الاثنين، 29 سبتمبر 2025

من كتابنا رقم 15 آراء جديدة، نسخة ورقية، 2009

 

إن مجال الأحكام والأوصاف الشرعية هو ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأقوال اختيارية كاستجابة أو كرد فعل للأوامر الشرعية، وتلك الأحكام والأوصاف تشير إلى طبيعة الآثار المترتبة على الفعل والتي ستلحق بالكيان الإنساني، ذلك لأن كل حكم يتجسد في صورة سنة كونية تربط الفعل الإنساني الاختياري بآثاره اللازمة.

------------

إن ما يفعله الله هو مقتضي سماته التي هي عين الحسن والكمال المطلق، وما يراه الناس مما يعتبرونه شرا أو نقصا على أي مستوى من المستويات هو من لوازم أصلهم العدمي، فلا يمكن أن يكون لإنسان مثلا الخلد ولو كان نبيا مرسلا مقربا، ذلك لأنه لم يكن أبدا مستقلا بالوجود أو بالكينونة، بل إن كل ما لديه من صفات الكمال هي من آثار الكمال الإلهي المطلق، فكل ما سوى الله محدود مقيد.

ولا يجوز أن يقال إنه يجب على الله أن يفعل كذا أو أن يراعي كذا، فليس لمخلوق مقيد أن يتطاول على مقام الألوهية أو أن يرشد من له الحسن والكمال المطلق إلى ما يجب عمله، والمخلوق المقيد ليس له من العلم أو الحكمة ما هو لمن له الكمال المطلق، لذلك فلا يمكن أن يحيط عقل الإنسان بالأحكام على الأشياء ولا أن يهتدي بالضرورة إلى الحكم الشرعي عليها، ولقد كانت أقوام هود وصالح ولوط وشعيب على قناعة تامة بأن ما يقترفونه هو الصواب، قال تعالى ذاكرا موقفهم من شعيب: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ }هود87.

فالحكم الشرعي يكشف للناس عن حقيقة أفعالهم وعن عواقبها، والناس متفاوتون في عقولهم، وقد يهتدي بعض عقلائهم قبل إرسال الرسل إلى إدراك حقيقة أفعالهم فيدفعهم ذلك إلى الانتهاء بمحض اختيارهم عنها.

فالحكم على الفعل الإنساني الاختياري بالحسن أو بالقبح هو تابع لأثره على الكيانات الإنسانية، ولكن الكيان الإنساني ولو كان كيان فرد واحد هو غاية في التعقيد، فله كيانه المادي الظاهر وله كيانه النفسي كما أن له كيانه الجوهري الباطن، واكتشاف هذا الأثر هو كأي اكتشاف علمي آخر، وإذا كان الإنسان لم يدرك بعض آثار أفعاله على كيانه المادي والنفسي إلا حديثا فكيف كان من الممكن أن يستقل وحده بإدراك آثارها على كيانه الجوهري، ولذلك كان إرسال الرسل رحمة للعالمين.

لذلك فكل ما يعني الإنسان من موضوع حسن وقبح الأفعال أن يعرف ما يلي:

1-            الحكم على الفعل يتحدد بأثره على الكيانات الإنسانية سواء أكانت كيانات فرد واحد أو الكيانات التي يشكل هذا الفرد عنصرا من عناصرها.

2-            هذا الحكم هو أمر لازم للفعل قبل إرسال الرسل وستترتب عليه آثاره المادية والنفسية وفقا للسنن الكونية حتى ولو لم يرسل إليهم رسول، ولكنهم لن يعذبوا عليه في الآخرة.

3-            قد يهتدي بعض العقلاء الأفاضل إلى حقيقة الفعل قبل إرسال الرسل، فالناس متفاوتون في عقولهم.

4-            إرسال الرسول يكشف للناس عن حقيقة الفعل ويدعوهم بناءً على ذلك إلى الكف عنه إذا كان ضارا على كيانهم، فمن آمن والتزم فقد نجا أما من أبى وتمرد وعاند فسيعذب في الدنيا والآخرة.

5-            الإعلان عن الحكم الشرعي يترتب عليه تعين آثار جديدة تترتب على مدى ونوعية استجابة الإنسان للفعل ويكون محلها كيانه الجوهري، وهي التي بناءً عليها سيتحدد الثواب والعقاب الأخروي.

------------

إن جل ما ذكره الأشاعرة بخصوص قضية حسن أو قبح الأشياء أو بخصوص موضوع السببية هو سفسطة وتلفيق ومغالطات، ولقد تفننوا في استغلال أخطاء المعتزلة في التعبير عن نظريات أصح من نظرياتهم، ولو تحلى المعتزلة بشيء من التقوى والعمل بالدين لتأدبوا مع ربهم ولما أتاحوا المجال للأشاعرة ومن بعدهم السلفية ليشهروا بهم.

------------

نفى الأشاعرة دخول العقل في مجال تحسين الفعل أو تقبيحه وجوزوا أن يأمر الشرع بشيء من القبائح كالكذب مثلا فيكون حسنا بذلك، كما جوزوا أن ينهى الشرع عن شيء من البر فيكون قبيحا بذلك، أما المعتزلة فجعلوا الحسن والقبح من الصفات الذاتية اللازمة للفعل والتي يمكن أن تعرف بالعقل، ويكون الشرع كاشفا لها دون أن يكون سببا لشيء منها، وقال بعض السلفية إن العقل الصحيح لا يمكن أن يعارض الشرع لأن الشرع جاء بما يوافقه، والحق هو أن كل الطوائف لم تقدم تعريفا لهذا العقل ولا تعريفا للعقل الصحيح، وربما لو طلب من السلفية تعريف العقل الصحيح لقالوا هو المؤمن بالشرع، والحق هو أن حسن أو قبح الفعل يقاس بنوعية أثره على كيانات الإنسان، أما وجود الحكم الشرعي فهو يرتب آثارا إضافية في نفس الاتجاه الأصلي لأثر الفعل، فهو لا يغير من نوعية الأثر وإنما يضاعف من درجته، ولا يجوز للأشعرية التعلل بأحكام الاضطرار، والاضطرار ينجي المضطر من الأثر الإضافي للفعل المترتب على الحكم الشرعي ولكنه لا يغير الحكم الشرعي ولا ينجي الإنسان من آثار الفعل الأصلية، فالمضطر إلى أكل لحم الخنزير لن يضار على مستوى كيانه الجوهري ولكن سيتضرر كيانه المادي، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يضطر مثلا إلى أكل الميتة أو تعاطي الخمر؛ فالإنسان هاهنا يتحمل ضررا أصغر ليدرأ عن نفسه ضررا أكبر.

والشرع يتضمن ما ينفع الإنسان وما فيه مصلحته على كافة المستويات في الدنيا والآخرة، أما ما لدى الإنسان من عقل أو قدرة على الحكم على الأمور فهو محصلة ما لديه من معلومات ومعارف وإمكانات، وكلها أمور محدودة مقيدة، وفي الغرب مثلا فإن جل ذوي العقول الفذة منهم يرون في إنفاق الوقت أو الجهد في أمور العبادة إهدارا للموارد واشتغالا بما لا يجدي، وثمة أناس لديهم من (العقل) ما يجعلهم يرون أن الصيام مثلا يؤثر على كفاءة الإنسان الإنتاجية، وأنه يمكن الانتفاع بالوقت المخصص للصلاة فيما هو أجدى وأنفع من وجهة نظرهم.

فالشرع هو وسيلة للكشف عن كثير من المعلومات اللازمة للإنسان وكذلك عن كثير من السلوكيات والمناهج والسنن التي باتباعها والحرص عليها تتحقق للإنسان مصالحه في الدنيا والآخرة، والإنسان الحريص على العمل بمقتضى الأوامر الشرعية يتوافق مع قوانين وسنن كونية قد لا يعلمها ولكنه ينتفع بعمله، فمثله كمثل من يتناول غذاءً مشبعا بالعناصر المفيدة دون أن يعرف لها اسما، ولكن هذا لا يمنعه من الانتفاع بها، ولقد ظل الإنسان لآلاف السنين يتعاطى الأغذية وينتفع بها وهو يجهل العناصر الداخلة في تركيب غذائه كما يجهل الأثر الخاص بكل عنصر على حدة، ولم يهتد عقله إلا حديثا إلى تلك المعرفة، وكان ذلك بعد حدوث تلك الطفرات العلمية الحديثة، وبالمثل قد بدأ بعض الناس الآن يدركون بطريقة علمية منهجية مضبوطة الآثار النافعة لشتى ضروب العبادات.

------------

إنه كما ترتبط الظواهر الكونية مع بعضها البعض فيقال إن المتقدم سبب للتالي الذي يسمى بدوره نتيجة أو أثر للسابق، كذلك ترتبط أفعال الإنسان الاختيارية بآثارها اللازمة، ونوعية الأمر الشرعي تكشف للإنسان عن طبيعة الأثر النهائي للفعل الاختياري على كيانه المادي والجوهري وكذلك على الكيانات التي ينتمي إليها، فالأمر بشيء يعني بالضرورة أن تأثيره حسن بينما النهي عنه يعني أن تأثيره سيئ، والأمر الشرعي هو من مقتضيات منظومة الهدي والإرشاد، فهو كاشف وليس بمؤثر، فهو لا يقلب حقيقة الشيء، فشرب الخمر ضار بالإنسان حتى ولو لم يوجد نهي عنه، والحكمة سارية في كل أمر شرعي، فلا توجد أوامر شرعية اعتباطية أو لمجرد اختبار الناس وتعبيدهم، ولا يضير الأمر الشرعي أن تتعدد آثاره، بل إن ذلك من لوازم ومظاهر كماله، فلابد من وجود الحكمة في كل أمر شرعي حتى وإن جهلها الناس، ووجود الأمر الشرعي يترتب عليه بالضرورة قانون آخر يرتب آثارا إضافية على مدى ونوعية استجابة الإنسان له، فقبل تحريم الخمر كان أثرها هو الأثر المادي على كيان الإنسان الخلقي أو الآثار غير المباشرة المترتبة على عجز الإنسان عن القيام بواجباته الأخرى، أما بعد تحريمها فقد تعين قانون يرتب على تعاطيها آثارا ضارة على كيان الإنسان الجوهري، ولا يصح التعلل بجواز الكذب في بعض الأحوال، ذلك لأن للاضطرار أحكامه الشرعية هو أيضا، فبمقتضى السنن لا يؤاخذ الإنسان بما اضطر إليه، بمعنى أن الاضطرار يخفف وقد يمنع تماما آثار الكذب على الإنسان.

ولقد زعم الأشاعرة أن الأشياء كانت خالية في أصلها عن صبغة الحسن والقبح والنفع والضر ثم أن الله قد صبغ بعض الأشياء بهذه الصبغة وبعضها الآخر بتلك، وزعمهم هذا متسق مع مفهومهم الخاطئ للقضاء والقدر ولما يسمونه بالصفات، وهو في الحقيقة مجرد مخالفة منطقية، ذلك لأنه يتضمن زعما بوجود الأشياء قبل وجودها، وهو يتضمن أيضا زعما بتعدد القدماء، وذلك هو الشرك الجلي.

أما وجود الشر أو وجود ما قد يضر بعض الكائنات فهو من لوازم نقصها أي من لوازم أصلها العدمي، وهذا بمثابة الأمر الضروري، فمجموع كل ما سوى الله تعالى على أي مستوى من المستويات يئول إلى الصفر المطلق، فلم يكن الوجود أبدا مادة للأشياء، وكون بعض الموجودات قد نعمت به لبعض الوقت لا يعطيها الحق لتنعم به كل الوقت خاصة وأن الأكوان نفسها لابد من استبدالها.

أما زعمهم بأنه لو شاء لجعل الأمر القبيح حسنا أو لعذب الطائعين وقذف بهم في النار أو لنعَّم العاصين والمجرمين وزفهم إلى الجنة فلا يدل إلا على جهلهم المطبق بالمشيئة وعلى أنهم لا يعرفون معنى الدين أصلا، وكان عليهم أن يعلموا أن المشيئة مثلها مثل سائر أفعاله لابد من سريان الحكمة فيها، ولقد أعلن في كتابه أنه الحكيم والحكيم العليم والعليم الحكيم والحكيم الخبير...، فزعمهم يتناقض مع مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى التي اقتضت الأمور الكونية، وكان عليهم أيضا أن يعلموا أن الله هو الأصدق حديثا، كما كان عليهم أن يعلموا أن الدين لم يكن من الممكن أن يكون إلا كما كان عليه، فهو أمر حقاني، ذلك لأنه من لوازم ومقتضيات منظومة كبرى من منظومات الأسماء الحسنى ألا وهي منظومة الرحمة والهدى، وما كان من المقتضيات اللازمة للأسماء الحسنى من الكيانات الأمرية كالدين لا يمكن أن يأخذ صورة مضادة لما هو عليه بالفعل.

ولقد نفى الله عن نفسه في كتابه الظلم الذي بينه للناس وليس الذي يقول به الأشاعرة، ولو كان المقصود هو ظلم الأشاعرة لما احتاج الأمر إلى بيان، قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ{17} غافر، فالظلم هاهنا هو ألا تجزى كل نفس بما كسبت، أما القول بأن الملك ملكه بلا شريك فله أن يفعل فيه ما يشاء فيعذب المسلمين وينعم المجرمين فهو يتضمن ظنا بأن المشيئة هي أمر عشوائي اعتباطي وكفرا بمنظومة أسماء الحكمة ويستبطن تشبيها لله بخلقه.

والمشكلة هي أن الناس يخلطون بين الأمور الوجودية الكونية وبين الأمور الشرعية، إنه على المستوى الوجودي لا يمكن أن يتسم من له الوجود المطلق والحسن المطلق بأية سمة من سمات النقص، ولا يجوز أن يخطر ببال إنسان شيء من ذلك، أما الظلم الذي نفاه عن نفسه فهو الظلم الذي يمكن أن يخطر ببال البشر المقيدين المحدودين؛ فمنه ألا يوفيهم جزاءهم أو ألا يفي لهم بوعده أو أن يترهم أعمالهم أو أن يحاسبهم وفق معايير غير المعايير التي أعلنها عليهم أو أن يعاقبهم بدون أن يقترفوا مخالفة عن أمره أو أن يأخذهم بغير جرم أو أن يهلكهم وهم مصلحون أو أن ينقصهم من جزائهم المعلن في القرءان شيئا أو أن لا يقضي بينهم بالقسط أو بالحق أو أن يحرم عليهم ما كان حلالا دون ظلم منهم أو أن يجدوا في كتبهم يوم الحساب شيئا لم يعملوه أو ألا يوفيهم أعمالهم أو أن يحابي بعضهم على حساب الآخرين أو أن يتخذ منهم أبناءً يجعلهم فوق قوانينه أو أن يجعل من بعضهم شركاء له في ملكه.....، إن الأشاعرة يجوزون أن يقف سبحانه يوم القيامة ليقول للناس: "إنه بما أن الملك لي ولا حق لأحد في التدخل في شئوني فقد قررت أن أدخل من عصاني وتمرد على أوامري الجنة وأن أدخل من أطاعني النار"، فسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ وعما يزعمون عُلُوّا كَبِيرا، ولو كان الناس على علم صحيح بأسماء إلههم لما جال شيء من ذلك بخواطرهم، ولو تحلوا بشيء من التقوى لتأدبوا معه، ويجب العلم بأن القرءان يخاطب الناس وفق ما هم عليه وليس وفق ما ينبغي أن يكونوا عليه، ولو رجع الناس إلى القرءان لما ضلوا وأضلوا، ولكن معظم المتكلمين في العقائد قد اتخذوه وراءهم ظهريا أو كونوا آراءهم ثم حاولوا استنطاق الآيات بها، قال تعالى:

{وَاتَّقُواْ يَوْما تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281، {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }آل عمران25، {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِّلْعَالَمِينَ }آل عمران108، {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }آل عمران161، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرا عَظِيما}النساء40، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا}النساء49، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرا }النساء124، {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانا مُّبِينا }النساء153، {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا }النساء160، {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }الأنعام131، {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160، {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }الأعراف165، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }التوبة70، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }يونس13، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }يونس44، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }يونس47، {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }يونس54، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }هود101، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }هود117، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }النحل33، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}النحل111، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}النحل118، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا}الإسراء71، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا}الكهف49، {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدا }الكهف59، {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئا }مريم60، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْما وَلَا هَضْما }طه112، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47، {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }المؤمنون62، {فَكُلّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }العنكبوت40، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}الروم9، {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }يس54، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69، {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }غافر17، {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِّلْعِبَادِ }غافر31، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ }الزخرف76، {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الجاثية22، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الأحقاف19، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}آل عمران182، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}الأنفال51، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}الحج10، {مَنْ عَمِلَ صَالِحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }ق29، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102.

ولكن يجب العلم بأن ظلم الناس لأنفسهم ولغيرهم ليس هو السبب الوحيد لما قد يحيق بهم من المتاعب والمصائب في الدنيا، فالإنسان مبتلى طالما كان في هذه الدنيا بالشر أو بالخير، ولم تخلق الدنيا لتكون دار مقر، ولكن الظلم وما يترتب عليه هو سبب أكيد للعذاب في الآخرة، وما من معصية أو مخالفة عن أمر شرعي يقترفها إنسان إلا ولا بد من تضمنها ظلما.

إن أظهر شيء يمكن أن يدركه إنسان هو وجود حكم ومقاصد للأمور الكونية والشرعية، وهذا هو ما يسميه الفلاسفة بالعلل الغائية، ويبدو أن اللدد في الخصومة مع المعتزلة هو الذي دفع الأشاعرة إلى إنكار وجود هذه الحكم والعلل الغائية ثم من بعد السببية، ولقد افتعلوا خصومة بين ذاته سبحانه وبين الحكمة فقالوا: "لو كانت أفعاله معللة بالحكمة لكانت الحكمة حاكمة عليه أو لكان محتاجا إليها، لذلك فأفعاله هي عين الحكمة وليست معللة بالحكمة"، وكان على هؤلاء أن يعلموا أن الحكمة هي من سماته الذاتية وليست بكائن أجنبي عنه، فالحكمة سارية في كل ما يصدر عنه، إن الحكمة هي سمة إلهية ذاتية كالعلم والقدرة وليست فعلا، أما الفعل الصادر عنه سبحانه فهو يصدر من حيث كل منظومة أسمائه الحسني فلابد أن يتمثل فيه ما هو له سبحانه من سمات الحسن والكمال ومنها العلم والحكمة والقدرة.

ولقد كانت تصرفات الأشاعرة غير المسئولة مما دفع الناس إلى الانصراف عن البحث في السنن الكونية وإلى التشبث بالأمور الخرافية وازدراء القوانين والسنن على كافة المستويات وليس فقط على المستوي الكوني.

------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق