الأحد، 1 مايو 2016

الطلاق

الطلاق

التعامل بين المسلمين يجب أن يكون بمقتضى الأوامر الشرعية، فذلك ركن ركين من أركان الدين، إن الأوامر الشرعية يجب أن تُبجَّل وأن تحترم وأن يتم الالتزام التام بها.
ومن كبائر الإثم أن يجعل الإنسان ربه عرضة لأيمانه، قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{224} لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ{225} البقرة
والزواج ميثاق غليظ لا لغو فيه، قال تعالى:
{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} النساء21.
والميثاق الغليظ لم يُذكر في القرءان إلا لوصف أمور بالغة الأهمية والخطورة، قال تعالى:
{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)} النساء، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)} الأحزاب
ونقض الميثاق الغليظ يترتب عليه بالضرورة عذاب أليم كما حدث مع من عدوا في السبت فجُعلوا قردة خاسئين.
فالميثاق الغليظ هو بمثابة يمين؛ أي قسم يقسم الإنسان أمام ربه أن يفي به وألا ينقضه، وهو مؤاخذ به، وكذلك كل ما يترتب عليه أو يرتبط به من علاقات وعواقب.
ولما كان النكاح ميثاقا غليظا فلابد من توثيقه، كما أن كل ما يترتب عليه هو أمر غليظ، وكذلك نقضه بالطلاق هو أمرٌ غليظ، ولذلك يجب التنديد بمسلك رجال دين الأعراب وفقهائهم الذين تعاملوا مع هذا الأمر باستخفاف ورعونة وتهريج لا يليق برجال مسؤولين، ولا يصدر إلا من صبية جهلة عابثين لا يقيمون وزنا لآيات ربهم.
لذلك فكل أمور النكاح وما يترتب عليه يجب توثيقها، ومن ذلك الإشهاد فيها، لذلك يجب توثيق الطلاق بالإشهاد فيه:
قال تعالى:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2}} الطلاق
فالأمر بالإشهاد بكل ما يعنيه ذلك ملزم في كل مراحل الطلاق، وعلى أولي الأمر في كل عصرٍ ومصر سنّ ما يلزم من قوانين لتفعيل ذلك.
إذا تعذرت الحياة الزوجية وأصبح أمرا واقعا وظاهرا أنه يترتب على استمرارها الإخلال بحدود الله تعالى؛ أي الإخلال بأوامره ونواهيه يتم البدء في إجراءات الطلاق، والطلاق ليس مجرد كلمة تقال بل هو عملية معقدة، ومنها أنه مرَّتان:
قال تعالى: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232) } البقرة
إن الطلاق هو مرتان؛ أي هو عملية مركبة A composite process فيطلق الرجل زوجته التطليقة الأولى؛ أي الطلاق الجزئي (لأنه مرة من مرتين) الذي يمكن العدول عنه، ويتم ذلك بحضور شاهدي عدل، والتطليق يجب أن يكون متبوعا بالالتزام بالعدة:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} الطلاق1
والعدة مدتها ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحا، فالعدة هي أن ينتظرن مدة ثلاث حيضات، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ من جنين أو دم حيض، ويذكرهن الله تعالى إن مثل هذا الكتمان لا يليق بمن كنَّ يؤمنَّ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلبُعُولَتُهُنَّ الحَقُّ الكامل بِرَدِّهِنَّ في ذلك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للحفاظ على الجنين الذي قد تعمد المرأة للتخلص منه، ويجب أن يكون المقصد دائما هو الإصلاح لا التعنت ولا الانتقام ولا الإفساد.
وكون الطلاق للعدة يعني أنه بعد التطليقة الجزئية الأولى يبدأ حساب العدة، وأي تلفظ لكلمة طلاق بعد ذلك أو جعل التطليق ثلاثة أو حتى مائة هو لغو لا قيمة له، فبالتطليقة الأولى يبدأ حساب العدة، ولا يُعتد بأي لغوٍ فيها، أما إذا كان المتلفظ يعلم حكم الله تعالى في الأمر فهو يكون من الذين يتخذون آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا، فليرتقب عذابا مهينا.
قال تعالى:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} البقرة228.
فالردّ هو عن كتمان ما في أرحامهن، وليس بقطع العدة المأمور بها في آية أخرى، والكلام هنا عن التطليقة الجزئية الأولى والتي بمقتضاها مازال الرجل بعلا للمطلقة لم يتم طلاقها، وإلا فإنه لا سلطان له عليها، ولابد من اكتمال العدة، أما بعد اكتمال العدة فهناك احتمالان:
a.    الإمساك بمعروف، وبذلك لا يكون الطلاق قد تمّ.
b.   التسريح بإحسان مع الإشهاد، والتسريح هو بالتطليقة الجزئية الثانية، وهي المقصودة بالعبارة {فَإِنْ طَلَّقَهَا} في قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} النساء، وقد ظنوا خطأً أن {فَإِنْ طَلَّقَهَا} تعني تطليقة ثالثة دون أي مبرر، فهذه العبارة لا تمثل إلا الاحتمال الثاني لما يمكن أن يحدث بعد انقضاء العدة، والاحتمال الأول هو الإمساك بمعروف كما سبق القول.
أما بعد هذه التطليقة الثانية فلم يعد يربطه بها أي شيء، فقد سرحها بإحسان وبعد إشهاد الشهود، والتطليقة الثانية بالطبع تكون بعد انقضاء العدة المذكورة، وبذلك لا يوجد خوف من أن يكون في رحمها شيء، ومع ذلك يجب أيضا انقضاء عدة جيدة منعًا لأي شك أو ريبة، فذلك حق لمن سيتزوجها من بعد.
وبالطبع لا معنى للتلفظ بالطلاق ثلاث مرات، فلابد بعد التطليقة من انقضاء العدة، ولو طلقها لفظيا ألف مرة أثناء العدة لكان ذلك بلا أي معنى.
ولا يجوز إخراج المرأة من البيت الذي كانت تقيم فيه بعد التطليقة الجزئية الأولى، أي قبل إتمام الطلاق، فهو بيتها بحكم الأمر الواقع، والرجل مازال بعلها، وإن كان هذا لا يلغي حق مالك البيت الأصلي.
وفي أثناء العدة لا يجوز للرجل أن يجامع امرأته لأنها طليقة، ولا يجوز له قطع مدة العدة ليجامعها؛ فذلك من باب اتخاذ أحكام الشريعة هزوا، وهو من كبائر الإثم:
قال تعالى:
{وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة231
وبعد انتهاء فترة العدة فإما أن يتم الإمساك بمعروف -ومن المعلوم ومما هو ملزمٌ أيضا أن يتم ذلك باستشهاد الشهود- وإما أن يتم التسريح بإحسان، وبذلك يتم الطلاق الموصوف بأنه مرتان، ولا يجوز أن تبقى المرأة في البيت لأنها لم تعد تحل له، ويجب أن يؤدي لها حقها، فهذا هو الطلاق الذي بنفاذه لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
قال تعالى:
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} البقرة230.
والطلاق قد يكون بسبب طلب من المرأة وليس من الرجل، وفي تلك الحالة تكون الإجراءات كما هي، فيتم الطلاق الأول، ثم تمر فترة العدة دون أن تخرج من بيتها، وفي تلك الحالة لا يكون للزوج الحق في أن يأخذ مما آتاها شيئا، ولا جناح عليها أن تفتدي نفسها بأن تسمح له بالاحتفاظ بشيء مما آتاها طبقا لميثاق الزواج الغليظ، هذا إذا أيقن الجميع أن استمرار الزواج سيؤدي إلى الإخلال بأوامر الدين.
أما بعد وقوع الطلاق الثاني بمحضر من شهود عدول تكون إجراءات الطلاق قد تمت، وفي حالة وقوع هذا الطلاق لا يجوز إمساك المرأة على سبيل العدوان لإيقاع الضرر بها، وبعدها يمكن للمرأة أن تتزوج رجلاً آخر، ولا يحق للزوجين أن يتراجعا إلا إذا طلقها الزوج الثاني متبعا نفس الإجراءات المذكورة، ولا يجوز أن يتراجعا إلا إذا كانا على يقين من قدرتهما على الالتزام بالأوامر الإلهية.
وإذا قرر الرجل أن يمسك امرأته فليكن هذا بالمعروف، وعند ذلك يعتبر الطلاق الأول لاغيًا لعدم اكتمال إجراءاته.
ولقد نصَّت الآية على أن الطلاق مرتان، ولكنهم ظنوا أن الشرط "فَإِنْ طَلَّقَهَا" يجعل الطلاق ثلاث مرات دون أن يعلموا أن ظنهم هذا يبطل كون الطلاق مرتين، مما يجعل هناك تعارضا، والحق هو أن {فَإِنْ طَلَّقَهَا} إنما تشير إلى اكتمال عملية التطليق الكلي بتحقق التطليقة الجزئية الثانية؛ أي هو التسريح بإحسان بدلا من الإمساك بمعروف في قوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
فالطلاق بالفعل عملية مركبة، فهو مكون من طلقتين جزئيتين لكي يكتمل.
ولكن ماذا إن أمسكها ثم عادت المشاكل وتعذر استمرارهما معا؟
سيتكرر ما سبق، فإن انتهى الأمر بتسريح بإحسان فحكمه معلوم، وإن انتهي الأمر بالمراجعة فإن عادت المشاكل وطلقها، تتكرر الإجراءات، فإذا تم التسريح فقد أصبحت لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
ولكن ماذا إن لم يسرحها؟ هو الآن قد شرع في الطلاق ثلاث مرات وإن لم يكمله، هذا أمر مسكوت عنه في القرءان، ولكن يجوز لوليّ الأمر المختص النظر في الأمر حتى لا يسمح لأحد بالتلاعب في أمرٍ خطير كهذا تُستحل به الأعراض، فله مثلا أن يضع حدًا أقصى لعدد مرات الشروع في الطلاق، وهذا هو أصل القول بأن الطلاق البائن يتم بعد ثلاث تطليقات؛ أي إن التطليقة الثالثة هي طلقة بائنة.
فمن شرع في الطلاق ثم لم يكمله بأن اختار الإمساك بمعروف، هو لم يكمل إجراءات الطلاق الشرعي، فإن تكرر منه هذا الأمر مرة ثانية ثم ثالثة تُعتبر هذه طلقة بائنة.
والأوامر الإلهية هي الحدود التي لا يجوز لأيٍّ من الزوجين ولا للناس أن يعتدوها بعد أن بيَّنها الله تعالى لهم.
ولا يجوز لأية سلطة الاعتداء على حق المرأة في أن تتزوج من تشاء بالتراضي والمعروف، ومن تصدّى لذلك هو كمن يتخذ آيات الله هزوا، ويجب على كل من زعم أنه مؤمن بالله واليوم الآخر أن يعظِّم الأوامر الإلهية، ولعلم الله تعالى المسبق بميول وأهواء الناس في المجتمعات الشرقية فإنه توعد بشدة من يحاول تجاوز الحدود فيما يتعلق بحقوق النساء، كما ذكرهم بنعمه العظيمة وأمرهم بأن يتقوه.
قال تعالى بعد أن شرح بعض ما يتعلق بالطلاق وحقوق النساء:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)} الطلاق
فلا يمكن أن تكون بلاد المسلمين مباءة للظلم والإثم والبغي والعدوان على حقوق نصف الأمة، ولكن الأعراب الهمج البدائيين فرضوا عاداتهم على الناس باسم الدين!
قال تعالى:
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} الطلاق
الكلام كله على النساء، ولا ذكر لأطفال فيه، اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ هن مِنْ النِسَاء، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ هن مِنْ النِسَاء وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ هن مِنْ النِسَاء، ولكن بعض الأعراب المصابين بالولع بالصغار Pedophile جعلوا "اللَّائِي لَمْ يَحِضْن" تعني الإناث الرضع والطفلات الصغيرات.
فاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ لسْنَ البنات الصغيرات، فهن النساء اللائي لم يحضن لعلة من العلل، وقد يُطلق على الواحدة منهم الضَّهْيَاءُ على وزن فَعْلاء.
أما اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ النساء فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، الآية واضحة تماما، وهي تفسر نفسها، ولا تحتاج إلى أي مزيد من التبيين.
*****
الطلاق بالشكل المتبع الآن لا علاقة له بالطلاق طبقا للقرءان، هذه هي المشكلة، أما القول بأن مجرد التلفظ على سبيل المزاح بلفظ الطلاق يوقعه فهذا من تهريج الدين الأعرابي الأموي، ولا علاقة له بالقرءان، ولقد قال الله عز وجلَّ إن النكاح ميثاق غليظ أخذته المرأة على زوجها، والميثاق الغليظ لا ينقضه مزاح.
والطلاق مرتان، تفصل بينهما عدة، يكون الرجل فيها بعلا لزوجته التي تقيم في بيته، له عليها حقّ أن يمنعها من كتمان ما في رحمها، وليس له أن يخرجها إلا إذا أتت بفاحشة مبينة، فإذا بلغت الأجل، فله أن يمسكها وله أن يسرحها بمعروف، ويجب إشهاد ذوي عدل على ذلك، ولاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، هذا الزوج لا يجوز القول بأنه محلل، ولكي يطلقها هو الآخر لابد من اتباع الطريقة المذكورة؛ أي لابد من تطليقة أولى تتبعها عدة تتبعها تطليقة نهائية.

أما من يشرع في الطلاق، فطلَّق التطليقة الجزئية الأولى ثم اختار بعد انقضاء العدة إمساك زوجته، وكرر ذلك ثلاث مرات فتعتبر المرة الثالثة طلقة بائنة طبقا لما قرره الرسول عليهم وألزمهم به. 
*****
قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [الحديد:25]
هذا هو المقصد المعلن بكل وضوح: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، ولكلمة قسط هي نفسها الكلمة الإنجليزية Justice لمن لا يفقه العربية، فالله تعالى يريد أن يقوم الناس بالقسط، وليس بالظلم والجور، والقيام بالقسط لا يعني أن تُظلم المرأة ولا أن تنتهك حقوقها ولا أن تصبح حالتها أسوأ مما كانت عليه أيام المصريين القدماء منذ آلاف الأعوام، الإسلام في واد، ودين الهمج الأعراب في وادٍ آخر! وها أنتم ترون دين الأعراب في صورته النقية مجسدة في داعش. 
*******

هناك 4 تعليقات:

  1. إنت معلم أقسم بالله ... هو ده تجديد الخطاب الدينى بالفهم المتزن و المعقول لايات القران الكريم ... بعيدا عن أى عادات و تقاليد لأى شعب أيا كان ... الدين الحق ... الإسلام ... لجميع خلق الله

    ردحذف
  2. سيد الفاضل
    ما تفسير قوله تعالى
    وللرجال عليهن درجة
    في اي مجال تلكم الدرجة و ما هي

    ردحذف