السبت، 18 مارس 2017

سورة التوبة 123

سورة التوبة 123
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة
الأمة المؤمنة في حال وجودها مأمورة بقتال من هم أقرب إليها من الكفار الظالمين المعتدين، فلا يجوز الانشغال بالأبعد عن الأقرب، ولكن كل ذلك في إطار القتال المشروع، فالأمة مأمورة بقتال الأقرب من الكفار في حالة الحرب وتوفر شروط القتال الشرعية، وليست مأمورة بأن تقاتل الكفار الأقرب فالأقرب في حالة السلم، فالعدوان محرَّم تحريما باتا، وأمر القتال محكوم بكافة الآيات التي تحدثت عنه، ومنها:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190]، { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}[النساء:75].
والقتال يجب أن يكون حقًّا في سبيل الله وليس طلبًا لعرض دنيوي أو للانتصار لطاغوت:
{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]
فالقتال المشروع هو القتال في سبيل الله، فهو لا يكون طلبا لعرض دنيوي، والقتال هو من الأركان الفرعية للجهاد في سبيل الله والذي هو ركن من أركان الدين، فقد يقتضي الجهادُ القتالَ إذا ما توفرت شروطه الشرعية، وعلي كل من أراد أن يعرف حكم القرءان في أمر القتال أن يتبع منهج دين الحق، فعليه أن يستخلص كل الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح ومشتقاته وأن يسلِّم بأن لكل آية الحجية الكاملة وأنه ليس ثمة اختلاف في القرءان وأنه ليس من حقه أن يضرب آية بآية ولا أن ينسخ آيةً بآية، وعليه أن يعلم أن آيات القرءان يبين بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا ويفصل بعضها بعضا، وأنها بمثابة المصابيح الموصلة على التوالي، فلا يمكن لأحد قطع أي مصباح منها، وإلا لغاب عنه الضوء اللازم ليعرف القول القرءاني الصحيح، أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ، فهؤلاء هم الذين عملوا على أن يستبدلوا بدين الحق دينًا تلموديا عدوانيا همجيا وأيديولوجية للتوسع الاستيطاني.
وعلى المسلم أن يعلم أن للآيات التي هي مقتضى سمة إلهية أو شأن إلهي التقدم على غيرها، فإذا أعلن الله تعالى أنه لا يحب المعتدين فتلك سمة إلهية لا تتغير ولا تتبدل، ولها الحكم البات في هذه المسألة، ولذلك لا يمكن لأحد أن يتقرب إلى رب العالمين باقتراف العدوان بعد أن أعلن الله تعالى أنه لا يحبه، ومن يفعل ذلك يكون مستخفا بالنهي الإلهي جاحدا للآية القرءانية وربما كافرا بالسمة الإلهية. 
ومن يتبع منهج دين الحق سيعلم أن حالة السلم هي الحالة المثلي المطلوبة والمقصودة وأن القتال هو الأمر الاستثنائي المكروه والمقيد بشروطه المذكورة في الآيات وأن العدوان محرم تحريما مطلقا.
وعلي الضالين المضلين أن يعلموا أن لله سبحانه الكمال المطلق وأنه كما قال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وليس ليفترس بعضهم بعضا ولا ليستعبد بعضهم بعضا، وأنه لن يأمر المؤمنين بالتربص بالآخرين وأنه قرر بكل وضوح وبأجلي بيان أنه لا إكراه علي الإيمان ولا إكراه في الدين وأنه لَوْ شَاء لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، وهو لن يعمل علي الإيقاع بين المؤمنين وبين الناس كافة، وإذا كانت تلك العقيدة العدوانية معلومة للكافة فما الذي سيضطر باقي الناس إلي الصبر علي فئة تتربص بهم شرا وتتحيَّن الفرصة للاعتداء عليهم، وإذا ما اضطر المحسوبون على الإسلام إلي الجنوح للسلم لضعفهم فلماذا لا تبادر الأمم الأخرى بقهرهم بل وبإبادتهم في حالة ضعفهم حتى يأمنوا تماما خطرهم؟

ومن القتال المشروع مواجهة العدوان، الدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكف بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم؛ أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتدٍ بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضًا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريمًا باتًّا، وعليهم الالتزام بكل آداب القتال والأوامر الشرعية المنظمة له، ويجب العلم بأن كل صور الإفساد في الأرض محرمة تحريما باتًّا؛ إذ هي من كبائر الإثم، فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو الدواب أو النباتات، فلا قتال إلا عندما تتوفر شروطه الشرعية.

والاعتداء على الآخرين هو من كبائر الإثم، وهو محرم تحريمًا باتًّا إلا رداً لاعتداء أو لكف بأس الذين كفروا ويهددون الأمة ويحاولون فتنتها في دينها أو للتصدي للظلمة أو لأهل البغي ولو كانوا محسوبين على المسلمين وما إلى ذلك من المبررات الشرعية، وردّ الاعتداء يكون بمثله، فلا يجوز الإسراف في رده.


*******

هناك تعليق واحد: