الخميس، 25 سبتمبر 2025

من كتابنا مقاصد الدين العظمى، نسخة ورقية، 2013، طبعة ثانية pdf، 2018

 

مناط الأكرمية والأفضلية

قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)} (النساء: 1)، {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11)} (المجادلة : 11)، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)} (الحجرات)، {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(97)وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(98)} (التوبة)، {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105) (التوبة)، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض}ٍ (آل عمران: 195)،  {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ(101)} (المؤمنون)، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} [ص:28]، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} [التحريم:10].

ورووا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، (هلكة أمتي على يد أغيلمة سفهاء من قريش)، (من قاتل تحت راية عمية يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية)، (إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب).

فهذه الآيات وهذه الأحاديث تنسف كل ادعاءات التميز والتفوق العنصري أو القبلي، ويوجد الكثير من الآيات والأحاديث التي تبين وحدة النوع الإنساني، وتؤكد أن مناط الأكرمية والأفضلية هو سمو الملكات الوجدانية مثل التقوى وسمو الملكات الذهنية مثل العلم وما يترتب على ذلك من العمل الصالح.

وكل ذلك خير رد على النعرة العنصرية والعصبية القبلية التي كانت الدين الحقيقي الذي يعتنقه الأعراب، والذي أقحموه على الدين العالمي الخاتم، بل وأعادوا صياغة المعطيات الدينية لتتفق مع دينهم هذا، فتحول الدين على أيديهم من دين عالمي إلى دين عربي محلي أرادوا به تخليد عاداتهم وتقاليدهم وميولهم واتجاهاتهم، والدليل على ذلك موقفهم من المرأة وممن اعتنق الإسلام من الشعوب الأخرى، وموقفهم من ولاية الأمر والتي حولوها إلى ملك استبدادي عضوض واقتناؤهم الألوف المؤلفة من الجواري والعبيد وولعهم بسفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك كرامة الإنسان وغير ذلك من مظاهر العودة المظفرة للمنظومة الأمرية الجاهلية,

وكان كل ذلك من أعظم أسباب ما اعترض مسيرة الدين من فتن ومحن وأهوال، ويجب العلم بأن التحريف لم ينفرد به الأعراب بل ساهمت فيه كل شعوب الشرق الأدنى؛ فحاولت كل طائفة فرض ما هو عزيز عليها من معتقدات على هذا الدين بعد إلباسه ثوبا إسلاميا كما حدث مع الشرائع الخالية.

ولقد قال تعالى في الكتاب العزيز: {الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين} (الفاتحة)، فأعلن أن كل آيات الثناء والمجد وصفات الكمال هي بالأصالة لله رب العالمين وليس رب بني إسرائيل فقط ولا رب قريش فقط.

فالقرءان هو الكتاب الأقدس والأوحد الذي يقرر في نصوص محكمة قطعية الدلالة أن الله تعالى ليس ربًّا فقط لشعب مختار أو لقبيلة مصطفاة لأسباب عرقية أو لخراف بيت إسرائيل فقط، بل هو رب للعالمين.

ورغم كل التأكيدات والتحذيرات الواردة في الكتاب العزيز وأقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فإنه سرعان ما ارتد العرب إلى مُثُل الجاهلية فظنوا أن قريشًا قبيلة مقدسة، وأن الإسلام إنما جاء ليجعل منهم السادة وليجعل من باقي البشر العبيد، وهم بذلك كأنهم يزعمون أن الإسلام أنزل ليستبدل ببني إسرائيل قبيلة قريش!!

وتلك العصبية كانت قد توارت بسبب نور النبوة الساطع، ولكنها سرعان ما أطلت برأسها ثم استفحل خطرها، واستغلت الدين لتحقيق مآربها، بل وحاولت صياغته وفق أهوائها، وكان من الطبيعي بعد أن عادت العصبية أن تسيطر على الأمر أقوي بطون قريش وأعظمها تمكنا من الأساليب المكياڤيللية وأقلها اكتراثا بالأوامر الدينية وأكثرها قبولا لدى القبائل البدوية، فكانت دولة الأمويين ثم دولة العباسيين الذين باندحارهم المهين انتهت سلطنة قريش، ثم جاء العثمانيون، هذا بالإضافة إلى دول الأقاليم من قبلهم كدول الساسانيين والبويهيين والسلاجقة والطولونيين والفاطميين والمماليك ..... إلخ.

وهكذا استبدلوا بعالمية الإسلام دول القبائل والعشائر، وصارت أمة المسلمين تراثا تتوارثه القبائل، وكرد فعل على كل ذلك فإن الشعوب الأخرى ارتدت إلى تراثها وموروثاتها وأضمرت حقدًا على العرب وعلى الرسالة التي حملوها فعملوا على الكيد لها وتحريفها، ولقد أدي ذلك إلى الانهيار السريع لسلطان الأمويين وإبادتهم والتمثيل بهم ونبش قبورهم كما لم يحدث مع أسرة حاكمة أخرى على مدى التاريخ.

ولقد فرَّ بعضهم إلى الأندلس حاملًا معه بذور الجاهلية الخبيثة والتي وجدت هناك بيئة خصبة نمت فيها واستغلظت وأشعلت صراعات شغلت الناس عن دعوة برابرة أوروبا إلى الإسلام بالحسنى، وما زالت آفات الجاهلية تعمل عملها حتى أدت إلى إبادة الوجود الإسلامي هناك.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق