سمات الدين السلفي
الدين السلفي هو الدين الذي حل عمليا محلّ الإسلام عند
الأغلبية العظمى من العامة المحسوبين على الإسلام حتى وإن كانوا محسوبين على
الأشاعرة، فهم الذين لم يتأثروا بالاتجاهات الأشعرية أو بالتصوف الحقيقي الصادق،
هذا الدين يتَّسم بما يلي:
1.
مصطلح "الصحابة"، هو فيه المصطلح الأقدس عمليا وواقعيا، وعقيدتهم
في (الصحابة) لها مكانة عظمى في دينهم، وموقف المسلمين الآخرين من (الصحابة) هو
مقياس الإيمان عندهم، وليس أركان الإيمان المذكورة في القرءان، فهذه لا قيمة لها
عندهم عندما يتعاملون مع المحسوبين الآخرين على الإسلام، وفي حين أنهم يعرِّفون
الصحابي بأنه من رأى الرسول ولو للحظة ومات على الإيمان!! فإن معاوية هو أهم ما
يعنيهم ممن يسمونهم بالصحابة هو ومن مهَّد له ومن ناصره، فهو محور هذا المصطلح،
ولقد كان من أسباب وضعه والغلو في شأنه الحفاظ على كرامة هذا المعاوية وشرعنة
أعماله، ويلي معاوية وطبقته في المرتبة من تصدوا للإمام علي وحاربوه وعملوا على
حرمان أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ من حقوقهم أو اضطهدوهم،
ويلي تلك الطبقة من ثبت أنه افتتن بالدنيا وتقلب فيها ظهرا لبطن، ولقد جمع معاوية
كل هذه الأمور.
2.
كل ما صدر عمَّن يسمونه بالصحابي هو اجتهاد مأجور، حتى وإن كان هذا الصادر
مخالفا للدين والمنطق ومضادا لكل القيم الدينية والإنسانية.
3.
وجوب الامتناع عن العمل بالأمر الديني بالنظر في عواقب الأمم الخالية، وذلك
للغطرشة على ما اقترفه بعض (الصحابة) من كبائر الإثم رغم ورود ذلك في القرءان،
وكذلك للغطرشة على سفك الدماء والإفساد في الأرض والافتتان بالدنيا وغير ذلك مما
صدر عن بعض (الصحابة)، وهم يعتبرون مجرد ذكر شيءٍ من ذلك رغم ثبوته سبًّا للصحابة،
ومثل هذا السبّ هو خطيئة كبرى عندهم لا تُقبل فيه توبة.
4.
الإيمان المطلق
بحجية ما يسمونه بالسنة في العقيدة، هذه السنة كل مادتها أخبار آحاد ظنية بالإضافة
إلى السنن العملية، وهم يزعمون أن المرويات التي صحَّت عندهم وفق معاييرهم البشرية
المذهبية غير الموضوعية ذات مصداقية كآيات الكتاب العزيز، وهذه من القواعد الكبرى
في منهج السلفية التي تفوقوا بها على أكثر المغضوب عليهم والضالين وسبقوهم إلى
الدرك الأسفل من جحيم الضلال والجهل والتخلف، فهم يجعلون مثلا الإيمان بأن لله
إصبعا متقدما على الإيمان بأنه حي عليم قدير في المرتبة، فالإصبع عندهم من الصفات الذاتية اللازمة التي لا يمكن تصور الذات مع تصور
عدمها، أما العلم والحياة والقدرة فمن الصفات المعنوية التي يمكن تصور الذات مع
تصور عدمها!! ويجعلون الإيمان بنزول الله سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا
من نفس مرتبة استوائه على العرش، وهم لم يميزوا بين المرويات المتعلقة بالأحكام
العملية وبين المرويات المتعلقة بالعقائد، وذلك لأنه لا قيمة أصلا للعقائد الكبرى
في دينهم، أما الأشاعرة مثلا فقد قرروا ألا يأخذوا في أمور العقيدة بأخبار الآحاد
وإن أخذوا بها في الأحكام العملية ونسخوا بها بعض الأحكام القرءانية.
5.
(السنة) وهي
عندهم أساسا المرويات الآحادية حاكمة على كتاب الله وقاضية عليه وناسخة له عند
التعارض، وهي المصدر الحقيقي الأعلى للدين، ولا يأخذون من القرءان إلا ما يتوافق
معها، وعلى سبيل المثال فهم يأخذون أركان الإسلام من مروية عبد الله بن عمر ولا
يقيمون وزنا لما جعله القرءان مقدما على أكثرها، ولكن هذه (السنة) محكومة أيضًا
بما سبق ذكره، فالبنود السابقة حاكمة على (السنة)، فهم مثلا لا يأخذون بأية مروية
يرون أنها تمس آلهتهم الحقيقيين، أو يعملون على تأويلها.
6.
وهم يقولون إنهم
لا يأخذون بالقرءان إلا وفق (فهم) السلف له، ولما كان لم يرد أن أحد السابقين
الأولين قد فسَّر القرءان فإن قولهم لا يعني إلا الأخذ بأقوال سدنة مذاهبهم، أما
ما نسبوه إلى بعض أهل القرن الأول من تفسير فهو أخبار آحاد، وقد أقر إمامهم أحمد
بن حنبل أن التفسير والملاحم والمغازي لا أصل لها.
7.
لا يعطون لله عز
وجلَّ إلا مكانة ثانوية في دينهم، ويكادون يجعلون وجوده مجرد استكمال شكلي لدينهم،
وهم يعاملون كموظف عندهم، وظيفته نصرهم على أعدائهم وتمكينهم منهم لنهب أموالهم
وسبي نسائهم وتخريب بلادهم.
8.
لا يعطون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إلا مكانة هامشية في دينهم، وقد
أنتجوا على مدى العصور ألد أعداء أهل بيته الذين نفسوا عن مشاعرهم تجاهه بالاحتفال
الشديد بالمرويات التي تنال من قدره وباضطهادهم لأهل بيته، وقد استغنوا عن الرسول
بمن يسمونهم صحابته وبالمرويات التي نسبوها إليه.
9.
إلزام الأمة بالخضوع المطلق لمن تسلط عليهم من الطغاة الفجرة.
10. الغل المرير الذي يكنونه لكل المسلمين الآخرين والعداء
الشرس تجاههم، فهم لا يقرون لهم بمجرد الحق في الوجود، وهم عندهم (أكفر من اليهود
والنصارى)، وهم إِن يَظْهَرُوا عَلَيْهمْ لاَ
يَرْقُبُواْ فِيهمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً، أما اليهود والنصارى فهم يمكن أن يسمحوا
لهم بالوجود مع إلزامهم بأحكام الصغار؛ أي بأن يعيشوا أذلة مهانين وأن يعطوا الْجِزْيَةَ
عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون، وهم عند تخييرهم سيتحالفون مع اليهود والنصارى وغيرهم
ضد المسلمين الآخرين، ذلك لأن هؤلاء لا يقدسون آلهتهم الحقيقيين.
11. أدى
كل ذلك إلى جعل تقاليد الأعراب وكل ما دسه أعداؤه من المنافقين والموتورين وغيرهم
جزءا من الدين كما أدى إلى تحويل الدين إلى أيديولوجية للعدوان المستمر والتوسع
العسكري الاستيطاني.
12. حقّ
القرءان عندهم هو أن يحولوه إلى أصوات مجودة، ولكنهم لا يأخذون منه إلا ما يزعمون
أنه (فهم) السلف وما يتوافق مع كل ما سبق من البنود، مع تجاهل كل ما لا يتوافق
معها، وهم يتصدون لأي سعي من الناس لتدبر القرءان والنظر في آياته عملا بما فيه من
الأوامر، ويلزمونهم بالاستماع إلى مشايخهم.
13. بالنسبة
لعقيدتهم في الذات الإلهية هم يرفضون الأخذ بالأساليب العربية البلاغية المشهورة
ويصرون على إضافة الجوارح والأعضاء إلى الله وفق المفهوم العامي الدارج، ثم يضيفون
تحفظا لا معنى له ويتضمن أيضًا تشبيها، وهو البلكفة المشهورة، وفي حين أنهم يجعلون
مثلا العين المنسوبة إلى الله على حقيقتها فإنهم يقولون إنها صفة ذاتية سمعية
خبرية، وهم مصرون على تقييد ربهم بأمور زمانية ومكانية وبمفاهيم وتصورات أسلافهم
البدائية.
14. عداؤهم
المرير للملكات الإنسانية القلبية وخاصة الذهنية منها والمعروف جماعها بالعقل، وهم
لا يبالون وربما يزدرون الملكات الوجدانية، وكل ذلك يتمثل في أوامر جهلوتية ملزمة،
ومن عقائدهم: النقل قبل العقل.
15. أدت
كل البنود السابقة إلى تجريد الدين السلفي من المفهوم الحقيقي للدين، فلا وجود فيه
لأمور الدين الجوهرية ولا لمقاصد الدين العظمى.
16. أدى
خلو الدين من جوانبه الجوهرية إلى إنتاج كائنات بشعة جهلوتية إجرامية، تؤمن مع ذلك
بتفوقها المطلق على الآخرين وبحقها في أن تسفك دماءهم وتستولي على أموالهم وتسبي
نساءهم.
17. هم
يؤمنون بأنهم شعب الله المختار وأن من تمسلف فقد نجا وضمن الجنة، ولا يضره من
خالفه، وأنهم الفرقة الناجية المنصورة، وكل هذه العقائد مزاعم وتقوُّل على الله
تعالى.
والدين السلفي لا يختلف عن الدين السني أساسا إلا في بعض
الأمور العقائدية التي لا يكاد الناس يعلمون عنها شيئا، لذلك فكما سبق القول: أكثر
المحسوبين على الإسلام هم عمليا سلفية، والكثيرون منهم لا يعلمون عن مذهبهم أو
بالأحرى دينهم إلا أنه الدين المضاد للمذهب أو بالأحرى الدين الشيعي، والسلفية هم
أشد احتفالا بمحدثات أسلافهم في الدين.
ولكنه لما فشل الدين الأثري في الوفاء بمتطلبات دين
حقيقي أو حتى في الدفاع عن عقائده ومقولاته بدأت تظهر الاتجاهات العقلانية على
أيدي بعض (الفقهاء) المجتهدين والمعتزلة، وكذلك بدأت تظهر الاتجاهات الوجدانية على
أيدي الزهاد والمتصوفة، وبذلك ظهرت المذاهب الكلامية والطرق الصوفية، وأدى ذلك إلى
ظهور مذهب (أهل السنة والجماعة) بصورته المعلومة، وأقيمت المؤسسات الدينية لتعليمه
وشرحه ونشره، ومن القرن السابع الهجري صار المسلم الأنموذجي في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا هو الأشعري عقيدة، الشافعي أو المالكي مذهبا المتبع لإحدى الطرق الصوفية
مشربا.
ولكن كل ذلك لم يزحزح المذهب الأثري عن أصوله قيد أنملة،
بل زاده تطرفا وشراسة وعزما على التصدي لهذه الاتجاهات (المحدثة والتحريفية)، وقد
ساعدهم على ذلك ما يلي:
1. صعوبة المقولات والعقائد الأشعرية على العامة وتناقض
بعضها مع القرءان في الوقت ذاته.
2. الانحرافات الشديدة التي ظهرت من بعض المتصوفة، والتي
تمثلت في أن بعضهم اعتبر عمليا الإلهية مرتبة ينالها الأفاضل منهم واحدا تلو
الآخر، وتمثلت في عقيدة وحدة الوجود والتي يكون كل شيء بمقتضاها هو الذات الإلهية
مقيدة بمرتبة ذلك الشيء، كما تمثلت في اتخاذ المشايخ أربابا حقيقيين هم وأضرحتهم
من بعدهم ..... الخ.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق