الأربعاء، 15 مارس 2017

سورة التحريم 1

سورة التحريم 1

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التحريم1
إن لدى البشر نزعة لتوثين أئمتهم وعظمائهم أو من ارتبط بهم بسبب ما، لذلك فرغم أنه من المعلوم أن كثيرا من زوجات العظماء كنَّ وبالاً عليهم وابتلاءً لهم فإنهم يرفضون نفس الأمر بالنسبة للأنبياء رغم أن الكتاب العزيز قد بين كيف ابتُلى كل من نوح ولوط عليهما السلام بزوجتيهما، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم10.
فمن أشد أنواع الابتلاء أن يبتلى الإنسان بمن هم أقرب إليه من البشر الآخرين، ولقد ابتلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض زوجاته بسبب عصبيتهن وبسبب غيرتهن الشديدة مما حمله على أن يحرم على نفسه شيئًا مما أحلَّ الله تعالى له فعاتبه ربه بسبب ذلك وأنزل فيه قرءانا يتلى، وذلك يبين أيضا أنه كان يمارس حياته أيضًا كبشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ولم يكن يوحي إليه في كل موقف ما يلزم قوله أو فعله، وإلا فهل يظن عباد الآثار أن الله سبحانه من الممكن أن يوحي إليه أمرًا سرا ثم يعاتبه عليه جهرا.
ولأن نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هن اللائي دفعنه لذلك فقد اقتضى الأمر تحذيرهن تحذيرًا شديدا وذكْر ما حدث لامرأتي نوح ولوط عليهما السلام وإن كانت الآيات قد أفسحت لهن المجال للتوبة، ولقد كان هذا الابتلاء من لوازم بيان عظمة خلق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيان مدى كماله الذي هو أعلى كمال تحقق به مخلوق، ولقد خلد الله تعالى ذكرى ما حدث في قرءان يُتلى لبيان أن ارتباط الناس بالعباد المصطفين بسببٍ ما لا يعطيهم عصمة من الذنوب ولا يجعلهم فوق المساءلة ولا يعفيهم من التقريع اللازم والعقاب، ولولا أن ما حدث قد ذكره الكتاب الذي تكفل الله سبحانه بحفظه لأنكره رجال اللادين والكهنوت وعبيد السلف ولوأدوه في مهده، ولقد نص الكتاب أيضا أن من الأزواج والأبناء أعداء للإنسان وأن عليه الحذر منهم.
***
إن الله سبحانه عندما جعل من زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أمهات للمؤمنين جعل بذلك لهن على المسلمين حقوق الأم والمعاملات اللائقة بها والأحكام الخاصة بها، ولكن من المعلوم أن الأم ليست بمعصومة من الخطأ وليست فوق الأحكام الشرعية بل هي ملزَمة بها، لذلك شدد الله تعالي عليهن الأمر والنهى وضاعف عليهن العقاب كما ضاعف لهن الثواب، كذلك فرض عليهن أحكاما خاصة مثل ألا يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب (ستارة: Curtain ) ومثل أن يقرن في بيوتهن، ولقد كان ذلك واجبا عليهن لمكانة زوجهن ولكي يتمكنَّ من استيعاب ما يتلى في بيوتهن من آيات الله تعالى والحكمة فيكن مراجع للمسلمين فيها، ولكيلا تستغل مكانتها من بعد القبيلة التي تنتمي إليها ولكيلا يقحمهن الناس من بعد في منازعاتهم، وبالطبع فلقد التزمن بذلك وذكرن ما كان يتلى، ولكن جلَّ ما روينه قد اندثر ولم يكد يبق منه إلا ما نُسب إلى السيدة عائشة لاتساقه مع الخط القرشي الأموي، وربما يكون أكثر ما نُسب إليها موضوع، ذلك لأنه يشكك في كثير من مقدسات الدين.
إن الإسلام يعول بصفة أساسية على الأمور الحقانية ويغلبها على الأمور الشخصية والذاتية، فلا عبرة فيه للقرابة الجسدية فيما يختص بالمراتب الدينية والمكانة الجوهرية، وإنما العبرة فيه للقرابة المعنوية الروحانية، فالأقربون إلي الله تعالي هم الأولي بالمعروف، والأقربون إليه هم المتحققون بقدر أكبر من الكمالات من لدنه، وهم أهل القرءان، وحزب الله هم من كان ولاؤهم المطلق له.
فالتحريم المذكور هاهنا لا شأن له بالتشريع، وإنما هو أمرٌ خاص بواقعة خاصة، فمن الممكن أن يحرِّم إنسان على نفسه أكل اللحم لهدفٍ ما، ويمكن أن يقطع على نفسه يمينًا بأن يلتزم بذلك، وهو لم يطالب أحدًا بأن يلتزم مثله بذلك ولا أن يتأسى به في ذلك، لذلك لا تناقض بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157].
فالتحريم الذي عوتب بسببه في آية التحريم 1 شيء والتحريم المنسوب إليه في آية الأعراف 157 شيء آخر، والرسول لكونه رسولا يحمل رسالة من رب الناس للناس لا يحرم على الناس إلا ما حرمه الله تعالى ولا يحلّ لهم إلا ما أحله الله تعالى، وقد رووا أنه قال:
" مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا سورة مريم آية 64 "


*******

هناك تعليق واحد: