الجمعة، 24 مارس 2017

الرسول لم يطلب أجرًا من الناس

الرسول لم يطلب أجرًا من الناس
الشورى 23
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
إن أجر الرسول يكون على من أرسله، فإن الكريم لا يرسل رسولا ثم يكله إلى الناس أو يأمره بأخذ الأجر منهم، فمن تعريف المرسَل ولوازمه ألا يسأل من أرسل إليهم أجرا، قال تعالي:
{اتَّبِعُوا المُرْسَلينَ(20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)} (يس)، وذلك ما نصت عليه آيات كثيرة خاصة بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبمن أرسل من قبله من الرسل؛ قال تعالي: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ(51)( هود : 51)، ، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(46)} (القلم : 46)، {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)} (القلم : 3 )، {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ(72)} (يونس :72)، {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ(29)} ( هود : 29)، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180)، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(47)} (سبأ : 47) 
وفى آية الشورى أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن يبين لهم أنه لا يسألهم أجرا، ولكن يجب على قومه أن يودوه لأجل قرابته منهم، وهذا ليس بأجر ولكنه ما تمليه عليهم أعرافهم؛ فما كان لهم طبقا لها أن يقطعوا أرحامهم هكذا، أما من زعم أنه طلب منهم أجرا فلقد كذب بالآيات المذكورة أو ادعى أن ثمة اختلافا في القرءان وكلا الأمرين ممنوعان، والأخطر من ذلك أنه تطاول علي ربه وشكك في أوصافه العليا وكرمه.
لقد جاءت النصوص قاطعة بأن أجر المرسل إنما يكون على ربه الذي أرسله وأن من تعريفه اللازم أنه لا يسأل الناس أجرا على رسالته، لذلك فالاستثناء في تلك الآية منقطع والحرف (في) الذي يسبق (القربى) هو كالحرف (في) في الحديث: (عذبت امرأة في هرة) أي بسبب هرة.
لقد أمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم إنه لا يسألهم أجرًا كما أمر الرسل من قبله، قال تعالي: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ(86)إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)} (ص)، وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57)} (الفرقان)، وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90)} ( الأنعام ، 90 )
فكيف يتصورون أنه من الممكن أن يأمره بالشيء ونقيضه؟ أم يريدون القول بأنه سبحانه بدا له فغيَّر رأيه؟ ألم يعلن لهم أنه لا يبدل القول لديه؟
ولا وجود في القرءان لأي اختلاف، ولا مجال للقول بأن كل هذه الآيات منسوخة، فلا وجود أصلا لآيات قرءانية منسوخة.
إن الآية تأمر الرسول بأن يسأل قومه أن يوَدُّوه في قرابته منهم، أي بسبب هذه القرابة، وأن يَصِلوا الرحم التي بينه وبينهم طبقاً لأعرافهم ومنظومة القيم الحاكمة عليهم، وهذا كان حقاً لكل من انتمى إلى القبيلة.
إن كثيرا من المسلمين قد ظلموا رسولهم الكريم ولم يعرفوا له قدره، فأهل السنة جاروا على حقه لحساب من أسموهم صحابته وزعموا تلك الصحبة للطلقاء والأعراب والمنافقين فأوقعوا الناس في حيص بيص وأعطوا بذلك الفرصة للشياطين ليلقوا في الدين ما يشاءون وكادوا يقضون على الدين لحساب أساطير الأولين، لقد نسب هؤلاء الصحبة إلى من لم يحظ بشرفها ولم يزعمها لنفسه ولم يطمع أبدا فيها.
أما الشيعة فلقد زعموا أنه طلب من الناس أجرًا على رسالته هي مودة أهل بيته في حين أن كل إخوانه من الرسل لم يطلبوا شيئا كهذا من الناس وإنما اتجهوا بدعائهم إلى ربهم، لقد ظلم الشيعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه لحساب أهل بيته وذريتهم، وكأنهم زعموا بذلك أنه أتى ليؤسس سلطانا لذوى قرباه، أما كثير من المتصوفة فلم يتبعوا الرسول الحقيقي الذي أرسله ربه بالقرءان الكريم رحمة للعالمين وعاش مجاهدًا في سبيله وإنما أحبوا صورة جسَّدها لهم خيالهم، والمطلوب من المسلم أن يحب الرسول الحقيقي.
والآية تقول: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}
فهي تتضمن سنة إلهية تقتضي سنة كونية، وتبين أن هذه السنة من مقتضيات الاسم الإلهي الغَفُور الشَكُور، فهذا هو الاسم الذي يتعامل مع الأفعال البشرية الحسنة وهو يشير إلى سمة تفصيلها المغفرة والشكر، فالمغفرة تغطي جوانب القصور في الفعل البشري والشكر يقتضي زيادة ومضاعفة الآثار الطيبة للفعل الحسن.
إن حب عترة الرسول لا يقتضي أن تجعله يسأل الناس أجرًا على رسالته، الحب شعورٌ قلبي طبيعي، هل يليق بك إذا أحسنت إلى أحد الناس أن تلزمه بحب أقاربك؟ وإذا أرسلت أحد الناس في مهمة معينة، هل ستقول له خذ أجرك ممن أرسلتك إليهم؟ ما لكم كيف تحكمون؟!


*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق