الجمعة، 19 فبراير 2016

أَهْلُ الْكِتَابِ ج1

أَهْلُ الْكِتَابِ ج1


"أَهْلُ الْكِتَابِ" هو المصطلح القرءاني الرسمي الجامع الذي يشير إلى من لديهم كتاب منزل من قبل القرءان، فهو يشير إلى اليهود والنصارى بصفة عامة، أمثلة:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} [آل عمران:64]، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُون} [آل عمران:65]، {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)} آل عمران
أما التعبير "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" ففيه ينسب الله تعالى إيتاءهم الكتاب إلى نفسه بصيغة الجمع المتكلم، فالتعبير هنا مظنة الثناء عليهم أو انتظار الخير منهم، وهو لذلك يشمل من تلقوا الوحي من أنبياء بني إسرائيل ومن آمن بهم كما يشمل المسلمين الذين آمنوا بالقرءان، أمثلة:
{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين} [الأنعام:114]، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون} [البقرة:121]، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون} [الأنعام:20] {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِين} [الأنعام:89]
أما التعبير "الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ" الذي ينسب فعل الإيتاء إلى مجهول فهو يستعمل عندما يكونون مظنة الذم أو انتظار الشر منهم، إلا في آية واحدة هي:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [المائدة:5]
وفي ذلك إشارة إلى جواز تناول طعام أهل الكتاب والزواج منهم مهما تدنَّت حالتهم، ولو استعمل هنا التعبير "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" للزم البحث عمن هم مظنة الثناء ومن هم المتمسكون بالرسالات الأصلية.
ومن الأمثلة التي تبين استعمال هذا المصطلح:
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُون} [البقرة:101]، {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِين} [البقرة:145]، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب} [آل عمران:19]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين} [آل عمران:100].
والقرءان يضمن لأهل الكتاب كافة حقوقهم الإنسانية، فكل إنسان هو خليفة في الأرض ومكرم ومفضَّل عند الله على كثير ممن خلق تفضيلا، كما يقرر القرءان لهم حقوقا إضافية كأهل كتاب منزل ويتطلعون إلى عالم الغيب، هذا رغم العلم بما يقولونه على ربهم وكتابه ورسوله، فلا حاجة إلى الزعم بأنهم مسلمون، ولا يجوز الخلط بين المعاني اللغوية وبين المصطلحات الدينية، وللكلمات "إسلام" و"مسلمون" معانيها الاصطلاحية الواضحة، هذا فضلا عن أن اليهود والنصارى لم يطلبوا من أحد أن يعتبرهم مسلمين، وليس من حق أحد أن يتبرع بإضفاء اللقب عليهم، ومن الأفضل لمن يزعم ذلك أن يحاول أن يكون هو جديرا بحمل هذا اللقب.
وأهل الكتاب هم أهل الكتاب، هذا هو اسمهم القرءاني، يجب برهم والإقساط إليهم واحترام كرامتهم وحقوقهم، بل إن احترام حقوق الإنسان وكرامته من الأوامر الدينية التي يتعبد المسلم إلى ربه بالعمل بمقتضاها.
ويجوز الزواج منهم والأكل من طعامهم، أما الكفر والشرك فهي صفات لا يخلو منها إنسان بما فيهم المحسوبون على الإسلام، وهي لا تغير شيئا من الصفة القرءانية القانونية.
وأكثر المحسوبين على الإسلام الآن كفروا بالكثير من عناصر الإسلام وأشركوا بربهم، ولكن هذا لا ينفي عنهم الصفة القرءانية القانونية.
ولكن هناك من أتبعوا الكفر النظري الاعتقادي بتصرفات عدوانية بمقتضى كفرهم وأوقدوا نيران الحروب وسعوا في الأرض فسادا مثل داعش وغيرها من حركات الإجرام السياسي، هؤلاء مجرمون وليسوا بمسلمين وهم الذين كفروا.
*****
حرية الدين من حقوق الإنسان الأساسية المقررة في القرءان بأجلى بيان، والإنسان هو خليفة ومكرم ومفضل لكونه إنسانا، والذي جعله كذلك هو ربه الرحمن، لذلك لا يجوز لأحد من البشر أخذ أموال منه مقابل السماح له بممارسة حقٍّ من حقوقه الأساسية، والله تعالى لم يعين أحدا من الناس وكيلا عنه أو مسيطرا عليهم باسمه.
ولا يجوز فرض جزيةٍ على الكتابي المسالم، الجزية تُفرض على من اقترف ما يوجب شرعا قتاله ولو كان من المحسوبين على الإسلام مقابل إنهاء القتال وذلك جزاءً لكونه اقترف عدوانا وليرتدع عن فعل مثله غيره
*****
زعم بعض المجتهدين الجدد أن اليهود والنصارى مسلمين طبقا لتعريفه هو للإسلام، وقد تابعهم في ذلك دراويشهم المؤمنون بهم إيماناً لا يتزعزع، وهذا الزعم باطل، بل إن اليهود والنصارى بنص القرءان ليسوا من ملة إبراهيم وهي الشرط الأول ليكون المرء مسلما حقا، قال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [البقرة:135]، فهذه الآيات تبين أنهم مشركون بالإضافة إلى كونهم ليسوا من ملة إبراهيم، فالشرط الأساسي ليكون الإنسان مسلما أن يتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، ففحوى القول: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} أنهم هم كذلك.
فهم بانحرافهم عن ملة إبراهيم لم يعودوا مسلمين، ويجب العلم بأن الديانة اليهودية لم تظهر إلا بعد العودة من السبي البابلي، وأن القرءان لم يسمِّ أبدا من آمن بموسى باليهود وأن النصارى هم من أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، وكذلك فعل المسيحيون، فهذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
فمصطلح الإسلام يُطلق على متبع الدين الصحيح الذي بدأ رسميا بإبراهيم واتبع كل نبي مرسل جاء مجددا لهذا الدين أو مضيفا إليه برسالة جديدة، لذلك فهو يُطلق على من اتبع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسيح وخاتم النبيين، أما من نأى بنفسه عن هذا الدين الصحيح فهو غير مسلم.
لذلك لا يجوز أن يُسمَّى اليهود والمسيحيين بالمسلمين لأنهم رفضوا اتباع خاتم النبيين وكفروا به وبرسالته، فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين هم اليهود والنصارى، وقد قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة} [البينة:6]
ومن يسميهم بذلك يسيء إلى النبي الخاتم ويوافقهم على موقفهم منه.
ومع كل ذلك فالإسلام الحقيقي يكفل لهم حرية العقيدة رغم كفرهم به ويأمر المسلمين ببرهم والإقساط إليهم واحترام حقوقهم الإنسانية وكرامتهم.
والدين عند الله واحد، هو الإسلام بالمعنى الاصطلاحي الأعلى، وهو الذي بلغ ذروة كماله بالرسالة المحمدية؛ وهي القرءان الكريم، أما اليهود والمسيحيون فهم الذين نأوا بأنفسهم بعيدا عن هذا الدين الواحد؛ فلا يجوز اعتبارهم مسلمين رغم أنوفهم، ولا يجوز تمييع الفواصل بدعوى العصرانية فإنها لن تكون إلا على حساب دين الحق.
ولليهود والمسيحيين وغيرهم من أتباع شتى الديانات والمذاهب كافة حقوقهم الإنسانية المقررة في الإسلام ومنها حرية الإيمان، والمسلم الحق يتعبد إلى ربه بالحفاظ على حقوق الناس واحترام كرامتهم، فكل إنسان هو خليفة ومكرم ومفضل وحامل للأمانة.
والإسلام له معانٍ عديدة، منها معاني لغوية مثل الانقياد والإذعان والدخول في السلم، ومنها هذا الدين الذي الواحد الذي بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام وبلغ ذروة كماله بالرسالة المحمدية، أما اليهود فقد كفروا برسالة المسيح عليه السلام، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، أما المسيحيون فقد رفضوا رسالة خاتم النبيين، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، ولذلك فاليهود والنصارى ليسوا مسلمين، وهم لا يقولون بذلك ولا يزعمونه لأنفسهم ولم يسمهم الله تعالى بالمسلمين في كتابه.
ومع ذلك ظهر من بين المحسوبين على الإسلام من يصرون على أنهم مسلمون ضاربين بالاسم القرءاني لهم عرض الجدار! والأدهى والأمر هو أنهم يعتبرون أن من يقول بغير ذلك هو المطالب بشرح موقفه!!!!ألا ما أتعس الضالين!!
والمشكلة الخطيرة هي أن هؤلاء كفروا بجزء كبير من القرءان كفرا بواحا، ويمكن لكل المسلم تجميع كل الآيات التي ورد فيها ذكر أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب واليهود والذين هادوا والنصارى صراحة أو ضمنا ليعلم المقدار الهائل من الآيات التي كفروا بها، وهم يحسبون أنهم على شيء.
وعظمة الإسلام المعلوم تتجلى في اعتباره اليهود والنصارى من أهل الكتاب وأنه يأمر بالعدل والإحسان واحترام حقوق الناس وببرهم والإقساط إليهم رغم كفرهم به وإنكارهم له.
وليس لدى المؤمنين باليهودية أو المسيحية أو بالمذاهب المحسوبة على الإسلام من السنن أو الآليات ما يسمح لهم بالتعايش السلمي فيما بينهم في نفس البلد، ولا أمل في أن يتحقق ذلك، وإنما يمكن أن يسود السلام لما يلي:
1.     أن يتخلى الجميع عن أكثر تعليمات وأوامر أديانهم ومذاهبهم أو ألا يأخذوها على محمل الجد.
2.     وجود نظام علماني قوي، وقد توصل الإنسان إلى مثل هذا النظام بعد أن دفع الثمن غاليا من حروب دينية ومذهبية إجرامية قاسية هلك فيها الملايين وانتشر بسببها الدمار والخراب، وبعد أن فرضت الضرورة وفرض التطور والتقدم على المستوى الإنساني قيمه ومبادئه.
3.     وجود نظام دكتاتوري وطني يقمع هؤلاء الهمج المتعصبين ويلزمهم الأدب.
4.     اتباع دين الحق، فهو الوحيد الذي يملك من الآليات والسنن والقيم والمقاصد التي تجعل من التعايش السلمي مع الآخرين ليس مجرد ضرورة بل عبادة ومقصدا من مقاصده العظمى.
ولكن حتى إن تحقق السلام بين الكائنات المتدينة داخل بلد واحد فستظل كل طائفة تتربص بالأخرى الدوائر وتنتهز أية فرصة سانحة للفتك بها! وبالطبع إذا كان لهذا البلد أعداء فلن يقصروا في استعمال هذا السلاح الفتاك؛ العداء الكامن في نفوس كل طائفة دينية تجاه الآخرين!
*******
أهل الكتاب هم كما قال القرءان: "أهل الكتاب"؛ ليسوا مسلمين، وليسوا كفارا، هم يهود أو نصارى، يجب احترام كافة حقوقهم الإنسانية والحفاظ على كرامتهم وبرهم والإقساط إليهم، ويجوز الأكل من طعامهم والزواج منهم.
ويجب التمييز بين الفعل "كفر" وبين أن يكون الإنسان: " كافرا" أو من "الذين كفروا"، ففعل الكفر يسند إلى من كفر بأي شيء من عناصر دين الحق، ولا يكاد يخلو منه إنسان، بما في ذلك النصارى واليهود والمحسوبون على الإسلام، ولا يوجد عليه أي عقاب دنيوي، فحرية الإيمان مقدسة في الإسلام، وقوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هو سنة إلهية كونية وسنة شرعية وسنة تشريعية وركن من أركان منظومة القيم الإسلامية، والحكم والفصل في الأمور الدينية الإيمانية مرجأ إلى يوم القيامة، ولا يجوز لأحد أن يأخذ أموالًا من إنسان مقابل تركه يمارس حقًّا أعطاه الله تعالى له.
أما "الذين كفروا" فهم الذين أتبعوا كفرهم النظري بأعمال كفرية تتضمن فتنة الذين آمنوا في دينهم والاعتداء عليهم بسببه، وهؤلاء لهم أحكامهم.
لقد شرحنا الفرق بين من يُسند إليه الفعل كفر، وبين من يوصف بأنه من الكفار أو من الذين كفروا، عندما يسند فعل الكفر إلى طائفة فإن القرءان يذكر قولهم الكفري، ولكن قولهم هذا لا يلغي لقبهم الأساسي الثابت بالقرءان أيضًا ثبوتا قطعيا، مثال، قال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [المائدة:73]
فالقول الكفري هو "إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ"، وعقابه عَذَابٌ أَلِيم، والفصل في شأنه هو يوم القيامة، ولا ينزع عن النصارى صفتهم كأهل كتابٍ منزل، والحكم على من قال به هو في يوم القيامة، وليس مفوضًا إلى مجرم سفاك للدماء ممتلئ كفرا ونفاقًا وشركًا وجهلا ومحسوبٌ ظلمًا على الإسلام.
أما " الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" فهم ليسوا كلهم، فـ"من" للتبعيض، وهم الذين أتبعوا كفرهم النظري بأعمال كفرية تتضمن فتنة الذين آمنوا في دينهم والاعتداء عليهم بسببه، وهؤلاء لهم أحكامهم، ويجب التصدي لهم.
*******
الإسلام يقبل بالتعددية الدينية ويتضمن أسس التعامل السلمي البناء المثمر مع غير المسلمين، لا يوجد أي نص قرءاني يسمح لأحد بقتل شخص أو انتهاك حقوقه أو التعدي على كرامته بسبب دينه أو مذهبه أو آرائه، نصوص القرءان تؤكد حرية الإيمان بأجلى بيان، وتؤكد على احترام حقوق الإنسان كإنسان، والقرءان يقرر أن الاختلاف حقيقة راسخة وسنة كونية يجب التعايش معها بل والإفادة منها وأن الحكم بين الناس فيما يختص بأديانهم مؤجل إلى يوم الفصل! وقد احترم المسلمون بصفة عامة حقوق أهل الكتاب ولم يحاولوا إكراههم على تغيير دينهم بالقوة، ولقد كان شغل المحسوبين على الإسلام الشاغل هو القضاء على المسلمين الآخرين المختلفين عنه وليس القضاء على أهل الكتاب، ومن المعلوم أن من قُتِل من المحسوبين على الإسلام بسبب الصراعات فيما بينهم أكثر بكثير ممن قتلوا في الصراعات مع الآخرين، وقد قتل تيمور لنك ونادر شاه من المسلمين ما لا يحصى عدده، وأباد تيمور لنك سكان عدة مدن منها حلب وحماة وبغداد وأصفهان ودهلي (المسماة دلهي الآن) وبنى أهراما من جماجمهم!!!!
المسلم الحقيقي ينبغي أن يكون مثلا أعلى في مكارم الأخلاق، فيجب أن يتعامل مع باقي البشر ومع دواب الأرض بل ومع الجماد بالرفق واللين وأن يعظِّم في كل ذلك أن رب العالمين قد خلقهم واعتنى بهم وتكفل برزقهم، فعليه أن يرقبه فيهم، فلكل إنسان على المسلمين حقوقه كإنسان مفضل وخليفة في الأرض، ولأهل الكتاب حقوقهم الإضافية على المسلمين، يجب عليهم احترام حقوقهم الإنسانية والحفاظ على كرامتهم وبرهم والإقساط إليهم، وليس من حقهم إكراههم على أي شيء فيما يتعلق بأمور الدين، ويجب العلم بأن الاختلاف هو مدعاة للتعارف وليس للصراع، وأن حسم الخلافات بين الناس في الأمور الدينية مرجأ إلى يوم القيامة.
******* 
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، مهما كانت عقائدهم التفصيلية، ولقد ميزهم الله تعالى بهذا المصطلح في كتابه الذي يمثل دين الحق وكلمته التامة.
فلأهل الكتاب حقوقهم الخاصة بالإضافة إلى حقوقهم الإنسانية العامة.
وهناك فرق هائل بين وصف بعض الأقوال أو الأفعال بالكفر وبين النص على أن طائفة معينة كافرة أوضحناه كثيرًا.
وصف قول أو فعل معين بالكفر، هو بيان لحقيقته وتوصيف له، وهو لحث الناس على الإعراض عنه، فهناك كفر جزئي، ولا يكاد يخلو إنسان من تبني قول أو فعل كفري، وأكثر المحسوبين على الإسلام هم كذلك، والمطلوب منهم أن يزكوا أنفسهم بالتطهر من مثل هذا الكفر.
أما الكافر فهو من بلغته دعوة الحق البلاغ المبين فأصر على الإعراض عنها وجاهر بالعداء، وعمل بمقتضى ذلك، وأتبع ذلك بالاعتداء على الفئة المؤمنة واضطهادها في دينها.
وآخر من انطبق عليهم هذا الوصف هم كفار قريش حتى الآن!
مثال: أكثر المحسوبين على الإسلام يؤمنون بأن العشرات من آيات القرءان منسوخة، هذا اعتقاد كفري وفعل كفري، ولكن هؤلاء المساكين لم يصلهم بلاغ مبين بأن الأمر كذلك، لذلك فلا يجوز القول بأنهم كفار رغم أن عقيدتهم كفرية، ويترتب عليها أفعال كفرية، أما من يتولون كبر الترويج لهذا الكفر من المشايخ فهم ليسوا إلا أدوات وآلات بأيدي الشياطين، ولقد ورد أنه لن تقوم الساعة حتى يجلس الشياطين على المنابر يعظون الناس.



*******




هناك 3 تعليقات: