الأحد، 1 نوفمبر 2015

إنَّ شانِئَـك هُوَ الأبْـترُ

إنَّ شانِئَـك هُوَ الأبْـترُ

إن قوله تعالى: {إنَّ شانِئَـك هُوَ الأبْـترُ} يتضمن قانونا صارما وسنة كونية لا محيص عنها ولا مفر منها، فما من أحد قد أبغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وكرهه وناصبه العداء إلا ولا بد من فناء ذريته وانقطاع عقبه من بعده مهما علا في الأرض أو دانت له الأمور لفترة من الزمن، وتلك السنة الكونية نافذة على كل البشرية مهما اختلفت الملل والنحل بل هي متحققة بصورة أكثر بروزا وشدة في تلك الأمة المحسوبة على الإسلام، ذلك لأنها أكثر الأمم علما به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ودراية بمآثره كما أنها اهتدت بما جاء به من هدى ونعمت بما قدم من عمل وجهاد، لذلك كان من الأولى لها أن تعرف الفضل لأهله وأن تصلِّى وتسلم على هذا النبي وآله اعترافا بعظيم فضله وقياما بواجب حقه والتزاما بما أمر الله به.

وكذلك كان لزاما عليها العمل بما أمرها الرسول به في الحديث الشريف المتواتر معنويا: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)، فماذا فعلت الأمة بتلك الوصية المشددة؟ إنها لم تعرف لنبيها عظيم قدره وأساءت إلى النبي ممثلاً في عترته وأهل بيته بل وكذب بعضهم عليه ووضع الروايات التي تقلل من شأنه وضرب معظمهم بوصيته بعترته عرض الجدار وعملوا بعكسها تماما أو حاولوا تحريفها عن موضعها وتأويلها بما يتفق مع أهوائهم فأوقعوا أنفسهم تحت طائلة القانون المشار إليه، بل إنهم لتمكن الشيطان من نفوسهم ترصدوا لمن حاول إنصاف أهل بيت الرسول وأعدوا له ما استطاعوا من الاتهامات والأكاذيب والأباطيل.

ولقد بالغ الأمويون ومن بعدهم العباسيون في التنكيل بآل البيت واضطهادهم، فماذا كان مصيرهم؟ إن كل من ساهم في ذلك قد قُتِـل شر قتلة؛ فقُتِـل يزيد ولم يمكث في الحكم إلا أقل من أربع سنوات ارتكب فيها من الجرائم ما يندى له جبين البشرية، وبذلك خسر الدنيا والآخرة هو وكل من اتبعه أو أشرب في قلبه حبه، كما أبيد قتلة الإمام الحسين على يد المختار الثقفي ثم أبيد معظم الأمويين على يد السفاح العباسي الذي لم يتورع جنوده عن نبش قبورهم وجلد ما تبقى من جثثهم، أما ذرية من فروا إلى الأندلس فقد أبيدت في الصراعات التي اشتعلت هناك ثم أبيدت نهائيا على يد الأسبان.

أما الخلفاء العباسيون فلقد تلقوا من المهانة ما لم تنله سلالة من الحكام علي مدي التاريخ وذلك على أيدي الترك والغز الذين كانوا يتلهون بإذلالهم والتمثيل بهم وسمل أعينهم حتى انتهى الأمر بآخرهم إلى أن قتل ركلا بأقدام الهمج الرعاع من المغول وأبيدت سلالتهم تماما حتى أن بيبرس لما أراد إحياء الخلاف العباسية في مصر لم يجد إلا رجلا مشكوكا في نسبه ليعينه خليفة، أما الخلفاء العباسيون في مصر فلم يكن لهم من الأمر شيء وكان وجودهم فيها من أسباب تجريد الحملة العثمانية المدمرة عليها والتي تسببت في إنزالها من عليائها وتفردها، كما تسببت في عزلها هي ودول الشرق الأوسط عن ركب الحضارة والتقدم.

إن اضطهاد آل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كان من الجرائم الكبرى التي اقترفتها هذه الأمة أو سكتت عن مقترفيها ذلك لأن آل بيته كانوا منه كنفسه، فمنهم السيدة فاطمة بضعته ومنهم الإمام علي الذي أعلن أن الله يحبه وأنه ولى كل مؤمن ومنهم الإمام الحسن الذي شهد له بالسيادة ومنهم الإمام الحسين الذي شهد له أنه منه وأعلن أنه يحبه، فأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بالتمسك بهم يعنى بالضرورة أنه في كل صراع فُرض عليهم كان الحق معهم وأنه كان على الأمة أن تناصرهم وأن تنحاز إليهم، فذلك أمر من أصول الممارسة العملية للإسلام ولو التزم المسلمون بذلك الأمر لهزموا الفئة الباغية والداعين إلى النار؛ فئة معاوية ومن اتبعه، ولما عادت عصبية الجاهلية ولظل للإسلام وجهه العالمي المشرق الباهر، ولقد ظل النواصب لعنة على هذه الأمة وسوط عذاب يُضربون به ثم يأكل نفسه.

إنه يجب على الناس والأمة معرفة أسباب الداء القديم والعمل علي تدارك تبعاته وعلاجه، وهذه ليست بدعوة إلى أي مذهب من المذاهب التي مزقت شمل الأمة وذهبت بسببها ريحها، ذلك لأن التمسك بآل البيت لا يعني أبدا إنكار فضل أحد من السابقين الأولين العظام الذين هم فخر للبشرية ولأمة الإسلام، إن مجرد وجود مذاهب متناحرة في الإسلام هو من كبائر الإثم إذ هو مخالفة صريحة للمقصد الإلهي بأن تكون تلك الأمة أمة واحدة، إن تفرق المسلمين إلي سنة وشيعة وخوارج كان من أسباب انهيار الأمة وتفريق الدين.

ويجب العلم بأن الخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين ومن اتبعهم وزين لهم سوء أعمالهم لا يملكون  لأنفسهم فضلا عن غيرهم نفعا، وقد أصبحوا الآن رهائن أعمالهم ولا يملكون شفاعة لأحد وإنما الشفاعة لله تعالى ولمن أذن له من عباده المصطفين الأخيار وعلى رأسهم الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، والتمسك بأهل بيته الحقيقيين يعني التمسك بأهل الله أي أهل القرءان، أما كل من تمسك بما يقلل من قدر النبي أو يسيء الأدب معه أو يتطاول على أهل بيته أو يمجد قتلتهم ومضطهديهم والباغين عليهم أو من يدافع عن أولئك الظلمة بالباطل فإن مصيره البوار وانقطاع العقب في الدنيا وسوء العاقبة فى الآخرة، ولذا فعلي تلك الأمة ألا تلزم نفسها إلا بما ألزمها بها ربها وكما بينه لها نبيها وعليها أن تتوب عن أخطائها وإلا فستستمر في دفع ثمنها، إن ما سبق بيانه هو من باب النصح للأمة حتى تواجه بشجاعة أخطاءها وحتى تـنبذ أسباب الفرقة والخلاف فتعود إليها وحدتها التي أرادها لها ربها، إنه علي تلك الأمة أن تدرك أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قد تحمل ما لا قبل لبشر بتحمله وابتلى بما لم يبتل نبي آخر بمثله وخاض معارك ضارية فرَّ في بعضها من شدة هولها معظم صحابته وتركوه وحده مع نفر من أهل بيته وخاصة صحابته، ولقد أصيب في بعضها وشُجَّت رأسه وكسرت رباعيته وسال دمه، وافتدى الناس بأهل بيته، وكان أصحابه يتـقون البأس به، وذلك ليظهر للناس فضله حتى يتأسَّوا به، قال تعالى: {لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21) ، فكل من يرجو الله واليوم الآخر وكل ذاكر لله وكل مجاهد في سبيل الله وكل قاضٍ عادل وكل ولي لأمر وكل راعٍ صالح وكل قائد فَذّ وكل عابد متبتِّل وكل أبٍ رحيم وكل إنسان كريم لابد وأن يجد في سنته وسيرته وهديه وحكمته الأسوة الحسنة، ولا غرو فلقد كان آية الله الكبرى والقرءان الحيّ يسعى، إنه علي تلك الأمة أن تجتمع علي حب هذا النبي الكريم كما أحبه خالقه العظيم واتخذه حبيباً وخليلا وكان له ولياً ونصيرا.

ويجب التأكيد علي أن وجود أي مذهب من المذاهب هو أمر مضاد لمقاصد الدين العظمي ويتضمن شركا بالله تعالي وعلي أن المذهب الشيعي هو كالمذهب السني من المذاهب التي تفرق إليها الدين، بيد أن إسهام المذهب السني في تمزيق الأمة وانهيارها وسفك دماء أبنائها كان أكبر وأخطر، كما أنه مازال يحول بين الناس وبين متطلبات الرقي والتقدم، ولكن يجب التأكيد أيضا علي أنه لا يوجد مذهب إسلامي إلا وهو يتضمن حقا ممزوجا ومختلطا بباطل، ويجب علي كل فرد أن يعقد العزم علي أن يحاول معرفة الحق وعلي أن يتبعه عندما يتبين له حتى يتحقق بالكمال ويفوز بالسعادة وإلا فإن الله تعالي قد توعد بالعذاب المهين من يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم دون تبصر كاف ودون أن يكون لديهم برهان مبين.

ويجب القول بأنه لا يجوز لأحد الاتجار بقرابة مزعومة أو حقيقية إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، أما كون المرء ينتمي إلى ذرية أهل بيته فقد يوفر له شروطاً ابتدائية أفضل على المستوى الجوهري ولكنه لن ينتفع بها إلا إذا عقد العزم علي السير في درب الكمال.
إن الكتاب العزيز قد أكد مرارا على بشرية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ولكنه أكد أيضا على مكانته الخاصة التي لا يدانيه فيها أحد، وتلك المكانة كما جاءت في القرءان تعلو على أسمى ما يمكن أن يتصوره إنسان، فلقد عظَّم الله قدر نبيه وشهد له بالخلق العظيم وأنه أرسله رحمة للعالمين ووصفه بأنه النور والشاهد والمبشر والنذير والداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، ولقد أعلن أنه آتاه سبعا من المثاني والقرءان العظيم وأعطاه الكوثر، ولقد جعل من أركان الدين الكبرى الإيمان به وبأنه خاتم النبيين وجعل من لوازم ذلك الصلاة عليه والتسليم وأمر المؤمنين جميعا بذلك أسوة بربهم الكريم وملائكته المبجلين، لذلك فإن إجلال المؤمنين لنبيهم وتوقيرهم له وصلاتهم عليه والتسليم ليس من المحدثات في الدين بل هو من صميم الدين، وركن من أركان الدين.
*******
كان الأمويون حربا على الإسلام والمسلمين، في البداية ككفار مشركين، وفي النهاية كمنافقين مجرمين، وقد حاول معاوية القضاء على أي ذكر للرسول ولأهل بيته، فهل أفلح في ذلك؟ كلا، بعد كل جرائمه لم يتول ابنه يزيد الملك إلا ثلاث سنوات وثمانية أشهر اقترف خلالها أبشع الجرائم التي فرقت الدين ومزقت الأمة، ثم هلك فرفض ابنه أن يخلفه وتبرأ من أبيه وجده، ثم قتله الأمويون ليذهب الملك إلى مضروب القفا مروان الذي تزوج امرأة يزيد ليلقى مصرعه على يديها بسبب سفالته وإجرامه ونقضه للعهد.
ولما ثار المسلمون واستأثر العباسيون بالسلطة بعد أن استعملوا ما يلزم من الغدر والخديعة قَتل الخليفة العباسي السفاح كل من تبقى من نسل بني أمية من أولاد الخلفاء، فلم يبق منهم إلا من كان رضيعا أو هرب للأندلس، ثم أعطى أوامره لجنوده بنبش قبور بنى أمية في "دمشق" فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطا، ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاما كالرماد، ونبش قبر هشام بن عبد الملك فوجده صحيحا لم يتلف منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط، وصلبه، وحرقه، وذراه في الريح.
أما العباسيون فاستأصلهم التتار والمغول من بعد، وعندما قرر الظاهر بيبرس إحياء الخلافة العباسية في مصر لم يجدوا إلا رجلا مشكوكا في نسبه شهد بعض الأعراب أنه من سلالة العباسيين.
*******

هناك تعليقان (2):