الجمعة، 19 أغسطس 2016

الشكـر

الشكـر


إن الشكر لله هو أمر قرءاني كبير وركن فرعي مقاصدي ولوازمي من أركان الدين، والمقصود بلوازمي أنه من لوازم أركان دينية عديدة، والمقصود بمقاصدي أنه من مقاصد أركان وأمور وأوامر قرءانية عديدة.
والشكر هو أيضًا سمة إلهية، فهناك منظومة أسماء تشير إلى سمة الشكر، وهي: "الغَفُور الشَّكُور، الشَّاكِر العَلِيم، الشَّكُور الحَلِيم، الشَّكُور، الشَّاكِر" وكذلك تشير إليها حلقات إلهية عديدة، ولذلك فالمتحقق بالشكر يقترب من ربه القرب الخاص بقدر هذا التحقق.
والشكر هو صفة كلية جامعة شاملة، فهو من أسمى المشاعر القلبية التي يجب أن يتحلى به المسلم في علاقته بربه، وهو جماع أسمى المشاعر التي يجب التحلي بها قياما بحقوق الأسماء الحسنى، ويترتب عليها القيام بأفعال أو الامتناع عن أفعال، فهناك أفعال من مظاهر التحقق بالشكر، وهناك أيضًا أفعال لاكتساب صفة الشكر، والأفعال التي هي من مظاهر التحقق بالشكر هي أيضًا من لوازم اكتسابها وترسيخها في كيان الإنسان، والتحقق بالشكر يقتضي أنماطًا سلوكية يجب أن يلتزم بها المسلم؛ أي نهجا يجب عليه اتباعه.
ومن مقاصد الدين العظمى إعداد الإنسان الفائق، ومن أركان صفات هذا الإنسان صفة الشكر، وقلما يتحقق هذا المقصد بالنسبة للإنسان تحققا يُعتد به، قال تعالى:
{.... اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور} [سبأ:13]
والآية تبين أن الشكر عمل، بمعنى أن صفة الشكر يجب أن تكون سارية في كل عمل يصدر عن الإنسان، ومن يتحقق بذلك لن يقترف عملا يكون فيه معصية لله.
ومن لوازم إقامة صلة وثيقة بالله أن يحرص الإنسان دائما على القيام بواجب الشكر، والشكر هو شعور قلبي بأن كل ما بالإنسان من نعمة هو من الله، ويصدَّق هذا الشعور القيامُ بما يستلزمه من قول وعمل، فالشكر شعور قلبي يصدقه عمل.
والشكر هو استعمال الإنسان كل ما لديه من إمكانات وملكات لتحقيق مقاصد ربه الدينية والوجودية، فهو بعمله بأركان دينه يظهر للناس تفاصيل الكمال اللانهائي المطلق لربه، ومن كبائر الإثم المضادة للشكر: الشرك والكفر.
*******
إن الشكر هو شعور وجداني يقتضي عملا، والشعور هو الفرح بالمنعم الحقيقي الذي خلق الكائنات وأبدع سلاسل الأسباب والنتائج التي ساقت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان وكأنه أبدع كل شيء وصرَّف الآيات ودبر الأمر ليسوق إليه تلك النعمة، إذ لو اختلف أمر بسيط فيما ذكر لما وصلت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان أصلاً، وإن أعظم  النعم التي نالها إنسانٌ ما هو وجوده ذاته, فإن احتمال وجود إنسانٍ ما بعينه طبقاً لنظرية الاحتمالات يكاد يكون معدوما إذ هو مترتب على أمور حدثت وكائنات وجدت على مدى مليارات السنين، ومع ذلك فإنه تحقق، فتلك هي النعمة الكبرى، وعلى الإنسان أن يعرف قدرها وأن يؤدي واجب شكرها، لذلك فلا أقل من أن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين وأن يذعن له الإذعان التام وأن يعبده مخلصا له الدين، وهذا يعني أن يكون وجوده كله لله رب العالمين، وهذا يستلزم منه الحفاظ على كيانه الظاهر وصيانته؛ فكل عمل يؤدي إلى صيانة الجسم  وصلاحه وتقويته هو من مقتضيات شكر النعمة، ومن تلك المقتضيات أيضا تزكية كيان الإنسان الجوهري الباطن وهذا يستلزم التحقق بذكر الله والتقوى، فالتقوى مع أهميتها الشديدة هي وسيلة للتحقق بالشكر، قال تعالى:
{.... فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [آل عمران:123]
*****
من حيث العبد فإن الحمد هو الإقرار لله بما هو له من السمات والأفعال والنعماء والآلاء، فهو يُحمد بكل ما هو له، أما الشكر فهو حالة خاصة منه، وهو يتضمن العمل بمقتضى الحمد، وهو من الأخلاق الإسلامية العظمى ومن مقاصد الدين كما أنه يقتضي أفعالاً هي من لوازم الإسلام الحقيقي، فالشكر هو الإقرار بأن النعمة من الله واستعمالها كما يريد الله أي كما تقتضي الأوامر الشرعية، وهذا يقتضي عملا يعبر عن الإقرار للمنعم بالنعمة وإظهار الامتنان له.
والشكر يقتضي معرفة قدر ما استخلف الإنسان فيه وحسن استعماله للقيام بحقوق الأسماء الحسني وتحقيق مقاصد الدين العظمي، والشكر هو النقيض الفعال لكل من الكفر والشرك، فهو الإقرار لله بما هو له من الأسماء والسمات والشؤون والنعماء والآلاء والعمل بمقتضي ذلك، وهو من الأخلاق والأعمال العظمي.
*****
إن الشكر يعني الإقرار بأن النعمة هي بالأصالة من الله تعالى وحده والعمل بمقتضى ذلك، لذلك فإنه يضاده الكفر الذي يعني إنكار أن النعمة من الله أصلا وكذلك يضاده الشرك الذي يعني نسبة النعمة لمن هم من دون الله.
*****
إن الشكر كصفة هو من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي منظومة القيم الإسلامية، أما كعمل فهو ركن فرعي من لوازم وتفاصيل عدة أركان دينية مثل ركن العبادة وركن التزكية، والتحلي بالشكر والعمل بمقتضى ذلك من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الثاني أي من لوازم أن يكون الإنسان إنسانا ربانيا صالحا، وهو من أفضل العبادات الموجبة لدخول الجنة، والتحقق بالشكر أعلي مرتبة من التحقق بالتقوى بل هو من مقاصدها، لذلك فالشيطان يسعى دائما لمنع الإنسان من اكتساب تلك الصفة أو العمل بمقتضاها.
*****
الشكر هو صفة وعمل بمقتضى هذه الصفة، وهو النقيض الموضوعي والحقاني والفعال للكفر والشرك، والشكر من مقاصد الأفعال الإلهية ومن مقاصد الإنعام على الإنسان وتزويده بالحواس والملكات ومن مقاصد العبادات ومن مقاصد تصريف الأمور والآيات الكونية وهو مضاد للكفر، والشكر يتضمن الإقرار بالنعمة وبأنها من عند الله، ولذلك يقابله الكفر وهو جحود وإنكار النعمة، والشكر يرقي بالإنسان ويساعده على الإفادة من الآيات الكونية ومن الوقائع التاريخية.
والشكر هو ركن فرعي كبير من أركان الدين، وهو من لوازم العديد من الأركان الكبرى الجوهرية، وهو أيضاً من مقاصد الدين، وهو المضاد للكفر والشرك، فهو الإقرار لله بالنعمة والفضل وبأن النعمة بالأصالة هي منه وحده وتجنب نسبة ما هو له إلى غيره.
وإن مكانة الشكر بالنسبة إلى التقوى هي مكانة الغاية بالنسبة إلى الوسيلة، وهذا مما يبين أهمية التحقق بالشكر.
والشكر هو شكر لله وشكر له على ما أنعم به على الإنسان من نعم ظاهرة وباطنة.


*******

هناك تعليق واحد: