الخميس، 25 سبتمبر 2025

خصائص السمة الإلهية

 

خصائص السمة الإلهية


الأسماء الإلهية الحقيقية هي الأسماء الوجودية، وكل اسم وجودي هو الذات من حيث سمة إلهية، هي من تفاصيل الكمال الإلهي المطلق، فالاسم يتميز عن غيره بهذه السمة، هذه السمة هي ما يدرك الإنسان بعض آثارها فيسميها بالصفة، والاسم الإلهي يتعالى تعاليا مطلقًا عن وصف الناس أو أي كائن له، ولذلك نزه الله تعالى نفسه عمَّا يصفون.

وللسمة الإلهية في عالم السمات مقتضيات ما هو للذات من لوازم وخصائص، فهي تفاصيل حسن وكمال الذات، وتتجلى هذه الخصائص في عدة أبعاد أساسية، تتضافر لتظهر صورة السمة الإلهية في أسمى مستوياتها:

1.         الوجوب (Factual Necessity / Existential Necessity):
السمة الإلهية واجبة الوجود بذاتها، غير محتاجة إلى سبب أو مسبِّق، ولا يمكن تصور عدمها، فهي ضرورية الوجود لكونها من مقتضيات الذات الإلهية، وكأنها تجسيد لوجود الذات ذاته في عالم السمات.

2.         الذاتية والأصالة (Selfhood / Originality):
كل سمة إلهية تمتاز بكونها صادرة من الذات بذاتها، غير مقلدة أو منقولة، أي أنها أصلية في كيانها ومستقلة في وجودها، تعكس الذات بلا وسيط أو واسطة، وهي تعبير صريح عن استقلال الذات الإلهية المطلق.

3.         الإطلاق (Absoluteness):
السمة الإلهية مطلقة في كل ما تمثله من معاني وحقائق، غير مقيدة بزمن أو مكان أو سبب، ولا تنطبق عليها قيود المخلوقات، فهي حرّة في كمالها ومقتضياتها، وتستمر على حالتها بلا حد أو توقف.

4.         الثبات (Immutability):
السمة الإلهية ثابتة في طبيعتها وخصائصها، لا تتغير ولا تتحول، فهي خالدة في كمالها، بحيث لا يمكن أن يطرأ عليها أي نقصان أو زيادة، ولا يمكن أن تطرأ عليها أي صفة مغايرة لطبيعتها، فالتحول فيها محال ومتناقض مع لزوم الذات وكمالها.

5.         اللانهائية (Infiniteness):
تمتد السمة الإلهية بلا حدود، في كل الأبعاد المعنوية والسماتية، فهي غير محدودة بزمن أو مكان، ولا تقاس بأي مقياس مخلوق، وتنعكس هذه اللانهائية في شمولها لكل المظاهر الممكنة للخير، والكمال، والقدرة.

6.         الكمال المطلق (Absolute Perfection):
كل سمة إلهية تمثل ذروة الكمال في مجالها، فهي متكاملة في ذاتها، متناسقة في مقتضياتها، لا تحتاج إلى ما يزيدها أو يطورها، بل كل ما يصدر عنها متقن ومتوافق مع طبيعتها، والكمال المطلق هو عين الحسن المطلق.

7.         العلو المطلق (Absolute Transcendence):
السمة متعالية على كل ما دونها من الأكوان والمخلوقات، فهي لا تتأثر بأي شيء خارجها، ولا يمكن أن يقاس عليها أي خلق، فهي فوق كل تحديد أو مقارنة، ومتجاوزة لكل مظاهر النقص والقيود.

8.         العلو على الإدراك والإحاطة (Incomprehensibility):
السمة الإلهية تتعالى على كل إدراك بشري أو مفاهيمي، فهي غيب مطلق بالنسبة للعقل المخلوق، ولا يمكن استيعاب كنهها تمامًا، بل يمكن إدراك آثارها فقط في العالم المخلوق من خلال السنن الإلهية والأحكام الظاهرة.

9.         الإحاطة المطلقة (Omnipresence in Attributes):
تمتد مقتضيات السمة لتشمل كل شيء من حولها، فكل ما يصدر عنها يمتزج بالكون بلا انفصال، وهي تعمل بسريان تام ومتواصل، بحيث يكون كل ما حولها انعكاسًا لإحاطتها الكاملة.

10.     القداسة (Holiness / Impeccability):
السمة مطهرة من كل نقص أو قيد مخلوقي، فهي متعالية عن أي عيب أو محدودية، متجردة عن كل ما هو دونها، ومن هذه القداسة ينبثق انتظام السنن الإلهية وتناغم الأفعال الإلهية.

11.     البساطة المطلقة (Absolute Simplicity):
السمة غير مركبة من سمات فرعية، وإن كان بالإمكان تفصيل مقتضياتها إلى مظاهر عديدة، فهي واحدة في جوهرها، متجانسة في صفاتها، ولا يمكن أن يقال عنها إنها مكونة من أجزاء متفرقة.

12.     الواحدية (Oneness):
تتسم السمة بالوحدة التامة، فلا شريك لها ولا مثيل، وكل ما هو دونها لا يمكن أن يشاركها شيئًا في كمالها أو خصائصها الجوهرية، فهي فريدة في كل ما تمثله.

13.     الانسجام والاتساق المطلق (Perfect Consistency and Coherence):

فمنظومة السمات الإلهية هي منظومة متسقة اتساقا كاملا ومتماسكة Perfectly self-consistent and coherent، وهذا يعني أن كل الأسماء تعمل باتساق تام، فلا يجوز لأحد التفريق بينها، ولا إبطال واحدة لتأكيد أخرى، فلا يجوز إبطال العدالة والحقانية والصدق لتأكيد سمة الملك، ولا يجوز إبطال الحكمة لتأكيد الغنى والقدرة، ولا يجوز إبطال كل السمات لتأكيد التنزه والوحدة.

*******

*******

*******

الخصائص الذاتية الإلهية

 

الخصائص الذاتية الإلهية

 

للذات من حيث هي خصائصها اللازمة، والتي هي سارية في أسمائها وسماتها، ولازمة لها، ومنها:

1.            الوجود الذاتي Self-existence غير المسبوق بأي وجود، وغير المسبَّب بأي سبب، فلا مصدر له، ولم يولد من وجود سابق، ولم ينتج عنه موجود مثله، فهو لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَد.

2.            الكائنية المطلقة (الوجود المطلق) Absolute existence أو الكينونة المطلقة Absolute being، فلا يتقيد بأي شيء.

3.            الغنى الذاتي، والذي يتضمن الاكتفاء الذاتي التام Perfect self-sufficiency.

4.            الحسن المطلق Absolute beauty، وهو الذي يُعبَّر عنه بالكمال المطلق Absolute Perfection، ولكن مصطلح الكمال المطلق يتضمن أنه سبحانه لا يتغير عمَّا هو عليه He is unchangeable in his being، فمن هو في ذروة الكمال لا حاجة به إلى التغير، ولن يتغير إلا إلى نقص، وهذا محال.

5.            اللانهائية Infiniteness، وهي مرتبطة بأن له الوجود المطلق، وهي ممتدة في كل الأبعاد السماتية.

6.            العلوّ المطلق Absolute transcendence على الأكوان، وهو المصحوب بالتعالي المطلق على كل شيء وعلى الكائنات بكافة أنواعها من حيث الهوية والماهية، فهو فوق الكائنات الخلقية والأمرية، وهو مفصَّل بالعلو المقترن بالعظمة، وهو للذات، وكذلك بالعلو المقترن بالكبر والكبرياء، وهو للدرجة والمرتبة.

7.                العلوّ المطلق والتعالي المطلق على الزمان، فالزمان من مخلوقاته المقدرة ومقتضياته، وهو مرتبط بعالمه، ومخلوق معه، فلا يحكم على الله تعالى بشيء، فليس لله تعالى بداية، ولا نهاية، ولا يمر عليه زمان متتابع، وهذا لا يعني أي انعزال عن العوالم التي يجري فيها الزمان، فهو لا يتقيد بذلك أيضًا لطلاقته، فهو يحيط بكل الأكوان بما فيها من وقائع وأحداث زمنية، وعمله فيها دائم ومستمر، وهذه الخاصية يمكن التعبير عنها بالأزلية السرمدية الأبدية، وهو أيضًا الأول، فتقدمه مطلق على كل شيء، وهو أصل كل شيء، وإليه المنتهى ومرجع كل شيء.

8.            العلوّ المطلق والتعالي المطلق على المكان وعلى تحديداته ولوازمه، فالمكان من مخلوقاته المقدرة ومقتضياته، وهو مرتبط بعالمه، ومخلوق معه، فلا يحكم على الله تعالى بشيء، وهذا لا يعني انعزاله عن الأكوان وإطاراتها المكانية، فهذا من التقييد المضاد للطلاقة، ولكنه يعني حضوره الذاتي مع كل الكائنات، وإحاطته المطلقة بالكائنات، وهذا بالطبع لا يعني أنه في مكان.

9.            العظمة المطلقة Absolute greatness، والواسعية المطلقة Absolute immensity.

10.         القرب المطلقAbsolute nearness ، فهو القريب قربًا مطلقًا من كل مخلوقاته، يسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم، وهو يعني أيضًا الحضور الذاتي، المعية العامة Immanence، فهو مع مخلوقاته، وهو قيومهم، وذلك دون أن يتقيد بهم، ولا بأزمنتهم وأمكنتهم، فله الحضور الذاتي الكلي الشامل  Omnipresence ، وهذا الحضور الذاتي مرتبط بفعاليته المطلقة، فكل شيء في الكون مهما كانت طبقته الوجودية هو من نواتج أفعاله.

11.        الثبات المطلق على ما هو عليه Immutability, absolute constancy، وهذا يعني أنه لا سبيل إلى تغيير حقيقته أو كنهه أو سماته، كما يعني أن ذاته ليست مجالا لأفعاله التأثيرية.

12.        البساطة المطلقة Absolute simplicity، فهو ليس مكونا من أجزاء أو أجهزة أو أعضاء وإلا لسبقت مكوناته وجوده وللزم ما يؤلف بينها، وهذا يتناقض مع كل ما سبق ذكره، ولهذه الخاصية ارتباط بالصمدية، فكل سماته هي لكل ذاته، ولا يتميز في كيانه شيء عن شيء، فالبساطة المطلقة تتضمن التجانس المطلق Absolute homogeneity.

13.        العلو المطلق والتعالي المطلق فوق المدارك والإدراكات والملكات الذهنية والمفاهيم والمعاني والتصوراتAbsolute incomprehensibility، وهذا يعني أن له الغيب المطلق، وأنه هو السرّ المطلق  Absolute mystery، فلا سبيل إلى إدراك كنهه أو حقائق ذاته أو أسمائه، وإنما يمكن فقط إدراك آثار ذلك ومحاولة عمل استقراء بالاستكمال الخارجي Extrapolation، وهي محاولة غير مجدية، فمثل هذا الاستقراء هو مجرد عملية تقريبية في عالمه فقط، ولا يجوز تطبيقه على عالم الغيب المطلق.

14.        اللطف الكياني، هذا اللطف لا يوجد من الكلمات الإنجليزية ما يعبر عنه تعبيرا دقيقا، وإن كان يمكن استعمال الكلمتين Absolute incorporeality or Transcendent spirituality على سبيل التقريب، ولكنا نفضل استعمال كلمة لطف العربية كما هي، لذلك نستعمل Absolute lutf، والخاصية تعبر عن كيان لا كثافة فيه بأي وجه من الوجوه، بحيث تبدو الروح Spirit والمعاني شديدةَ الكثافة مقارنة به، وكذلك يعبر عن كيان لا خاصية مادية له بأي وجه من الوجوه، وبالتالي فلا يمكن أن يتأثر كيانه بأي كيان آخر ولا ينجذب إلى أي كيان آخر، فهو مرتبط بالغنى الذاتي التام والتحرر التام والهيمنة التامة، فهو اللطف الذي يتعالى علوا لانهائيا على اللطيف المقابل للكثيف، ولذلك فله التحكم المطلق في كل الكثائف واللطائف Subtleties.

15.        الإحاطة المطلقة بالزمان والمكان والأكوان، وهي إحاطة ذات أبعاد لانهائية، وتتضمن سريان سننه على الكائنات سريانا تاما.

16.        القدوسية المطلقة Absolute holiness, Impeccability، التنزه المطلق عن النقص ولوازمه العدمية، وهذا مرتبط بخاصية الكمال المطلق من حيث الأمور المعنوية.

17.        الحقانية المطلقة Absolute truth, absolute reality، وهذا مرتبط بأن له الوجود المطلق، ولذلك فكل ما هو له هو حق، ومتعالٍ علوا مطلقا فوق ما لغيره، وكلامه صدق، ووعده حق.

18.        الحسن المطلق Absolute beauty, absolute goodness، وهو سمة ذاتية كيانية، بل هو عين حقيقة الذات الإلهية، وهو عين الكمال المطلق، وهذا يعني أن كل سماته هي تفاصيل هذا الحسن، وأن كل سمة منها تتسم بالحسن، كما يعني أنه المصدر الأوحد للحسن والكمال في الوجود وأنه المصدر الأوحد للقيم والمعاني النبيلة       He is the absolute standard of good, beauty and values، وذلك يتضمن أيضا شمول الخيرية والإحسان Omnibenevolence.

19.          الأحدية الصمدية (Al-Aadiyyah al-amadiyyah)، وتتضمن معاني التماثل المطلق absolute symmetry ، والتماسك المطلق absolute coherence ، والتجانس المطلق absolute homogeneity ، والاكتفاء الذاتي المطلق absolute self-sufficiency ، فلا يمكن أن يُضاف إلى الذات شيء أو ينبثق عنها شيء، ويترتب عليها الاتساق السماتي المطلق، وذلك لكون السمات كلها تفاصيل ولوازم سمة واحدة هي الحقيقة الإلهية، وهي الحسن المطلق The absolute beauty، فمنظومة السمات الإلهية هي منظومة متسقة اتساقا كاملا ومتماسكة Perfectly self-consistent and coherent، وهذا يعني أن كل الأسماء تعمل باتساق تام، فلا يجوز إبطال العدالة والحقانية والصدق لتأكيد سمة الملك، ولا يجوز إبطال الحكمة لتأكيد الغنى والقدرة، ولا يجوز إبطال كل السمات لتأكيد التنزه والوحدة.

20.        الإلهية المطلقة Absolute divinity، وهي السمة التي تفصيلها كل السمات التي يحق بها له على عباده أن يعبدوه، والتي توجب عليهم ذلك حتى يتحقق لهم كمالهم المنشود.

21.        الرحمانية، من الاسم ٱلرَّحۡمَٰن، وهي السمة التي تتضمن كل صلاته التي يقيمها مع مخلوقاته، فهي تقتضي الحفاظ على وجود الأكوان ونظامها ومكوناتها، كما تقتضي العناية الخاصة بالكائنات المخيرة، والعناية الأخصّ بمن يختارون أن يتسقوا مع سننه الخاصة بالكائنات المخيرة، والكلمة الإنجليزية Divine providence تعطي شيئًا من معناها.

22.        الحكمة الشاملة الكاملة، وتتضمن معاني كثيرة، فهي سمة شاملة Overarching attribute، ومن تمثلاتها الغائية Teleology والارتباطات الموجبة المسماة بالسببية والعلاقات والصلات ... relations, links, connections، كما أنها من السمات الرئيسة التي تقتضي السنن بكافة أنواعها والأحكام.

23.        السيادة المطلقة Absolute sovereignty، وهي تتضمن الهيمنة المطلقة والتحكم المطلق والمشيئة المطلقة، فلا يُسأل عمَّا يفعل، ولا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، ولا يوجد ما يمنع سريان سننه، يؤثر، ولا يتأثر He influences and is not influenced .

24.        الربية المطلقة، وهي سمة واحدة إليها مرجع أمر كل الكائنات، فبتلك السمة يربُّ كل كائن؛ فهو يملكه ويمدُّه بما يحفظ عليه أسباب وجوده ويرعاه ويربيه ويزكيه وينميه ويحميه ويعطيه ما يوافق استعداده، ويأخذ بناصيته ليحقق به ما خُلق له وليصل به إلى كماله المنشود، فهو الاسم الأقرب إلى الإنسان من نفسه وذاته، لذلك كانت إليه أكثر أدعية الصالحين ومن اتبعوهم بإحسان.

25.        الواحدية المطلقةAbsolute oneness ، فمن انفرد بكل ما سبق لا يمكن أن يشاركه أحد في شيء حقيقي.


وكل هذه الخصائص متسقة مترابطة.

 

*******

*******

من كتابنا مقاصد الدين العظمى، نسخة ورقية، 2013، طبعة ثانية pdf، 2018

 

مناط الأكرمية والأفضلية

قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)} (النساء: 1)، {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11)} (المجادلة : 11)، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)} (الحجرات)، {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(97)وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(98)} (التوبة)، {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105) (التوبة)، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض}ٍ (آل عمران: 195)،  {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ(101)} (المؤمنون)، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} [ص:28]، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} [التحريم:10].

ورووا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، (هلكة أمتي على يد أغيلمة سفهاء من قريش)، (من قاتل تحت راية عمية يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية)، (إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب).

فهذه الآيات وهذه الأحاديث تنسف كل ادعاءات التميز والتفوق العنصري أو القبلي، ويوجد الكثير من الآيات والأحاديث التي تبين وحدة النوع الإنساني، وتؤكد أن مناط الأكرمية والأفضلية هو سمو الملكات الوجدانية مثل التقوى وسمو الملكات الذهنية مثل العلم وما يترتب على ذلك من العمل الصالح.

وكل ذلك خير رد على النعرة العنصرية والعصبية القبلية التي كانت الدين الحقيقي الذي يعتنقه الأعراب، والذي أقحموه على الدين العالمي الخاتم، بل وأعادوا صياغة المعطيات الدينية لتتفق مع دينهم هذا، فتحول الدين على أيديهم من دين عالمي إلى دين عربي محلي أرادوا به تخليد عاداتهم وتقاليدهم وميولهم واتجاهاتهم، والدليل على ذلك موقفهم من المرأة وممن اعتنق الإسلام من الشعوب الأخرى، وموقفهم من ولاية الأمر والتي حولوها إلى ملك استبدادي عضوض واقتناؤهم الألوف المؤلفة من الجواري والعبيد وولعهم بسفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك كرامة الإنسان وغير ذلك من مظاهر العودة المظفرة للمنظومة الأمرية الجاهلية,

وكان كل ذلك من أعظم أسباب ما اعترض مسيرة الدين من فتن ومحن وأهوال، ويجب العلم بأن التحريف لم ينفرد به الأعراب بل ساهمت فيه كل شعوب الشرق الأدنى؛ فحاولت كل طائفة فرض ما هو عزيز عليها من معتقدات على هذا الدين بعد إلباسه ثوبا إسلاميا كما حدث مع الشرائع الخالية.

ولقد قال تعالى في الكتاب العزيز: {الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين} (الفاتحة)، فأعلن أن كل آيات الثناء والمجد وصفات الكمال هي بالأصالة لله رب العالمين وليس رب بني إسرائيل فقط ولا رب قريش فقط.

فالقرءان هو الكتاب الأقدس والأوحد الذي يقرر في نصوص محكمة قطعية الدلالة أن الله تعالى ليس ربًّا فقط لشعب مختار أو لقبيلة مصطفاة لأسباب عرقية أو لخراف بيت إسرائيل فقط، بل هو رب للعالمين.

ورغم كل التأكيدات والتحذيرات الواردة في الكتاب العزيز وأقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فإنه سرعان ما ارتد العرب إلى مُثُل الجاهلية فظنوا أن قريشًا قبيلة مقدسة، وأن الإسلام إنما جاء ليجعل منهم السادة وليجعل من باقي البشر العبيد، وهم بذلك كأنهم يزعمون أن الإسلام أنزل ليستبدل ببني إسرائيل قبيلة قريش!!

وتلك العصبية كانت قد توارت بسبب نور النبوة الساطع، ولكنها سرعان ما أطلت برأسها ثم استفحل خطرها، واستغلت الدين لتحقيق مآربها، بل وحاولت صياغته وفق أهوائها، وكان من الطبيعي بعد أن عادت العصبية أن تسيطر على الأمر أقوي بطون قريش وأعظمها تمكنا من الأساليب المكياڤيللية وأقلها اكتراثا بالأوامر الدينية وأكثرها قبولا لدى القبائل البدوية، فكانت دولة الأمويين ثم دولة العباسيين الذين باندحارهم المهين انتهت سلطنة قريش، ثم جاء العثمانيون، هذا بالإضافة إلى دول الأقاليم من قبلهم كدول الساسانيين والبويهيين والسلاجقة والطولونيين والفاطميين والمماليك ..... إلخ.

وهكذا استبدلوا بعالمية الإسلام دول القبائل والعشائر، وصارت أمة المسلمين تراثا تتوارثه القبائل، وكرد فعل على كل ذلك فإن الشعوب الأخرى ارتدت إلى تراثها وموروثاتها وأضمرت حقدًا على العرب وعلى الرسالة التي حملوها فعملوا على الكيد لها وتحريفها، ولقد أدي ذلك إلى الانهيار السريع لسلطان الأمويين وإبادتهم والتمثيل بهم ونبش قبورهم كما لم يحدث مع أسرة حاكمة أخرى على مدى التاريخ.

ولقد فرَّ بعضهم إلى الأندلس حاملًا معه بذور الجاهلية الخبيثة والتي وجدت هناك بيئة خصبة نمت فيها واستغلظت وأشعلت صراعات شغلت الناس عن دعوة برابرة أوروبا إلى الإسلام بالحسنى، وما زالت آفات الجاهلية تعمل عملها حتى أدت إلى إبادة الوجود الإسلامي هناك.

*******

Summary of the Pillars of True Islâm

 

Summary of the Pillars of True Islâm

  1. To believe in the Ilâh (God) who possesses the most beautiful names, attributes, affairs, deeds, actions, and laws as articulated in the Qur'ân.
  2. To worship Allâh, the Ilâh with the most beautiful names mentioned in the Qur'ân—striving to fulfill the rights of the divine names and attributes, and to live according to the demands they entail.
  3. Ḏikr of Allâh: to do all that is necessary to acquire and sustain the awareness of the divine omnipresence.
  4. To establish and nurture a close and intimate relationship with Allâh, working continually to strengthen and consolidate this bond.
  5. To believe in the Qur'ân as the final revelation and the perfect word of Allâh, and to live accordingly.
  6. To believe that the Prophet Muḥammad is the Messenger of God and the Seal of the Prophets, and to act in accordance with this belief.
  7. To believe in the Ġayb (the unseen) mentioned in the Qur'ân and to live accordingly. The Ġayb includes all that lies beyond the scope of human senses and perceptions.
  8. Tazakkî: the cleansing, purification, enhancement, improvement, refinement, and beautification of the human entity (self-cleansing, self-purification, self-enhancement, self-improvement, self-refinement, and self-beautification).
  9. To deal with all created beings in accordance with the elements of true Islâm; that is, according to its laws, values, morals, teachings, instructions, rulings, injunctions, commandments, and orders.
  10. To avoid major sins, misdeeds, shameful actions, obscenities, and all that is strongly prohibited by Islamic law; in other words, to abstain from immoralities (lewd actions, unlawful sexual intercourse, and all evil deeds) forbidden in Islâm.
  11. To establish the Ṣalât (ritual prayer).
  12. To give Az-Zakât (obligatory almsgiving).
  13. To spend generously in the way of Allâh.
  14. To perform righteous deeds.
  15. To call to Allâh, which implies enjoining the Maʿrûf (what is good) and forbidding the Munkar (what is evil).
  16. To employ the mental faculties in reflecting on cosmological and psychological phenomena, as well as on the history of past nations, in order to understand, perceive, and comprehend the divine cosmological laws.
  17. Jihâd in the way of Allâh.
  18. Aṣ-Ṣiyâm: Fasting.
  19. Al-Ḥajj: Performing the pilgrimage to Allâh’s Sacred House in Makkah.

مروية الإيمان والإسلام والإحسان

 

مروية الإيمان والإسلام والإحسان

المروية المشهورة هي:

جاء في البخاري ومسلم: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ ، قالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: ما المَسْؤولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وسَأُخْبِرُكَ عن أشْرَاطِهَا: إذَا ولَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ في البُنْيَانِ، في خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَلَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34 الآيَةَ، ثُمَّ أدْبَرَ فَقالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شيئًا، فَقالَ: هذا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ.

الراويأبو هريرة المحدثالبخاري المصدرصحيح البخاري

هذه المروية وردت في "الصحيحين"، وهي ليست متواترة، وإنما مشهورة، وقد اتخذت مكانة كبرى في خطاب المذاهب التراثية، حتى جعلوها أُسَّ الإسلام ولبَّه و"أمّ السنة"، وغلوا بها إلى درجة إقصاء أوامر القرءان الكبرى وتهميش مقاصده العظمى، واختزاله إلى دين شكلي شعائري، وهنا يلزم التدقيق والبيان على ضوء المنهج القرءاني.

 

القول في المروية:

الجزء الصحيح منها، والمتسق مع القرءان هو:

"كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ ، قالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: ما المَسْؤولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وسَأُخْبِرُكَ عن أشْرَاطِهَا: إذَا ولَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ في البُنْيَانِ، ثُمَّ أدْبَرَ فَقالَ: رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شيئًا، فَقالَ: هذا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ".

 

فالمروية ذات أصل صحيح، وهي تعرف الإيمان بما يجب الإيمان به، وهذا ما كان يلزم الناس والأميين، فليس مطلوبًا منهم أن يخوضوا في مباحث لاهوتية نظرية فلسفية، فمعنى كلمة الإيمان كان معلومًا للعرب الأميين كما كان معلومًا لهم معنى الأكل أو الشرب مثلا، ومشركو العرب كانوا يؤمنون بأصنامهم مثلا، وأهل التثليث كانوا يؤمنون بأن الله ثالث ثلاثة، فتعريف الإيمَان بأنه أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ، هو ما يميز المسلم المؤمن عن غيره، فالإيمان كلمة عامة، وما يلزم معرفته هو ما يجب الإيمان به.

والمروية تبين أركان الإسلام الظاهري الذي يعلن به المسلم إسلامه وانتماءه للأمة المسلمة في أي زمان ومكان، وهي أساسًا: عبادة الله وحده والتطهر من الشرك، إقامة الصَّلَاةَ، إيتاء الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وأضيف إليها صيام رَمَضَانَ، فمن كان يفعل فهو من الأمة المسلمة، وله عليها حقوق المسلم، وليس لأحد أن بكفره، وعليه هو أيضًا أن يقوم بواجباته، وهذا هو الإسلام الذي قُبِل من الأعراب، ولكن الأمر كما قال القرءان: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }، فهو إسلام بلا إيمان، ومن البديهي أنه لا يكفي للنجاة.
كما تؤكد المروية على أن علم الساعة عند الله، وهذا هو قول القرءان، { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ }، {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

أما الدين المشار إليه في القول: "هذا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ" فهو الإطار الجامع الذي يجمع الإيمان والإسلام والإحسان، وهو الإسلام الكامل، وهو دين الحق الذي رضيه الله للناس، وأعلن اكتماله قبيل انتهاء البعثة النبوية في قوله تعالى {وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، هذا الدين يتضمن أوامر كبرى، لم تذكرها المروية، منها:

والقرءان يتضمن أمورًا كبرى وردت في نصوص محكمة، سيتم ذكر بعض هذه الأمور، وسيتم ذكر النص القرءاني الذي يذكرها لبعضها:

1.        ذكر الله والشكر له: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }، والذكر نفسه يتضمن أمورًا كبرى مشددة: ذكر أسماءِ الله الواردةِ في القرءان وذكرَ الآياتِ التي ورد فيها الأسماءُ والتسبيحَ لله والتسبيحَ بأسماءِ الله والتسبيحَ لأسماءِ الله والتسبيح بحمد الله والتكبير والاستغفار والحمدَ لله والتفكر في خلق الله والنظر في آياته وسننه.

2.        إسلامَ الوجه لله والولاءَ لله والإخلاصَ لله والتوبة والإنابة إلى الله والإخبات إلى الله وحب الله وتقوى الله وذكر الله والاعتصام به والتوكلَ عليه وتفويضَ الأمر إليه وإجلالَه وتعظيم قدره والاستعانة به والاستعاذة به والفرار إليه والشكرَ له واتخاذَه وليًّا، والتقوى هي مناط الأكرمية عند الله { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }

3.        القيام بحقوق القرءان وتلاوتِه باتِّباعه واتخاذِه إماما وتلاوةِ آياته وتعلمِّه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وإدمان النظر والتفكير فيها لفقهها وعقلها، { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }، وتلاوة القرءان مقدمة على إقامة الصلاة { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ }.

4.        التزكِّي؛ أي تزكيةُ الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلبٍ ولطائف ونفسٍ وجسم، وذلك بالعمل على التطهر من كل عناصر وآثار منظومة الأخلاق الذميمة والصفات الشيطانية وعلى اكتسابِ وتنمية كلِّ عناصر المنظومة المعنوية الإسلامية من القيم والمبادئ والمثل والصفات الحسنى ومكارم الأخلاق.

5.        إقامة القسط، وهو المقصد من إرسال الرسل بالبينات وإنزال الكتب معهم:  { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }.

6.        الحكم بالعدل وأداء الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وقد وردت في واحد من أقوى الأوامر القرءانية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}.

7.        عمل الصالحات، والصالحات تتضمن كل عمل يقوم به الإنسان للوفاء بمقتضيات كونه حاملا للأمانة والرسالة ومستخلفًا في الأرض ومسئولا، فهو يتضمن كل ما يؤدي إلى إصلاح وتعمير، والقرءان يضيف كثيرًا العمل الصالح إلى الإيمان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فهما متلازمان، كل منهما يقوي الآخر في نفس الإنسان.

8.        برّ الوالدين، والإحسان إلى أولي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

9.        إعمال الشورى في كل أمر.

10.    الوفاء بالعهودِ والمواثيق والعقود

11.    اجتنابُ كبائر الإثمِ والفواحش والانتهاءُ عن المنكر

12.    النهي عن سفك الدماء والإفساد في الأرض.

أما إذا صار الإسلام طقوسًا شكلية، فقد فُرّغ من جوهره الاجتماعي والسياسي والإنساني، وتحول إلى ديانة شعائرية لا تنهض بأمانة الاستخلاف.

فالمنهج القرءاني الصارم يضع المروية في مكانها الطبيعي، ويبين أنها تجميع لبعض ما هو مذكور في القرءان لتسهيل الأمور على الناس.

وهذا ما يلزم من هذه المروية، ولكن سدنة المذاهب غلوا في أمرها غلوًّا شديدا واستعملوها لإبطال أكثر القرءان وأوامره الكبرى ومقاصده العظمى، ولتحويله إلى ديانة شكلية طقوسية، وكان ذلك بسبب إصرارهم العنيد على اتخاذ القرءان مهجورًا لحساب أي شيءٍ آخر، مثل الآثار الظنية، أو عقولهم المقيدة المحدودة.

فالمشكلة ليست في المروية، وإنما في موقف المذاهب منها.


*******

مروية جبريل عليه السلام حين سأل النبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان أصبحت نصًّا استقر في الوعي الإسلامي حتى صار – في الموروث – بمثابة "أمّ السنة"، وأساسًا يُبنى عليه خطاب المذاهب، حتى كاد يُختزل الدين فيه، ويُقصى كل ما عداه. ومع أن المروية ذات أصلٍ صحيح، إلا أن الغلوّ في أمرها والمبالغة في تقديسها أفضت إلى إقصاء أوامر القرءان الكبرى، وتعطيل مقاصده العظمى، واختزال الدين إلى شعائر شكلية وطقوس جامدة.

إن الإيمان في هذه المروية عرّفه النبي ﷺ بما هو جوهري: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه والبعث. وهذا التعريف كان كافيًا للأميين الذين لم يكن مطلوبًا منهم خوض غمار الفلسفات اللاهوتية أو الجدل العقلي، بل يكفيهم التمييز بين الإيمان الحق والشرك الباطل، أما الإسلام فقد حدّدته المروية بما يُعلن به المسلم انتماءه للأمة: عبادة الله وحده، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان. وهو الإسلام الظاهري الشكلي الذي يُقبل من الأعراب باعتباره دخولًا في الجماعة، فهو إسلام بلا إيمان: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، ومن البديهي أنه غير كافٍ للنجاة، أما الإحسان فقد رفع الخطاب إلى الذروة الروحية: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

هذه الدرجات الثلاث – إيمان، إسلام، إحسان – إطار صحيح ومتناغم، لكنها ليست الدين كلَّه، بل مدخل إليه. فالدين الذي أكمله الله وأتمّه على عباده لا يُختزل في تعريفات موجزة، بل هو منظومة كبرى من العقيدة والعمل والأخلاق والمقاصد، أعلنها القرءان في آيات محكمات: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

الدين الحقّ أوسع من هذه المروية:

إنه ذكر الله في كل حال، وتسبيحه وحمده، والخضوع لجلاله.

إنه إسلام الوجه لله خالصًا بلا شريك، وتقواه التي هي معيار الكرامة عنده.

إنه القيام بحق القرءان: تلاوةً، تدبرًا، واتباعًا، حتى يكون هو الإمام والنور.

إنه التزكية: تطهير القلب من الصفات الشيطانية، وغرس الفضائل والمكارم حتى يصير الكيان الإنساني مرآةً للحق.

إنه إقامة القسط بين الناس، والحكم بالعدل، وأداء الأمانات، وحمل الأمانة الكبرى في الأرض. إنه العمل الصالح بكل ما يصلح حياة الإنسان والكون، وصيانة الدماء، وحفظ العهود، والإحسان إلى الوالدين والضعفاء والمساكين.

فإذا تحوّل الإسلام إلى طقوس مجردة، فقد انقلب إلى دين ميت لا ينهض بإنسان ولا يعمِّر أرضًا، بل يُفرَّغ من مقاصده الكبرى ليصبح ظلاً بلا جوهر، وشكلا بلا روح. وهنا تكمن خطورة الغلو في المروية: ليس في ذاتها، بل في استعمال المذاهب لها لإقصاء القرءان وتهميشه.

إن القرءان يضع كل شيء في موضعه: المروية تيسيرٌ وتعليم، أما الوحي فهو الأصل الجامع، والنبع الذي لا يغني عنه أي أثر.

الدين ليس نصًّا واحدًا ولا مروية، بل هو حياة كاملة تحت راية الحق، تجمع الإيمان العقلي، والإسلام العملي، والإحسان الروحي، في وحدة متكاملة هي "دين الحق".

وهكذا يتجلّى أن المشكلة لم تكن في النص نفسه، وإنما في المذاهب التي جعلته بديلا عن الكتاب المبين.

أما المنهج القرءاني فيعيد الأمور إلى نصابها: يجعل المروية شاهدًا، ويجعل القرءان إمامًا، ويجعل الدين أفقًا أرحب من أن يُختزل في شعيرة أو تعريف. إنه دين الحياة كلها، دين الإنسان كله، دين الحق الذي لا يزول.

 

*******

*******