السلفية والصورة
روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ
عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ
فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا
يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ
عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ
يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن".
وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ
أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى
صُورَتِهِ ".
وروى ابن أبي عاصم في السنة (517) عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة
الرحمن". قال الشيخ عبد الله الغنيمان: (هذا حديث صحيح صححه الأئمة، الإمام
أحمد وإسحاق بن راهوية وليس لمن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة، وقد خالفه من هو أجل
منه).
وروى ابن أبي عاصم (516) أيضا عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى
خلق آدم على صورة وجهه" وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح.
وهاتان المرويتان تدلان على أن الضمير في قوله "
على صورته "راجع إلى الله تعالى.
وروى الترمذي (3234) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال
فيم يختصم الملأ الأعلى..." الحديث، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي مروية الشفاعة الطويلة: "فيأتيهم الجبار في
صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" رواه البخاري (7440) ومسلم (182).
قال السلفية: ((ومن هذه الأحاديث يعلم أن الصورة ثابتة
لله تعالى، على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته لا تشبه صفات المخلوقين،
كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم)).
وقال ابن تيمية: (لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من
الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها، على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله
اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستوائه
على العرش، ونحو ذلك) نقض التأسيس 3/396
والصورة في اللغة: الشكل والهيئة والحقيقة والصفة. فكل
موجود لابد أن يكون له صورة.
وقال ابن تيمية: (وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم
به، فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم
بنفسه ليس له صورة يكون عليها).
وقال: (لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن
الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من
الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة
الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عن طائفة من
العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ
الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة ) نقض
التأسيس 3/202
وقال ابن قتيبة: (الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع
والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم
تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد) تأويل
مختلف الحديث ص 221
وهكذا يحتج على الناس بفقهه السابق للقول، وهو فقه خاطئ
أصلا! وبالطبع لا يسلم له غير السلفية الذين هم على دينه بما يعطونه من تفسير
للإصبع.
قال الشيخ الغنيمان: (وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات
الأخرى، فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي وجب إثباتها والإيمان بها) شرح كتاب
التوحيد من صحيح البخاري 2/41
وسئل الشيخ ابن باز: ورد حديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله سبحانه خلق آدم على صورته. فما الاعتقاد
السليم نحو هذا الحديث؟
فأجاب:
((الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا
ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" وفي لفظ آخر: " على
صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل.
والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا،
متكلما إذا شاء، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء، وله وجه جل وعلا،
وليس المعنى التشبيه والتمثيل ، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق،
وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء ، وهكذا خلق الله آدم سميعا
بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم ، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر ، وليس
المتكلم كالمتكلم ، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته ، وللعبد صفاته
التي تليق به ، صفات يعتريها الفناء والنقص ، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها
نقص ولا زوال ولا فناء ، ولهذا قال عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى / 11 ، وقال سبحانه : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ ) الإخلاص / 4 ، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه ) انتهى من
مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226
ومما يبين معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن
أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) رواه البخاري (3245) ومسلم (2834)، فمراده صلى
الله عليه وسلم أن أول زمرة هم على صورة البشر، ولكنهم في الوضاءة والحسن والجمال
واستدارة الوجه، وما أشبه ذلك على صورة القمر ، فصورتهم فيها شبه بالقمر ، لكن
بدون مماثلة ... فتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً
له من كل وجه .
فقوله صلى الله عليه وسلم : (خلق آدم على صورته) أي أن
الله عز وجل خلق آدم على صورته سبحانه، فهو سبحانه له وجه وعين وله يد ورجل سبحانه
وتعالى ، وآدم له وجه وله عين وله يد وله رجل ... ، لكن لا يلزم من أن تكون هذه
الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه ، لكنه ليس على سبيل المماثلة ، كما أن
الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر ، لكن بدون مماثلة ، وبهذا يصدق ما
ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أنّ جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليس مماثلة
لصفات المخلوقين ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل)).
انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه
الله ( 1 / 107 ، 293 )
وللمزيد ينظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ
الغنيمان 2/33-98 وفيه نقل مطول عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يبطل تأويلات
أهل الكلام ومن وافقهم لهذا الحديث.
هذه كانت أقوال السلفية والأثريين.
فالسلفية يقولون: "فهو سبحانه له وجه وعين وله يد
ورجل سبحانه وتعالى، وآدم له وجه وله عين وله يد وله رجل ...، لكن لا يلزم من أن
تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكنه ليس على سبيل
المماثلة".
فذلك هو ظنهم بربهم، فهم يضيفون إليه الأعضاء والجوارح
كما تُضاف إلى الإنسان، ولكنهم ينفون عنها فقط أن تكون مثل أعضاء وجوارح الإنسان، وكل كلامهم يدور حول أن لله سبحانه
صورة مثلما أن له وجها وعينا يدا ورجلا، وكما قال قائلهم بأن الصورة ليست
بأعجب من اليدين والأصابع والعين! وهم يقولون بأن هناك شيئا من الشبه، لكنه ليس
على سبيل المماثلة، وهم لم يجسروا على نفي أن له سبحانه جسما.
فهم يثبتون الجوارح والأعضاء والصورة بالمعاني المألوفة
الدارجة، ولكن ينفون الشبه التام أو المماثلة.
وإضافة الجوارح إلى الله تعالى في القرءان هي وفق
الأساليب العربية اللغوية، ولها لوازمها ومقتضياتها من المخاطبين التي يدركها كل
من هو عربي السليقة بالبداهة، فالذي يعني الناس العبارة ككل واحد، وليس جزءا منها
بعد تفتيتها، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا
يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا
يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10]
فهذه الآية لا تقصد إلى إثبات اليد لله بمثل ما أنها
لا تقصد إلى إثبات أن الرسول هو الله، وكل عربي السليقة سوي الفطرة سيدرك معاني
الآية ومقتضياتها منه.
والقول: "إن اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى
صُورَتِهِ" الوارد في صحاح المرويات موجود بنصه في التوراة كما هو معلوم، فهو
من الإسرائيليات العزيزة عليهم، جاء
في سِفْرُ التَّكْوِينِ، الأصحَاحُ الأَوَّلُ:
27فَخَلَقَ
اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا
وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ:
«أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا
عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ
يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 29وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ
أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ،
وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. 30وَلِكُلِّ
حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ
فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا». وَكَانَ
كَذلِكَ.
31وَرَأَى
اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ
صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.
فالمروية
المقدسة عند المجسمة المشبهة والتي تقول: "خلق الله آدم على صورته"،
منقولة من عند بني إسرائيل!
فنرجو ممن يريد
أن يجادل أن يتحقق أولا مما سيورده، وألا يورط نفسه فيما لا علم له به، أما إذا
تبين له خطؤه فعليه أن يقر بذلك قبل أن يعلق ثانية! وألا يحاول تبرئة بني إسرائيل
مما هو مدون عندهم في أقدس كتبهم!
ومن ليست لديه فرصة لمطالعة التوراة فليشاهد فيلم
"الوصايا العشر بطولة شارلتون هيستون (Charlton Heston)، وسيجد
الإسرائيلي يصرخ بها في وجه المصري الذي كان مشرفا عليهم في العمل، ولكن لما ورد
في كتاب أهل اللاسنة المقدس "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فقد حدثهم
بنو إسرائيل بمثل هذا القول واعتبروه هم نصا مقدسا وألزموا به ربهم والمسلمين من
بعدهم، لقد تمت صياغة العقيدة السلفية الأثرية وفق تصورات بني إسرائيل وصادفت هوى
شديدا لدى الأعراب البدائيين، أما الإسلام الذي هو دين الحق فهو بريء من تصوراتهم
وأوهامهم وأساطيرهم.
فالسلفية يتمسكون بمروية "خلق الله آدم على
صورته" المنقولة من سِفْرُ
التَّكْوِينِ، جاء في هذا السفر، الإصحَاحُ الأَوَّلُ: "27فَخَلَقَ
اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا
وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." وهم يثبتون بذلك لله صورة بالمعنى الحقيقي المعلوم،
فوجود مروية في كتب المرويات هو عندهم حجة على كل شيء آخر بل على القرءان وعلى الله
سبحانه نفسه، ومن لا يقول بكفرياتهم سيعتبرونه هو الكافر..... إلى آخر ما في
جعبتهم من اتهامات!!!!
وحتى لو كانت المروية صحيحة فليس فيها ما يلزمك بأن تدعي
أن للكيان الإلهي شكلا أو هيئة أو صورة لها من المعنى ما لصورة المخلوق من معنى، فليس
فيها ما يلزمك بأن تأخذ بالمعنى العامي الدارج للفظ الصورة، والذي هو خطأ من
الناحية العلمية البحتة!
ولكن هل يعلم السلفية ما حقيقة الصورة التي لكائنٍ ما
عندهم؟ هذه الصورة يكونها دماغ الإنسان بناءً على معطيات الحواس والظروف البيئية
المحيطة، فهي تعتمد على كل هذه العوامل، ومنها مدى كفاءة ما لدى الإنسان من حواس
ونطاق كل حاسةٍ منها، فقوة الإبصار مثلا تتفاوت من إنسانٍ إلى آخر، والصورة لكائنٍ
ما تتكون بسقوط الفوتونات الضوئية المنعكسة من جسمه ثم ترتد على عين الإنسان في زمنٍ
متناه في الصغر، تستقبل العين هذه الفوتونات الضوئية على ما يقرب من 126 مليون
خلية حساسة للضوء في شبكية العين.
هذا بالإضافة إلى وجود الــ"Opsins"، وهو
البروتين الذي يشكِّل جزءًا من صبغة "رودوبسين" البصرية، التي يتم
إطلاقها وتحفيزها بواسطة الضوء، هذه الجزيئات الصبغية في خلايا الشبكية تمتص
الطاقة الكهرومغناطيسية من تأثير الفوتونات مُولدة بذلك إشارات كهربية.
هذه الإشارة تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، ويقوم
الدماغ البشري بدوره بتحويل التفاوت أو الاختلاف في الاتجاهات والطاقات للفوتونات
الساقطة إلى أشكالٍ وألوانٍ مُختلفة، وبالتالي تتكون الصورة المعلومة.
والجهاز البصري للإنسان لا يتأثر إلا بموجات
كهرومغناطيسية Electromagnetic waves ذات طول موجي يتراوح من 0.4 إلى 0.7 ميكرون،
وهذا الجهاز لا يتأثر بكل الألوان بنفس الكفاءة، وقدرته على التحليل Resolution محدودة.
فلو تغير أي شيء من إمكانات الجهاز البصري للإنسان
لتغيرت الصورة التي لديه عن كائنٍ ما تغيرا هائلا، ولذلك فهذه الصورة أمرٌ نسبي
مقيد، ولا يمكن أن تتطابق صورتان لدى اثنين عن نفس الكائن تطابقًا تاما.
ومن يعلم تركيب وكيفية عمل الجهاز البصري للكائن الحي
يدرك أنه يرى آيات حقيقية لله رب العالمين ويعلم أن عليه أن يشكر ربه على عظيم
نعمه وأن يعرف الفضل للعلماء الذين كرسوا أوقاتهم وجهودهم للنظر في هذه الآيات ومعرفة
أسرارها والانتفاع بها في شتى المجالات.
هذه هي الصورة المعلومة التي لا يعلمها السلفية، ولقد
تمكن الإنسان الحقيقي (وليس الكائن السلفي) من اختراع أجهزة تصوير قائمة على محاكاة
عمل الجهاز البصري للإنسان لالتقاط الصور وتسجيلها، فكان أول رد فعل مشايخ الدين
الأعرابي الأموي الهمجي تحريم ذلك، وتسببوا بذلك في فتن ضارية في العالم المحسوب
ظلما على الإسلام، ثم سحقتهم ضرورات ودواعي التقدم، فلم يقدموا أدنى اعتذار للأمة
على فرضهم عليها كوارث جهلهم وتخلفهم، ثم صار هؤلاء المشايخ أكثر الناس انتفاعا
بأجهزة التصوير بكافة صورها.
فهل يمكن أن تكون هناك صورة لله رب العالمين بهذا
المعنى؟
وحتى من الناحية الاستدلالية البحتة: هل يجوز استعمال
مروية آحادية لفرض عقيدة على الناس ومحاكمتهم إليها؟ لقد رفض جمهور أهل السنة ذلك!
وقالوا إن خبر الآحاد لا يؤخذ منه علم أو عقيدة، وإنما يؤخذ منه عمل فقط، ولكن لم
يعد أحد يجهر برأي هذا الجمهور، وغلبهم السلفية المشبهة المجسمة على أمرهم.
نعم، ليس كل ما في التوراة الموجودة الآن باطل، ولكن يجب
اتخاذ القرءان المرجع الأوحد فيما يجب الإيمان به؛ أي في أمور العقيدة، ولا يجوز
فرض المعاني العامية الدارجة على رب العالمين، ويجب النظر إلى مغزى النص، وبالطبع
فإن الجزء الأول من المروية له أصل صحيح، وهو: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ
أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ".
وفي الحقيقة لا يوجد أي ارتباط بين هذا الجزء وبين الجزء
الثاني من المروية وهو: "فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى
صُورَتِهِ"، فإذا كان مبرر تجنب الوجه هو أن آدم مخلوق على صورة الله أو
الرحمن فإنه يكون من الأولى تجنب كل كيان آدم، فهو ليس بوجهه وحده مخلوق على هذه
الصورة وإنما هو مخلوق عليها بكله، ومن الواضح أن أحد الرواة سأل حبرا من أحبار
اليهود عن سبب الجزء الصحيح من المروية فأجابه بالعبارة التوراتية فأدرجوها في
المروية.
وموضوع الصورة التي ينسبونها إلى الله سبحانه هو غير
موضوع التجليات الإلهية، فهم يتحدثون عن صورة ثابتة معلومة، وهذا يعني أن الذات
الإلهية عندهم لها صورة إنسان فائق الأبعاد مثلا، وذات مادة مختلفة عن مادة جسم
الإنسان، ولها أعضاء وجوارح حقيقية.
***
من
الردود على سلفنجي مشبه مجسم:
-
يجب
أن تعلم وأن تؤمن بأن الله لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وأنه بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيط، ولا يجوز أن تشبهه بخلقه ثم تصدر
تحفظا خاليا من المعنى.
-
إذًا
فأنت تقول إن لله سبحانه شكل أو هيئة وإن كانت مجهولة، أليس كذلك؟
-
لابد للشكل من مشكل وللهيئة من مهيئ وللصورة من مصور،
والصورة التي يدركها الإنسان عن أي كائن إنما تشترك في تكوينها حواسه وملكاته، فهي
لا تنطبق بالضرورة على الكائن الخارجي وإنما تمثله، وتوجد كيانات لا حصر لها لا
صورة لها لأنها تقع خارج نطاق حواس ومدارك الإنسان، ولا يجوز أبدًا تقييد الله
تعالى بالصورة، والقول بأن لذاته أو لكيانه صورة أو شكلا أو هيئة يعني تقييدا
وتحديدا لمن لا يمكن تقييده أو تحديده، فهذه الأشياء بالضرورة مقيدة محدودة
-
أربابك من سدنة المذهب يتحدثون عن صورة حقيقية، وآدم
مخلوق عليها، وهذه الصورة وفقا لعقائدكم الأخرى لها جوارح وأعضاء بالمعنى المعلوم،
ولكن بلا كيف!!!
ومن
الجدير بالذكر أن المؤمنين بوحدة الوجود من فلاسفة التصوف وغيرهم يحتفلون احتفالا
شديدا بالمرويات التي تتضمن تشبيها وتجسيما كالسلفية تماما، فهي تثبت أقوالهم بأن
كل كائن هو تجلٍّ للذات الإلهية مقيدة بالعين الثابتة لهذا الكائن وأن كل ما تراه
هو الذات الإلهية ولكن من حيث مرتبتك وأن الأعيان الثابتة لم تشم رائحة الوجود، وإنما
ظهرت الذات الإلهية بأحكام هذه الأعيان أو رأت هي نفسها في مرآة الوجود مع بقائها
ثابتة في العلم، وهذا يعني أن تحقق الكائنات بالوجود يعني عندهم خروجها من العلم،
وهو مستحيل.
والحق
هو أن الإنسان قد يشتد إحساسه بالحضور الإلهي حتى تمثل له مخيلته صورة له أو يلتقط
من عالم الخيال صورة كانت قد تمثلت لغيره، وفي كل الأحوال فهذه الصورة مقيدة
بطبيعة هذا الإنسان، فهي أمرٌ ذاتي خاص، ولا يجوز له أن يقيد الله تعالى بهذه
الصورة، فهي صورة مخلوقة بمقتضى السنن.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق