهم الذين لم يقوموا بواجب الدعوة إلى الإسلام بالأساليب الشرعية، وإنما قاتلوا الناس واعتدوا على الآمنين وسفكوا الدماء من أجل الغنائم الدنيوية، ولا يجوز أن يُربَّى المسلم على الفخر بهذه الاعتداءات وما ترتب عليها، ولقد كانت الجيوش التي اجتاحت العالم المحسوب على الإسلام من الشرق والغرب وفعلت به الأفاعيل هي رد الفعل الكوني ضد ما اقترفته هذه الأمة في حق الشعوب الأخرى طبقاً للسنن التي لا تبديل لها ولا تحويل ولا تحابي أحدا، إن دعائم الوجود مبنية ومخلوقة بالحق، وهي ترفض بذاتها كل ظلم.
ومما فاقم من جرائم السلف المقدس في حق الله وكتابه ورسوله والإنسانية أنهم جعلوا من أسس مذاهبهم القول بأنه قد تمَّ نسخ الآيات الآمرةِ بالالتزام بالأساليب السلمية ومكارم الأخلاق عند الدعوة إلى الإسلام، وذلك بما يسمُّونه بآية السيف، فأضافوا إلى جرائمهم تأويلَ الدين ابتغاء الفتنة ووفق الرغبات والأهواء الدنيوية.
*****
إن الدعوة إلى الإسلام إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدالِ بالتي هي أحسن والحوار، أما العدوان فهو محرم تحريما باتا ولا يمكن لأحد أن يتقرب إلى الله تعالى بعصيان أوامره والتمرد عليه، فلا قتال لإكراه الناس على الإيمان وإنما القتال لدرء الفتن والعدوان والاضطهاد الديني وللدفاع عن المستضعفين في الأرض، فإذا ما شنت أمة عدوانا على المسلمين لفتنتهم في دينهم أو لكسر شوكة المسلمين وجب قتالها، فإن جنحت للسلم يجب إيثاره، أما إن تمادوا في العدوان فيجب على المسلمين أن يستمروا في القتال إلى أن يتحقق لهم إحدى الحسنيين فإن انتصروا فليس لهم أن يكرهوا المهزومين على اعتناق الإسلام، ذلك لأنه لا إكراه في الدين وإنما لهم أن يلزموهم بدفع غرامة حربية عادلة تعرف بالجزية، وليس لهم أن يحتلوا بلادهم، فإن وجب ذلك لأي سبب من الأسباب فيجب الالتزام التام بالقيم الإسلامية والأسس والمبادئ التي أرساها الإسلام العالمي للتعايش السلمي بين الناس، وكل ما قرره السلف بهذا الشأن أمور اجتهادية يمكن الاستئناس بها ولا يلزم الأخذ بها، وفي تلك الحالة فإنه علي المتمسكين بدينهم القديم أن يؤدوا إلي أولي الأمر ضريبة تكافئ ما يؤديه المسلمون من الزكاة كمساهمة لازمة في إدارة شؤون الجميع، ولقد أخطأ السلف عندما سموا تلك الضريبة بالجزية؛ وربما كان ذلك لأنهم لم يجدوا اسماً آخر.
إنه يجب العلم بأن الله تعالى هو الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ، لذلك فهو لا يحب المفسدين، وهذه الأسماء تقتضي توفر النظام وتوفر الأمن والسلام للناس، لذلك يجب تجنب كل ما يؤدي إلى اختلال النظام وانتشار الفوضى وضياع الأمن والسلام.
*****
إن القتال هو أمر قرءاني، وهو من الأركان الفرعية للجهاد، ولا قتال إلا عندما تتوفر شروطه الشرعية، وعلى المسلمين عندما يُفرض عليهم القتال أن يلتزموا بكافة القيم والمبادئ الإسلامية.
إن أكثر الأوامر والتعليمات المتعلقة بالقتال هي خاصة بالقتال في الدين، أي هي خاصة بالقتال ضد من يعتدون على المسلمين لمجرد أنهم مسلمون أو ضد من يضطهدون المسلمين ليفتنوهم في دينهم أو ضد من يمنعون المسلمين من الدعوة إلى الإسلام بالطرق السلمية، والقتال هو دائما آخر التدابير الواجب اتخاذها لحسم الأمور.
والقتال بين طائفتين من المؤمنين أمر وارد ولا ينفي عن أيهما صفة الإيمان، ولكن على باقي الأمة ألا يتخذوا موقفاً سلبياً من الأمر؛ فلا بد أولاً من محاولة الإصلاح بين الطائفتين بالعدل والقسط وإلا فلا مناص من استعمال القوة لردع الطائفة الباغية المصرة على التمادي في البغي، فالإصلاح بين طوائف المؤمنين بالعدل والقسط وقتال أهل البغي من أوامر الدين الملزمة للأمة، ولذلك يأثم –مثلا- كل من لم يقاتل زعيم أهل البغي معاوية، ويأثم كلُّ من أصر على تقديسه وتوثينه، وكل الكيانات المحسوبة علي الإسلام في هذا العصر ملزمةٌ بأن توفر ما يلزم من آليات لتفعيل أمر التصالح بين المؤمنين وإفشاء السلام بينهم وقتال أهل البغي المصرين على العدوان وسفك دماء المسلمين إذا لم يكن هناك مناص من ذلك.
وقد زعم بعضهم أن ثمة أحكاما مرحلية وأحكاما نهائية في القرءان، وكان ذلك انطلاقا من التسليم المطلق بصحة القول بوجود آيات منسوخة في القرءان، فقالوا إن القتال الدائم للمشركين والكافرين هو الأمر الاستراتيجي النهائي، أما تقييد وجوب القتال بأي أمر آخر؛ أي تركه مثلا في حالة ضعف المسلمين فهو أمر مرحلي تكتيكي، وهذا الزعم باطل، فعلي كل من أراد أن يعرف حكم القرءان في أمر القتال أن يتبع المنهج القرءاني السابق ذكره وأن يعلم أن الله تعالى ليس بحاجة إلى اتباع أساليب مكيافيلية مع مخلوقاته وأنه لو شاء لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، وَلَوْ شَاء لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً.
أما الذين يزعمون أن من واجبهم شن حربٍ شعواء ضد البشرية جمعاء وأنه لا عذر لهم يمنعهم من مواصلة القتال إلا ضعفَهم، وأنه يجب مواصلة القتال بمجرد استرداد قوتهم فهم لا يعتنقون دين الحق وإنما يعتنقون أيديولوجية دموية إجرامية، ولا يستطيع أحد أن يلوم البشرية إذا ما تحالفت للقضاء عليهم قضاءً تاما.
إنه علي الضالين المضلين أن يعلموا أن لله سبحانه الكمالَ المطلق وأنه كما قال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وليس ليفترس بعضهم بعضا ولا ليستعبد بعضهم بعضا، وأنه لن يأمر المؤمنين بالتربص بالآخرين وأنه قرر بكل وضوح وبأجلي بيان أنه لا إكراه علي الإيمان ولا إكراه في الدين وهو لن يعمل علي الإيقاع بين المؤمنين وبين الناس كافة، والضالون المضلون يقولون إنه على المسلمين أن يقاتلوا كل الكفار والمشركين بلا هوادة إلا في حالة الضعف، فإذا كانت هذه العقيدة معلومة للكافة فما الذي سيضطر باقي الناس إلي الصبر علي فئة تتربص بهم وتتحيَّن الفرصة للاعتداء عليهم، وإذا ما اضطر المسلمون إلي الجنوح للسلم لضعفهم فلماذا لا تبادر الأمم الأخرى بقهرهم بل وبإبادتهم في حالة ضعفهم حتى يأمنوا تماما خطرهم؟
إنه لا يجوز قتال الآخرين لمجرد الزعم أو القول بأنهم كفار أو مشركين أو لتحقيق الفصل النهائي بين المسلمين وبين غيرهم، فمثل هذا الفصل لن يتحقق إلا في يوم الفصل، ولقد نصّ القرءان على ذلك، وسيظل هناك طوائف من أهل الكتاب إلى يوم القيامة كما ذكر ذلك القرءان أيضا.
إن الله تعالى أرسل النبي الخاتم رحمة للعالمين، وجعل الرسالة الخاتمة رسالة هدى ونور وسلام ورحمة لهم وليست إعلانا بالحرب الدائمة عليهم!
إن كل الآيات التي يرد فيها مصطلح القتال يبين بعضها بعضا ويفصِّل بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا، فيجب أن تُفقه جميعها وفق المنهج القرءاني الذي يجعل الآيات المتعلقة بمسألة واحدة بمثابة المصابيح الكهربية الموصلة على التوالي، لا يجوز قطع أو استبعاد أية آية، هذا بالإضافة إلى أنه للآيات التي هي مقتضى شئون إلهية التقدم، كما يجب أن تفقه هذه الآيات في إطار كافة منظومات الدين الثابتة الراسخة، ومنها منظومة الأسماء والشئون الإلهية ومنظومة القيم الإسلامية.
وكل الآيات التي تتحدث عن القتال محكومة باسم الله "السلام"، ويُلاحظ أن هذا اللفظ هو أساسا مصدر أو اسم معنى، ولا يُسمَّى كائن باسم المعنى إلا على سبيل المبالغة وتأكيد المعنى، لذلك فإن الله تعالى يأمر بالسلام وبالجنوح إلى السلم وبالصفح وبالتعارف بين الشعوب والقبائل والتنافس السلمي في أعمال الخير والبر.
وهو سبحانه الحق، لذلك لا يحب المعتدين، ولا يمكن التقرب إليه بما لا يحبه، وقد نهى عن العدوان وحذر الناس من أن يَجْرِمَنَّهمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أن يعتدوا، حتى لو كان لهذا الشنآن أسبابه الموضوعية.
*****
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة
الأمة المؤمنة مأمورة بقتال من هم أقرب إليها من الكفار، فلا يجوز الانشغال بالأبعد عن الأقرب، ولكن كل ذلك في إطار القتال المشروع، فالأمة مأمورة بقتال الأقرب من الكفار في حالة الحرب وليست مأمورة بأن تقاتل الكفار الأقرب فالأقرب، فالعدوان محرَّم تحريما باتا.  
*****
سنن القتــال
إن القتال يعتبر في الإسلام أمرا مكروها ولكنه في كثير من الأحيان يصبح أمرا لا مفر منه، ويجب أن ينظر إليه في ضوء ما تضمنه الكتاب العزيز من منظومات المقاصد والقيم والسنن فالإسلام يقدس الحياة ويكرم الإنسان ويحرم الظلم والبغي والإفساد في الأرض ويجعل قتل نفس كقتل الناس جميعاً، وينص على أن الإنسان مخير فى أموره حتى في أمر الإيمان وأنه لا إكراه في الدين، وما قام به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ هو عمل بمقتضيات كل ما سبق ذكره، لذلك أمر بالكف عن قتل النساء والصبيان والولدان والشيوخ والرهبان، وكانت وصايا أبي بكر انطلاقا مما تعلمه من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ذلك لأن دلالة هؤلاء بأقوالهم وأفعالهم على السنن الحقيقية أقوى من دلالة المرويات الظنية، وكذلك من سنن القتال الكف عن الغدر أو المثلة أو الغلول وكذلك الكف عن الإفساد في الأرض بتحريق أو قطع الشجر أو إفساد الموارد أو هدم العمران إلا للضرورة القصوى، والقتال لا يكون مشروعا إلا لأسبابه المنصوص عليها في القرءان؛ فهو يكون في سبيل الله تعالى وليس طلباً لمغنم دنيوي فالقتال ينبغي أن يكون خالصا لوجه الله تعالى أولا وقبل كل شيء أما العدوان فهو محرم تحريما باتا وكذلك الظلم والبغي والإفساد فى الأرض، وبالتالي فلا يمكن أن يكون القتال مشروعا إذا شابه شيء من تلك الآثام الكبرى والجرائم العظمى.
أما السنة في الدعوة فهي ما اقتضاه العمل بالآيات القرءانية؛ فالدعوة إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وبالإنذار والتبشير وتقديم الأسوة وإرسال الرسل، وهو لم يأمر أحدا بأن يشن من بعده حرباً شعواء على البشرية جمعاء وإنما تم كل ذلك باجتهادات رجال القرن الأول ولقد اختلفوا بشأن ما حدث اختلافا معروفا.

ومن سنــن القتــال
1.             إن القتال يجب أن يكون في سبيل الله وحده، وهذا يقتضي أولاً التمسك بقيم ومبادئ ومثل الإسلام، كما يقتضي ألا يكون القتال طلبا لتحقيق مجد أو شهرة أو لغنيمة دنيوية ولقد ندد الكتاب بمن يريد بالقتال عرض الدنيا وتوعده، وعندما تبين وجود بعض (الصحابة) يريدون الدنيا في معركة أحد حكم عليهم جميعا بالهزيمة، وكان درسا قاسيا.
2.             لابد أن يكون للقتال مسوغه الشرعي كوأد الفتنة أي مقاومة الاضطهاد الديني واسترداد الديار وكف بأس الذين كفروا ويهددون المسلمين ويشكلون خطرا ماثلاً عليهم، ومن المسوغات أيضا الدفاع عن المستضعفين ودرء العدوان والتصدي له.
3.             العدوان محرم تحريما باتا.
4.             لا يجوز نقض العهد، فإذا كان ثمة مسوغ حقيقي لنقض العهد فيجب إيذان الطرف الآخر.
5.             السلام هو الأصل وهو المقصد، لذلك فعلى المؤمنين أن يجنحوا للسلم إذا ما أبدى الطرف الآخر رغبة في السلام حتى وان كان ثمة شك في دوافعه.
6.             إعداد كل ما هو ممكن من عدة معنوية ومادية لقتال العدو، ومن العدة المعنوية تقوية الإيمان والثقة بالله والتوكل عليه وذكر الله والتحلي بالصبر وهو الجلد والقدرة على الصمود وتحمل المشاق وكذلك التحلي بالفقه أي بالإدراك الواعي المتبصر للقوانين والسنن واستيعابها بحيث يمكن الإفادة منها.
7.             الحصول على أقصى قدر من المعلومات عن العدو واستغلالها إلى المدى الأقصى.
8.             الكف عن إيذاء غير المحاربين (المدنيين بالاصطلاح المعاصر).
9.             اجتناب الإفساد في الأرض.
10.        الإعداد الجيد للجنود بالتدريب المستمر.
11.        الإعداد والتحضير الجيد للقتال والتخطيط الجيد للمعركة.
12.        اجتناب تعريض الجنود لمخاطر جسيمة بلا مبرر أثناء المعركة.
13.        أخذ زمام المبادرة واختيار أنسب الظروف والتوقيتات للقتال.
14.        حسن معاملة الأسرى وهم بين أمرين إما المن وإما الفداء.
15.        الإدارة الجيدة الواعية للمعركة.
16.        يجب المبادرة بإيقاع أكبر قدر من الخسائر المؤثرة في العدو والإثخان فيه وأن تكون الضربة الأولى فى غاية القوة.
17.        ألا يكون الحصول على الغنائم هو الهدف من القتال وبالأحرى عدم السماح بأن يتسبب ذلك في الإخلال بخطة المعركة.
18.        لا يجوز التورط في المثلة ولا الإجهاز على جريح.
19.        حكم الأسرى هو المنّ أو الفداء، ويجب الإحسان إليهم ما داموا أسرى.
*****
إن مقاصد القتال وشروطه موضحة تماما في كل الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح، فإذا ما فُرض علي المسلمين قتال قوم من أهل الكتاب فإن القتال لا يكون لإكراههم على الإسلام وإنما للتصدي لعدوانهم وكفِّ بأسهم ووأد الفتن ومنع اضطهاد المستضعفين أو استرداد الديار، وكمخرج من استمرار القتال يلزم الطرف المعتدي بدفع غرامة حربية تسمى بالجزية، ولم يأمر القرءان أحداً باحتلال أرض أحد ولا باستيطانها، وما حدث من ذلك في الماضي إنما هو من مقتضيات السنن التاريخية والاجتماعية، ولم يأمر القرءان ولا الرسول أبا بكر بتوجيه الجيوش إلى الشمال لقهر الفرس والروم، ولقد اكتفى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رسائله بالبلاغ والإنذار وتحميلهم وزر من يتسلطون عليهم، أما التوصية بإنفاذ جيش أسامة فكان له مقاصده الخاصة المعروفة، ولم يكن الهدف منه أبداً شن حرب واسعة النطاق علي الروم، ولقد كانت قرارات السقيفة وحروب الردة وفتح جبهات مع الفرس والروم ولوازم ذلك من القرارات الفرعية اجتهادات من أبي بكر الصديق كان مقصدها منه بلا ريب الخير، وكانت كلها صحيحة من الناحية الاستراتيجية، وإن لم تكن بالضرورة -هي وما صاحبها- قرارات مثالية تماماً من الناحية الشرعية الدينية.
*****
من منهجنا:
كل الآيات التي تتحدث عن القتال مقيدة بالآية: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190]
ذلك لأن الأمر {وَلاَ تَعْتَدُواْ} هو من مقتضى السمة والقانون الإلهي {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين}، والقوانين الإلهية هي سننه التي قال فيها: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}.
أما السمات الإلهية فلا تتغير أبدا، فلا يجوز القول مثلا بأنه كان لا يحب المعتدين عندما كان المؤمنون مُّسْتَضْعَفينَ فِي الأَرْضِ يخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَهمُ النَّاسُ ثم أصبح يحب المعتدين عندما مكَّن لهم في الأرض، ومن تصور أن ربه كذلك فما عبد الإله الذي أنزل القرءان وإنما عبد تصوره الخاطئ عنه.
والآية أيضا لا تسمح للمؤمنين بأن يكونوا البادئين بالقتال، فهم لا يقاتلون إلا من يقاتلهم بالفعل وهذا أيضا من مقتض نفس السمة الإلهية.
وإذا كانت الأمة المؤمنة تخشى على نفسها من أمة أخرى بمعنى أنه ثبت بكل ما يلزم من حجج وبراهين أنها تدبر للعدوان عليها وكانت هناك معاهدة فيما بينهما، أو كانت حالة السلام سائدة فهذا لا يبرر لها أبدا العدوان، وإنما يجب أن يسبق ذلك إعلان رسمي بالحرب: Declaration of war، وهذا ما توصلت إليه الإنسانية بعد أن ذاقت الأمرين من نزعات البشرية العدوانية، وقد سبق دين الحق إليه، قال تعالى:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِين} [الأنفال:58]
*****
لا يحق لأحد أن يقاتل المسلمين الآخرين بحجة أنه يريد أن يقيم خلافة وأنه يجد أن من واجبة إخضاعهم جميعًا لسلطانه، وهو بمجرد أن يتورط في سفك دماء المسلمين في سياق اعتدائه على المسالمين منهم يكون قد ضمن لنفسه الخلود في النار، ومثل هذا قلَّما تُقبل توبته، بل إنه لن يستطيع التوبة، ذلك لأن اقتراف الجرائم الكبرى يجتذب إليه شياطين الجن، وبسبب آثار سوء أعماله فإنهم يجدون الطريق إلى مراكز التحكم والسيطرة والاتصال Command, control and communication centers فيه متاحة لهم ومفتوحة أمامهم، فيزينون له سوء عمله فيتمادى في طغيانه وجرمه حتى يحق عليه القول فيهلك.
*****
القتال دفاعا عن الوطن
الوطن بالنسبة للإنسان الآن هو الأهل والأمن والكرامة والعِرض والديار والمال والأصحاب، والقتال دفاعا عن كل ذلك هو قتال في سبيل الله، قال تعالى:
{..... قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)} البقرة.
ورووا أن الرسول قال: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، "من قتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيدٌ".
وفي هذا العصر فإن الوحدة الدولية هي الدولة المكونة من وطن يعيش فيه شعب يتصف عادة بالتعددية في الدين أو المذهب أو السلالة أو اللغة أو في بعض ذلك أو في كل ذلك، ودين الحق يوفر للأمة المسلمة ما يلزم من قيم وسنن وآليات للتعايش السلمي المثمر بينها وبين شتى الطوائف التي تشاركها العيش في نفس الوطن، أما المذهب الأموي العباسي الذي حلَّ محله فيوفر ما يلزم لكي يسود الظلم والجور والاضطهاد والتناحر والصراع، أما الخروج الجزئي الذي حدث في العصر الحديث عن هذه الحالة فكان بسبب انتشار الحضارة واضطرار الناس إلى الابتعاد شيئا ما عن هذا المذهب، ولذلك فإن أول شيء يفكر فيه المنادون بالعودة إلى الدين هو اضطهاد المختلفين عنهم في الدين أو المذهب وحرمانهم من أقصى قدر ممكن من حقوقهم الإنسانية.
والقتال دفاعا عن الوطن هو أشرف من القتال في سبيل الاستيلاء على أموال الناس أو سبي نسائهم، بل إن القتال في سبيل عرض الدنيا هو اعتداء صريح، واللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِين، والاعتداء ليس من السبل المشروعة للدعوة، فكل أساليب الدعوة سلمية، ولم يرد أي أمر للرسائل بأن يقاتل الناس حتى يؤمنوا، ولكن ورد استنكار لإكراه الناس أن يؤمنوا، قال تعالى:
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين} [يونس:99]، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} البقرة، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} الكهف، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} [الكافرون:6]
كذلك نفى القرءان عنه أن يكون عليهم بجبار أو حفيظ أو وكيل أو مصيطر، وأكد على أنه ليس عليه إلا الإنذار والبلاغ، قال تعالى:
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} ق، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} الغاشية، وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} الأنعام،  {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} الأنعام، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} يُونُسَ، إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)} الزمر، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)} الشورى، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)} فاطر، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)} المائدة.
وما نفاه الله تعالى عن رسوله لن يسمح بمثله لمن هم من دونه أصلا.
أما من يبطل أحكام كل تلك الآيات متعللا بأية ذريعة فقد كفر ببعض الكتاب، ومن يكفر ببعض الكتاب هو الكافر حقا، قال تعالى:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} البقرة. 
أما الذين قالوا بنسخ (إلغاء وإبطال) الآيات القرءانية التي تجعل كل أساليب الدعوة سلمية فقد كفروا صراحة ببعض الكتاب، وليس لهم أن يفرضوا كفرهم على الدين ولا أن يحملوا المسلمين تبعاته.
ومن يعتدي على الناس بحجة الدعوة إلى الإسلام يجمع إلى كفره بآيات الله استهانة بأسمائه وبأحكامه وتصور أنه يمكن أن يخادع ربه، فسيرديه ظنه بربه وسيدفع باهظا ثمن كفره وسوء أدبه.
فالقتال دفاعًا عن الوطن هو أشرف مما يسمونه بالفتوحات، والتي كانت تتضمن عدوانا سافرا على الآمنين المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يفتنوهم في دينهم، فهؤلاء من الواجب برهم والإقساط إليهم وليس مقاتلتهم، قال تعالى:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} الممتحنة.
فحالة السلم هي الحالة الطبيعية التي يجب الحرص عليها والتمسك بها والعمل على إقرارها والعودة السريعة إليها إذا اقتضت الضرورة الخروج منها.  
*******

هناك 3 تعليقات:

  1. رائع جدا دكتور وشكرا لك

    ردحذف
  2. السلام عليكم في هذا الرد لم تستوفي ابداً الجواب على اشتراطات القتال بي الايات انما اعتمدت على ايه وحيده وهيا ان الله لا يحب المعتدين انا سالتك متى يكتب القتال في سبيل الله وما هيا شروط القتال
    اما بخصوص متى يكتب القتال في سبيل الله هناك ثلاث ايات واضحه الاحكام في هذا المجال
    (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰۤ إِذۡ قَالُوا۟ لِنَبِیࣲّ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكࣰا نُّقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَـٰتِلُوا۟ۖ قَالُوا۟ وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نُقَـٰتِلَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِیَـٰرِنَا وَأَبۡنَاۤىِٕنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡا۟ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ ۝ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِیُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكࣰاۚ قَالُوۤا۟ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَیۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ یُؤۡتَ سَعَةࣰ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَیۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةࣰ فِی ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیمࣱ)
    [سورة البقرة 246 - 247]

    (فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّی لَاۤ أُضِیعُ عَمَلَ عَـٰمِلࣲ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۖ فَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ وَأُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَأُوذُوا۟ فِی سَبِیلِی وَقَـٰتَلُوا۟ وَقُتِلُوا۟ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ ثَوَابࣰا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ)
    [سورة آل عمران 195]

    (أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُوا۟ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِیرٌ ۝ ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰ⁠مِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰ⁠تࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ)
    [سورة الحج 39 - 40]

    هذه الايات تبين لنا متى يكتب علينا القتال في سبيل الله
    اولا ان اخرجنا من ديارنا وا ابنائنا
    ثانيا ان يكون لنا قائد(ملك) ويكون عنده علم ويكون شخص قوي البنيه
    ثالثا ان لم يتحقق الشرطين ليس هناك قتال كما في قصه موسى عليه السلام لم يامره الله بقتال فرعون لماذا لان بني اسرائيل في عهد فرعون لم يخرجهم فرعون من ديارهم وا ابنائهم بل كان يذبح ابنائهم ويستحيي نسائهم فكان موسى يريد ان يخرج ببني اسرائيل من الظلم الذي هم فيه ولذالك هذا هذا اختصار للجواب لسؤال الذي سالتك وا انت اطلت في الجواب وجعلت ١٩ نقطه وبعض النقاط لا توجد لها دلائل من الايات
    وفي النهايه جزاك الله خير
    والحمد لله رب العالمين

    ردحذف