الأربعاء، 6 أغسطس 2025

مقدمة كتابنا 231، نظرات في المرويات التي اتفق عليها البخاري ومسلم، 2024

 

مقدمة ونظرة عامة

 

هذا الكتاب يقدم نظرات في المرويات التي اتفق عليها البخاري ومسلم طبقًا لما جاء في كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان؛ وهي المرويات التي صححها كل واحد منهما طبقًا لمعاييره الخاصَّة، وهي بذلك تكون من المرويات التي لها أعلى درجات الصحة عند المحدثين.

والحق أن اتفاق البخاري ومسلم على مرويةٍ لا يعني صحتها المطلقة، ولا ينفي عنها حقيقتها الظنية الاحتمالية، أي ستبقى المروية، وإن اتفقا عليها، ظنية احتمالية، بل لن يقوي اتفاقهما من احتمالية صحة المروية، وسيظل من اللازم تطبيق المنهج القرءاني الحقاني عليها والنظر إليها من خلاله، فإن حققت ما يلزم من شروط تظل مروية ظنية، لا يمكن القطع بأنها صدرت بالفعل من الرسول، وإنما يمكن القول بأنها ذات أصل صحيح، وعندها يمكن الأخذ بها.

وقد تكون المروية ذات أصل صحيح، ولكن لم يعد من الممكن الأخذ بها، مثال 1:

من الثابت طبقًا للقرءان بأن قبلتهم لم تكن المسجد الحرام، لذلك فالمرويات التي تذكر ذلك ذات أصلٍ صحيح، ولكن من البديهي أنه لا يمكن الأخذ بتلك المرويات الآن، هذا مع العلم بأن ما تذكره هذه المرويات عن حقيقة القبلة الأولى بحاجة إلى إثبات وبرهان.

بتوضيح أكثر: إن اتخاذ بيت المقدس بالذات كقبلة أولى، وهذا عندنا صحيح، بحاجة إلى إثبات آخر، ومن المعلوم أنه يوجد الآن من ينكر ذلك.

ومن الثابت طبقًا للقرءان أيضًا أن اتخاذ المسجد الحرام قبلة لم يحدث إلا بعد فترة من الزمن في المدينة، لذلك فالمرويات التي تتحدث عن تحويل القبلة ذات أصلٍ صحيح، لذلك فالأخذ بها ليس إلا عملًا بأمرٍ قرءاني، فالمرويات مصدقة هاهنا لكتاب الله المهيمن.

مثال 2:

من الثابت أن (الصحابة) كانوا يشربون الخمر، وتوجد مرويات تبين ذلك، فلا يحق لأحد أن يشرب الخمر بحجة أن المرويات تثبت ذلك، فهناك آية قرءانية تذكر أن فيها إثمًا كبيرًا والإثم محرم، وهناك آية قرءانية تتضمن أمرًا صارمًا باجتنابها، فيحب الأخذ بالمرويات التي نثبت ذلك، فهذه المرويات مصدقة لكتاب الله المهيمن.

هذا مع العلم بأنه لا يلزم الأخذ بالتفاصيل التي تقدمها المرويات قي هذا الشأن، بمعنى أنه لا يلزم تصديق الوقائع التي تذكرها المرويات عن بعض (الصحابة) في الحالتين، ما قاله أو فعله الصحابة في هذا الشأن يدخل في إطار علم التاريخ، وليس في حقائق الدين.

=======

وهذا الكتاب يقدم لمتبعي دين الحقّ أكثر المرويات ذات الأصل الصحيح مما اتفق عليه البخاري ومسلم، هذه المرويات يمكن أن ينتفع بها المتبع لدين الحقّ ليحقق مقاصد الدين.

والكثير من المرويات التي اتفق عليها البخاري ومسلم ذات أصول صحيحة، ومن سمات المرويات ذات الأصل الصحيح أنها:

1.        في اتساق تام مع عناصر دين الحقّ المستخلص من القرءان

2.        تتبع نفس المنهج القرءاني، فتذكر، مثلا، الأمر المهم مقترنا بما هو معلوم أنه من أركان الدين الكبرى، قال تعالى: {۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة الأنعام: 151]، {۞ ووصَّىٰ (وَقَضَىٰ) رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [سورة الإسراء: 23]

فالأمر المهم هنا، وهو الإحسان إلى الوالدين ذُكر مقترنا بتحريم الشرك والنهي عن عبادة غير الله.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [سورة الشورى: 38]

فكون أمرهم شُورَىٰ بَيْنَهُمْ جاء مقترنًا بذكر ركنين كبيرين، مما يبين مدى أهميته، فهناك مرويات تتبع نفس المنهج، منها:

"اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"، "حَقُّ الطَّريقِ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، والأَمرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عنِ المُنْكَرِ"

3.        يمكن الاستغناء عنها بالقرءان، فكل ما تتضمنه مذكور في القرءان طبقًا للمنهج القرءاني، ولكن المروية قد تجمع ما ورد في القرءان موزعًا على آياته، مما يبين أن الرسول قد استنبطها للناس من كتاب الله، والرسول كان يبين الأمر المنزَّل بالأمر المنْزَل، وفي الكثير من المرويات كان يؤكد لقومه على الأهمية الشديدة لبعض أمور الدين بالنظر إلى ما كانوا عليه، فالتوصيات المشددة بالنساء هي فرع من احترام حقوق الإنسان وكرامته ومن الحكم بالعدل والقيام بالقسط، ولكن بمقتضى المنظومة الجاهلية كان العرب والأعراب قد بُرمجوا برمجة عميقة على ازدراء النساء، وعلى أنهن بلا أي حقوق أصلا.

=======

ليس المقصد الأساسي من هذا الكتاب هو نقد المرويات، وإنما استخلاص ما هو متسق منها مع دين الحق، ولكن هناك نوعان

1.   مرويات متعارضة تماما مع عنصر أو أكثر من دين الحق

2.   مرويات كانت ذات أصل صحيح، ولكن كما هو واضح، تم الدسّ أو الإدراج فيها، أو استبدال كلمة بأخرى، فيلزم بيان ذلك.

=======

ليس المقصد الأساسي هنا نقد المرويات أو بيان أسباب بطلان أو تحريف بعضها، وإنما تقديم مرويات لينتفع الناس بها في الإطار العام لدين الحق.

وقد يلزم التعليق على بعض المرويات.

=======

لم يكن كل الناس على علمٍ كامل بكل ما نزل من القرءان، فبعض المرويات كانت تلخص لهم أهم ما يلزمهم، فكانت تجمع بين أمور عديدة، لذلك كان المؤلف يذكرها مع أكثر من باب.

=======

قد يورد مؤلف أي كتاب من كتب المرويات مرويات ليست بذات صلة بعنوان الباب، فالمهم هو المروية في ذاتها، فإذا كانت ذات أصل صحيح يؤخذ بها.

أما عنوان الباب فهو يشكل عنصرًا من العناصر الحقيقية لدين المرويات، ولذلك تقرر الإبقاء على عناوين الأبواب لتعطي صورة عن مفهوم عناصر هذا الدين، وليس في هذا القول أي انتقاص من هذا الدين، وإنما هو القول الحقاني، علمًا بأن أكثر هذه العناصر متسقة مع عناصر دين الحقّ، ويمكن اندراجها فيه، ولكنها مع ذلك لا تمثله تمثيلا صادقا، فعناصر دين الحق أكثر بكثير، ووزن كل أمر هو الوزن الحقاني القرءاني.

وهناك بعض المرويات لم يتم كتابة تعليق عليها لوضوح أمرها، وقد تمّ الإبقاء عليها حتى يتضمن الكتاب كل مرويات اللؤلؤ والمرجان، وربما يتم التعليق عليها في طبعات لاحقة.

ومن المرويات التي لم يتم التعليق عليها بعض المرويات التي تذكر أمورًا غيبية، وبعض مرويات الفضائل، وبعض مرويات التفسير أو أسباب النزول.

وكذلك لم يتم التعليق على أكثر مرويات العبادات العملية، وذلك لأن (الفقه) التقليدي يغني عنها.

=======

ويقدم هذا الكتاب عناصر دين عالم المرويات الحقيقي وأموره الكبرى، ومن البديهي أن تمثل المرويات الدين كما كان يراه مؤسسو وسدنة الدين السني.

فأسماء الكتب هي الأمور الكبرى عندهم، وهي متفاوتة من حيث الحجم، لذلك فأهم الأركان عندهم على التوالي: الصلاة، الحج، الصيام، الطهارة، ... الخ، مع ملاحظة أن محور اهتمامهم الرئيس هو الأمور الشكلية الخارجية.

ويمكن بكل سهولة إدراك مدى وحجم الاختلاف بين دين الحقّ وبين دين عالم المرويات، وبالمقارنة يتبين الرقي الهائل لدين الحقّ على دين عالم المرويات.

 

=======

=======

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق