كنز المال هو إثم من كبائر الإثم، ذلك لأن مقترفه مبشر بعذابٍ أليم.
قال تعالى:
{۞
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة التوبة: 34]
{يَوْمَ
يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا
مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [سورة التوبة: 35]
وكنز المال هو مضاد لركن قرءاني كبير هو الإنفاق في سبيل الله، وهذا
الركن من الأركان المفتوحة المفوَّض إلى كل إنسان، يقوم به بقدر وسعه واستطاعته.
فالإنفاق في سبيل الله هو عبادة مستقلة فهو غير إيتاء الزكاة، وهو من
الأركان المفتوحة التي ليس لها حد أقصى، فهو كركن كذكر الله تعالى منوط بكل فرد
على حدة وغير محدد بنسبة معينة.
والإنفاق هو من كل ما يمكن أن يُقوَّم بمال، وله معنيان:
1. المعنى العام وبموجبه يجعل الإنسان كل إنفاقه في سبيل الله تعالى
وذلك بتصحيح قصده؛ أي إنه عندما ينفق أي مال عليه أن يجعل مقصده ابتغاء وجه الله
تعالى.
2. المعنى الخاص وبموجبه ينفق الإنسان من موارده في مجالات البر
المعلومة كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.
والمصطلح "في سبيل الله" يعنى كل ما يمكن أن يؤدى إلى
تحقيق مقاصد الدين العظمى مثل زيادة معرفة الناس بربهم والدعوة إلى الإسلام وإعداد
الإنسان الرباني الفائق وإعداد الأمة الخيرة القوية الفائقــة ومساعدة الفقراء
والمساكين وفي الرقاب وبناء دور العلم والمصحات، وتمويل الأبحاث العلمية... الخ،
وللأهمية الكبيرة لهذا الركن اعتبر الله تعالي من ينفق في سبيله بمثابة من يقرضه
قرضا حسنا.
ويقابل هذا الركن من كبائر الإثم إقراض الناس بالربا وإمساك المال
وكنزه والإسراف والتبذير وتبديد المال وإهداره وسوء استعماله أو إنفاقه في سبيل
الشيطان، فيجب على الإنسان ألا يعرقل دورة رأس المال.
فالإنفاق في سبيل الله يعني أن يكون كل إنفاق للمال بقصد تحقيق مقصد
شرعي وليس عبثا أو تحقيقا لمأرب شيطاني، كما يتضمن إنفاق المال لمساعدة الآخرين
وفي كافة أبواب الخير.
ولكن كنز المال كان من أكثر ما يحرص عليه أهل البغي وعبيد الدنيا من
الأمويين، ومن باع دينه وخسر نفسه من أجلهم، ولذلك كانت هذه الآية القرءانية تنغض
عليهم حياتهم، فحاولوا تحريفها.
جاء في البخاري:
- مررتُ بالرَّبذةِ فقلتُ لأبي ذرٍّ رضي اللهُ عنه : ما أنزلكَ
هذا المنزلَ ؟ فقال : أخبرُك : إني كنتُ بالشامِ فتذاكرتُ أنا ومعاويةَ هذه الآيةَ
: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا } فقال
معاويةُ : هذه نزلتْ في أهلِ الكتابِ ، وقلتُ أنا : هي فيهم وفينا ، فكتب معاويةُ
إلى عثمانَ رضي اللهُ عنه في ذلك فكتب إليَّ أنِ اقدُمْ عليَّ ، فقدِمتُ عليه ،
فانثال عليَّ الناسُ كأنهم لا يعرفوني فشكوتُ ذلك إلى عثمانَ رضِيَ اللهُ عنه ،
فخيَّرَني فقال : انزلْ حيثُ شئتَ
الراوي : زيد بن وهب الجهني | المحدث : أبو نعيم | المصدر :
فضائل الخلفاء الأربعة | الصفحة أو الرقم : 66 | خلاصة حكم المحدث : ثابت
وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرءان: «الْمَسْأَلَةُ
الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛
فَذَهَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَخَالَفَهُ أَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُ،
فَقَالَ: الْمُرَادُ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمُونَ..»
وأسند أبو
حاتم إلى علباء بن أحمد أنه قال: لما أمر عثمان بكتب المصحف أراد أن ينقص الواو في
قوله {.... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ .....} فأبى ذلك
أبي بن كعب وقال لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي فألحقها.
ومن
المعلوم أن عثمان كان قد استبعد أبيّ بن كعب من اللجنة التي شكلها لنسخ المصاحف،
رغم تقدمه على من اختارهم!
قال القاضي أبو محمد: وعلى إرادة عثمان يجري قول معاوية، إن
الآية في أهل الكتاب وخالفه أبو ذر فقال: بل هي فينا، فشكاه إلى عثمان فاستدعاه من
الشام ثم خرج إلى الربذة
وبالطبع
لم يستطيعوا حذف الواو، وما ذلك إلا لتعهد الله تعالى بحفظ كتابه وتسخيره لذلك من
شاء من عباده، ولكن جند الشيطان لم يبالوا بذلك واستمروا في عملهم على أن الواو
محذوفة رغم وجودها، No problem!
ومع أن أبا ذر من السلف
الصالح حقيقة بل من صفوة السابقين الأولين، وهو أولى بالاتباع من معاوية، إلا أن
منهج معاوية غلب، واستحسنت السلطات عبر التاريخ هذا الرأي.
إن النهي عن كنز
الذهب والفضة هو النهي عن كنز المال (السائل) الذي لا يؤكل ولا يشرب، فوظيفة مثل
هذا المال تسهيل أمور الحياة فيجب أن يكون جاريا ولا يُحبس ولا يُكنز، ويجب ألا
يكون هو كمال مادة للتجارة، وهذا هو أصل تحريم الربا، وبالطبع يجب أن يتم إنفاقه
بحكمة وبلا تبذير، ويجب أن يكون الإنفاق في سبيل الله تعالى، فلآية تلزم الناس
باستثمار أموالهم، والنهي عن التبذير يتضمن إبقاء الحد اللازم للأمور المعاشية.
=======
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف