الجمعة، 11 نوفمبر 2016

السلفية والعقل؛ شيطان الدين السلفي

السلفية والعقل؛ شيطان الدين السلفي

إن العقل هو ألد أعداء الدين السلفي، فهو عندهم عمليا وواقعيا شيطان الدين السلفي، ولذلك لا يمكن أن يصدر عنهم أي ثناء حقيقي على هذا العقل، وهم يتجاهلون تماما كل آيات القرءان التي تلزم الناس باستعمال عقولهم.
إن كهنوت المذاهب السلفية والسنية لا يكفون عن التشدق بأن الإسلام هو دين العقل فإذا ما جد الجد واستعمل أحد الناس بالفعل عقله كما يأمره ربه ليتفقه تفقها حقيقيا في دينه فإنهم يتحزبون ضده ويرمونه عن قوس واحدة ويؤلبون عليه الحثالة والدهماء والغوغاء ممن لا يقيمون أصلاً لدينهم وزنا، بل إن بعضهم يسبه علنا، أما إذا كانت السلطة بأيديهم فلن يتورعوا عن قتله، فلا وظيفة للعقل عندهم إلا استيعاب أقوال السلف.
إن من أقدس شعارات الدين السلفي الحقيقية: ما لم يتحدث عنه السلف هو غير موجود، أي قول يخالف ما هو منسوب إلى السلف هو كفرٌ بواح يقتل صاحبه بعد استتابته، أو يُقتل بدون استتابة.
وهم لا يكفون عن التشدق بأن القرءان هو الأصل الأول وأنه (قديم) غير مخلوق وأنه صفة إلهية فإذا ما طالبهم أحد الناس بالعمل بمقتضى هذا الكلام فإنهم يرشقونه بباقة منتقاة من أبشع التهم مثل إنكار السنة والخروج عن الملة وخلع الربقة واتباع غير سبيل المؤمنين وتمزيق الأمة التي هي بفعل أسلافهم وأمثالهم ممزقة بالفعل إربا إربا، ألا فليعلم هؤلاء أن مسلكهم هذا يجعلهم أشد إثما وظلما ممن يقترف أبشع الفواحش ويهوي بهم إلي ما دون مرتبة الأنعام.
وهم يظنون أن أمور الكون ودخول الجنة والنار هي أمور عشوائية لا ارتباط لها بأية أوامر قرءانية وأن دخول الجنة والخروج من النار سيتم في النهاية بمقتضى الوسائط والشفاعات من ذوي الحيثية؛ فكل من كان على صلةٍ ما بأحد الصالحين سيتوسط له هذا فيخرجه من النار ويدخله الجنة، وربما زعموا أن بعض الصالحين سيضرب عن دخول الجنة إلى أن يخرج كل ذويه من النار.
*****
يقول السلفية إن من أسس مذهبهم تقديم النقل على العقل، فما هو المقصود من هذه العبارة، وهل يفقه السلفية ما هو العقل أصلا؟ وهل مثل تلك العبارة تصلح للدعوة إلى سبيل الله؟ وهل تصلح لمعالجة شكوك أو شبهات يمكن أن تعتري أي إنسان؟ ولماذا هذا العداء غير المبرر للعقل؟ ومن العجيب أن تصدر مثل هذه الأقوال عمَّن ينتسبون إلى الدين الوحيد الذي أعلى من شأن العقل في نصوص قطعية الدلالة وجعل من أركانه إعماله في آيات الله الكتابية والكونية.
ومن المخالفات المنطقية الجسيمة أن يقرن في نظم واحد أو معادلة واحدة بين أمرين مختلفين تماما، يمكن المقارنة مثلا بين الإجماع وبين القياس، أو بين كتابي البخاري ومسلم، أما العقل فهو أداة الإنسان لفقه واستيعاب وتمحيص النصوص والآثار التي يسمونها بالنقل، فليس ثمة ما يستدعي افتعال معركة أو منافسة بين الأمرين، ولذلك لا معنى للعبارة المضادة، وهي تقديم العقل على النقل، يجب على كل فريق دائما التحديد الدقيق لما يقصده بكلٍّ من العقل والنقل.
*****
إن أهل اللاسنة واللاعقل قد انتقدوا المعتزلة فقالوا عنهم: "إنهم سلطوا العقل على الأدلة؛ فجعلوا الدليل تابعا للعقل، أو استدلوا بالعقل المجرد فجعلوه هو الحق، وجعلوا الدليل إذا خالف العقل فإنه لا يستدل به لأجل أن العقل قطعي عندهم، وأما الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف أو أقوال السلف فإنها مظنونة كما يزعمون، لهذا قال بعضهم: إنّ العقل هو القاضي المصدَّق وإنّ الشرع هو الشاهد المعدل فجعل مرتبة العقل القضاء والقاضي هو الذي يفصل، وجعل الشرع شاهدا".
ولقد غالى المعتزلة بالفعل في موقفهم من العقل الذي لا يكادون يعلمون عنه شيئا، ولو كان (العقل) قطعيا كما يزعمون لما احتاجت البشرية إلى كتب الله ورسله، ولكن ذلك لا يبرر أبدا للسلفية وأهل اللاسنة إهمالهم المطلق للعقل وإصرارهم على التصدي لأهل (العقل).
والسؤال إلى أهل اللاسنة: بماذا يحكمون هم على صحة عملية النقل؟ وبماذا يفقهون ما يسمونه بالأدلة؟ وهل يمكن أن يكون الأمر دليلاً إلا إذا خضع للتحليل المنطقي الدقيق؟ وهل مجرد ترديد وتكرار ذكر قول منسوب إلى أحد الأسلاف يصلح دليلاً على صحته؟ إن من العدل أن يكون لدى الإنسان المكلف ملكة يستطيع بها تقويم ما يسمى بالأدلة والحكم عليها كما يستطيع بها أن يفقه وأن يتدبر وأن ينظر في الآيات وأن يسمع وأن يعقل، بل إنه بوجود مثل هذه الملكة كان الإنسان إنساناً وبدونها فهو يكون أضل من الأنعام، لقد حقق السلفية وأهل اللاسنة واللاعقل للشيطان ولأعداء الدين ما لم يحلموا يومًا ما بتحقيقه، إن العداء المرير للعقل الذي يتسم به أهل اللاسنة واللاعقل قد أدى إلى تردي الأمة في هاوية سحيقة لم تستطع إلى الآن الخروج منها، والآن تعمل أشد فئاتهم تطرفا بالتنسيق مع ألد أعداء الدين من شياطين الإنس لنشر مذهبهم ولمحاصرة الأمة ومنعها من تعاطي ما يلزم من علاج ولصد الناس عن سبيل الله.
*****
ولم تصلح جهود السلفية الذين تصدوا للاتجاهات العقلانية إلا في تكريس الانحطاط العام وسيادة الجهل والتخلف وتحويل الأمة إلى قطعان من الأنعام، ولقد حاول الأشعري الوصول إلى صيغة وسط بين عقلانية المعتزلة وجمود السلفية فلم يفلح إلا في استفزاز عداء السلفية، ولقد زعم السلفية أنه اعتنق الدين السلفي في نهاية حياته وتبرأ من الأشعرية كما تبرأ قبلها من المعتزلة، ولكن لم يرد أنه خلع الثوب الذي كان عليه! ورمى كتب مذهبه وطعن فيها! كما فعل عندما تبرأ من مذهب المعتزلة!!
*****
يقول السلفنجية: "إن أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل"، وهذا القول منهم يبين بعض أسباب انهيار الأمة وتفرق الدين، كيف يوضع أمران مختلفان في معادلة واحدة؟ إنه كان عليهم التحديد الدقيق لما يقولونه حتى يكون لقولهم معنى، وكان يجب تحديد الإطار الذي ينطلقون منه أو يتحركون فيه، ومع ذلك فبافتراض أنهم يريدون بالنقل النصوص الدينية وبالعقل ملكات الإنسان الذهنية فما الذي تعنيه هذه العبارة لشخص لا دين له يريد أن يعتنق أحد الأديان؟ إن هذا الشخص –إذا كان إنسانا سويا- سيجد نفسه مضطرا لاستعمال عقله للمقارنة بين نصوص ومصادر ومقولات الأديان التي قرر أن يعتنق أحدها، وكيف سيقوم السلفي بواجب الدعوة إلى الله وهو ركن ديني ملزم باستعمال النقل وليس العقل؟ هل سيقف أمامه ليتلو عليه نصوصا هو لا يسلم بمصدرها ولا بمضمونها أصلا؟ ولقد دخل الناس في دين الله أفواجا على أيدي المعتزلة والأشاعرة والمتصوفة وليس على أيدي السلفية، ولقد كان المعتزلة وليس السلفية هم الذين قهروا الزنادقة بالحجج واجتذبوا الكثيرين إلى الإسلام، أما بالنسبة لشخص ولد مسلما فما الذي يعنيه تقديم النقل على العقل؟ هل يريدون إيهام الناس أن ثمة تعارضا ضروريا ولازما بين الدين وبين العقل؟ فلماذا حث الله تعالى الناس على إعمال عقولهم في آياته وأمرهم بذلك وحذرهم من عواقب إهمال ملكاتهم؟ إن قاعدة السلفية هذه لا ضرورة لها ولا سبب لها إلا عداءهم للعقل، إنه لا خوف على القرءان من أن يعمل الإنسان كافة ملكاته فيه، ولكن الخوف هو على منهجهم ومقولاتهم الخرافية والأسطورية المجافية لكل القواعد المنطقية والحقائق التاريخية والتي تشكل حلقة متماسكة إذا انهار بعضها فلابد من انهيارها كلها.
ولم يكن خصومهم من المعتزلة وغيرهم موفقين أيضًا في معالجتهم لهذه المسألة، ذلك لأنها من القضايا الهرائية المصوغة بحيث تجعل الناس يدورون في حلقة مفرغة، ومن يقارن بين العقل وبين النقل لا يكاد يعلم شيئا عما يسميه بالعقل والمقارنة بين الأمرين هي كالمقارنة بين وحدة قياس التيار الكهربي وبين وحدة الطول مثلا.
*****
يقف السلفية وقفة رجل واحد ضد أي استعمال للعقل في التعامل مع الآيات القرءانية، ولكن كيف يتعامل هؤلاء السلفية مع الآيات؟ وكيف يمكن لإنسان أن يفقه معنى الآية إلا بإعمال ما أنعم الله عليه به من الملكات الذهنية فيها؟ إن إعمال العقل في آيات القرءان هو ركن ديني، وثمة فرق بين أن يعمل الإنسان عقله في الآيات وبين أن يعمل عقله في كنه من أنزل الآيات، إن الكيان الإلهي هو فوق كل إدراك وتصور، ولكن يمكن للإنسان أن يدرك وأن يفقه الآيات التي ذكر فيها أسماءه وأفعاله وشئونه وسننه.
*****
إن الدين السلفي هو أكثر الأديان احتشادا بالمقولات المضادة للعقل والمنطق، لذلك لا أمل لشعوب مبرمجة على هذه المقولات في تحقيق أي تقدم.
إن الكثير من عقائد ومسلمات ومقولات السلفية تتهاوى سريعا بمجرد تسليط شيء من التحليل العقلي عليها.
أما دين الحق فمن أركانه الكبرى استعمال الملكات الذهنية والحواس الإنسانية للنظر في الآيات الكونية والنفسية وفي عواقب الأمم السابقة ولفقه واستيعاب السنن الإلهية والكونية والإفادة منها ولتحقيق المقاصد الدينية والوجودية.

*******

هناك تعليق واحد: