الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

منظومة القيم الإسلامية ج1

منظومة القيم الإسلامية ج1

إن للإسلام منظومته المعنوية الخاصة به، وهي ثابتة بالقرءان وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول، وهي تتضمن مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم وأن يتطهر مما يناقضها، كما تتضمن القيم والمبادئ والسنن الإسلامية، ولهذه المنظومة الحكم على كل ما هو من دونها من العناصر والأمور.
ومنظومة القيم الإسلامية هي المنظومة المعنوية الخاصة بالإسلام، وهي تتضمن القيم المقدسة لدى المسلم والتي يجب أن يسعى إلى التحقق بها والعيش بمقتضاها، فهي الصفات التي يجب أن يتزكى بالتحلي بها والتطهر مما يناقضها، هذه القيم والمعاني والصفات هي المقتضيات المعنوية للأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالأسماء الإلهية هي مصدر القيم في دين الحق، فالمصدر الأوحد لكل حسن (كمال) هو الله تعالى وحده.
ويزعم بعضهم أن ما يسمونه بالعقل هو مصدر القيم، وهذا بالطبع وهم باطل، فالعقل -أو بالأحرى ملكات القلب الذهنية- هو كيان نسبي مقيد، وهو أسير قدراته وما لديه من المعطيات وسقف عصره الحضاري، كما أنه يتم برمجته منذ ولادة الإنسان على العمل وفق نمط معين، فهذا المنطق وما لدى الملكات الذهنية من مفاهيم وتصورات مستخلصة ومجردة أساسا من عالم الشهادة، فأحكام هذا العقل نسبية، وهو في أمسّ الحاجة إلى الهدي الإلهي.
ولكن يجب العلم أيضًا بأنه لا حدّ لقدرة العقل البشري على التقبل والاستيعاب والرقي، ولذلك كان لأولي الألباب المتقين مكانة رفيعة في الوجود.
*******
إن للإسلام منظومة قيم هي الأرقى والأسمى، ومن ثبت أنهم يمثِّلون هذه المنظومة للناس لهم حق على كل عاشق للقيم والمبادئ والمثل العليا، فهذه القيم هي من مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية، والإنسان سوي الفطرة ينجذب إليها أينما كانت، فهو يحب مثلا كل من أسدوا إلى الإنسانية خدمات جليلة وآثروا على أنفسهم ولم يأبهوا بمتاع الدنيا العاجل، فتذكر سير هؤلاء هو من وسائل تزكية النفس.
أما ما هو مذموم وممنوع فهو الإصرار على التعلق لأسباب مختلقة غير موضوعية بمن ثبت إجرامه ونفاقه أو اتخاذ شركاء لله يشرعون في الدين ما لم يأذن به او ادعاء سمات إلهية لبعض الناس، وأكثر الأمة واقعون في ألوان من هذا الإثم.
والقيم هي من أمور الدين الكبرى، لذلك فالقرءان هو المصدر الأوحد لها، والقيم هي أساسا مقتضيات الأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالله تعالى هو المصدر الأوحد للحسن (الكمال) في الوجود، ولكل منظومة أو اسم من الأسماء الحسنى منظومة من القيم المقتضاه، هذه المنظومة تجمعها منظومة شاملة هي المنظومة الرحمانية والتي هي منظومة القيم الإسلامية، وبذلك تتعين طبقا لسنن الوجود وطبيعته منظومة مضادة لها من الصفات الشيطانية، ومن أركان الدين التطهر من الصفات الشيطانية والعمل على التحلي بالقيم الإسلامية.
وعلى سبيل المثال من المنظومات الإلهية منظومة سمة الرحمة، لذلك كانت الرحمة من القيم العليا والسمات الحسنى ومكارم الأخلاق التي على الإنسان أن يتصف بها وأن يعمل على ذلك وبمقتضى ذلك، فالرحمة صفة وعمل بمقتضى الصفة، والرحمة تتضمن اللين، وهي ضد الفظاظة والغلظة والقسوة، فعلى الإنسان أن يتطهر من كل الصفات والأفعال والتصرفات المضادة للرحمة، وهي تتضمن إقامة صلات مع الكيانات الأخرى الأقرب فالأقرب، والرحمة باعتبارها من أركان منظومة القيم الإسلامية لها الحكم فيما يختص بالأمور والمسائل الدينية، فيجب رفض كل ما يتعارض معها من آثار وعدم الأخذ بما هو مضاد لها من أحكام واردة في الآثار.
ولله تعالى منظومة سمة الحق، وهي تقتضي في الكيان الإنساني الحق والعدل في الحكم والصدق في القول والقيام بالقسط واحترام حقوق كل كيان بما في ذلك حقوق الإنسان وأداء الأمانات إلى أهلها، وهي تقتضي طلب الحق والاعتصام بالحق ورفض الباطل والأمور غير الحقانية وغير الموضوعية.
والحق هو من أركان منظومة القيم الإسلامية، ويجب التحلي بكل تفاصيله المشار إليها والعمل بمقتضاها، كما يجب أيضا التطهر مما يضادها ويناقضها مثل: الباطل، الظلم، الجور، الكذب، التكذيب بالآيات، جحود الآيات، الاعتداء على حقوق الإنسان، أكل أموال الناس بالباطل، أكل أموال اليتامى ظلما، اتباع الأمور غير الموضوعية مثل آراء السلف لمجرد أنها آراء السلف، اتباع الظنون والأوهام، ... الخ.
ومن المنظومات الفرعية لمنظومة القيم الإسلامية منظومة عزم الأمور، وهي تتضمن كل ما ذكر القرءان إنه من عزم الأمور، ومن ذلك التقوى والصبر (بمعناه الحقيقي) والعفو عند المقدرة والمغفرة، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}آل عمران186، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17، {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43.
*******
إن المنظومة الأمرية الرحمانية تتضمن كل ما يتوافق مع المثل الأعلى الذي هو لله تعالى في السماوات وفى الأرض، أي هي كل ما يتوافق مع المثل الإلهي الأعلى في عالم الأمر مما له مقتضيات وآثار على الإنسان (من حيث أن له كيانات مادية ولطيفة ومعنوية متعددة) وكذلك على الأمة من حيث أنها كيان كلى واحد، فتلك المنظومة تتضمن كل ما هو من عالم الأمر من مبادئ وقيم ومعان وأخلاق ومثل وصفات أي كل ما هو لازم لتحقيق مقاصد الدين العظمى بالنسبة إلي الفرد والأمة.
*******
إن منظومة القيم الإسلامية تتضمن مقدسات الإسلام العظمى من القيم والمبادئ والمثل والصفات والأخلاق والمعرفة بالسنن، وهي منظومة القيم التي ينبغي أن تكون حاكمة وسائدة علي الكيان الإنساني الذي تحقق أو يريد التحقق بالكمال المنشود بمعني أن يكون كيانا إنسانياً ربانياً خيراً فائقا، وعناصر تلك المنظومة هي مقتضيات الصفات الإلهية في النفس الإنسانية، وهي يمكن تصنيفها من حيثيات عديدة فيمكن أن تصنف من حيث الكيان الإنساني الملزم بها مثل الفرد أو الأسرة أو الأمة مثلا، وكذلك يمكن أن تصنف من حيث الكيان الذي له حقوق علي الكيان الإنساني، والكيان الأعظم هو لله سبحانه، ويلي ذلك سائر الكيانات الأخرى مثل الإنسان نفسه والأسرة والأمة والبشرية، وأعلى تلك العناصر ما هو خاص بالعلاقة بين الإنسان وبين ربه مثل تقوي الله وهي الخلق الجامع وحب الله والتوكل علي الله والاعتصام بالله وتفويض الأمر إلى الله والثقة بالله وخشية الله وإجلال الله، ومن المجموعات الفرعية لتلك المنظومة الأخلاق والصفات التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين الإنسان وبين نفسه وبين الإنسان وبين الكيانات الإنسانية الأخرى كالأسرة ومؤسسة العمل والمجتمع والأمة، لذلك فمما تتضمنه تلك المنظومة احترام حقوق الآخرين والصدق والقسط والعدل والولاء للحق والأمانة والشجاعة الصبر والحياء والجود والكرم والسخاء والوفاء والرحمة والرأفة والرفق والإحسان وحب الصفات النبيلة وحب استعمال الملكات الذهنية وإجلال المشاعر الوجدانية وخفض الجناح والمصابرة والحلم والعفو والصفح والمغفرة والسماحة واللين وكراهية ما يضاد تلك المنظومة وهي العناصر والأمور التي تكون المنظومة الشيطانية أو الشجرة الملعونة مثل الظلم والإثم والبغي والطغيان والجور والفساد والإفساد والكفر والشرك والنفاق والرياء والكذب والجهر بالسوء والشح والبخل والغلظة والعدوان والترف….إلخ.
*******
إن المنظومة المعنوية الإسلامية تتضمن مكارم الأخلاق، وهي كل ما كان من تفاصيل الصفات التي تشير إليها الأسماء الحسني كالرحمة والرأفة والكرم والجود والعزة والقوة … إلخ، وهي كذلك الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يقابل بها الإنسان التجليات الإلهية، لذلك فمنها التقوى والحب والأنس والهيبة والإجلال والخضوع والإخبات، وثمة أخلاق وأنشطة إنسانية بحتة اقتضاها كون الإنسان لم يخلق في مرتبته النهاية ابتداء وإنما يتطور كيانه الجوهري إلي أن يصل إليها، لذلك فهو مطالب بالتفعل ليصل إلي تحقق بالفعل، ومن تلك الأنشطة التفقه والتفكر والتدبر والتعقل والتذكر، لذلك فهو بممارسة التفقه في عنصر من عناصر مجال الفقه سيصل إلي فقهه، وهو يمارس تذكر أمر ما إلي أن يتحقق بذكره بمعنى أن يكتسب إحساساً دائماً بحضوره معه……إلخ، وثمة قيم عامة مثل الحق والعدل والقسط والصدق والرحمة...إلخ.
*******
إن منظومة القيم الإسلامية هي أيضا المنظومة الرحمانية، ذلك لأنها من مقتضيات الأسماء الحسنى التي هي من لوازم الاسم "الرحمن"، وهذه المنظومة هي روح الشريعة وسرها، وهي سارية في كل قانون من قوانين دين الحق، تعطيه حياته وفعاليته ونورانيته وتضمن دورانه في فلكها وتضمن اتساق سائر القوانين ومصداقيتها وتتحقق وتتجسد من خلال تلك القوانين، فالمنظومة وما اقتضته من الشرائع هي كيان كلي واحد متسق لا يتجزأ كالكيان الإنساني مثلا، ولا يمكن تفعيلها إلا كذلك بمعني أنه يجب إعمالها كلها وعدم الاقتصار على جوانبها الجزئية أو إنكار بعضها.
وتتنوع عناصر ومحتويات المنظومة الأمرية وتتفاوت الارتباطات والأوزان النسبية لكل عنصر طبقاً لطبيعة الكيان الإنساني، لذلك فإن المنظومة الكلية الأصلية تأخذ صورا عديدة؛ فثمة منظومات قيمية لكل من الفرد والأسرة والأمة.
*******
إن لتطور الكيانات الإنسانية (إنسان، أسرة، جماعة، أمة…) ارتباطا وثيقا بمنظومات القيم والسنن السائدة والحاكمة على هذا الكيان، ولذلك التطور ارتباط أيضاً بطبيعة العصر وما هو سائد فيه من الظواهر الاقتصادية والثقافية وغيرها، وكذلك ثمة تفاعل وارتباط قوى بين منظومات القيم والسنن السائدة وبين الظواهر الاقتصادية والثقافية الحضارية السائدة، فلا بد أن تفرض تلك الظواهر ما يلائمها وما يتوافق معها ومن العبث محاولة التصدي لها، أما دين الحق فليس ثمة خوف عليه من أية ظواهر يمكن أن تستجد، ذلك لأنه دين الطبيعة والفطرة، فليس ثمة خوف علي منظومات قيمه وسننه، فالتطور لن يزيدها إلا جلاءً ووضوحا وسيبرز تفاصيلها وما خفي علي الناس منها، ولقد رفضت أوروبا الإسلام وناصبته العداء المحض ولكنها بعد أن دفعت الثمن غاليا من دماء أبنائها ومواردها اكتشفت من القيم والسنن ما هو أشبه بما لديه، وسواء أكان اهتداؤهم  إلى تلك القيم والسنن تأثرا بما وصل إليهم  منه أو وصلوا إليها مستقلين عنه فإن ذلك يبين مدي كفاءة وحقانية وفعالية تلك القيم والسنن.


*******

هناك تعليق واحد:

  1. كل الاديان عبر التاريخ تسعى إلى غرس هذه القيم لاكن ليس بهذا قدر من الكمال
    ومع هذا تم تشويه صورة المسلمين بسبب بعض المحسوبين على الإسلام حيث أنهم يتقربون إلى الله تعالى بشتم المخالف لهم والتشهير به و قتله
    حفظك الله ونفع بك

    ردحذف