السبت، 27 أغسطس 2016

السلف وعبادة معاوية

السلف وعبادة معاوية

روي مسلم عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتواريت خلف الباب فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب وادع لي معاوية قال فجئت هو يأكل قال ثم قال لي اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أشبع الله له (أي معاوية) بطنا.
تلك مروية من المرويات التي أفلتت وتبين حقيقة معاوية، فلقد دعاه رسول الله وولى أمر الأمة الذي منَّ عليه وعلى والديه رغم كل جرائمهما السابقة في حق الإسلام والمسلمين، هذا بالإضافة إلى أنه قربه وجعله من كتبة رسائله (وليس من كتبة الوحي كما يزعمون)، ولكنه عصى الأمر مرتين بحجة أنه يأكل، ولكن هل سيترك عبيد الطغاة من حثالة البشر الأمر للناس ليستخلصوا منه ما هو بيِّـن وواضح؟ كلا إنهم كعادتهم حاولوا تبرئة معاوية وإعلاء قدره على حساب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ !! هذا مع أنه لو قيل لأي مسلم ماذا كنت ستفعل لو دعاك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لقال: كنت سأسرع إليه ولو حبوا على الثلج، فمنهم من قال: إن هذا الدعاء منه غير مقصود وكأنهم عرفوا ما في نفس النبي، وأما المحدث الألباني فقال يمكن أن يكون ذلك منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدافع البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عندما قال للسيدة عائشة: أو ما علمت ما شارطت عليه ربي اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته!!؟ فاجعله له زكاة وأجرا (رواه مسلم مع المروية المذكورة في باب واحد هو باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك!!! كان له زكاة وأجرا ورحمة).
وقد زعم مسلم أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه وتحمس غيره وجعل الأمر كله من مناقب معاوية؟! وبهذا قال الذهبي متفوقا على الجميع، ويلاحظ أنهم كلهم أجمعوا على ألا يسأل أحدهم نفسه هذا السؤال البديهي: لماذا رفض معاوية بإصرار الامتثال لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وفضل أن يتابع تناول طعامه؟ ولكن هيهات أن يجرؤ أحدهم على المساس بمعاوية، إنه كان من الأهون عليهم أن يتطاولوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الذي يدعون أنهم حماة سنته وأن يجعلوه يسب الناس ويلعنهم بدون وجه حق وأن يكذبوا بالآيات التي أثني عليه الله فيها ووصفه بالخلق العظيم؟  وهكذا تدفع الأهواء بعض الأعلام إلى التدني إلى أسفـل سافلين واستحداث تأويلات تمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الذي شهد له الله تعالى بالخلق العظيم في سبيل تبرئة ساحة معاوية حتى لا يطعن أحد فى ولايته وعدالته، والحق هو أن مواقفهم هذه إنما تطعن في عدالتهم هم وتبين مدى جنايتهم على تلك الأمة، ولو أنهم تلقوا قدرا من تزكية النفس وهى ركن ديني ولو أنهم آمنوا بالرسول الخاتم وعرفوا له شيئا من عظمة قدره وهذا ركن ديني آخر لما ضلوا وأضلوا وضلوا عن سبيل الله تعالى، إنه على عبيد معاوية أن يقرؤوا بتدبر ما يلي: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179.
وإلى عبيد معاوية هذا السؤال من جديد: لو أن أحدكم دعا من له عليه ولاية لأمر هو من صميم عمله فرفض الإجابة وعصى الأمر هل يعد ذلك من مآثر العاصي؟ وهل يُلام الوالي إذا دعا على العاصي أو عاقبه؟ ولو أن وزيرا في أحقر دويلة محسوبة على الإسلام استدعى موظفا بسيطا عنده فرفض المجيء مرتين بحجة أنه يأكل ماذا كان سيفعل به؟ ولماذا كل هذا الجهد المضني لتبرئة ساحة معاوية وحده ولو بالتطاول على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، هل كان هؤلاء حقا يحبون رسولهم الكريم كما يحبه الآن أبسط المسلمين؟ ومن العجب العجاب أن يقول مسلم (باب من لعنه النبي أو سبه وليس أهلا لذلك….؟!). فهل تصلح هذه العبارة عنوانا لباب في كتاب من أقدس كتب أهل السنة؟ ألا يتضمن هذا العنوان تطاولا على قدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعلى كرم أخلاقه؟ ومن هو الأصدق حديثا؟ رب العالمين الذي شهد لرسوله بالخلق العظيم أم مسلم ورواته؟ ألم يعلم مسلم وشركاؤه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم يكن سبابا ولا لعانا ولا صخابا في الأسواق وأنه كان أشد الناس حياءً؟ ألم يسأل أحدهم نفسه هذا السؤال: هل من الممكن لمن وصفه الله بالخلق العظيم أن يسب الناس وأن يلعنهم بدون وجه حق؟ إن كل ذلك يبين أن الرواة والمحدثين جمعوا ودونوا مروياتهم في جو معبأ بالولاء المطلق لمن أسموهم بالصحابة وخاصة معاوية ومن في حزبه خاصة بعد أن أدرك الطاغية أبو جعفر المنصور أنه هو الامتداد الطبيعي لطغاة بنى أمية وأنهم هم الذين مهدوا له السبيل وصار يشيد بهم علنا بعد أن أبيدوا وأُمِن شرهم واستقر المذهب الموالي لأمثال هؤلاء وساد وسيطر واعتبر كل معارض له مبتدع آثم خارج على الجماعة لا أهلية له ولا يؤخذ منه ولا يعتد به، أما كل المرويات التي تحاول إظهار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سبابا أو لعانا فإنما هي من وضع عملاء الأمويين وهي تعارض آيات القرءان وبالتالي فيجب إهمالها إعمالا لما وضعه المحدثون أنفسهم من قواعد ومعايير، ومن المعلوم أن معبودهم معاوية هو الذي سن لعن الإمام علي وغيره من عترة النبي وأنصاره علي المنابر، أما تهديدات عبيد المرويات ورميهم منكري أمثال هذه المرويات بكل ما في جعبتهم من اتهامات فينبغي أن يضرب بها عرض الحائط، وإلى كل منهم يجب القول: اتق الله في هذه الأمة وكن شجاعا ولا تمالئ مرويات تعارض صريح القرءان وتنال من قدر الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن المثل الإسلامي الأعلى، ولقد مضى الزمن الذي كان يخشى فيه المؤمنون معاوية وحزبه، ولقد تقوضت دولة الأمويين وانتقم منهم العباسيون أبشع انتقام وهم أيضاً سنيون، ولا ينبغي أن يظل أولئك وهؤلاء حربا على الأمة ورجالها بعد مماتهم بعد أن كانوا كذلك في حياتهم ولا يمكن أن يستمروا في الحيلولة بين الناس وبين إعداد الأمة الخيرة بعد مماتهم بعد أن قضوا على خير أمة في حياتهم، فإذا كان الأسلاف يرهبون معاوية وحزبه فلقد مضى هذا إلى ربه وصار رهين عمله ولن يجديه دفاعكم عنه نفعا وإنما سيكرس انهيار الأمة، ولكن ما هي السنة التي تتضمنها هذه المروية؟ وهل يجوز اعتبارها وحياً ثانيا ملزماً للناس كافة إلي يوم الدين؟
إن المروية تبين أن من مناقب معاوية أنه خالف الأوامر القرءانية العديدة التي تأمر المؤمنين بطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أنه لم يستجب للرسول مخالفاً أمراً قرءانياً آخر، وبما أن معاوية هو (صحابي) يهتدي من اقتدي به فهل يهتدي من تجاهل أوامر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وباعتبار أن المروية هي السنة، فهل من السنة تجاهل أوامر صاحب السنة؟
والمروية المذكورة تبين أن ابن عباس كان غلاما صغيرا في تلك الفترة أي بعد فتح مكة ومع ذلك عدوه من الصحابة ونسبوا إليه رواية ما يزيد على الألف حديث ودافعوا عن إمكانية ذلك بشراستهم المعهودة، ومع ذلك وجد منهم من حمل عليه بشدة بسبب مروية رزية الخميس والتي تروي كيف امتنع الفاروق عن الاستجابة لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عندما أمرهم بإحضار ما يكتب فيه لهم وصية لا يضلون بعدها أبدا ونسب إليه قول ما لا يصح قوله، وأدى هذا الموقف إلى تنازعهم حتى أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بإخراجهم، وهكذا يكيل النقاد والمحدثون بمكيالين ويتبعون أهواءهم وينطلقون معها أينما حملتهم.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق