قال تعالى:
{وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }البقرة163 * {إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171 * {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}المائدة73 * {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرءان لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19 * {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31 * {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} إبراهيم52 * {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }النحل22 * {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ }النحل51 * {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110 * {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }الأنبياء108 * {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }الحج34 * {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46 * {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ }الصافات4 * {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} فصلت6
الاسم "الواحد" هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى؛ أي من الأسماء التسعة والتسعين المطلوب إحصاؤها.
و"الواحد" هو اسم له سبحانه يشير إلى سمة لازمة لمرتبة الإلهية، فتلك المرتبة بحكم حقيقتها لا تكون إلا لواحد،فالواحدية تنفي بذاتها أن يكون لغيره وجود حقيقي معه وتنفي أن يكون ثمة كمال ذاتي لدى من هم غيره، فمن له الوجود الذاتي الواجب المطلق والكمال اللانهائي المطلق والعلو المطلق والإحاطة المطلقة لا يتعدد، ومن هو الواحد المطلق لا يثنيه ولا يعدده شيء في أي مرتبة من مراتبه أو سمة من سماته أو شأن من شؤونه ولا يقارن به بأي حال من الأحوال، وإذا كان الإنسان المخلوق لا يتعدد بصفة من صفاته أو بكلمة صدرت عنه أو بفكرة جالت بخاطره فالواحد المطلق هو أولى منه بذلك، ووحدانية كل إنسان وأحديته إنما هي من تجليات هذا الاسم.
فهو سبحانه الواحد في ذاته وفي كل اسم من أسمائه وفي كل سمة من سماته وفي كل فعل من أفعاله، لذلك فلا يمكن أن يكون له ولد لأنه لا يمكن أن يشاركه كائن آخر في كنهه.
فهذا الاسم يشير إلى السمة التي تدل على وحدة منظومة الأسماء من حيث أنها تجليات لذات واحدة.
والاسم "الواحد" يأتي دائما في القرءان الكريم مرتبطا بكلمة إله، لذلك فمن حيث هذا الاسم فإنه لا يستحق المرتبة الإلهية الجامعة لكل الأسماء الحسنى إلا هو سبحانه، فمن له الأسماء الحسنى لابد أن يكون واحدا، فالمرتبة الإلهية تنفى بذاتها الشريك والمثل، فالإلهية هي الوجه الظاهر للكمال والحسن اللانهائي المطلق، فلما كان هذا الكمال المطلق لا يمكن أن يتعدَّد كانت السمة الظاهرة منه كذلك، وهذا يقتضي وحدة وتجانس القوانين الكونية بما فيها القوانين المادية، وهذا ما يفسِّـر جمالها واتساقها، والأسماء الحسنى هي تفاصيل وتجليات المرتبة الإلهية، وهذا لا يعنى أنه باندماج كل الأسماء الحسنى كانت سمة الإلهية؛ إذ الإجمال أو الإحكام سابق على التفصيل، بل يعنى أن سمة الإلهية مفصَّلة ومتجلية بالأسماء الحسنى، وجماع سمات الإلهية الحقيقية والتي هي المرتبة الإلهية لا يستحقها بذاته إلا الله سبحانه، فهي تنفى بذاتها الشريك فإن توهُّم الشريك انتقاص منها وإساءة أدب معها بينما هي محض الكمال المطلق غير القابل للنقص أصلا، فهذا الاسم هو المكافئ لكلمة التوحيد والمؤدِّى لمعناها، ولذلك كان هو أصل الشرائع وأصل الدين.
*****
ومن الناحية اللغوية فإن "واحد" و"أحد" هما من الفعل (وحد)، والواو والحاء والدال: أصلٌ واحد يدلُّ على الانفراد. من ذلك الوَحْدَة، وهو وَاحدُ قبيلته إذا لم يكنْ فيهم مثلُه، فالجملة وَحَدَ - يَحِدُ (وَحِدَ - يَوْحَدُ) الكائن أو الشيء تعني يكون واحدا ووحيدا، أي يكون في مرتبته أو مكانته أو في التعامل معه واحدا: ينظر إليه ويعتبر ويتعامل معه ككائن فرد عدده واحد، وليس أكثر.
وَحْدُهُ: بمفرده من غير أن يكون معه ثان أو آخر
فكلمة "واحِد": اسم فاعل وصفة مشبهة من " وَحَدَ - يَحِدُ ": الشيء أو الكائن الذي يكون في موضعه ونتعامل معه على أنه كائن او شيء واحد مفرد لا أكثر
*****
والله من حيث الاسم "الواحد" يدعو الخلق إليه ويكلِّف عباده الذين وهبهم الإرادة الحرة والاختيار، وهم من حيث أنهم عباده إنما يتوجهون إليه من حيث هذا الاسم، فهذا الاسم مرتبط بمعني الاسم الإله، فهو سبحانه إله من أسلم له طوعا بمحض إرادته واختياره، فمن كان كذلك وقام بقدر استطاعته بما يقتضيه منه ذلك فإنه يصبح من خاصته وأحبابه وأوليائه، فهذا الاسم هو أصل الدين القيم ومنبعه، وهو الذي اقتضى العلاقة الممكنة الوحيدة بين العباد وبين ربهم؛ ألا وهي الإسلام، قال تعالي:
{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} (الحج:34).
كما اقترن هذا الدين بالشهادة له سبحانه بالوحدانية، قال تعالى:
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران).
والاسم "الواحد" يقتضي من الإنسان أن يعمل على أن يتميز في مرتبته باكتساب الكمالات اللازمة لذلك كما اكتسب من قبل الملكات الذاتية الخاصة.
والتحقق بمقتضيات الاسم "الواحد" من لوازم الوصول إلى مراتب الكمال، فهو الاسم الذي ترتبت عليه كلمة التوحيد والتي تتضمن أعظم قوانين الوجود والتي هي شرط انتفاع كيان الإنسان الجوهري بعمله ووصوله إلى كماله المنشود، فلا أمل لإنسان في تحقيق شيء من ذلك إلا بإقراره بوحدانية الإله، وهو يقتضي من الإنسان أن تتسق كل أخلاقه مع بعضها ومع دوافعه، وأن يتفق قوله مع فعله وظاهره مع باطنه، كما يقتضي وحدة الأمة وتماسكها والامتناع عن تفريق الدين.
فبما أن الإله واحد، فالدين واحد، والأمة يجب أن تكون واحدة، لذلك كان من أول الأركان الملزمة للجماعة المسلمة وحدة الدين ووحدة الأمة، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} الشورى، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} الأنعام، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} آل عمران، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} المؤمنون.
ولذلك فمن كبائر الإثم على مستوى الأمة والجماعة تفريق الدين وتمزيق الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق