الأربعاء، 16 يناير 2019

مسألة امتناع الخلفاء عن تدوين آثار العهد النبوي

مسألة امتناع الخلفاء عن تدوين آثار العهد النبوي

السنة في الدين السني هي ما أثر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية سواء كان قبل البعثة، أي هي باختصار المرويات المنسوبة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وسيرته وأقواله وأفعاله.
فإذا كان الدين السني هو الحق المطلق فلا شك أن أئمة أهل السنة من (الخلفاء الراشدين) كانوا يعلمون بالضرورة هذا التعريف للسنة، كما كان معلومًا لهم أنهم مكلفون بالحفاظ على هذه السنة في إطار حفاظهم على الدين وتبليغها للعالمين.
وبالتأكيد كانوا يعلمون، بحكم كونهم أرباب الدين السني المعتمدين أن المقصد الأول للدين هو الحفاظ على الضروريات الخمس وعلى رأسها الدين.
فما الذي منع الخلفاء أبا بكر وعمر وعثمان (الذين استمر حكمهم حوالي 24 سنة) من التدوين الموثق لما يسمونه بالسنة، مع قرب العهد بكل ذلك وفي فترة حياة الشهود الأصليين إذا كانت هي الوحي الثاني ومِثْل القرءان والقاضية عليه والحاكمة عليه والمبينة لمبهمه الموضحة لمشكله المفصلة لمجمله المقيدة لمطلقه... الخ؟ وإذا كانت تشكل أكثر مادة الدين؟
ها هي مجمل أقوالهم والاحتمالات الممكنة:
1.     كانت أذهان العرب سيالة، وكانوا يخشون على سيولة أذهانهم من أن تتعود الاتكال على التدوين، وهذا القول لو كان صحيحا فهو لا يبرر الإحجام عن التدوين، وكان من الممكن إيجاد طريقة للتدوين لا تؤثر على هذه السيولة، فهذا القول يدينهم ولا يدل إلا على جهل بأهمية هذا الدين وعالميته، والرد عليه: إذا كانت أذهانهم سيالة فكم واحد منهم كان يحفظ القرءان كاملا طبقا للمرويات المقدسة؟
2.     كانوا يخشون اختلاط الآثار بالقرءان، وهذا القول يتضمن طعنا في القرءان الذي تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله، وإذا كان الذين نزل القرءان بلسانهم لا يستطيعون التمييز بين القرءان وبين كلام البشر ولا يرون فيه ما يميزه عن غيره فما هو حال العجم مثلا؟ وما هو معنى التحدي أصلا؟ ومع ذلك كان من الممكن التغلب على هذه المشكلة بأن تُجمع (السنة) في كتاب يكون مكتوبا على غلافه بأكبر بنط ممكن (السنة)، كما كان يمكن كتابة (السنة) على أعلى كل صفحة وأسفلها، بل كان يمكن كتابتها كـ(العلامة المائية) بلون مختلف على كل صفحة.
3.     لم يكن لهم عهد بالتدوين، وهذا مردود عليه بأنهم كانوا يعيشون مع اليهود ويعلمون أنهم يعتمدون على وثائق مكتوبة منسوبة إلى أنبيائهم، وكانوا هم يتعلمون منهم سيرة الأنبياء المذكورين في القرءان ويلحون عليهم في طلب ذلك، فلم يكن من العسير عليهم باعتبارهم حملة الرسالة العالمية أن يدركوا أهمية تدوين كل ما يتعلق بالنبي الخاتم، إلا إذا كانوا لم يعرفوا له قدره، ألم يكونوا يدركون أن الأجيال القادمة ستكون أشد شوقا لمعرفة كل شيء عن النبي الذي لم يروه كما ظهر لهم وأثبتوا هم وأظهروا شوقهم إلى معرفة أنبياء بني إسرائيل؟!
4.     أنهم لم يكونوا بحاجة إلى التدوين لأنهم كانوا محيطين بكل شيءٍ علما، وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا، وقد ثبت أن أمورا كثيرة كانت تخفى على الخلفاء وكانوا يبحثون عمَّن يعرف أي سنة عن الرسول في هذه الأمور، فكان يجب أن يدركوا أن حاجة من سيأتي بعدهم ستكون أشد.
5.     أنهم كانوا يظنون أن الرسالة خاصة بالعرب، وأنه لذلك يكفي الاكتفاء بتداول أقوال الرسول شفهيا كما كانوا هم يلتزمون بذلك مع تراثهم كله، وهذا الظن منهم كان بالطبع خطأ جسيما، وقد ظهر في عدم اكتراثهم بدعوة الناس جديا إلى الإسلام، وفي تقديمهم أنفسهم للآخرين كغزاة مثل غيرهم وليس كمثل عليا في الإيمان والزهد والصلاح والتقوى.
6.     أنهم لم يكونوا يأخذون أمور الدين بالجدية اللازمة.
7.     أنه كانت هناك مؤامرة عاتية للقضاء على آثار العصر النبوي، والطرف المستفيد هو بالطبع الذي انفرد في النهاية بالسلطة، وهذا هو قول الشيعة، ونحن نرفض أن يكون هذا هو دافع الخلفاء الثلاثة، ولكن شيئًا من هذا هو الذي أقدم عليه الأمويون بالفعل.
8.     كما يقول بعض المؤرخين الغربيين أن قصة الإسلام وكل ما يتعلق ببداياته اختلقها مؤسسو الإمبراطورية العربية كأيديولوجية للقهر والتوسع واستمرار السيطرة على الإمبراطورية الضخمة المتنافرة، وبالتالي فليس ثمة ما يستدعي أن تكون القصة محبوكة 100%، وزعمهم غير الصحيح، ولكن الذي حدث هو أن الأمويين فتحوا الباب للمرويات ليتمكنوا من إعادة صياغة الدين ليكون بالفعل أيديولوجية للقهر والتوسع واستمرار السيطرة على الإمبراطورية.
9.     أن مزاعم سدنة المذهب السني من أن السنة (المرويات) هي الوحي الثاني ومِثْل القرءان والقاضية عليه ... الخ مزاعم باطلة، وهي بالفعل كذلك.
10. أنهم انقلبوا على أعقابهم وانشغلوا بالدنيا التي أقبلت عليهم وأصبح بقاء الحال على ما هو عليه في صالحهم، وأصبحت أمور الدين لا تعنيهم كثيرا، وهذا صحيح جزئيا.
11. أنهم كانوا بدائيين ولا يعرفون شيئا عن المهام المنوطة بهم كحملة رسالة للعالمين وأنهم أساؤوا فقه هذه الرسالة.
12. أن الأكثرية الساحقة من الأعراب والمنافقين والطلقاء فرضت صفاتها ورغباتها وعاداتها وتقاليدها على الجميع.  

وفي كل الأحوال لا مفر من الأخذ بواحد من هذه الأقوال:

1.   إذا كان (الخلفاء الراشدون المهديون) محقين في امتناعهم وإصرارهم العنيد على عدم تدوين آثار العصر النبوي، بل في حرصهم على التصدي لكل سعي لنشرها، فكان يجب التمسك بهذه السنة وعدم الحيود عنها طبقا للمروية المقدسة التي تلزم الناس باتباع سنتهم، فالمرويات هي (الوحي الثاني) الحاكم والقاضي على الوحي الأول، لذلك يجب ما يلي:
a.   إعلان ذلك على رؤوس الأشهاد.
b.   إعلان أن جامعي المرويات ومن اتبعهم تاركون للسنة خالعون للربقة مفارقون للملة ومتبعو غير سبيل المؤمنين.
c.   إعلان أن كتب المرويات هي مجرد كتب تاريخية لا يجوز لمتمذهب أن يأخذ منها شيئا ولا أن يفرضه على الناس.
d.   أن يعلم كل فرد أن المرويات هي مجرد ظنون واحتمالات وتخرصات وليست نصوصا دينية ذات مصداقية تامة.
e.   إعادة تأهيل من تخصصوا في دراسة كتب المرويات في شيء لا يمس الدين في شيء، ذلك لأنهم لن يكفوا عن الصراخ والولولة.

2.   إذا كان (الخلفاء الراشدون المهديون) مخطئين في امتناعهم وإصرارهم العنيد على عدم تدوين آثار العصر النبوي في الوقت المناسب وفي حضور الشهود الحقيقيين فإنه يجب ما يلي:
a.   إعلان ذلك على رؤوس الأشهاد.
b.   إعلان أنهم هم المسؤولون عن ضياع (السنة) الحقيقية والتي هي الوحي الثاني ومِثْل القرءان والقاضية عليه والحاكمة عليه والمبينة لمبهمه الموضحة لمشكله المفصلة لمجمله المقيدة لمطلقه... الخ.
c.   إعلان أنهم هم المسؤولون عن أن الأمة تعبد الله الآن بالظن الراجح كما يقول سدنة المذهب السني.
d.   إلزام المتمذهبين بألا يفرضوا على الناس شيئا بخصوصهم.
e.   يُترك دراسة ما يتعلق بهم ودوافعهم لعلماء التاريخ المحايدين غير المتمذهبين.  
3.   الأخذ بمنهج دين الحق، وهو أن يتم فحص وتمحيص متن المرويات بناءً على عناصر ومنظومات هذا الدين، وهذا عمل بمقتضى أن كتاب الله هو المهيمن والمسيطر وله التقدم على كافة مصادر المعلومات الدينية الأخرى، فدين الحق مستخلص من القرءان الكريم وفق منهج قرءاني منطقي راسخ لا يمكن لمن علمه أن يجحده.


*******



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق