الاثنين، 22 أغسطس 2016

الصحبة والخلة

الصحبة والخلة

الصحبة لا تقتضي أي تجانس بين الكيانات المتصاحبة، فقد يكون المؤمن صاحبا لمشرك أو كافر، وقد يكون الإنسان صاحبا لحيوان أو جماد، وكل رجل من قوم هو صاحب لقومه، والرسول أو النبي صاحب لقومه، والزوجة صاحبة لزوجها، قال تعالى:
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين}[الأعراف:184]، {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون} [التكوير:22]، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد} [سبأ:46]، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}[يوسف:39]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف:37]، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم}[القلم:48]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)} المعارج
فالصحبة هي التقاء لفترة زمكانية بين كيانين أو أكثر؛ أي هو تقاطع في العالم الخارجي لا ينفذ إلى أي عمق من أعماق الإنسان، أما الخلة فهي مترتبة على تجانسٍ ما في العالم الداخلي؛ تجانس في الطباع والتوجهات والإيمان أو الكفر .... الخ، وفي حين أنه قد تكون الصحبة مفروضة فرضًا على الإنسان فهو لم يختر قومه، وقد يسافر فيكون أصحابه في السفر من طوائف متعددة فإن الإنسان هو الذي يختار من يخالل، فلو استجاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مثلا لما كان يطلبه منه قومه لاتخذوه خليلا، قال تعالى:
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا} [الإسراء:73]
فالخلة تكون بسبب تجانس في الخير أو في الشر أو في الطباع والأفعال والسلوك بصفة عامة، ومن يميل إلى شخص لصفات سيئة عنده لابد أن في نفسه ما يدفعه إلى ذلك، والخلة في شر أو بسبب صفات سيئة موجبة للندم والحسرة على المستوى الجوهري، وبالتالي في الدار الآخرة، قال تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا(29)} الفرقان، {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين} [الزخرف:67].
فالرسول كان صاحبا لقومه على اختلافهم لأنه منهم، ولكنه لم يكن خليلا لهم ولا لأحدٍ منهم، ولم يتخذ منهم خليلا بحكم المهام الموكلة إليه بالنسبة لهم والتي نصَّ عليها القرءان، ولقد اتخذه ربه خليلا كما اتخذ إبراهيمَ خليلا.
وكل مهام الرسول تنفي عنه أن يكون خليلا لقومه، أو أن يكون له منهم صاحب بالمعنى الذي يحاول عبيد السلف فرضه على الناس، ولقد كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مهام عديدة مذكورة في القرءان، وها هي بإيجاز حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ من لهج به:
1.     الدعوةُ إلى الله.
2.     التبشير.
3.     الإنذار.
4.     التبليغ.
5.     تبيين آيات القرءان.
6.     تلاوةُ القرءان عليهم.
7.     تزكيةُ أنفسهم.
8.     تعليمُهم الكتاب والحكمة.
9.     تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
10. ولايةُ كافة أمورهم.
11. الحكم (القضاء) بينهم.
12. أخذُ الصدقات منهم وتوزيعُها عليهم.
13. الصلاة عليهم.
14. تشريعُ بعض الأمور بإذن ربه مثل جعل الحج مرة واحدة في العمر.
15. سن بعض الأذكار والأدعية مثلما هو الحال في الصلاة.
16. الشهادةُ على أمته.
17. الشهادةُ على شهداء الأمم.
18. ختم النبوة.
ويجب على الناس أن يعلموا أن القرءانَ يستعملُ أساليب الحصر أحيانا للتأكيد أو للتركيز على المهمة التي يقتضيها السياق أو للتسرية عن للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
ولكن لم يكن من صعب على شياطين السلف التغلب على صعوبات كهذه كانت تحول بينهم وبين تحريف الدين وإعطاء الشرعية لأهل البغي المتسلطين، فقد أعطوا كل معاني الخلة للصحبة؛ أي أعطوا معاني الخليل للصاحب، وبذلك استغلوا حبّ المسلمين للرسول لكي يفرضوا عليهم تقديس من يسمونهم بأصحابه ولجعل أي كلام منسوب إليهم نصوصا دينية تشكل الجانب الأكبر مما يسمونه بالسنة القاضية على كتاب الله والحاكمة عليه، وبذلك أيضًا تمكنوا من إعطاء الشرعية لآثار هي تفتقدها أصلا بموجب آيات القرءان الكريم، فقد جعلوا نسبة القول إلى واحد فقط ممن يسمونهم بالصحابة كافية لجعل القول نصًّا دينيا وجزءا من (السنة المطهرة)، هذا بينما يوجب القرءان توثيق أمور خاصة مثل التداين بين الناس، ولا يقبل في أمورٍ كهذه لا تمس إلا بعض الناس إلا الكتابة والإشهاد، ولا يقبل فيها بأقل من شاهدين حقيقيين شهدا الأمر شهادة حقيقية.

*******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق