الخميس، 1 ديسمبر 2016

الاسم الإلهي "القيـُّــوم"

الاسم الإلهي "القيـُّــوم"

قال تعالى:
{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} [البقرة:255]، {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [آل عمران:2]، {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}[طه:111].
فهذا الاسم هو من لوازم وتفاصيل مثنى وارد في القرءان، فهو بذلك من أسماء النسق الثاني؛ أي نسق الأسماء المفردة.
ومن أدعية الرسول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ»
فا الله سبحانه قائم بنفسه وكل ما هو سواه إنما هو قائم به يستمد منه كل أسباب وجوده، وقيامه بذاته هو أمر ذاتي مطلق؛ فهو سبحانه ليس بحاجة إلي شيء من خارج ذاته لضمان هذا القيام، بل لا قيام لكيان إلا به، وهو سبحانه لا يقوم بغيره ولا يمكن أن يحل فيه إذ كيف ينحصر الكائن اللانهائي المطلق في الحيز المحدود المقيد، إن هذا لأعظم استحالة من أن يحاول الإنسان حصر كيانه وذاته في فكرة من أفكاره أو تصور من تصوراته، وكيانه سبحانه ليس مجالا لقدرته، كما أنه سبحانه ليس محلا للموجودات وإن كانت له الإحاطة التامة بها كلها، والحضور الذاتي معها كلها، فله الإحاطة بكل شيء وبكل خلق وبكل أمر وبكل كيان، والكائنات ليست بإعادة صياغة لذاته بل هي إعادة صياغة للعدم المطلق فلقد كان ولا شيء معه، وهو لا يحل في غيره، ذلك لأن له ذاتًا حقيقية بل هو الذات الحقيقية، وكل موجود آخر هو بالنسبة إليه كالعدم، فمثل كل موجود بالنسبة إليه مع الفارق الهائل كمثل فكرةٍ ما في ذهن إنسانٍ ما، فهي لا قيام لها ولا وجود لها إلا بوجود هذا الإنسان.
وهو القيوم فلا يفوت شيء من علمه ولا يؤده حفظه، فلا يمكن أن يخرج شيء من محيط علمه، فله الإحاطة التامة بكل شيء في كافة أحواله وأطواره، وما كان ثمة شيء أصلا إلا بعلمه، وبمشيئته كانت الأشياء وتحققها من بعد وتمتعها بحظها الذي قدَّره لها من الوجود.
وهو القيوم القيِّم بما له من المكانة العظمى والمرتبة الكبرى والدرجة الأرفع، فلا يستمد ذا قيمة قيمته إلا منه، ولا يستمد أمرٌ وزنه إلا يالانتساب إليه.
والقاف إشارة إلى قيامه بذاته القيام التام المترتب عليه قيام كل ما هو من دونه به والفاء المتضمنة إشارة إلي أنه بذلك فتح للكائنات الممكنة باب الوجود والتحقق والظهور والياء المشددة إشارة إلي أن حياته الذاتية المطلقة هي أصل ذلك وإلي أن هذا يلزم كل ما هو من دونه بالخضوع التام له، والميم إشارة إلي أنه بذلك يتمُّ ظهور أسمائه وكمالاته وإلي أن ما سبق هو أصل ظهور ووجود كل الكائنات والكيانات.
فالقيوم هو من قام بذاته وقام به كل من هو من دونه، فكينونة كل ما هو من دونه إنما هي به وله، وكذلك كل ما يترتب على تلك الكينونة، فهو المنفرد بذاته التي لها الكينونة الحقيقية فهي السند لكل ما هو من دونه، وهو كذلك القائم بأمور كل الكائنات والقائم على كل نفس بما كسبت.
فكل شيء هو قائم به وله، ولا يعني ذلك حلوله في الكون أو في أي كائن من مخلوقاته، ولكنه يعني إحاطته المطلقة بكل شيء؛ بالأكوان والزمان والمكان، كما يعني إمساكه على كل شيء وجوده وحفظه لبقائه.

*******

هناك تعليق واحد: