التيار الزبيري القرشي
كانت
الانتفاضة الزبيرية آخر محاولة قرشية للاستيلاء على السلطة، كان هذا التيار أشد
عداءً للعترة النبوية من الأمويين، وكان هذا العداء الأعمى من أسباب هزيمتهم رغم
أنهم سيطروا في مرحلة من المراحل على الحجاز والعراق ومصر، ودانت لهم بالولاء بعض
قبائل الشام.
وبعد أن أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفه أرسل أخاه
مصعب بن الزبير (أنهد وأجمل فتى في قريش) إلى العراق حيث حارب المختار الثقفي الذي
كان قد أخذ بثأر الإمام الحسين، تخلَّى الناس كالعادة عن المختار فوجد نفسه يحارب
في مجموعة صغيرة، فقتل وقطعت رأسه كعادة العرب وأرسلت إلى عبد الله بن الزبير.
تولى أمر العراق لخمسة سنوات قتل فيها ما لا حصر له من
البشر، أثار ذلك إعجاب وحسد عدوه اللدود وصديقه القديم الخليفة الأموي عبد الملك
بن مروان الذي لم يتمكن من تحطيم هذا الرقم القاسي المسجل باسم مصعب، فقال مادحا
إياه: "أشجع العرب من ولي العراقين خمس سنين فأصاب ثلاثة آلاف ألف" !!
هذا هو مقياس النجاح عند هؤلاء المجرمين؛ أنه أصاب ثلاثة ملايين إنسان!!!
في إحدى شطحاته قتل سبعة آلاف في غداة واحدة، وهو رقم
قياسي لم يستطع ريشارد قلب الأسد أن يقترب منه، قتل 2700 فقط.
قال عبد الله بن عمر للكتكوت السفاح مصعب بن الزبير:
"أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.!". فقال مصعب: "إنهم كانوا كفرة سحرة." فقال ابن عمر: "والله لو قتلت عدتهم غنمًا
من تراث أبيك لكان ذلك سرفًا.".!
أما نهاية هذا الكتكوت السفاح فكانت على يد عبد الملك بن
مروان -صديقه القديم والمعجب بإجرامه- حيث هاجمه فتخلى الناس عنه كالعادة فقاتل
حتى قُتل، وقطع أحدهم رأسه وجاء بها إلى عبد الملك فأراد أن يعطيه ألف دينار فأبى
أن يأخذها!!!
وبالطبع لم يكن لمثل هذا الكتكوت السفاح مهما بلغ جماله
وافتتان الناس به أن ينجح كرجل سياسي.
وقد
رووا أن (الصحابي الجليل) عبد اللّه بن الزبير قطع ذكر رسول اللّه في خطبة الجمعة
أسابيع كثيرة، فاستعظم الناس ذلك فقال: "واللّه ما تركت ذلك علانية إلا وأنا
أقوله سرا وأكثر منه، لكنى رأيت بنى هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا واحمرت ألوانهم
وطالت رقابهم، واللّه ما كنت لآتى لهم سرورا وأنا اقدر عليه، واللّه لقد هممت أن
احظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا فإني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا،
واللّه لا أنماهم اللّه ولا بارك عليهم بيت سوء لا أول لهم ولا آخر، واللّه ما ترك
نبي اللّه فيهم خيرا، استفرغ نبي اللّه
صدقهم فهم أكذب الناس"، ولقد جمع بالفعل بنى هاشم في سجن عارم، وأراد أن
يحرقهم بالنار فجعل في فم الشعب حطباً كثيرا، فأرسل المختار جيشًا من أربعة آلاف
فارس فما شعر بهم ابن الزبير إلا والرايات تخفق بمكة فأخرج الهاشميين.
إن
هذا (الصحابي الجليل) كاد يكفر بالرسول لكي لا يبتهج أهل بيت النبي!!!، ولقد عقد
العزم على أن يستأصلهم، إن هذا مما يبين أنه كان ثمة اتفاق ضمني بين أكابر
القرشيين علي استئصال ذرية النبي، ولقد حاول مجرمو الأمويين والعباسيين دائما
تنفيذ هذا الاتفاق، أما ذلك (الصحابي المقدس) الذي امتلأ قلبه غلاً لأهل بيت النبي
الذي أخرجهم من الظلمات إلي النور فلقد دفع ثمن ما فعل غاليًا في الدنيا قبل الآخرة
بعد ما حاول الاستيلاء علي السلطة، وجاءت نهايته عندما حاصره أحد من أكابر
المجرمين وهو الحجاج الثقفي وضرب الكعبة التي لاذ بها وهدمها إذ قتله ومثل به
وصلبه، وهكذا ارتد كيده في نحره وكان هلاكه في تدبيره ولقد قضى بنفسه علي كل من
كان من الممكن أن يناصروه، فلما حوصر خذله الجميع وأسلموه إلى من لا يرحم.
كان
عروه بن الزبير من أعلام الرواة والمحدثين يعذر أخاه (الصحابي) عبد اللّه في حصر
بنى هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: إنما أراد بذلك ألا يختلف المسلمون
وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببنى هاشم لما
تأخروا عن بيعه أبى بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار!!! وهكذا لا يري الراوي
الأثير لدي السيدة عائشة وأحد أركان (سنة) الرسول من بأس في محاولة أخيه استئصال
أهل بيت هذا الرسول بل قبيلته كلها وذلك لحماية الأمة من (الاختلاف)!!!!!؟؟؟
إنها
ديمقراطية الحطب وديمقراطية "اشدخوا رأسه بالسيف" التي مازال أمام
البشرية آلاف السنين لتفقهها لتعود بذلك إلى العصر الحجري الأول وربما إلى عصر
الديناصورات.
الإسهام
الرئيس الذي خلفه استيلاء عبد الله بن الزبير على السلطة في الحجاز ثم في العراق بعد
مصرع يزيد هو في ظهور تيار من النواصب مستقل عن التيار الأموي، رَفَع من قدر
السيدة عائشة فوق كل نساء النبي، وجعلها مرجعية دينية في مقابل مرجعية أهل البيت، وأصبحت
المرويات المنسوبة إليها جزءا كبيرا من الدين القرشي، وتمثل في التهوين من قدر
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ ومنع الصلاة عليه حتى لا تطول به أعناق بني هاشم
وتحمر ألوانهم كما قال ابن الزبير، وقد كان يعتبرهم ألد أعدائه، وهو الذي ربتَّه
السيدة عائشة في بيتها، ولم يستفد بجهود هؤلاء إلا الأمويون والعباسيون في
النهاية، أما ابن الزبير فكانت نهايته بشعة على أيدي الحجاج الثقفي.
ومن
آثارهم أيضًا تضخيم أمر ورقة بن نوفل، وهو مجرد رجل متحنف آمن بالرسول ثم سرعان ما توفي، وقد تم
تضخيم دوره لأسباب سياسية أثناء خلافة عبد الله بن الزبير، لأنه من أسد قريش مثل
الزبيريين، خاصة وأن عروة بن الزبير كان من كبار الرواة، وما قيل عن ذهاب الرسول
إليه للاطمئنان على نفسه هو قصة مختلقة، وكالعادة تسبب السلف المعبود في مشكلة
كبرى للإسلام والمسلمين، فبسبب أسطورة ورقة المختلقة بنى أعداء الإسلام قصورا
وألفوا سيناريوهات وجعلوا ورقة أسقفا لمكَّة تارة ومعلما للرسول تارة أخرة وممده
بأخبار الأنبياء ومؤلفا للقرءان المكي .... الخ.
*****
ولقد
أضاع ابن الزبير فرصتين تاريخيتين هائلتين لتخليص الأمة من التيار الأموي، الأولى
عندما عرض عليه قائد الجيش الأموي الذي كان يحاصره في مكة وضرب الكعبة بالمنجنيق
أن يوليه الخلافة بعد وصول الأنباء بمصرع يزيد القرود، ولكنه رفض، ففاز بها مروان
بن الحكم.
والثانية
أنه بدلا من أن يهاجم الأمويين وهم في ذروة تفرقهم واختلافهم فضَّل أن يضرب أنصار
العترة النبوية في العراق، فتضعضعت الجبهة المعادية للأمويين، فتمكن عبد الملك بن
مروان من القضاء عليهم بسهولة لتدين له الأمور تماما.
*****
وقد
قام التابعي الجليل والمجرم الخطير الحجاج بن يوسف الثقفي حبيب الجنس السلفي بقتل
(الصحابي الجليل) عبد الله بن الزبير ابن أحد (العشرة المبشرين بالجنة) وابن
السيدة أسماء بنت أبي بكر (أول العشرة المبشرين بالجنة) والذي تربى في بيت خالته
السيدة عائشة (التي كان معها نصف الدين) والذي أثبت أنه ألد أعداء آل بيت الرسول
الذي نالهم كل الخير بسببه!!!
وكان
ابن الزبير قد أعلن نفسه خليفة في مكة بعد مصرع يزيد اللعين حبيب الجنس السلفي،
واستولى على العراق ومصر، فأرسل له عبد الملك بن مروان جيشا بقيادة الحجاج حاصر
مكة وهدم الكعبة فوق رأسه ورؤوس أتباعه، وبعد أن سقط في يد المجرم الخطير الحجاج
قام كالعادة بالتمثيل به وقطع رأسه الشريف -حرصا عليها- وأرسلها إلى التابعي
الجليل وحمامة المسجد الخليفة عبد الملك بن مروان ليتبرك بلمسها ولثمها وتقبيلها،
وأمرهم إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها لإرهاب أهلها، ثم يسيروا بها إلى
الشام ، ففعلوا ما أمرهم به، ثم أمر بجثته فصلبت على ثنية كداء عند الحجون منكسة،
وظلت كذلك إلى أن مرَّ بها (الصحابي الجليل) عبد الله بن عمر، فبكاه بالدمع الهتون،
ورثاه رثاءً حارا، وأرسل إلى الحجاج يتوسط له قائلا: أما آن لهذا الراكب أن ينزل ؟
فبعث الحجاج، فاستجاب له وأنزله عن الجذع.
هل
لدى أي أمة أخرى سلف مثل هؤلاء الرحماء فيما بينهم أيها الجاحدون؟! أليس من الأولى
بكم أن تتأسوا بهم وأن تباهوا الأمم بهم؟!!
*****
ويُلاحظ
أن الناس في مصر قبل الغزو الوهابي لم يكونوا يستعملون أبدًا أو يتسمون بأسماء من
ناصب العترة النبوية أي عداء، فلم تكن توجد أسماء معاوية، يزيد، الزبير، طلحة،
...، وحتى الاسم "عثمان" كانوا لا يطلقونه بصفة عامة إلا على الخدم
والعبيد (وهم مخطئون في ذلك بلا شك).
*******
نظرات في التاريخ
ردحذف