الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

من حقائق تاريخ القرن (الجيل) الإسلامي الأول

من حقائق تاريخ القرن (الجيل) الإسلامي الأول


1.          كان القرءان لا يوجد كاملا إلا في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وكان بالطبع هو المسؤول الأوحد عنه طوال حياته.
2.          كان لا يحفظ القرءان كاملا إلا بضعة أفراد.
3.          لم تكن الكتابة شائعة بينهم وكان الكتبة قليلين، فكان تعلم القرءان يتم في المسجد النبوي، ويقوم به الرسول بنفسه، وكان ذلك من مهامه العظمى، فكان يتلوه عليهم في الصلوات ويتهجد به، ولذلك تمَّ التشديد عليهم ليحضروا الصلوات معه، وباختصار لقد كان هو لقومه القرءان الحيّ والذِكر المنزل.
4.          كان المهاجرون بضع مئات، وكان عدد من حضر صلح الحديبية من المهاجرين والأنصار حوالي ألف وأربعمائة، هؤلاء هم الطبقة الأولى من المسلمين، وهم من أسلم من قبل الفتح وقاتل، وهم بداخلهم طبقات عديدة.
5.          هؤلاء كانوا قوما عمليين أميين يتلقون العلم من المعلم مباشرة، ولم يكونوا منظِّرين، وكان أهل العلم منهم بضعة أفراد.
6.          من أسلم من بعد الفتح كانوا حوالي مائة وعشرين ألفا، وأكثر هؤلاء لم يكونوا يعلمون عن القرءان والإسلام شيئا يُعتد به، وكان أهم ما يعلمونه أن يؤمنوا بالله وأن يحطموا أصنامهم وأن يؤمنوا بالنبي كرسول من لدن رب العالمين يدينون له بالولاء لذلك وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة.
7.          كان الرسول قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة التي أنشأها، وأوصى أن يكون ولي أمرها هو الإمام علي باعتباره سابق الأمة ويمثل الإسلام النقي الخالص، وكان قد نجح في كل ما نيط به من مهام في حين فشل وتخاذل غيره.
8.          بعد انتقال الرسول بادر الأنصار بالاجتماع في السقيفة للنظر في شؤون مدينتهم، ففوجئوا بحضور بعض المهاجرين، ونشب بينهم التلاسن المعلوم، وكان صراعا دنيويا محضا لم يحتج فيه أي فريق بنصٍّ من القرءان أو من حديث الرسول، وانتهى الأمر بتخاذل الأنصار وهزيمتهم أمام الدهاء القرشي وتصديقهم لوعدهم أن يكونوا هم الوزراء لأمراء قريش، وكان السبب الرئيس لهزيمة الأنصار عودة النعرة الجاهلية القديمة والخلاف بين الأوس وبين الخزرج، وتربص كل قبيلة بالأخرى.
9.          اعتبر المهاجرون والأنصار هذا الاتفاق ملزما للناس كافة بما فيهم من لم يشاركوا فيه، ولم يكونوا محقين في ذلك، وكان من الطبيعي أن يرفض أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قرارا لم يشاركوا في صنعه، كما كان من الطبيعي أن يرفضه العرب والأعراب، فهم بالإضافة إلى ذلك لم يألفوا أبدا الخضوع لملوك أو سلطة مركزية.
10.      مما دعَّم موقف أهل السقيفة عدم ارتداد مكة، وتبعتها بالطبع الطائف، وكان موقف القرشيين متسقا مع دهائهم، فقد علموا أن وسيلة استرداد مكانتهم القديمة هي الدخول في النظام الجديد ثم ركوبه خاصة وأنهم رأوا أن قرشيين من المهاجرين هم الذين استولوا على السلطة، وأنهم سيكونون في حاجة إليهم بحكم أن المهاجرين كانوا قلة في المدينة.
11.      وقع باقي أهل الجزيرة في حيرة من أمرهم، وترددوا في إعلان ولائهم للنظام الجديد، ولكن غلبت عليهم طبيعتهم العربية الأبية ولم يجدوا أنفسهم ملزمين تجاه هذا النظام بأي شيء، لم يألفوا أبدا الخضوع لملوك أو سلطة مركزية كما سبق القول، فتمردوا، وحاول بعض المشعوذين استغلال الأمر لصالحهم.
12.      أعلن أبو بكر أنه سيقاتل كل من منعه عقال بعير كانوا يؤدونه إلى الرسول، فبدأت بذلك حروب تأسيس دولة قرشية مركزية، وكانت أنموذجا لحروب العصور الوسطى بكل ما شابها من مخالفات جسيمة وجرائم كبرى.
13.      رغم أن قرار شنّ الحرب على العرب كان غير صحيح من الناحية الدينية إلا أنه كان صحيحا من الناحية الاستراتيجية بالنظر إلى ظروف ذلك العصر.
14.      ترتب على انتهاء حروب تأسيس الدولة الجديدة حروب أخرى لا مفرّ منها مع القوتين العظميين المتاخمتين للجزيرة العربية، ومن المعلوم أنه في القرون الوسطى كان أي خلل في التوازن الدولي يتم تصحيحه بالحروب، وكان القانون هو الويل للضعيف أو المغلوب، ولم يكن المتغطرسون من الفرس أو الروم ليتركوا الدولة الوليدة وشأنها، ومن المعلوم أن الحجاز قليل الموارد، وقد تمكن الأمويون والعباسيون من قمع كل ثورات مكة أو المدينة بوحشية بالغة استغلالا لذلك، فكان انتظار الهجوم الفارسي أو انتظار إنزال جيش بيزنطي  في جدة من أسطولهم الذي يملك السيادة على البحار يعادل الانتحار، لذلك كان القرار بالهجوم العام على الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية قرارا صائبا من الناحية الاستراتيجية، فالهجوم خير وسائل الدفاع، وكانت الإمبراطوريتان منهكتان بسبب الحرب العبثية الطاحنة التي نشبت بينهما، ولم تستردا بعد عافيتهما، فوقت الهجوم كان مناسبا، ولولا ذلك الهجوم لانخرط الأعراب في حروب طاحنة من جديد.
15.      مما ساعد العرب أن الإمبراطور البيزنطي المنتصر على الفرس هرقل كان قد أدرك خطورة الانشقاق الديني في الإمبراطورية بين المؤمنين بعقيدة مجمع خلقيدونية وبين الرافضين لها، فحاول فرض حلّ توفيقي على الناس، وهو عقيدة الإرادة الواحدة أو المشيئة الواحدة في المسيح، وتنصّ العقيدة على القول بمشيئة واحدة في المسيح، أي "إن طبعي المسيح المتحدان في مشيئة واحدة وشخص واحد بعد الاتحاد"، بمعنى آخر "إن الطبع البشري والطبع الإلهي في المسيح قد أفضت نتيجة اتحادهما إلى مشيئة واحدة أو قدرة واحد، فأحدث شقاقا أشد مما حاول أن يعالجه، وتورط في عمليات تعذيب بشعة للناس وخاصة في مصر لفرض العقيدة الجديدة عليهم، وذلك مما دفع الناس إلى اعتبار الغزوات العربية انتقاما إلهيا من البيزنطيين، وقد اعتقد ذلك هرقل نفسه وجنوده لكثرة تورطه وتورطهم في الموبقات، فكان البيزنطيون مهيئين لتلقي هزائم ساحقة.
16.      أظهر الشيخان ولاءهما الشديد لقريش، فكان قادة الجيوش منها، وسيؤدي نظام توزيع الأموال المنهوبة من شعوب المنطقة من بعد الذي أحدثه عمر إلى خلق طبقة شديدة الثراء، ولها مصلحة محققة في إبقاء الأمور على ما هي عليه، فجمعت قريش السلطة والقوة والمال، أما الأنصار فقد أصبحوا قلة لا أمل لمن يريد منهم شيئا من الدنيا إلا في التعلق بقريش والدخول في خدمتها، وتحققت نبوءة الحباب بن المنذر في السقيفة، أما في عهد عثمان فقد استفحل أمر الفرع الأخطر في قريش، وهو الفرع الأموي، وكان ذلك أمرا متوقعا، وبدأوا في التخطيط الجاد للاستحواذ على ملكٍ لا يبلى، ووجد بطلهم معاوية في الشام كل الجهاز البيروقراطي البيزنطي طوع أمره، فأنشأ لنفسه جيشا محترفا لا يدين إلا له بالولاء، وأطلق أيدي أعوانه من أهل الكتاب ليقوضوا أي عنصر ديني يهدد سلطانه، فبدأ العمل الجاد لإعداد دين بديل، وكان أول ما قاموا به الطعن في الإسلام ذاته، وهذا ما قام به وزير خزانتهم (القديس) يوحنا دفاق الدهب.
17.      أدَّى ذلك شيئا فشيئا إلى تحويل الإسلام الذي لم يكن تم تنظيره حتى الآن إلى أيديولوجية للقتال أساسا، وتمَّ تجاهل كل الأمور الدينية التي تتعارض مع هذه الأيديولوجية.
18.      لم يكن لدى المسلمين من مصدر للدين إلا القرءان، وقد اتَّبع الخلفاء الثلاثة خطة محكمة للقضاء على أي أثر ديني  يُنسب إلى الرسول أو أية وثيقة كُتبت في عهده ولو كانت آيات قرءانية معها تعليقات عليها مثلما فعل عثمان بالمصاحف الشخصية، ومنها مصحف عبد الله بن مسعود، وبالنظر إلى ظروف ذلك العصر لم يخطئ عثمان في ذلك!
19.      تفاقم الظلم والاستبداد والجور والنفاق ومظاهر الثراء الفاحش والانحراف الشديد عن الدين والتكالب على الدنيا في عهد عثمان، وكان من أسباب ذلك ولاته على الأقاليم، كما ذاقت الشعوب التي تم غزو بلادها الأمرين على أيدي الغزاة الجدد، ودفعوا ثمنا باهظا لمساعدتهم لهم على غزو بلادهم، وكان لابد من انفجار الأوضاع انفجارا مدويا.
20.      انفجرت الثورة ضد عثمان، وكان من أكبر المحرضين ضده والمؤلبين عليه من سيحاربون العالم ويخوضون في دماء المسلمين من بعده طلبا بثأره، وكان من أسبابها المباشرة أفعال ابن عمه مروان مضروب القفا بن الوزغة الحكم بن العاص طريد رسول الله، وكان مما فاقم المأساة شدة تشبث عثمان المغلوب على أمره بسلطة لم يكن يمارسها متذرعا بما عبر عنه بقوله: "ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه اللَّه"، وهذه هي العقيدة الجبرية في أجلى صورها، هذا رغم أنه كان يعلم جيدا أن سرباله هذا قد تسربل به نتيجة مؤامرة قرشية، فلم يكن يجوز له أن يحمِّل الله تعالى مغبة أفعال البشر، بل كان عليه أن ينزهه عنها.
21.      عندما تولى الإمام عليّ أمر الأمة، وهو كاره لذلك أدرك كبار المنتفعين من الأوضاع القائمة خطورة الوضع ومغبة العودة إلى المثاليات القديمة، وكانوا هم أغلبية امن يملكون المال والجاه والنفوذ، فثارت قريش بكافة أجنحتها ضده إلا بعض المخلصين وبعض البطون التي لم ينلها من دنيا الناس شيء، وكان من ناصره خليطا شديد التنافر من كافة الاتجاهات التي لديها أسبابها الخاصة للتمرد على الأوضاع القائمة، وهكذا جعلت أكثر بطون قريش وكبار المهاجرين القرشيين من أنفسهم كتيبة انتحارية من أجل الطليق معاوية المتربص في الشام.
22.      رغم انتصار الإمام علي في موقعة الجمل فإن ذلك أدى إلى زيادة عدد الموتورين والمتربصين به المصممين على تكريس الانحراف الذي حدث والعبّ من الدنيا عبَّا، وبدأ الناس ينفضون من حوله، وظهر جليا أن الأمة قد هوت، وكان ذلك نتيجة طبيعية لكل ما سبق ذلك من أحداث.
23.      أظهرت معركة صفين حقيقة الأمر، وتبين للناس أن معاوية هو زعيم أهل البغي وعبيد الدنيا، ولم يعد لأحدٍ حجة، كما تبين أن أهل الحق الحقيقيين هم قلة محدودة وسط بحر من أهل النفاق والشقاق، وأصبحت المسألة محسومة.
24.      استولى معاوية على السلطة والأمة، أما الجيل الجديد الذي نشأ فقد كان يجد عزاءه في الانخراط في الحروب الطاحنة ضد كل الشعوب المجاورة ظنا أن ذلك هو الجهاد المطلوب منهم، فقد كانت عملية تحريف الدين قد بدأت تؤتي أكلها، ولما لم يكن من الممكن المساس بالقرءان وإلا  لانفجرت ثورة لا يمكن تقدير نتائجها بدأت عملية محاصرته وعزله واستبعاده لحساب المرويات، وهكذا بدأ التنظير للدين الأعرابي الأموي في الشام على أيدي (فكهاء أو سفهاء) الأمويين، تولى هؤلاء أمر الصياغة المبدئية لهذا الدين، وعاونهم من رأوا أنه من الأفضل التكيف مع الأوضاع القائمة بأقل قدر من الخسائر، وهكذا نشأ الدين الأعرابي الأموي لشرعنة أفعال مجرمي الأمويين ولإخضاع الناس لهم، وتمَّ النفخ في كلمة (الصحابة) وتقديسهم من أجل معاوية وكل من دخل في خدمته ممن أرادوا شيئا من دنياه.
25.      كان أمرا طبيعيا أن يورث معاوية الملك لابنه يزيد، وكان من الممكن أن يندثر الإسلام بسبب الخطة الأموية لولا ثورة الإمام الحسين، فكان هو الذبح العظيم الذي بسبب تضحيته عاش الإسلام، واشتعلت الثورات ضد الأمويين ولم تهدأ إلا بإبادتهم، وهكذا ظهرت قلة من المخلصين تولت أمر الحفاظ على الدين رغم أنف المتسلطين.
26.      عندما استولى العباسيون على السلطة بعد القضاء على الأمويين -وكانوا أشد إجراما وأقل نفعا من الأمويين- أدركوا أن الدين الأعرابي الأموي هو الذي يناسبهم ولم لم يتورعوا مد يد العون لسدنته فظهر الشياطين الذين كانوا مجهولين في العصر الأموي وبدئوا يعملون علنا، وهكذا ظهرت طبقة من رجال اللادين لا يخلو اسم واحد منهم من الأسماء: يعقوب، إسحاق، داود، إسرائيل.
27.      تمَّ تكريس أركان الدين الأعرابي الأموي، فأصبحت الشائعات والمرويات هي السنة الحاكمة على كتاب الله والقاضية عليه والناسخة لآياته عند التعارض، وأصبح الصحابة (ومحورهم معاوية ويلتف حوله كل من مهَّد له وناصره) أربابا مشرعين لا يجوز لأحد الحديث عنهم أو انتقاد أي شيء من أعمالهم، وأصبح هذا الاسم الذي أصبح مطلقا غير مضاف لأحد هو محور الدين، وأصبح ذكر بعض أخطائهم كفرا لا ينفع معه الإيمان المذكور في القرءان.
28.      كان لابد أن ينشأ دين آخر يقابل هذا الدين يحقق التوازن المطلوب، فظهر الدين الشيعي الذي جعل من أركانه ذكر ما اقترفه من يسمونهم بالصحابة من المخالفات الجسيمة والتنديد بسلوك أهل البغي والمنافقين منهم والمنقلبين على أعقابهم، وبذلك تمَّ حفظ الكثير من التاريخ الحقيقي للأمة من بعد أن اندثر منه الكثير، ونتيجة لنشأة التشيع تحت وطأة إرهاب وحشي مجنون فقد شابه تطرف وتقبل لتأثير الأديان القديمة، كما أصبحت التقية من أركانه.
29.      حدثت محاولات عديدة لتحسين الدين الأعرابي الأموي فنتيجة لعمل المعتزلة أدخل الأشاعرة شيئا من العقلانية في الدين، كما أحيا الزهاد والمتصوفة الكثير من جوانبه الوجدانية، ولكن كل ذلك لم يستطع الصمود أمام تغول السلطة ووجود سدنة شرسين له، وتم استيعاب كل ذلك وتحريفه عن مبادئه، وتحول التصوف إلى طرق ومؤسسات اقتصادية ووراثية، وكذلك بقي الدين الأعرابي الأموي في صورته النقية حيا يظهر له (مجددوه) جيلا بعد جيل، وقد استغلوا غلو وانحرفات الطوائف الأخرى أحسن استغلال.
30.      وقد آن الآن أوان ظهور دين الحق النقي الخالص، أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار

*******

هناك تعليقان (2):