المثـنى الإلهي
المثنى هو اسمٌ إلهي واحد استلزمَ التعبيرُ عنه اقتران اسمين عربيين مفردين متلاصقين طبقًا لتعريفِ الاسم المفردِ السابق،
وهو يشير إلى سمة واحدة محكمة تفصيلها
هو السمتان اللتان يشير إليهما الاسمان المفردان لا بمعنى أن السمة الواحدة مركبة منهما
أو أنها ازدواج لهما بل بمعنى أن هاتين السمتين من تجليات وتفاصيل السمة المحكمة
الواحدة، فتلك السمة الواحدة هي بالضرورة تعلو على نطاق الإدراك البشري، فليس لدى
الإنسان بالتالى لفظٌ مفردٌ يعبِّرُ عنها، وهو لا يمكن أن يدرك إلا شيئا من
مقتضياتها من الآيات المصاحبة لها فضلاً عن مقتضيات السمتين المشار إليهما، أما
هاتان السمتان فتتنوعُ الارتباطاتُ الممكنة فيما بينهما مع تقدمِ الأولى، فقد
تـفضي السمة الأولى إلى الثانية، وقد تُخَصِّص السمة الثانية الأولى، وقد تؤكد
معنى متضمنا فيها، ولكن معنى المثنى يجب أن يُلتمس أساسا فيما يصاحبه من آيات
وبالنظر إلى معاني الكلمات طبقاً للاصطلاح القرءاني، ثم إن اقتضى الأمر بالرجوع
إلى المعاني الأصلية اللغوية، ولا يجوز أبدا القول بأن الاسم الثاني الوارد في
المثنى هو تابع للاسم الأول، فهما متكافئان.
أما ترتيب الورود في المثنى فله معناه ومغزاه
وحقانيته، فهو من السمات المميزة للمثنى، وتغييره يؤدي بالضرورة إلى معنى جديد
ودلالات جديدة؛ فهو يشير بالضرورة إلى سمة أخرى، والآيات المصاحبة لكل مثنى من هذه
المثاني تبين ذلك، وعلى سبيل المثال فالآيات المصاحبة للمثنى الحليم الغفور هي: {تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ
يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44]، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن
بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:41]
أما الآيات
المصاحبة للمثنى الغَفُور الحَلِيم فهي: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ
فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ
غَفُورٌ حَلِيم} [البقرة:225]، {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ
مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن
تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ
يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم} [البقرة:235]،
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ
عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيم} [آل عمران:155]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن
تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقرءان تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا
وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيم}[المائدة:101]
فمن الواضح أن
الآيتين المصاحبتين للمثنى الحليم الغفور تتحدثان عن شؤون إلهية وأمور كونية،
بينما تتحدث الآيات المصاحبة للمثنى الغَفُور الحَلِيم عن أوامر شرعية وأفعال
المخيرين.
ومن أمثلة المثاني:
الحي القيوم، العزيز الرحيم، العزيز العليم، الحكيم العليم، الحكيم الخبير، العزيز
الحكيم، الواحد القهار، الغفور الرحيم،...... إلخ، والمثاني التي وردت بالترتيبين
الممكنين: "الحكيم العليم، العليم الحكيم"، "الغفور الرحيم، الرحيم
الغفور"، "الحليم الغفور، الغفور الحليم"، فهذه المثاني هي بذلك
عناصر نوع آخر من الأسماء هو الحلقات الإلهية ولذلك آثاره الهائلة على الحقائق
الوجودية والسنن الكونية.
والسمة التي يشير إليها المثني لا تعني الجمعَ البسيط للسمتين اللتين يشير
إليهما الاسمان المفردان، بل إنه لا يوجدُ في اللغة العربية لفظ واحد من الألفاظ
يمكنه الدلالةَ عليها وإنما تعرف آثارها من الآيات التي ورد فيها المثنى.
إن السمة المحكمة التي يشير إليها كل مثنى من المثاني أو
حلقة من الحلقات الإلهية يعبر عنها بألفاظ عربية يشير كل منها إلى سمة من السمات
التي يمكن أن تُفصَّل إليها السمة المحكمة، وذلك يشير في الوقت ذاته إلى ارتباط
موجب بين تلك السمات، فثمة مثلاً ارتباط موجب بين السمات (العلم والحكمة)، (العلم
والعزة)، (القوة والعزة)، (الرأفة والرحمة)، (العزة والحكمة) .... الخ
وورود الاسم كتابع لأي من الأسماء الإلهية الرئيسة (الله، الرحمن، الرب،
الإله) لا يجعل من الاسمين مثنى، لذلك فليس من المثاني (رب غفور، إله واحد….)،
أما الاسم "الرحمان" في المثنى "ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ"،
فهو ليس الاسم "الرحمن" الذي يرد دائما مفردا وعلما على الذات الإلهية
كالاسم "الله"، وإنما هو اسم مفرد له بنية صفة مشبهة، وهو مشتق من
المصدر "رحمة"، والحرفان "الـ" هما هنا أداة التعريف
المعلومة.
وترتيب الاسم في
المثنى هو خاصية هامة ومُميِّزة A definite and a defining characteristic
للمثنى، فإذا كان ثمَّة مثنى مكوَّن من لفظين
كـ"الغفور الرحيم"، فإن المثنى المكون من نفس اللفظين باختلاف
الترتيب كـ"الرحيم الغفور" هو بالضرورة مثنى آخر يشير إلى سمةٍ أخرى، لذلك تختلف مدلولات الآيات المصاحبة
للمثنى "الغفور الرحيم" اختلافا بيِّنًا عن مدلولات الآيات المصاحبة
للمثنى "الرحيم الغفور"، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المثنى "الحكيم العليم"
والمثنى "العليم الحكيم" والمثنى "الغفور الحليم" والمثنى
"الحليم الغفور"، وقد يُقال إن هذا الاختلافَ ليس إلا لضرورةٍ لغوية، وهذا قولٌ
بلا برهان، فضلاً عن أنه لا يجوز تصوره في حق رب العالمين، إنه يجب العلم بأن الله عزَّ وجلَّ لا يخضع لأية ضرورات أو إلزامات لغوية
وأن أسماءه سابقة علي وجود الألسنة واللغات، وهو قد صاغ الآيات هكذا ليعلم الناس أسماءه الأسبق،
وليعلمهم أيضًا دلالاتها ومقتضياتها.
والحق هو أن
وجود مثل هذه المثاني يشير إلى حقائق إلهية وجودية عظمى؛ هي الحلقات الإلهية، فثمة
ارتباط موجب بين المثاني وبين الحلقات الإلهية، فالمثاني الواردة هي تفاصيل لأسماء
إلهية عظمى هي الحلقات الإلهية، ومنها الحلقات المكونة من هذه المثاني مثل:
"الحكيم العليم-العليم الحكيم"، "الرحيم الغفور-الغفور
الرحيم"، "الحليم الغفور-الغفور الحليم"، وهي تُسمَّى كذلك
لإحاطتها التامة بكل المخلوقات ولاقتضائها أنساقا من القوانين والسنن الحاكمة
عليها.
والرمز
"حم" يرمز إلى المثاني الإلهية كما ترمز الكلمة "فعل" إلى كل
الأفعال الثلاثية، هذه المثاني من أسرار القرءان الكبرى، وهي مما يثبت له الهيمنة
على كل الكتب الأخرى.
والسور التي تبدأ بالرمز "حم" يتجلى فيها النور
المحمدي الخاص، هذا النور سارٍ في كل من لديه الاستعداد الحقيقي ليكون من أمته
الحقيقية.
*******
الأسماء الحسنى
ردحذف