النصرانية والمسيحية
النصرانية هي أول انحراف
عن رسالة السيد المسيح عليه السلام، وهي تقرر أن المسيح هو ابن الإله، ولكنها تأخذ الشريعة من
التوراة، فهي ملتزمة بقول السيد المسيح الوارد في الإصحاح الخامس من إنجيل متى:
17«لاَ
تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ
لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى
أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ
وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ
إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى
أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا
يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20فَإِنِّي أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ
وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.
أما المسيحية فهي
الديانة التي بدأ تأسيسها بولس بتحريف النصرانية المحرفة أصلا، ولذلك من الأولى أن
تُسمَّى بالبولسية، وهي استمرار في الغلو في أمر المسيح والزعم بأنه الفادي
والمخلص والقول بالخطيئة الأصلية.
وأهم ما كان يؤمن به ويدعو إليه
بولس:
1.
الإيمان بألوهية
إله واحد هو الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وكل شيء لَهُ.
2.
الإيمان برَبٍّ
وَاحِدٌ هو المسيح: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَكل
شيءٍ بِهِ.
3.
شهادة أن المسيح
يسوع رسول الله الآب في نفس الوقت!
4.
الإيمان بموت
وقيامة يسوع.
5.
الإيمان بعقيدة
الخطيئة الأصلية.
6.
الإيمان بأن
المسيح هو القربان والمخلص والفادي.
7.
لا جدوى من
الأعمال والعمل بالوصايا، الإيمان بأن المسيح هو المخلص كافٍ للنجاة.
8.
الإيمان بأن
المسيح لم يُبعث فقط إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ بل للبشرية
جمعاء
ففي دين بولس يتحقق الخلاص لمن
آمن بأن المسيح هو المخلص والفادي من البشر أجمعين، وهذا ما حدث من بعد بعض الانحراف
عنه، حتى أحياه وتشبث به من بعد المذاهب البروتستانتية، فدين بولس عالمي وليس خاصًا
ببني إسرائيل، وبولس يعتقد أن آدم عليه السلام هو سبب دخول الخطيئة إلى العالم،
ومن أجل أن يعود البِرّ مرة أخرى إلى العالم جاء المسيح وافتدى الناس ليخلصهم من
الخطيئة الأصلية، فالمسيح - في عقيدة بولس - مات لأجل البشر ليصبحوا أبراراً مرة
أخرى!
فالإيمان المطلوب بيسوع المسيح هو
أنه مات من أجل الناس كـ "كفّارة" ليجعلهم أبرارا مرة أخرى! هذه هي
العقيدة التي أحدثها بولس، وألزم الناس بالإيمان بها دون وجود أي نصّ في الأناجيل
المعتمدة عليها، ودون وجود أدنى إشارة إليها ودون أن يكون لذلك أدنى علاقة بالديانة
الإبراهيمية.
ويضرب بولس عرض الجدار بالوصايا
الواردة في التوراة وفي الأناجيل المعتمدة!!! فهو يقرر بكل حسم أن الفوز بالحياة
الأبدية ليس له أي علاقة بالعمل بالوصايا ولا يقيم وزنا لإجابات المسيح على
السُّؤال الذي تكرر أكثر من مرة: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديَّة؟ ولا يحاول حتى
تأويلها لتتفق مع مذهبه!!!!!!
وطبقا للأناجيل المعتمدة كان
المسيح يأمر دائما بالعمل حسب الوصايا وناموس موسى، أما بولس فإنه بدَّل دين
المسيح وقال إن الإيمان بأن المسيح هو المخلص كافٍ للنجاة بدون العمل بالشريعة،
وهذا ما سيتمسك به البروتستانت من بعد.
ومن الواضح أن السَّبب الرئيسي
لانحراف بولس عن دين المسيح أنه كان يُبشِّر ويدعو النّاس لتعاليمه الخاصة، لم يكن
ينشر تعاليم المسيح عليه السلام نفسه، فهو لا يقتبس أقوالاً للمسيح عليه السلام
إلا نادراً، ولا يكاد يذكر التوراة، بل هو فقط يشرح أفكاره ومُعتقداته الخاصَّة
ويحاول البرهنة عليها بحجج متهافتة.
أما الأناجيل فتؤكد مرة أخرى على
التمسك بالناموس وبوصايا المسيح:
جاء في متى، الإصحاح الْخَامِس
17«لاَ تَظُنُّوا
أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ
بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ
تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ
وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ
إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى
أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا
يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ:
إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ
تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.
وفي إجابته عما يجب عمله للفوز
بالحياة الأبدية قال كما جاء في الإصحاح 10 للوقا:
25وَإِذَا
نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ
الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26فَقَالَ لَهُ:«مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي
النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27فَأَجَابَ وَقَالَ: «تُحِبُّ
الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ
قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28فَقَالَ
لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا».
فبولس لا يبالي يما قرره المسيح
في الأناجيل ولا بالشروط التي بينها للناس ليفوزوا بالحياة الأبدية! فقد ترك كلام
المسيح عليه السلام وراءه ظهريا واختلق هو كلاماً جديداً، لذلك انحرف عن الطريق الصحيح
وبدَّل دين المسيح!
ومع كل ذلك فبولس لم يؤمن
بالتثليث ولا بالتَّجسُّد.
جاء في رسالته الأولى إلى أهل
كورينثوس، إصحاح 8: (4 فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ نَعْلَمُ
أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ وَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً. 5
لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً سِوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ
عَلَى الأَرْضِ كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ. 6
لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ
لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ
وَنَحْنُ بِهِ.)
فهو يؤمن بَأَنْ لَيْسَ إِلَهٌ
آخَرُ إِلاَّ وَاحِدا، ثم يقوم بتوضيح من هو ذلك الواحد: "الآبُ الَّذِي
مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَه"، ولكنه يعود فيقول: وَرَبٌّ
وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ!!
وهناك من النقاد من يلتمس العذر
لبولس ويقول إن المترجمين العقائديين من بعد هم الذين أساءوا فقه كلامه، والسبب هو
أن الكلمة اليونانية في العهد الجديد Κύριος يمكن أن تُترجم إلى رب أو سيد؛ فهم كانوا يترجمونها
إلى "ربّ" إذا كان السياق يتضمن ذكرا للمسيح أو إشارة إليه أو ما فيه
إعلاء للقدر، ويترجمونها إلى "سيد" إذا كان السياق يتضمن كلاما عاديا!
وبذلك قال بولس إن الخلاص ودخول
الحياة الأبدية ليست بالأعمال وإنما بالإيمان، وهذا الإيمان هو بأن المسيح عليه السلام
مات لأجل الناس وافتداهم بنفسه، وكانت تلك هي البذرة التي أنتجت المسيحية بصورتها
الغريبة عن الخط الديني الإبراهيمي، فلا وجود لشيء كهذا في هذا الدين، ولقد ندد
منع هذا الدين تقديم أية قرابين بشرية، فلم يكن من الممكن أن يأمر الرب الناس بما
نهاهم عنه أو أن يفعل هو ما نهاهم عنه، ولا يمكن للثالوث أن يقدم أحد أعضائه فداءً
للناس ولئلا يعاقبهم هو نفسه.
وقد أخذ
بولس الكثير من ديانة ميثرا، وصوَّر المسيح على أنه القربان اللازم للتكفير عن
الخطايا، وجعل من المسيح في ديانته حملا، وإن كان لم يعرف شيئا عن الثالوث (The Trinity) وتعقيداته.
وديانة ميترا
هي ديانة فارسية الأصل، وقد وجدت في بلاد الفرس قبل ميلاد السيد المسيـــــح بعدة
قرون، وقد وصلت إلى روما حوالي عام 70 ق.م، ثم انتشرت في بلاد الرومان ثم شمال إيطاليا
ثم وصلت إلى بريطانيـــــــا حيث اكتشفت أثارها في مدينة يورك ومدينة شستر وغيرها من
المدن.
ومما يقوله
أصحاب ديانة ميترا:
1.
أنه كل عام يقام عشاء مقدس.
2.
ميترا كان رمزا للطهارة.
3.
ميترا كان يُدعى مخلصاً من الخطيئة.
4.
ميترا كان الذبيح الفادي.
5.
ميترا كان شفيع المذنبين والخاطئين.
6.
ميترا وسيط بين الإله والبشر.
7.
ميترا شمس الحياة.
8.
ولد ميترا في كهف.
9.
ولد ميترا في 25ديسمبر.
10. دفن ميترا ولكنه قام من قبره.
11. مات ميترا ليخلص البشر من خطاياهم.
12. صعد ميترا إلى السماء أمام تلاميذه وهم يبتهلون له.
13. كان حواريو ميترا 12 حواريا.
14. من أوصاف ميترا أنه كان كالحمل والوديع.
15. كان اتباع ميترا يعمدون باسمه.
ومن الجدير
بالذكر أيضًا أن محاكمة المسيح منقولة أيضا عن محاكمة الإله السوري بعل، وها هي
أهم نقاط محاكمة بعل:
1- أُخـذ بعـل أسيرا.
2- حـوكم علنا في قاعة المحكمة.
3- جُرح بعل بعد المحكمة وضرب.
4- اعتبر بعل مذنبا وحكم عليه بالإعدام.
5- جرت العادة أن يعفى كل عام عن شخص حكم عليه بالموت، وقد طلب
الشعب إعدام بعل والعفو عن المذنب الآخر وأخذ مع بعل مجرمان آخران.
6- بعد تنفيذ الحكم على بعل عم الظلام ونطلق الرعد واضطرب الناس.
7- أخذت ملابس بعل.
8- حُرس بعل في قبره حتى لا يسرق أتباعه جثمانه.
9- جاءت إلاهات وجلسن حول مقبرة بعل يبكينه.
10- قام بعل من الموت وعاد إلى الحياة مع مطلع الربيع وصعد إلى
السماء.
ولكن المسيحية بقرارات
المجامع المسكونية Ecumenical councils تجاوزت بولس
بكثير، وعقيدتها الأساسية هي الإيمان بما يسمونه بالثالوث والعلاقات بين أقانيم أو
شخصيات هذا الثالوث وطبيعة المسيح، وما ترتب على ذلك من ضلالات، وهم لا يأخذون بالناموس
الماثل في كتاب موسى وأسفار الأنبياء.
ولذلك
فالمسيحية هي النصرانية بعد التمادي في الغلو في المسيح، وبالتالي فأي انتقاد
للنصرانية فالمسيحية به أولى، فالمسيحي هو نصراني بالضرورة لقوله بعقيدتهم بأن
المسيح هو ابن الله، وهو أشد ضلالا منه باعتناقه لعقيدة الثالوث ورفضه العمل
بالشريعة الماثلة في كتاب موسى عليه السلام.
المسيحية في عهد آباء ما قبل مجمع نقية 325 م
هذه هي
المرحلة الزمنية التي نَمَت فيها عقائد المسيحية، فبدأت بعبادة المسيح
"الإنسان"، وانتهت بعصر المجامع التي ساوَت بين الله تعالى وبين المسيح!
إن من
يقرأ الأناجيل بحياد يجد أن من يسمونه بالآب هو الإله الحقيقي الوحيد وأنه إله العهد
القديم وإله المسيح، وأنه هو الذي أرسل المسيح وأعطاه الحق في أن يتكلم باسمه وأنه
هو الصالح، وهذا ما نفاه المسيح عن نفسه في نصوص بينة، هذه العقائد موجودة في
الأناجيل الأربعة، وموجودة أيضًا في رسائل بولس فهذه فكرة ثابتة راسخة في كتابات
القرن الأول، خصوصاً الأناجيل الأربعة، وحتى بعد تحريفات المجامع لم يستطيعوا
إنكار أن "الآب" هو السبب الأول والمصدر الأول، بالإضافة إلى ذلك فإن العهد
الجديد يُوضِّح صراحة أن الله الآب هو إله المسيح!
جاء في الإصحاح
20، يوحنا، 17 {قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ
بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي
أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ».}
وفي الإصحاح
3 سفر الرؤيا، 12 {مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلَهِي،
وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي،
وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ
السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ.}
وحتى في
رسائل بولس؛ في أفسس 1 / 17 {كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ
الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ}
إذاً، لا
يوجد أدنى شك من خلال كتابات القرن الأول الميلادي أن الآب هو الإله الحقيقي
الوحيد، وأنه على وجه الخصوص إله المسيح، وهُناك أيضاً نصوص تقول صراحة بأن المسيح
هو عبدٌ للإله خالق السماوات والأرض.
ومن
تحريفهم استعمال كلمة لا دلالة لها هي "فتى" بدلا من الكلمة الأصلية
"عبد" في بعض النصوص:
أعمال
الرُّسُل 3 / 13 13إِنَّ إِلهَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ،
الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ.
. 26إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، إِذْ أَقَامَ
اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ، أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ
عَنْ شُرُورِهِ».
27لأَنَّهُ
بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ، الَّذِي مَسَحْتَهُ،
هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، 28لِيَفْعَلُوا
كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ. 29وَالآنَ
يَارَبُّ، انْظُرْ إِلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ، وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ
يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، 30بِمَدِّ يَدِكَ
لِلشِّفَاءِ، وَلْتُجْرَ آيَاتٌ وَعَجَائِبُ بِاسْمِ فَتَاكَ الْقُدُّوسِ
يَسُوعَ».
والترجمة
الصحيحة هي ترجمة الآباء اليسوعيين التي تستعمل "عبد" بدلا من
"فتى".
فالكلمة
اليونانية παῖς والتي تم ترجمتها بحسب الآباء اليسوعيين إلى: "عبد" قيل
عنها في قاموس سترونج.
Strong’s
Hebrew and Greek Dictionaries أنها كلمة
تعني على وجه الخصوص عبد أو خادم، specifically a slave or servant
ولكنهم
كانوا مازالوا يؤمنون بأن الآب هو أعظم من الكل بما فيهم المسيح، جاء في كتابهم:
يوحنا 10
/ 29 {أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ}
يوحنا 14
/ 28 {لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي
إِلَى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي}
يوحنا 5
/ 30 {أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ
أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ
الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي}
لوقا 22
/ 39 - 44 {39 وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ
وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. 40 وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ
لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41 وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ
نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42 قَائِلاً: «يَا
أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ
لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43 وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ
يُقَوِّيهِ. 44 وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ
وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.}
فالنص
واضح في أن "الآب" هو الذي يتحكم في المسيح ويحدد مصيره وأن إرادته هي
القاهرة على إرادته!
وقد
ترسخت عقيدة أنه لابد من الإيمان بالمسيح كمخلص لدخول الحياة الأبدية، والأناجيل
تؤكد أن المسيح رسول من عند "الآب"، أما بولس فلم يُوضِّح تحديدا ما هو
الإيمان المطلوب بخصوص المسيح، إلا أنَّه ألزم الناس بالإيمان بأن الله تعالى أقام
المسيح من الأموات، وأن المسيح "الإنسان" هو الوسيط بين الله والناس، وأن
الإنسان لن يكون بارِّا أمام الله إلا بالمسيح الذي بدمه نال الإنسان الـمُصالحة
مع الله تعالى، فالمسيح كان القربان اللازم لذلك!!
وأركان
المسيحية في عهد آباء ما قبل نقية 325م هي نفس أركان المسيحية في عهد بولس، ولكن
حدث بضع الإضافات البسيطة! وفي نهاية هذا العهد أصبح يُقال على المسيح أنه إله
ولكن مع مُراعاة أن الإله الآب أعظم منه! فأصبح هُناك إلهان أحدهما أقل من الآخر!
ويجب العلم
بأن عقيدة "الفادي" و"الـمُخلِّص" الذي يموت عن الإنسان كانت
مُنتشرة جدا في الأوساط الوثنية الـمُحيطة للمُجتمعات المسيحية، فعندهم لم تكن
توجد تلك الفواصل الحادة بين الألوهية والبشرية، وبالطبع هذه هي العقيدة التي نادى
بها بولس! فكانت تُستغلّ هذه النُّقطة لجذب الوثنيين للمسيحية!
ومع دخول
الوثنيين للمسيحية وانتشار عقائد بولس، زاد الغُلُوّ في المسيح فأصبح
"الإنسان" يُعبد مع الله تعالى، هذا مع الإقرار بأن الإله الأب أعظم من
هذا "الإنسان" وأرفع منه شأناً، ثم زاد الغُلُوّ إلى أن أُطلِقَ على
المسيح وصف الإله وأصبح يُعبد معه جنباً إلى جنب! وكلما اشتدت
سطوة الوثنيين كلما علت مكانة الإله الثانوي لكونه أقرب إلى الناس!
*******
المسيحية في عصر المجامع (مجمع نقية 325 وما بعده)
بدأت المجامع العالمية أو
المسكونية (Ecumenical
“worldwide” Councils) بمجمع نيقية سنة 325 بأمر الإمبراطور الروماني ثم تتابعت لتنزل بالبشرية عقب كل مجمع
كوارث لا عهد لها بها.
في هذه المرحلة اكتمل الضلال، وتم
وضع أسس المسيحية بصورتها الحالية، تم اختلاق الـمُصطلحات اللّاهوتيَّة ووَضْع
قوانين الإيمان! أصبح للمسيح مرتبة مُساوية تماما للإله الخالق الذي نزل إلى مستوى
شخص من ثلاثة أقانيم أو أشخاص! وتم وضع أسس الشقاق، فالقوم ألقوا بأنفسهم في بحر
ظلمات وأخذوا فيها يعمهون، وكانوا دائما يأخذون جانب أشد الآراء ضلالا من بين ما
هو معروض أمامهم، وينعتون من خالفهم بالهرطقة ويحرمونه، أما شغلهم الشاغل فقد أصبح
هو طبيعة وضع كل شخص في الثالوث المزعوم وطبيعة العلاقات فيما بينهم.
فالعقيدة
الأساسية The core tenet في المسيحية
هي الإيمان بالثالوث الإلهي The divine
trinity، هذا هو
الإله عندهم، والثالوث في اللاهوت المسيحي يعني أن
الإله الواحد ثلاثة أقانيم (Hypostases) أو ثلاث شخصيات(Persons) متساوية في الجوهر، فالإله
عندهم ثلاث شخصيات متساوية في الجوهر (Three
consubstantial persons)، ولكنها متميزة (The three persons are distinct) ، ويعتقد المسيحيون أنه لا يمكن قبول أحد
الأقانيم منفردًا بل يجب التسليم بها جميعا، فكل واحد من الأقانيم إله كلي كامل،
فالأقانيم الثلاثة الإلهية: الأب
والابن والروح القدس، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وتوجد علاقات ثابتة بينها
فالأب هو الذي وَلد والإبن هو الذي وُلِد والروح القدس هو الذي ينطلق أو ينبثق (It is the Father who generates, the Son who is begotten, and
the Holy Spirit who proceeds) ، ولا يجوز الخلط بين هذه الشخصيات أو الأقانيم وبين الصفات الإلهية Divine attributes أبدا، بل إن
كل عضو من الثالوث يتصف بكل الصفات الإلهية، وكذلك كل فعل إلهي هو عملية واحدة
مشتركة بين الثلاث شخصيات الإلهية، وقد قالوا إن هذه هي
الطريقة التي عبّر فيها الإله عن طبيعته التي لا يمكن تسميتها ولا التحدث عنها،
ويتكيف مفهوم الإنسان عنها وفقًا لمحدودية قدراته، ويقولون إن كل الأشياء من الأب
من خلال الابن وفي الروح القدس؛ (All things
are "from the Father", "through the Son" and "in the
Holy Spirit".
هذا بالإضافة إلى الإيمان بأن
المسيح فادي ومخلص، والعقائد الخاصة بشأنه وطبيعته، والتي تختلف من مذهبٍ إلى آخر.
وفي مدينة الإسكندرية طوال عصر
البطالمة والصدر الأول من العصر الروماني كان شغل الناس الشاغل اكتشاف القوانين
الرياضية والطبيعية وتحقيق التقدم الفكري على كافة الأصعدة وبناء حضارة
كوزموبوليتانية، ولكن بعد انتشار المسيحية وجعلها الديانة الرسمية تم القضاء على
هذه الحضارة وكتبها وآثارها وأصبح شغل الناس الشاغل هو البحث في طبيعة مكونات
الثالوث الإلهي المزعوم والعلاقات الممكنة بين مكوناته.
فهي مرحلة الاختلافات العقائدية
التي هددت كيان الإمبراطورية واستدعت تدخُّل الإمبراطور الرُّوماني لحلّ
النِّزاعات والدعوة إلى انعقاد المجامِع المسكونيَّة.
*******
والمسيح
وأتباعه الأوائل - طبقاً للعهد الجديد- لم يبتدعوا اسمًا يميزون به أنفسهم عن سائر
اليهود، فالمسيح لما طلب من المرأة السامرية أن تعطيه يشرب استنكرت عليه ذلك وقالت
كما جاء في الإصحاح الرابع ليوحنا:
9فَقَالَتْ
لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ
يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ
السَّامِرِيِّينَ. 10أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «لَوْ كُنْتِ
تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي
لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا».
ومع ذلك
لم يبد أي اعتراض على نعتها إياه بيهودي بل استطردا في حديثهما إلى أن قال لها:
21قَالَ
لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي
هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. 22أَنْتُمْ
تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ.
لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ».
وعلى هذا
فهو يرى نفسه كواحدٍ من اليهود، بل يرى الخلاص آتيًا منهم، وليس من غيرهم!
وكذلك
فإن شاول الطرسوسي المعروف ببولس لم يجد حرجا في أن يعتبر نفسه يهوديًا بالرغم من
تنصره واتباعه للمسيح، وليس أدل على ذلك من أن التلاميذ استمروا في استخدام مصطلح "يهود".
ومن
المعلوم أنه طبقا لتعريف اليهودي فلم تكن هناك مشكلة في قبول الملحدين والمجدفين
ومن لا يؤمنون باليوم الآخر وقتلة الأنبياء كيهود، فلم تكن هناك مشكلة عندهم في
قتلهم الأنبياء وتدوين أسفارهم التي تندد بهم وتلعنهم مع ذلك في كتابهم المقدس!
وقد ظهر
استخدام كلمة مسيحي لأول مرة بين سنتي 42 - 43 م، وأقدم نص مكتوب يذكر كلمة "مسيحي"
ورد بكتابات المؤرخ تاسيتس (ولد سنة 56 ميلادي)، وكلمة "مسيحي" في الأصل
أطلقت على أتباع يسوع الأوائل بهدف التوبيخ والتهكم والتحقير من شأنهم، ولكن شاع
استخدامها فيما بعد وأقرها المسيحيون فيما بينهم، ويبدو أن المسيحيين أنفسهم لم
يتقبلوا هذا الاسم بصدر رحب في البداية، ولكنه على توالي الأيام، التصق بهم وصاروا
يعرفون به، بل ويفخرون به، خاصة بعد أن أصبحت المسيحية ديانة أممية، ولم يتحقق
الانفصال التام عن اليهود إلا من بعد رسوخ الديانة التي اختلقها بوليس وتغلب
الأمميين.
والاسم "مسيحيّ"
أعطي للمرة الأولى لأتباع يسوع في انطاكية في منتصف القرن الأول الميلادي، ولم يأت
هذا الاسم من اليهود الذين رفضوا أن يروا في يسوع المشيّح بعد أن لم يحقق الشروط
المعلومة في هذا المشيح والمنصوص عليها عندهم، ولكن كان الأغيار هم الذين أطلقوا
هذا الاسم على أتباع يسوع بعد أن رأوا فيهم شيعة تختلف عن الجماعة اليهودية.
وترتبط باسم المسيح.
ولم يرد هذا
الاسم في الأناجيل وإنما وردت مرات قليلة في الأعمال والرسائل، ومن الواضح أنه ليس
باسم ديني قانوني، وإنما هو ما أطلقه الناس عليهم، وكانت له معانيه السلبية وغير
المشرفة عندهم بل كانت تُستعمل كشتيمة وللتنقيص وفقا لتعبير المؤرِّخ الروماني
السيناتور تاسيتس.
ومن كلمة
"مسيحي" جاءت كلمة "مسيحية" وهي مُعتقدات وأفكار وطريقة حياة
هؤلاء المسيحيين، وتاريخها يعني تطورها عبر الزمن، وهو لم يبدأ بالطبع بالمسيح
الحقيقي وإنما بالمسيح المزيف الذي ظهر في العصر الروماني.
فلم تنزل
من السماء ديانة بهذا الاسم أبدا، ومن سنة الله تعالى أن يطلق على الناس أسماء
تشير إلى صفاتهم أو أعمالهم التي اشتهروا بها وذاعت عنهم، وهو لا ينسبهم أبداً إلى
أشخاص.
فتاريخ
المسيحية والمسيحيين الذي انتهى إلى الصورة الحالية يبدأ بيسوع العصر الروماني،
وهو مستمر إلى الآن، فهم مازالوا يقومون بدراسة وتحرير النصوص على ضوء ما يتكشف من
مخطوطات أثرية، وتظهر مذاهب جيدة بقدر ما يجتهد بعضهم في فقه ما لديهم، فالأمر في
غاية السيولة، وهم يزعمون أن روح القدس معهم يسدد خطاهم ويهديهم سبيل الرشاد، وهم
يتناسون أن معهم أيضاً إبليس "يجربهم" ويستدرجهم إلى ما فيه هلاكهم.
أما مصادر المسيحية فهي الأناجيل
وما ألحقوه بها من أعمال (الرسل) والرسائل، والتي أطلقوا على مجموعها العهد الجديد
في مقابل أسفار اليهود والتي أطلقوا عليها العهد القديم.
*******
أديان ومذاهب
ردحذف