الاثنين، 4 أغسطس 2025

مقدمة كتابنا رقم 162، خلاصة منهجنا لإحصاء الأسماء الحسنى1، 2020

المقدمة

يقدم هذا الكتاب حشدًا هائلًا من أعظم الفتوحات والإنجازات في تاريخ الأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة، فهو يقدم الأسماء الحسنى الإلهية بكافة أنواعها والتي تشمل الأسماء المفردة والمثاني والحلقات الإلهية، كما يقدم بعض أنساقها الأولى، ومنها النسق الأول من الأسماء الواجب إحصاؤها ونسق الأسماء الحسنى المطلقة، ونسق الأسماء الحسنى المؤكدة بالتكرار، ونسق الأسماء الحسنى المفردة، كما يقدم النسق التفصيلي لكل الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان.

ولاستخلاص وإحصاء الأسماء الحسنى كان لابد من وجود منهج للاستخلاص يتضمن نظريات حقيقية تتضمن بدورها مسلمات وبديهيات (بيِّنات قرءانية)؛ أي كان لابد من منهج يؤدي إعماله وتطبيقه إلى إحصاء الأسماء، وقد تمَّ ذلك بالفعل، وكانت النظريات ناجحة تماما، ويمكن لأيِّ إنسان أن يطبقها بنفسه للتأكد من صحتها.

والمنهج هو خُطَّة منظّمة لعدَّة عمليّات بُغية الوصول إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها، فهو مجموعة من الإجراءات والخطوات والاختبارات والقواعد التي يجب اتباعها لكشف الحقيقة، ونتائجه يتم التحقق منها باتباع نفس المنهج، فهو ونتائجه قابلون للتداول وللنقل من فردٍ إلى آخر.

فالمنهج يتضمن مجموعة من الخطوات التي باتباعها يمكن التحقق من النتائج.

ومنهجنا بفضل الله تعالى يوفي بكل الشروط اللازمة للنظرية العلمية الحقيقية، فهي تتضمن مسلمات وتعريفات وشروطا ومنهجا لاستخلاص الأسماء، وهي تتصف بالاتساق التام وبالقدرة على تفسير كل ما يقع في نطاقها، ويمكن إعمالها بصرامة وحيادية، وقد حققت المقصود منها، كما تتصف بالمناعة التامة ضد كل محاولات النقض، ومن الممكن نقلها للآخرين ليتحققوا منها بأنفسهم، كما أنها تفسر ما كان موجودا وتبيِّن حدوده ومكامن الخطأ فيه، وقد ثبت أنها خصبة ومثمرة؛ وأعطت نتائج جديدة لا يمكن حصرها.

إنه يجب العلم بأن الإيمان بالأسماء الإلهية الحسنى هو لبّ الإيمانيات (العقيدة) الإسلامية وروحها، والعلم بها هو من مقاصد الدين العظمى، والعمل وفق مقتضياتها هو من لوازم هذه المقاصد، ومن لوازم وأسس أركان الدين.

والأسماء الإلهية هي أصل ومصدر ومرجع كل عناصر ومنظومات دين الحق، ومنها منظومة القيم الإسلامية، فهذه الأسماء هي بكل ذلك أكبر أمور هذا الدين، ولذلك فالمصدر الأوحد لها هو القرءان الكريم.

والقول بأن القرءان الكريم هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى ومنها الأسماء الإلهية الحسنى هو أمر لازم وبديهية ومسلَّمة من بديهيات ومسلمات Axioms and postulates دين الحق، وذلك مستمد من الإيمان بهيمنة كتاب الله على كل مصادر العلوم والأمور الدينية، ومن الإيمان بأن كتاب الله عظيم ومجيد وكريم ومهيمن وحكيم، وعليٌّ حكيم، وحق ونور وصدق، ومبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، وبرهان وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين وللمؤمنين، فهذا القول هو بلا مراء من أسس دين الحق، وليس بحاجة إلى أي مذهب ليقرره، بل لا صحة لأي مذهب إلا بقدر اتساقه معه، والمذهب الذي لا يلتزم حقًّا وصدقًا بهذا الأساس لا يجوز -على المستوى الجوهري- أن يُحسب على الإسلام، بل هو بالأحرى مذهب أو دين آخر حلَّ محلَّ الإسلام.

ولكل ذلك كان لابد من التماس الأسماء الحسنى في القرءان باعتباره المصدر الأوحد للإيمانيات الإسلامية، فالأسماء موجودة فيه بصيغها الحقيقية نصًّـا دون الحاجة إلى اشتقاقٍ من فعل أو صفة، فالأسماء الحسنى تقدم المفهوم الإسلامي عن الإلهية The Islamic concept of divinity؛ فمن البديهي أن يكون من مقاصد القرءان تقديمها باعتباره النص الذي سيكون مجمعا عليه من كل من يستحقون أن يُعتدَّ بهم كمسلمين.

والأسماء الحسنى الإلهية هي المصدر الأصلي لكل القيم الإسلامية، فكل عناصر منظومة القيم الإسلامية هي من مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية في العوالم الأمرية، ولذلك فالأسماء الحسنى تشير إلى السمات الإلهية التي أُمِر المسلمون بالتخلُّق بها، وهي التي تقتضي القوانين والسنن الإلهية التي أُمِر المسلمون بالإيمان بها والسعي لمعرفتها والعمل وفق مقتضياتها.

فعناصر منظومة القيم الرحمانية ومكارم الأخلاق الإسلامية هي مقتضيات الأسماء الحسنى في الكيان الإنساني، والإنسان الذي يسعى للتحلي بهذه المقتضيات والتطهر مما يخالفها إنما يسعى للتناغم مع آثار الأسماء الحسنى ويهيئ نفسه لتلقي تجلياتها، والتزكي -وهو من أركان الدين الجوهرية- هو جماع عمليات السعي للتحلي بمكارم الأخلاق الإسلامية والتطهر مما يتعارض معها.

والأسماء الحسنى كما وردت في القرءان الكريم هي فخر هذا الدين، وبها اكتمل، وظهرت حجته على المعاندين، وأعلن الله تعالى عن نفسه وعما هو له من سمات للناس كافة، وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم، وبإعلان تلك الأسماء تمَّت حجةُ الله البالغة على عباده، فهي لبّ دين الحق الذي سيتمّ ظهوره على الدين كله، ذلك لأنه هو الحق الذي سيدمغُ أباطيلَ المشركين وتحريفاتِهم وأخطاءَهم في حق ربهم، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوب، قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد.

ولن يعلم شيئًا عن العظمة الحقيقية والكمال الحكيم للقرءان الكريم من لا يعلم ما يلزم عن الأسماء الإلهية الحسنى المذكورة فيه.

ولقد تم في كتب سابقة للمؤلف بدأ نشرها منذ عام 2002 تقديم نظريات الأسماء وتفصيلات عديدة متعلقة بهذا الأمر ونظريات استخلاص أنساق الأسماء الحسنى من القرءان، والمناهج والعلوم والحقائق التي كان اكتشافها مترتبًا على إعمالها هي من أروع ما علمه إنسان وأعظمه قيمة على المستوى الجوهري.

إن المنهج الديني الصحيح هو تطبيق لنظريات صحيحة، وثابتة بالقرءان الكريم، والنظرية الصحيحة هي نظرية حقانية موضوعية، ليس فيها أي جوانب شخصية أو ذاتية أو محلية، وهي يجب أن تكون مثمرة، كما يمكن نقلها للآخرين ليتحققوا منها بأنفسهم.

ولقد وُجد بإعمال منهج قرءاني منطقي صارم أنه يوجد خمسة أنساق رئيسة من أنساق الأسماء الحسنى في القرءان الكريم، وهي:

نسق الأسماء الحسنى الواجب إحصاؤها، وهي تسعة وتسعون اسمًا يتممها مائة الاسم الأعظم الظاهر الذي هو "الله"، وهذه الأسماء تتضمن ثلاثة أنواع: الأسماء المفردة، المثاني، الحلقات الإلهية.

نسق الأسماء الحسنى المطلقة، وهي تسعة وتسعون اسمًا، يتممها مائة الاسم الأعظم الظاهر الذي هو "الله".

نسق الأسماء الحسنى المؤكدة بالتكرار، وهي تسعة وتسعون اسمًا، يتممها مائة الاسم الأعظم الظاهر الذي هو "الله".

الأسماء الحسنى المفردة، وهي تسعة وتسعون اسمًا، يتممها مائة الاسم الأعظم الظاهر الذي هو "الله".

النسق التفصيلي للأسماء الحسنى، وهو يتضمن كل الأسماء التي سمَّى الله تعالى بها نفسه في كتابه العزيز.

وهناك أنساق عديدة من حيثيات أخرى.

وبفضل الله تعالى يتمّ، ولأول مرة، تقديم نسق الأسماء الحسنى المطلقة ونسق الأسماء المؤكدة بتكرار الورود.

كما تمَّ تقديم المزيد من المعلومات والتصنيفات الجديدة للأسماء من حيثيات عديدة، ولقد أدى ذلك إلى اكتشافات لسانية لغوية ثورية.

ولقد تم انطلاقًا من إحصاء الأسماء الحسنى اكتشاف الكثير من الأمور في القرءان الكريم وتقديم تفسيرات ونظرات جديدة للكثير من آياته وتقديم البنيان الكامل والمتسق والشامل للإسلام، هذا البنيان يشمل بالإضافة إلى منظومات الأسماء الحسنى منظومات الشؤون والأفعال الإلهية وكذلك منظومات القيم والأخلاق والمقاصد والأركان والسنن الكونية والشرعية والتشريعية كما وردت في القرءان الكريم، هذا بالإضافة إلى اكتشاف الكثير من الحقائق الدينية وتقديم نظرات جديدة للآيات القرءانية واكتشاف الكثير من الحقائق والعناصر الدينية وحل الكثير من الألغاز والمعضلات الفلسفية.

وعلى رأس ما تمّ اكتشافه كثير من العلوم المتعلقة بالأسماء الحسنى الحقيقية، وهذه العلوم تقدم للمسلم أسس وعناصر عقيدته وتغنيه عن كل ما يُسمى بعلم الكلام وأصول الدين.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه نظرًا للارتباطات الوثيقة بين كل تلك المنظومات فإنه يمكن انطلاقا من أيٍّ منها صياغة نظرية كاملة متسقة للدين، وهذا مما يبين مدى خصوبة النظرية واتساقها ومتانة بنيانها.

والكتاب يقدم حشدًا هائلا من المفاهيم والحقائق المكتشفة والنظرات الجديدة في الأمور الدينية، وهو بحق فتح مبين وكبير في العلوم الدينية والحقائق الوجودية، والْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

إن علم الأسماء الحسنى هو من العلوم البكر الجديدة، وهو أرقى علم ديني حقيقي، ولا يكاد يعلم شيئا عن عظمة القرءان من لم يتعلم شيئا من علم الأسماء الحسنى الذي تفضل الله تعالى به علينا، وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم.

لقد كانت نظريات الأسماء والمثاني خصبة ومثمرة مثل أية نظرية علمية ناجحة، وأدت إلى اكتشاف البنيان الشامخ لدين الحق، ولكافة منظوماته وعناصره، ولحقائق دينية عديدة، كما كانت نموذجا لكافة النظريات التي تم وضعها من بعدها.

وهكذا كان يجب أن يكون الأمر بالنسبة لكافة عناصر ومنظومات دين الحق، كان لابد من اتباع أسس للاستخلاص يمكن نقلها للآخرين بدلا من المناهج العشوائية التي كانت ومازالت سائدة لاستخلاص ما يتعلق بالدين.

وإذا كانت الأسماء الإلهية هي الأصل في الدرجات والمراتب الإلهية فإن الأفعال الإلهية هي الأصل في كل ما هو غيرٌ وسوى.

والأسماء الحسنى المذكورة في القرءان هي الأسماء الحسنى اللفظية، وهي التي تشير إلى الأسماء الحسنى الوجودية، وهذه الأسماء اللفظية هي -بصفة عامة- ألفاظ باللسان العربي، ولذلك يمكن التعامل معها على هذا الأساس، فيمكن تصنيفها من حيث المعنى والبنية، كما يمكن إعرابها وفقًا لموقعها في الجمل التي ترد فيها، وكذلك يمكن الحديث عن أساليب ورودها في العبارات اللغوية.

وقد كنَّا قد أبدينا من قبل تحفظنا على استعمال بعض المصطلحات اللسانية (اللغوية)، وقدمنا البدائل الأكثر منطقية واتساقًا مع الحقائق وقد التزمنا هاهنا في تسمية (المشتقات) بما قررناه من قبل، وهو استعمال أسماء للمفردات اللسانية أدق، وأقرب إلى أداء المعنى، وقد نذكر المصطلحات القديمة بين قوسين على سبيل التوضيح.

ولقد وجدنا أن ما هو جديد في الأمور اللسانية (اللغوية) الخاصة بالأسماء قد عظُم وكثُر وتضخم بحيث أصبح يشكل نواة كبرى لنظرية لسانية جديدة ودقيقة وفعالة ومثمرة، ولذلك أفردناه بكتابٍ مستقل، وكذلك بجزء مستقل من كتابنا هذا، يتضمن ما يلزم ذكره لتبيين المنهج وإحصاء الأسماء الحسنى.

واستنادا إلى الأسس اللسانية (اللغوية الجديدة) تم تقديم تصنيف جديد للأسماء أدى إلى زيادة العلم بها، وتحسين فقه دلالاتها وسننها.

لقد أنجزنا في كل هذه المجالات البكر الأمور والجوانب الأكبر والأصعب، ونرجو أن يأتي من يستوعب هذه الأمور وأن يكمل الطريق، فالطريق إلى معرفة الحقائق لا ينتهي، والعلم بالأسماء الحسنى وما هو مذكور عنها هنا هو الأمر اللازم لفقه أسرار الوجود ولاكتشاف الحقائق الإلهية والكونية الكبرى وللوصول بنظريات العلوم الكونية والطبيعية إلى غاياتها القصوى.

وهذا الكتاب يقدم منهج استخلاص وإحصاء الأسماء بطريقة جديدة متسقة تمامًا مع المنهج القديم، وتعطي نفس النتائج، والاختلاف هو في نقطة البدء، ففي الطريقة القديمة كان التركيز على البدء باتخاذ كل ما يلزم لاستخلاص النسق الأول، وهو النسق ذو الشروط الأقوى والأصعب، ثم يبدأ تخفيف الشروط لاستخلاص نسق الأسماء المفردة، ثم يحدث تخفيف إضافي لاستخلاص النسق التفصيلي، وكان هذا الاتجاه من أسباب صعوبة استيعاب الناس للمنهج.

أما في الطريقة الجديدة فهي طريقة تصاعدية، بمعنى أنه يتم البدء بوضع ما يلزم من أسس وقواعد لاستخلاص النسق التفصيلي، ثم يتم تشديد الشروط لاستخلاص الأنساق التالية، ثم يتم التشديد لاستخلاص النسق الأول.

وفي الطريقة الجديدة تم الاستغناء عن بعض المصطلحات والتخلص من بعض الزوائد redundant التي كانت لا تضيف شيئا إلى النتائج.

وبين يدي تقديم المنهج كان لابد من الحديث عن بعض الأمور اللسانية ذات الصلة، وقد استغرق ذلك أجزاء كبيرة من الكتاب، ويمكن لمن لا يرغب في التعمق فيها أن يكتفي بمعرفة النتائج اللازمة لفقه المنهج والأسماء، وقد أفردنا لها جزءا مستقلا.

وقد تم تقديم الأسباب التي تجعل الاسم من نسقٍ ما وليس من نسقٍ آخر باستفاضة أكثر.

ونعتذر مقدما عن وجود تكرار لبعض الفقرات، فلقد أُريد لبعض الأبواب أن تكون مكتملة بحيث لا يُضطر القارئ إلى الرجوع إلى أجزاء أخرى من الكتاب.

ويوجد أكثر من موجز للمنهج يمكن البدء به وتطبيقه، وهو يتضمن أيضًا ما يلزمه من مصطلحات.

وهذا الكتاب هو الطبعة الثانية من هذا الكتاب، وهو يتضمن زيادات وإضافات مهمة وتنقيح وإعادة ترتيب لبعض المواضيع.

 

                                                  ******* 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق