السبت، 9 أغسطس 2025

مقدمة كتابنا رقم 113، منظومة القيم الإسلامية، طبعة ثانية 2017

 مقدمة

 

يقدم هذا الكتاب منظومة كبرى من منظومات دين الحق وفقًا للمنهج القرءاني المنطقي العلمي، وهي منظومة القيم الإسلامية.

والكتاب يبيِّن أن المنظومة المعنوية الحاكمة هي منظومة الأفكار والمسلمات والتصورات والمفاهيم والمعاني والمبادئ والمثل والقيم السائدة في أمة من الأمم هي أخطر وأمضى سلاح لدى هذه الأمة، وهي أيضا أخطر سلاح يمكن أن ينقلب عليها ويرتد إلى صدرها، فبتلك المنظومة يمكن لأمة أن تسود الأمم كما يمكن أن تقضي على نفسها بنفسها.

ويبيِّن الكتاب أن منظومة القيم الإسلامية هي المنظومة المعنوية الخاصة بالإسلام، وهي تتضمن القيم المقدسَّة لدى المسلم والتي يجب أن يسعى إلى التحقق بها والعيش بمقتضاها، وأن هذه المنظومة هي جماع مقتضيات الأسماء الإلهية الحسنى في الكيان الإنساني، وهي في الوقت ذاته تمثل صفات الإنسان الرباني الفائق الصالح المفلح؛ أي بالإنجليزية The superhuman وفقًا لدين الحق، ولقد سبق في كتب عديدة للمؤلف بيان أن إعداد هذا الإنسان الفائق هو لبّ المقاصد الدينية.

ويبيِّن الكتاب أن من قوانين وأسس دين الحق أن الأسماء الإلهية الحسنى هي مصدر القيم العليا ومكارم الأخلاق الإسلامية، فالمصدر الأوحد لكل حسن (كمال) هو الله تعالى وحده، ولذلك، مثلا، فالنصّ على أن الله تعالى غفور رحيم يعني أن الرحمة والمغفرة من قيم الإسلام العليا ومن مكارم الأخلاق التي يجب أن يتزكى المسلم بالتحلي بها والتطهر مما يناقضها.

إنه من الواجب على كل مسلم أن يعلم كافة عناصر منظومة القيم الإسلامية، حيث أنه مأمور بالتزكي، وهذا التزكي يتضمن التحلي بمكارم الأخلاق الإسلامية، والتطهر مما يناقضها.

والكتاب يقدم بنوعٍ من التفصيل أكثر عناصر هذه المنظومة، وهي العناصر التي يجب على الإنسان أن يتزكى بالتحلي بها والتطهر مما يناقضها، وهي لازمة للقيام بكل أركان دين الحق، وهي مكارم الأخلاق التي كان من مهام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إتمامها.

والكتاب بذلك يقدم ويظهر بطريقة فريدة البنيان الشامخ لهذا الدين ويظهر سموه الهائل فوق كل المذاهب التي حلَّت محله، كما يبين سموّ منظومة القيم الإسلامية وفعاليتها.

ويبيِّن الكتاب أنه يمكن تصنيف عناصر منظومة القيم الإسلامية كما يلي:

1.   قيم متعلقة بالعلاقة بين المسلم وربه.

2.   قيم متعلقة بالمسلم في ذاته.

3.   قيم ذات صلة بالمهام المنوطة بالإنسان بصفة عامة.

4.   قيم ذات صلة بالمهام المنوطة بالمسلم بصفة خاصة.

5.   قيم متعلقة بالعلاقة بين المسلم والمسلمين الآخرين.

6.   قيم متعلقة بالعلاقة بين المسلم وسائر الناس.

 

*******

 

 

الباب الأول

المنظومة المعنوية السائدة

 

المنظومة المعنوية

إن المنظومة المعنوية تتضمن مجموعة من المعاني والمبادئ والأسس والقيم والأخلاق والصفات والمفاهيم والتصورات والموازين والأعراف الخاصة بدين أو مذهب ديني أو مذهب اجتماعي أو أمة من الأمم أو أي كيان إنساني، كما تتضمن الارتباطات بين هذه العناصر والأوزان النسبية لكل منها.

والمنظومة المعنوية ليست بأمر جامد ثابت بل هي تتغير بمضي الزمن وتطور العصر والمصر، فهي تتسع بقدر اتساع معرفة الإنسان بآيات الله تعالى وقوانينه وسننه، وكذلك بالتطور الحضاري، وكذلك تتغير الأوزان النسبية لكل عنصر من عناصرها بتغير الزمن كما تتغير العلاقات والارتباطات بين تلك العناصر.

فالمنظومة المعنوية الخاصة بالإنسانية جمعاء ترقى وتتطور وتتسع برقي الإنسان وتقدم الحضارة، ومنظومات القيم التي أتت بها الأديان ساهمت على مدى التاريخ في الرقي بهذه المنظومة.

*******

إن المنظومة المعنوية تشمل القيم والصفات والأخلاق والمعاني والمعايير والموازين والمفاهيم والتصورات ونوعية ودرجات الارتباطات بين كل هذه العناصر ودرجة كل معني وتقديره وتقويمه، كما تشمل أنواع التفاعلات والتعاملات والسنن، فالمنظومة ليست بمجموعة منفرطة من العناصر ولكنها بناء عام محكم، تدخل فيه العناصر في ارتباطات.

والعبرة إنما هي بالمنظومة السائدة بالفعل على الأمة وليس بالمنظومة التي يدعي الناس الانتساب إليها، وتلك المنظومة ذات خطورة شديدة على كيان أي أمة، فهي يمكن أن ترتفع بأمة إلى ذرى التقدم رغم فقرها المادي، ويمكن أن تهوي بأمة إلى الحضيض مهما عظمت مواردها.

*******

إن أساس كل عملية إصلاح أو إحياء هو وجود منظومة معنوية سليمة تكون فعالة وإيجابية ومؤثرة وقادرة على الإلهام وشحذ العزائم وإحياء الهمم، ولا بد من اتساع نطاق تأثير تلك المنظومة ليشمل الناس في الأمة كافة، فتلك المنظومة هي أمضى سلاح لدى أمة ما وبها يمكن للأمة أن تسود الأمم أو أن تكون جيفة تتصارع عليها كلاب الأمم، وتلك المنظومة يتشربها الطفل كما يتشرب لغته وعاداته.

*******

إن المنظومة المعنوية هي البيئة التي تُربى فيها النفوس وتنمو وتأخذ منها ما يناظر الهواء والماء والغذاء أي كل ما يقيت النفوس، ومن هنا كان عظم خطرها فعليها يعتمد مستقبل الأمم، فإذا ما كانت تلك المنظومة فاسدة فإن أثرها على النفس يكون كأثر الهواء الفاسد الملوث على الجسم، أي ليس ثمة مهرب من تأثيرها المدمر، كما أن الاكتفاء بعلاج ما ينتج عن التلوث من أعراض وأمراض لا جدوى منه وإنما الأجدى القضاء على مصادر التلوث ومنابعه، فتلك المنظومة هي أخطر ما لدى الأمة خاصة أن الجانب الأعظم منها يتنفسه الإنسان ويتشرب به دون إرادة منه ثم يتبناها ويدافع عنها ويكون الناقل لها إلى الأجيال القادمة.

مثال: من الأمور التي كانت ذات مردود سيِّء على الأمة بل وكانت وبالا عليها التصور الجبري الذي يهمل الإرادة الإنسانية إهمالا تاما مما يعنى تكذيب آيات الكتاب ومحاولة الانتقاص من الكمال الإلهي.

فالأمة التي يؤمن كل فرد فيها أنه ليس إلا ريشة في مهب الريح ليس له من أمر نفسه شيء، تلك الأمة لا أمل فيها وستظل تنهار إلى الحضيض كما ينهار حجر ثقيل في هوة سحيقة.

إن استنبات مثل هذا المفهوم في مجتمع ما لا بد من أن يحوله في النهاية إلى قطيع من الأنعام والدواب التي لا هم لها إلا إشباع احتياجاتها الدنيا وانتظار من يركبها أو يذبحها ليأكلها.

أما الأمة التي يؤمن أكثر أفرادها أن لكل فرد منهم اعتباره ووزنه، وأن لديه الإرادة الحرة، وأنه مخير في أمره، وأنه يستطيع أن يتبوأ المكانة التي تليق بإمكاناته وعمله، وأنه قادر على التأثير في أمته، وأنه إذا قال قولا أو أبدى نصحا وجد من يستمع إليه، لا بد لها من الرقي مهما قلت مواردها المادية.

وبالطبع يستطيع بعض الناس التمرد على المنظومة المعنوية السائدة ورفض بعض أو أكثر عناصرها، وهذا إما أن يؤدي بهم إلى اعتزال مجتمعهم أو الهجرة منه أو الدخول معه في صراع غير متكافئ.

*******

إن المنظومة المعنوية الناجحة هي التي يمكن أن تتفاعل تفاعلا إيجابيًّا مع متطلبات التقدم والتطور، فالتقدم يستلزم سيادة قيم خاصة، ولا يمكن أن يتحقق هذا التقدم في بيئة تسود فيها قيم مضادة أو محبطة له، والمنظومة المعنوية التي سادت على العالم الإسلامي بعد فترة وجيزة من بداية الانطلاقة الإسلامية هي في جملتها مضادة تماما للمنظومة اللازمة لنمو العلم والحفاظ عليه بل هي أقرب إلى منظومة المعاني والمفاهيم الجاهلية.

وقد تسمح بعض العناصر الإيجابية من قيم دين الحق التي لم تتوار تماما بنشأة بعض العلوم هنا أو هناك ولكن باقي عناصر المنظومة كفيلة بوأدها في مهدها، فهي لا تسمح لها بالبقاء فضلا عن النمو والازدهار، ولذلك أيضًا ظهر أعلام الحضارة العلمية بعيدا بحيث لا يتأثرون بالتيار العام السائد.

وإذا كانت أوروبا قد قضت في عصورها الوسطي على هؤلاء وقامت بتصفيتهم ماديا فإن سيادة المنظومة الجاهلية وأخلاق النفاق في الشرق لم تسمح أصلا بوجودهم أما إن وجدوا رغم كل التدبيرات والاحتياطات فإنه كان يتم اغتيالهم والتمثيل بهم معنويا إن لم يكن جسديا أو على الأقل يتم وأد تأثيرهم.

إن النظم التي تعمل على إطلاق حرية الإنسان والاستفادة مما أودع فيه من مواهب وملكات وتحث على النظر في الآيات (الظواهر الطبيعية) وتزكي في الإنسان ملكاته ومنها الفكر والعقل والإبداع والاختراع.... هي أقرب إلى الفطرة وبالتالي إلى الإسلام من كل النظم التي تعمل على كبت ملكات الإنسان وتحجيم قدراته واستعباده في سبيل أن يحصل البعض على المزيد مما لا يحتاجون إليه من حطام الدنيا.

ولقد حاول رجال الكهنوت وتجار الدين عبثا الحيلولة بين الناس وبين الإفادة من منجزات الحضارة الحديثة، ولقد رأي الناس كيف هُزموا، ولكنهم قد نجحوا في الحيلولة بين الناس وبين ربهم وكتابه وكذلك نجحوا في الحيلولة بين الناس وبين المعاني والنظم والأفكار الحديثة هذا بالإضافة إلى الحيلولة بينهم وبين دين الحق الذي يأمر الناس بإعمال ملكاتهم بالنظر في آيات الله الكتابية والكونية ويعظم شأن الراسخين في العلم بمعناه الحقيقي وليس الكهنوتي.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق