الثلاثاء، 23 فبراير 2016

الإنفاق في سبيل الله


الإنفاق في سبيل الله
الركن الثالث عشر

الإنفاق في سبيل الله هو عبادة مستقلة فهو غير إيتاء الزكاة، وهو من الأركان المفتوحة التي ليس لها حد أقصى، فهو كركن كذكر الله تعالى منوط بكل فرد على حدة وغير محدد بنسبة معينة، والإنفاق هو من كل ما يمكن أن يُقوَّم بمال، وله معنيان:
1.     المعنى العام وبموجبه يجعل الإنسان كل إنفاقه في سبيل الله تعالى وذلك بتصحيح قصده؛ أي إنه عندما ينفق أي مال عليه أن يجعل مقصده ابتغاء وجه الله تعالى.
2.     المعنى الخاص وبموجبه ينفق الإنسان من موارده في مجالات البر المعلومة كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.
والمصطلح "في سبيل الله" يعنى كل ما يمكن أن يؤدى إلى تحقيق مقاصد الدين العظمى مثل زيادة معرفة الناس بربهم والدعوة إلى الإسلام وإعداد الإنسان الرباني الفائق وإعداد الأمة الخيرة القوية الفائقــة ومساعدة الفقراء والمساكين وفي الرقاب وبناء دور العلم والمصحات، وتمويل الأبحاث العلمية... الخ، وللأهمية الكبيرة لهذا الركن اعتبر الله تعالي من ينفق في سبيله بمثابة من يقرضه قرضاً حسنا.
ويقابل هذا الركن من كبائر الإثم إقراض الناس بالربا وإمساك المال وكنزه والإسراف والتبذير وتبديد المال وإهداره وسوء استعماله أو إنفاقه في سبيل الشيطان، فيجب على الإنسان ألا يعرقل دورة رأس المال.
فالإنفاق في سبيل الله يعني أن يكون كل إنفاق للمال بقصد تحقيق مقصد شرعي وليس عبثاً أو تحقيقا لمأرب شيطاني، كما يتضمن إنفاق المال لمساعدة الآخرين وفي كافة أبواب الخير.
إن الإنفاق في سبيل الله تعالى هو ركن ديني مستقل، فهو غير إيتاء الزكاة، فمن البديهيات المعلومة أن اختلاف المبنى يدل على اختلاف المعنى، والآيات القرءانية التي تتضمن أمراً بالإنفاق وحثَّاً عليه بشتى الأساليب والسبل هي أكثر بكثير من الآيات التي تأمر بأركان أخرى عديدة مثل الصيام وحج البيت مثلا، إن هذا الركن الكبير ليس هو إيتاء الزكاة كما قرر المحرفون والمنافقون لمصلحة الطغاة وأهل البغي، فركن الإنفاق في سبيل الله هو كركن كذكر الله؛ أي هو منوط بكل فرد على حدة وغير محدد بنسبة معينة.
والإنفاق يكون من كل ما يمكن أن يقوَّم بالمال، فهو يشمل كل الموارد والصور الممكنة للثروة بما فيها العلم والخبرة مثلا كما يشمل كل عمل أو مجهود عضلي أو ذهني، وكذلك الوقت وهو من أثمن ما يملكه الإنسان، ويقابله من كبائر الإثم الإمساك عن الإنفاق وكذلك الإنفاق في غير سبيل الله مثل دعم وتمويل أعداء الإسلام والمسلمين وكنز المال وإقراض الناس بالربا والإسراف وتبديد المال وإهداره وسوء استعماله وشتى صور التبذير والفساد والإفساد، فيجب على الإنسان ألا يعرقل دورة رأس المال، وعندما ينفق أي مال فليجعل مقصده ابتغاء وجه الله تعالى.
أما المصطلح "في سبيل الله" فهو يعنى ويتضمن كل ما يمكن أن يؤدى إلى تحقيق مقاصد الدين العظمى مثل زيادة علم الناس بربهم والدعوة إلى الإسلام وإعداد الإنسان الرباني الفائق وإعداد الأمة الخيرة القوية الفائقــة، وللأهمية الكبيرة لهذا الركن اعتبر الله تعالي من ينفق في سبيله بمثابة من يقرضه قرضاً حسنا وكفى بذلك للمنفق فضلاً وشرفا.
والأمر المشدد بالإنفاق في سبيل الله تعالى يتضمن جعل الإنفاق في غير سبيله من كبائر الإثم، لذلك من كبائر الإثم كل صور الإنفاق لاستعراض الثروة أو للتفاخر أو على سبيل التبذير أو للإفساد في الأرض أو لإلحاق الضرر بالنفس والإنفاق على التدخين وتعاطي المخدرات أو الإنفاق على ما لا فائدة شرعية منه وعلى صور الترف الدنيوي المتعددة والقابلة للتطور، وبالطبع فمن أكبر كبائر الإثم إنفاق المال للترويج للفواحش ولإفساد أخلاق الناس.  
والمقصود بالإنفاق هو الإنفاق المحض الذي يقابله الإمساك أو كنز المال، والمقصود من هذا الركن أن ينوي الإنسان دائما عندما ينفق مالا أن يكون ذلك في سبيل الله تعالى أي محققا لغرض شرعي صحيح، فالذي ينفق مثلا مالا ليعلِّم أبناءه أو للوفاء بأية حاجة من حاجاته الشرعية هو ينفق بالفعل في سبيل الله، ومن يشتري طعاما مثلا يجب أن يكون مقصده في نفسه بناء جسمه وجسم من يعول فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومجال القوة رحب واسع، ومن يقصد بفعله ذلك يكون إنفاقه في سبيل الله، والمطلوب من المسلم أن يكون على علم بذلك وأن يكون ذلك حاضرا في ذهنه عند الإنفاق.
*******
إن الأمر بالإنفاق في سبيل الله يختلف عن الأمر بإيتاء الزكاة، ذلك لأن اختلاف المبنى يعني عادة اختلاف المعني، ومما يبيِّن أن الإنفاق ركن آخر غير إيتاء الزكاة اختلاف مفهوم كل منهما عن الآخر واختلاف المصارف الشرعية وذكرهما معاً في بعض الآيات القرءانية.
وهذا الركن كسائر الأركان هو من مقتضيات الإيمان بأسماء الله الحسني وإبداء الاستجابة المناسبة لها، وهو التجسيد العملي لحقيقة أن الله هو المالك الحقيقي لكل شيء أما الإنسان فهو مستخلف فيما لديه من مال وغيره، ومن الأمانة أن يحسن التصرف في هذا المال بأن يلتزم بتعليمات وأوامر المالك الحقيقي، وتلك هي العبادة التي أُمر الإنسان بها، فالعبد ملزم بطاعة أوامر ربه.
*******
والإنفاق في سبيل الله هو من لوازم الأركان الملزمة لكل كيان إنساني أكبر من الفرد مثل الأمة، وهو –بالنسبة للأمة- من لوازم ركن اتخاذ كل ما يلزم من أعمال وإجراءات لدعم بنيان الأمة وتقويته وتزكيته وركن التعامل مع الكيانات الإنسانية المكونة للأمة طبقاً للأوامر الشرعية والقيم الإسلامية، ومن صور الإنفاق الحديثة استثمار الأموال الاستثمار الأمثل لتوفير فرص العمل للناس ولزيادة موارد الأمة، والأمة ملزمة باجتناب ما يخالف هذا الركن، فلا يجوز لها أن تهدر أموال المسلمين ولا أن تنفقها لدعم اقتصاديات أعداء الإسلام والمسلمين.
والإنفاق في سبيل الله هو أمر ديني قرءاني ملزم، وهو أقوى من الأوامر الخاصة بالصيام أو الحج مثلا، فهو عبادة مستقلة، وهو غير إيتاء الزكاة، وهو يتضمن الاستغلال الأمثل للمال لتحقيق مقاصد الدين، ويقابله من كبائر الإثم إقراض الناس بالربا وإمساك المال وكنزه والإسراف وتبديد المال وإهداره وسوء استعماله، ومن سوء الاستعمال تمويل الاتجار بالبشر وشراء ما لذ وطاب من النساء وإغداقه علي المتسكعين المتبطلين والشعراء المداحين المنافقين والفاسقين وأعداء الدين أو على التدخين ووسائل اللهو المبددة للوقت، ومن سوء الاستعمال الحديث إنفاق الأموال على الراقصات وعلب الليل....الخ، ومن صور إهدار الموارد الحديثة قتل وتبديد الوقت في متابعة المباريات الرياضية والأفلام الإباحية والبرامج التافهة أو في الجلوس على المقاهي للثرثرة واللغو.
وركن الإنفاق هو كركن ذكر الله تعالى منوط بكل فرد على حدة وغير محدد بنسبة معينة، وهو يختلف عن الزكاة في أنه لا يوجد له سقف أعلى، فهو مفوض إلى إمكانات كل فرد، والإنفاق هو من كل ما يمكن أن يقوَّم بمال، ومن ذلك الوقت والجهد.
والإنفاق في سبيل الله لا يعني بالضرورة نقل ملكية المال من المنفق إلى المنفق عليه، فالمقصد هو ألا يكنز المال وألا يعمل على عرقلة دورته، فمن أنشأ مصنعاً لإنتاج شيء مما هو لازم للأمة على نية أن يجعل إنفاقه عليه في سبيل الله تعالى ورأى أن من الأفضل أن يديره هو وأن تظل ملكيته باسمه فقد قام بهذا الركن، كما أن حسن إدارة المال لتحقيق مقاصد الدين هي من الإنفاق في سبيل الله، فكل إنفاق لتحقيق مقصد شرعي هو إنفاق في سبيل الله، فمن أنفق المال الوفير ليتخير لنفسه ولمن يعول أفضل الطعام اللازم لنموهم وسلامتهم فإنما هو ينفق في سبيل الله، أما من ينفق من ماله ليحظى بمتعة غير مشروعة أو لمحض اللهو فهو ينفق في سبيل الشيطان، ومن البديهي أن إنفاق المال للتدخين أو لتعاطي المخدرات مثلا لا يمكن أن يكون إنفاقاً في سبيل الله، وكذلك لا يمكن –بالنسبة للأمة- أن يكون إنفاق المال لدعم اقتصاديات أعداء الإسلام والأمة إنفاقا في سبيل الله.
*******
الإنفاق في سبيل الله تعالى هو الإنفاق لتحقيق أي مقصد من مقاصد الدين، ومجالات هذا الإنفاق تتسع باطراد التقدم، فالإنفاق في سبيل الله يشمل الآن مثلاً تمويل الأبحاث العلمية ومؤسسات البحث العلمي والمستشفيات والمدارس ذات التخصصات المختلفة ودعم ورعاية الأسرة وتمويل المؤسسات الثقافية الجادة والتي تعمل على نشر الثقافة الرفيعة، والادخار الواعي لصالح الأمة من وسائل تحقيق هذا الركن.
*******
إن الأصل هو ألا يُكنَز المال وألا يُتَّجر به وألا يُقرض للناس بالربا ولكن أن يُنفَق في سبيل الله ولا خيار للإنسان في هذا الأمر، فالإنفاق في سبيل الله ركن ديني ملزم، والإنفاق على الأسرة هو من الإنفاق في سبيل الله، أما إنفاق المال للحصول على الملذات المحرمة فهو إنفاق في سبيل الشيطان، وركن الإنفاق في سبيل الله يلزم الإنسان بألا يهدر ماله وألا يبذر تبذيرا وبألا يهدر قواه ومواده عبثا.
*******
إن ركن الإنفاق في سبيل الله تعالى كان من أول ما تم وأده من أركان الدين وأوامره الكبرى، ولقد بدأت بوادر ذلك عندما بدأت سيطرة الأمويين المولعين بالمال والسلطة على مقدرات الأمة، والذي نظَّر لهم ذلك هم المنافقون.
*******
إن الآيات الآتية تبين أهمية ركن الإنفاق في سبيل الله:
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }البقرة3  *  {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177  *  {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }البقرة195  *  {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة215  *  {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة254  *  {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة261 *  {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة262  *  {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة265  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }البقرة267  *  {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }البقرة272  *  {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة273  *  {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة274  *  {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}آل عمران92  *  {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}آل عمران134  *  {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا(38)} (النساء)، {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً}النساء39  *  {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الأنفال3  *  {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60  *  {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}التوبة34  *  {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}الرعد22  *  {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ}إبراهيم31  *  {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الحج35  *  {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67  *  {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }القصص54  *  {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }السجدة16  *  {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29  *  {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}الشورى38  *  {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38  *  {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }الحديد7  *  {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }الحديد10  *  {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ }المنافقون10  *  {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}التغابن16  *  {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور33  *  {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}النساء8.
والآيات المذكورة تبين تماماً أن الإنفاق في سبيل الله هو ركن آخر غير ركن إيتاء الزكاة، وتبين أن صوره لا حصر لها، وإنفاق المال في سبيل الله يتضمن إنفاقه بنية نفع المسلمين وتحقيق مقاصد الدين، فهذا الإنفاق هو ركن أساسي ركين من أركان الدين وهو أمر آخر غير ايتاء الزكاة، وما يناقض هذا الركن هو كنز المال والامتناع عن إنفاقه وكذلك استغلال حاجة الناس لمضاعفة رأس المال أي الربا.
وهذا الركن مقدم في الحقيقة على ركن إيتاء الزكاة من حيث أنه أعم منه ولإطلاقه، وهو مفوض دائما إلى الأفراد، أما إيتاء الزكاة فلا يُفوض إليهم إلا في حالة عدم وجود أمة حقيقية.
وهذا الركن يهدف إلى انتفاع القدر الأعظم من الناس بالمال بمعنى دورانه بين أكبر عدد منهم وعموم نفعه عليهم، ويلاحظ أن هذا الركن كان من أوائل أركان الدين التي قضى عليها الأمويون ومن آزرهم من أهل الكتاب والمنافقين، ولقد حاول الصديق أبو ذر الغفاري التصدي لهم فخذلته الأمة فدارت الدوائر من بعد عليها، وصار مالها من وقتها غنيمة باردة للمتسلطين عليها ولأكابر مجرميها؛ يسرقونه من الناس ثم يكيلون لهم الضربات على خدودهم اليمنى واليسرى وعلى أقفيتهم، فضلا عن جلد ظهورهم، ولقد دأب رجال الكهنوت والمنافقون وأهل اللاسنة والتشرذم والفرقة علي التطاول علي هذا الإمام الصديق وعلي التهوين من شأن ما تعرض له علي أيدي الملأ من بني أمية ومن شايعهم، وعلي كل مؤمن صادق أن ينصف هذا الإمام الذي كان من خيرة السابقين الأولين والذي صدق ما عاهد الله عليه ولم يبدل تبديلا وكان من طلائع من تصدوا للمرتدين علي أعقابهم والمتهالكين علي حطام الدنيا.
*******
سيقول بعضهم إنه لا يمكن اعتبار الإنفاق ركنا لأنه غير منضبط ومنوط بالفرد ومفوض إليه وهو مخير فيه ولا يوجد حدود معينة له، فالجواب هو أن القرءان يتضمن آيات عديدة قوية محكمة تأمر بالإنفاق؛ فأي إلزامٍ بعد ذلك؟ ألا يكفي أن تكون الأوامر بالإنفاق أكثر وأشد تأكيدا من الأوامر بالصيام والحج؟ والأصل في كل الأوامر والأعمال الدينية أن الإنسان مخير فيها، أما الذي يجعل العمل ركنا من أركان الدين أو أمرا واجبا فهو وروده في الكتاب بأسلوب أمري واضح ظاهر أو مقترناً بما يعلم الناس كافة أنه ركن ديني كإقامة الصلاة مثلا، فالقران في النظم يوجب القران في الحكم، ولكن الإنسان الذي ارتضي الإيمان ملزم بأن يقوم بمقتضياته من الأركان، فالمؤمن ملزم بالإنفاق في سبيل الله تعالي كما هو ملزم بإقامة الصلاة وصيام رمضان، ولم يبق له من خيرة فيما يتعلق بأمر الإنفاق إلا في القدر الواجب إنفاقه، أما بالنسبة إلي إيتاء الزكاة فالمؤمن ملزم بإيتاء ما حدده أولو الأمر، ولقد ورد الأمر بالإنفاق في أوامر لها نفس قوة ومرتبة الأمر بإقامة الصلاة وقدم ذكره علي الأمر بإيتاء الزكاة، ولولا أن السلف المقدس قد عقدوا العزم علي هجران القرءان وتقديم المرويات الظنية عليه لرأوا تلك الحقيقة البينة الواضحة.
ومن عرف طبيعة الإنفاق كما بيَّناه هاهنا سيجد أنه ركن ملزم لكل من امتلك شيئاً من الموارد، فهو ملزم بألا ينفقها إلا في سبيل الله تعالى، ذلك لأنها من نعم الله تعالى التي لا يجوز أن تستعمل فيما لا يحب ويرضى.
وإهمال ركن الإنفاق في سبيل الله هو من أوضح الأمثلة على الانحراف عن دين الحق، وهذا الانحراف يتمثل هنا فيما يلي:
1.        اتخاذ القرءان مهجورا.
2.        تجاهل أوامر قرءانية قوية محكمة رهبا وخوفا من مروية آحادية.
3.        جعل المرويات حاكمة وقاضية على القرءان.
4.        إبطال أحكام القرءان البينة المحكمة بحجة أنها مبهمة مشكلة مطلقة مجملة.
5.        سوء تأويلهم لمروية أو سوء قصدهم، وقد أدى ذلك إلى إبطال ما لا حصر له من الأوامر الدينية الكبرى والجوهرية.
6.        جعل انحرافات أهل البغي ومن تحلق حولهم من المنافقين شرعا ملزما.
7.        كل ذلك أدى إلى إحداث المذاهب التي حلت محل الإسلام. 
ومن الآيات التي تبين بكل جلاء أن الإنفاق في سبيل الله هو ركن مستقل عن ركن إيتاء الزكاة:
{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة274 ، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29، {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177، {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }البقرة195، {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}التوبة34، {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38
فإيتاء الزكاة يجب أن يؤدى علانية لأولي الأمر في حالة وجود الأمة المؤمنة القائمة بأمور نفسها، وأولو الأمر الحقيقيون هم المنوط بهم في كل عصر ومصر تحديد ما يتعلق بها مثل دورة تحصيل وتعريف الغني والفقير والنسبة الواجب أداؤها وحد الإعفاء .... الخ مثل أي نظام ضريبي، أما الإنفاق في سبيل الله فهو عبادة يؤديها الإنسان لربه سرا أو جهرا بالليل والنهار مثلها مثل ركن ذكر الله، وليس له حد أقصى، فهو مفوض إلى استطاعة المسلم ودرجة صلاحه وتقواه ورغبته فيما هو عند الله.
*******
إنه لأهمية الإنفاق في سبيل الله فلقد اعتبرت الآيات من ينفق في سبيل الله كمن يقرضه قرضاً حسناً وكفي بذلك شرفاً، قال تعالى:
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}البقرة245  *  {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد11  *  {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }الحديد18  *  {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}التغابن17  *  {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20.

ويلاحظ أن "إقراض اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً" ذُكر مع إيتاء الزكاة للدلالة على اختلاف المدلول والمضمون، كما ذُكر مقترنا بأركان دينية مشهورة، والقران في النظم يشير إلى القران في الحكم.
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الامتناع عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، ولذلك اعتُبِر مرادفا لإلقاء الناس أنفسهم بأيديهم في التهلكة، قال تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة195، والآية تحث الإنسان أيضا على الإحسان، ومن هذا الإحسان الإحسان في الإنفاق.
*******
إن إنفاق المال بمعنى الامتناع عن كنزه وإمساكه هو من أهم أركان الإسلام، وهو كالشورى من الأركان التي تم وأدها مبكرا على يد معاوية زعيم الفئة الباغية وأمثاله من المـلأ وتم نفيه مع أبي ذر إلى الربذة ولم يبق منه إلا آثار واهنة من الإحسان الذي قد يكون مصحوبا بالمنّ.
والإنفاق يعنى المساعدة على تدوير الأموال وتكاثر وازدهار المعاملات المالية والاقتصادية مما يؤدى إلى الرواج وازدهار الحياة البشرية، والتهلكة وعذاب الآخرة هي الأمور المترتبة على إمساك المال وكنزه.
أما تسهيل المعاملات المالية وتأمينها وسن ما يلزم لذلك من قوانين وإشاعة ما يلزم من قيم فكل ذلك هو مسؤولية الأمة جمعاء لأن مصلحة الأمة في ذلك تفوق مصلحة الفرد وهي التي توفر له السبل اللازمة لاستثمار أمواله.
*******
أما بالنسبة لصدقة الفطـر فلقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يريد التيسير على أمته الذين كانت النقود بالنسبة إليهم عزيزة ونادرة إذ لم تكن تضرب عندهم بل كانوا يستوردونها مقابل ما ينتجون من سلع أو مقابل عمليات نقل البضائع بين الشام واليمن، فالدينار كان يأتي من البيزنطيين والدرهم من الفرس، لذلك شرع لهم أن يؤدوها مما هو متيسر لديهم من منتجات بيئتهم كالشعير والتمر، والمقصد الجدير بالاعتبار والمنصوص عليه هو إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد وليس إحداث ارتباك عام في الأمة طلبا للشعير والتمر، وأمر صدقة الفطر بالذات يوضح كيف يريد البعض صياغة الإسلام كدين للأعراب والبدو وليس كدين عالمي وما ذلك إلا لحرصهم على العادات والمرويات والشكليات، ألم يسأل هؤلاء أنفسهم كيف يمكن أن يؤتي تلك الزكاة أهل الغرب مثلاً؟ لذلك يجب القول بأن مقاصد الدين العظمى هي الأولى بكل اعتبار وليس عادات البدو وما توارثوه من مرويات، إنه إذا كان الإسلام هو الدين العالمي الخاتم فإنه يجب ألا يُقيَّد بعادات وتقاليد وظروف معيشة عرب القرن السابع الميلادي، لذلك فإذا جاز لعرب ذلك العصر أن يخرجوا صدقة الفطر تمراً أو شعيرا وقد كانا يشكلان المنتجات الشائعة أو المحاصيل السائدة فإنه يجوز لأهل كل مصر أن يخرجوا تلك الصدقة مما يناظرهما فيخرجها الأوروبيون قمحاً مثلا، ومراعاة المقاصد الدينية تقتضي أن يتم صرف الزكاة الآن نقودا فذلك أيسر على الطرفين، ولا شك أن التيسير من مقاصد الدين.
*******
إن الإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة هما ركنان مستقلان من أركان الدين ولا يجوز الخلط بينهما ولا الاكتفاء بواحد عن الآخر ولتعريف كل ركن منهما يجب أولا تعريف المال، فالمال هو كل ما يمكن أن يقوَّم الآن بالنقود المعلومة أي هو كل ما له ثمن مادي، أما المصطلح (في سبيل الله) فهو المصرف الرئيس للزكاة ولإنفاق المال، وهو يعني أن يكون ما يقدمه الإنسان مما يقبل التقويم بالنقود من عمل أو كيانات مادية خالصا لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته أي في سبيل إعلاء كلمته وتحقيق المقاصد الدينية العظمى بإعزاز الدين وإعداد الإنسان الصالح وتقوية ودعم وإعداد الأمة الخيرة الفائقة، أما كل المصارف الأخرى فهي من تمثلات ولوازم وتفاصيل هذا المصرف الرئيس، فمن أنفق ماله لبناء مصحة أو مدرسة مثلا يقدمان العلاج أو التعليم المجاني للناس فإن ما فعله هو للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين … أي سيعود نفعه على الأمة جمعاء وأولها هؤلاء.
*******
إن الإنفاق في سبيل الله تعالى ركن أساسي من أركان الدين ويقابله كنز المال، أما الإمساك عن الإنفاق فهو بمثابة إلقاء الأفراد والأمة بأنفسهم إلى التهلكة، فالإمساك يقوى في نفس الإنسان صفات الشح والبخل والهلع والجزع والنفور من الآخرين والخوف منهم وغيرها من الصفات الماحقة القاتلة شديدة الخطورة على الكيان الجوهري، أما فيما يتعلق بكيان الأمة فلقد جعل المال وسيلة لإدارة عجلة الاقتصاد ولينتفع به القدر الأعظم من الناس، ومن يكنزه إنما يحاول إيقاف تلك العجلة، وهو بذلك يقضى على نفسه قبل أن يقضى على غيره، فهو يحطم كيانه الجوهري باستعباده للأشياء وجعل نفسه بذلك أدنى مرتبة منها، فالأمة التي يحرص أفرادها علي كنز المال وإمساكه تضعف بنيانها وتسد شرايين حياتها فتقضي علي نفسها بنفسها، هذا بالإضافة إلى إشاعة أجواء من الحقد والغل والبغضاء بين أبناء الأمة.
ولقد كان كنز المال ثم نهب المال العام من أوائل الخطايا التي ابتليت بها الأمة والتي سبقت القضاء على المُثُل الدينية العليا وعبَّدت السبل اللازمة لذلك، وكانت من أكبر أسباب تأجيج الفتنة، وكان من أوائل من تنبه لذلك وحاول التصدي له الصحابي الجليل والصديق النبيل أبو ذر الغفاري والذي دأب المنقلبون على أعقابهم والمفسدون في الأرض والفئة الباغية ومن شايعهم من المغضوب عليهم على النيل منه على مدى العصور، ذلك رغم أن مذهبهم يلزمهم بالإقرار بعدالته التي زعموها للطلقاء والمنافقين وأهل البغي، ولم يكتفوا بذلك بل كفَّروا كل من حاول التصدي لإفكهم وهرائهم وضلالهم المبين.
*******
إن امتلاك المال هو وظيفة منوطة بالفرد أو الكيان الإنساني بصفة عامة، وتلك الوظيفة محكومة بضوابط شرعية، فهي ليست بوسيلة للتفاخر والتكبر على الناس أو تجاوز الحدود أو الترف أو التعدي على القوانين والنظم أو التبذير أو الإنفاق السفيه أو الإفساد في الأرض أو إذلال الناس أو استغلال حاجتهم أو استعبادهم، ولقد اعتبر الربا ظلما عظيما وحرِّم لذلك، وإنما استخلف الله تعالى الإنسان في المال لينفقه في سبيله، وهذا يعني أن يجعل كل إنفاق للمال لتحقيق غرض شرعي؛ أي لتحقيق مقاصد الدين.
فالمال هو بالأصالة مال الله تعالى، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }الحديد7، {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور33.
وكون المال مال الله تعالى يجعل من أي اعتداء على الناس في هذا الأمر من كبائر الإثم، فلا يجوز للمتسلط أن ينهب أموال الناس متعللا بكون المال مال الله مثلما كان يفعل معاوية إمام أهل البغي والداعين إلى النار، بل إن من ينهب أموال الناس بمثل هذا التأويل يكون قد اعتدى على حقوق الله تعالى وحقوق عباده وفسَّر آيات القرءان بالهوى، ولقد رتع الأمويون في مال الأمة وجعلوا الأمة بكل مواردها تراثا لهم يتوارثه غلمانهم، ثم جاء عبيد نعالهم وفرضوا جرائمهم على الأمة كاجتهادات مأجورة ومنعوا أي انتقاد لهم، والحجة هي أنهم فتحوا الأندلس.
*******
وركن الإنفاق في سبيل الله هو ركن مفتوح يتسع ويتطور مع ظروف العصر والمصر، ولا يوجد له حدّ أعلى، فهو مفوض إلى مدى رقي الإنسان ومدى تحليه بالتقوى، وهو بذلك يختلف عن ركن إيتاء الزكاة الذي هو أشبه بالنظام الضريبي الحديث.

*******


هناك تعليق واحد: